إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

الأربعاء، 4 مارس 2009

الدّراسة المسترسلة

                                    التّأمّلات الميتافيزيقيّة ـ  رينيه ديكارت
إشراف متفقّدة الفلسفة: هدى الكافي
 إنجاز الأستاذين: أنيسة المرساوي &  محرز بن صالح
الفـــــهــــرس:
1 ـ  التّقديم:
مبرّرات اختيار كتاب التّأمّلات الميتافيزيقيّة.
2  ـ تقديم الكتاب و الكاتب.
3 ـ توزيع العمل و المجموعات.
4 ـ  التّأمّل الأوّل:
كيف يتحوّل قرار الشكّ إلى شرط لتأسيس العلم اليقيني ؟
ما هي دلالة الشكّ ؟
5  ـ التّأمّل الثّاني:
أ ـ ما هي حدود الشكّ الجذري؟
ب ـ كيف تمّ اكتشاف الذّات؟
ج ـ ما الذي يبرّر التّمييز بين النّفس و الجسد ؟
6 ـ التّأمّل الثّالث:
أ ـ كيف تم التّعرّف إلى الذّات ؟
ب ـ ما هو مصدر الأفكار ـ ما هي المعرفة الحقيقيّة للذّات ؟
7 ـ التّأمّل الرّابع:
أ ـ ما هي إمكانيّة الحديث عن علم يقينيّ ؟
ب ـ ما الفرق بين الحكم و المعرفة ؟
8 ـ التّأمّل الخامس:
أ ـ كيف تمّ القطع مع الشكّ نها يّا ؟
9 ـ التأمّل السّادس:
أ ـ كيف نميّز بين النّفس و الجسد؟
ب ـ ما هي العلاقة بين النّفس و الجسد ؟
10 ـ الاشتغال على معاني:
الذّات، النّفس، الوعي، الجسد، العالم، التّاريخ، الآخر، الإنّيّة و الغيريّة.
ما هي مبرّرات اختيار كتاب التّأمّلات الميتافيزيقيّة ؟
لا يتعلّق الأمر في هذا العمل بدرس في تاريخ الفلسفة و لا بتعليق عن أثر فلسفي بقدر ما هو دعوة لمصاحبة فيلسوف في تأمّلاته مشاركته أسئلته و من ثمّ الانخراط معه داخل رحلة إشكاليّة فيها في نفس الوقت درس في طرح الأسئلة و غنم في بلوغ الأجوبة و متانة في التّسلسل المنطقي و اكتساب لمهارة المنهج و لا أظنّ أنّ هناك أبلغ من فيلسوف "مقالة الطّريقةً" و قواعد المنهج ليكون مرجعا لهذا الهدف و ليس الأمر هنا مجرّد ميل ذاتي بل هو استئناس في أثر فلسفي أن يكون في نفس الوقت قادرا على التّرغيب في المطالعة الفلسفيّة و لكنّه أيضا مجال لتوظيف ما تمّ اكتسابه توظيفا يكون قادرا على الارتقاء بالدّرس من مستوى التّقبّل الى مستوى التّأسيس و من ثمّ استغلال هذه المعرفة بالأثر الفلسفي في الاختبارات الكتابيّة و لئن كان الاختيار موجّها لكتاب التأمّلات الميتافيزيقيّة للفيلسوف روني ديكارت فلكون هذا الكتاب يحمل من الغنم المنهجي و المعرفي ما يكون مادّة تقدّم للتلميذ آليات العمل الفلسفي. لكنّ جميع هذه المبرّرات لا تضاهي ما يمثّله ديكارت أوّلا و كتاب التّأمّلات ثانيا سواء في تاريخ الفلسفة أو في مدى اقترابه من البرنامج ففيلسوف الحداثة مثّل نقطة ارتكاز للفلسفة اللاّحقة حتّى أنّ مؤرّخي الفلسفة لم يتردّدوا في تصنيف الفلاسفة إلى ديكارتيين و إلى مناهضين لـديكارت فـسبينوزا وكانط وهيجل وليبنيتز أو ماركس و نيتشه و فرويد و هوسرل و مارلوبوني و الوجوديّة و البنيوية.... كلّها فلسفات بنيت تحت تأثير فلسفة الذّات وهي في نفس الوقت مراجعة لما تمّ إقراره من خلال ما كان يعتبر بداهة داخل المتن الديكارتي ليتحوّل إلى مساءلة و تصحيح مراجعة و تعميق محاورة و تدقيق وهو ما سيضعنا مباشرة أمام الدّافع الثّاني وهوما يمثّله كتاب التّأمّلات من قيمة داخل برنامج السّنة الرّابعة ذلك أنّ ثراء القاموس الدّيكارتي و قدرته على التّواصل مع غيره من المقاربات يمثّل إحداثيّة يتمكّن التّلميذ من خلالها من أن يجد أرضا صلبة يقف عليها و منطقا يساعده على أن يمتلك خيطا ناظما يمسك به و يتحرّك نظريّا من خلاله فالمعاني المدرجة في البرنامج خصوصا المتعلّقة بمسألة الإنّيّة و الغيريّة يمكن أن تجد صدى لدى ما قدّمه ديكارت فمعنى الذّات أو الوعي أو الجسد أو العالم أو التّاريخ أو اللاّوعي هي معان يمكن قراءتها ديكارتيّا كما يمكن أن تؤسّس حوارا مع ديكارت وهو أمر سيحيلنا إلى سبب اختيار كتاب التّأمّلات ذلك أنّ هذا الأثر يحمل من الكثافة المفهوميّة و المنهجيّة ما يؤهّله لأن يضطلع بمسؤوليّة إعطاء التّلميذ مادّة فلسفيّة تمكّنه لاحقا من توظيفها و من أو أن يتحرّك من خلالها عبر أفق فلسفي فيه السّؤال الذي يحرج و فيه الجواب الذي يتأسّس و فيه الحيرة التي تقضّ و فيه اليقين الذي يقدّم السّكينة لكنّها سكينة لن تروق للفلسفة لكونها ستواجه من يحرجها و تلتقي من يعيدها لنقطة البداية أي إلى حيويّة السّؤال و حركيّة الإشكال إلى استمراريّة الطّرح و منه إلى مشروعيّة التّفلسف لذا فإنّ هذا الاختيار هو دعوة لمصاحبة فيلسوف عبر كتاب تعطي إمكانيّة قراءة أثر فلسفيّ في كلّيته و تجاوز الاقتصار على مقتطعات من النصوص.
تقديم الكاتب و الكتاب:
1 ـ من هو رينيه ديكارت ؟
فيزيائي، رياضي، عالم، و فيلسوف ولد رينيه ديكارت يوم 31 مارس 1596 في لاهاي هو أحد ثلاثة أبناء لـجواشيم ديكارت مستشار في البرلمان في مدينة رين والدته هي ابنة قاض في مقاطعة بواتييه لذا، ينتمي ديكارت اجتماعيّا إلى طبقة النّبلاء يؤكّد ذلك اسمه. ماتت والدته وهو لم يكمل عامه الأوّل و لمّا بلغ السّادسة و العشرين و إثر تصفية ميراثه من أمّه وجد ما يمكّنه من أن يتفرّغ للمعرفة و أن لا يكون في حاجة للعمل لكون ما حصل عليه كفاه البحث عن الثّروة وهو ما كان أشار إليه في كتاب مقالة الطّريقة: لم أحسّ أبدا، و بفضل اللّه، أي دافع يجبرني على امتهان أيّ مهنة من العلم حتّى أضاعف ثروتي. في سنة 1606 يدخل ديكارت المدرسة اليسوعيّة وهو ما سيعطي لتكوينه ذلك الأثر الدّيني الذي سيظهر في كتاباته ولا يعني ذلك انخراطا كلّيا بل على العكس من ذلك تلك الثّورة التي سيشنّها ضدّ ما تدرّسه الكنيسة و خصوصا ما كان يظهر من تأثّر بالفلسفة الأرسطيّة. و منذ سنة 1606 إلى سنة 1614 بدأ ديكارت في دراسة اللاّتينيّة و اليونانيّة ثمّ الخطابة و في السّنوات الأخيرة بدأ الاطّلاع على الفلسفة السكولاستيكيّة:
أ) فلسفة أرسطو كما وقع تطويعها حسب التّعاليم المسيحيّة في القرن 13 مع توما الإكويني و لكنّه لم يجد في ما كان يدرسه أيّ أهمّيّة رغم ما كان يظهر من كون المنهج المتبّع فرصة للحوار و النّقاش بين الطلبة حيث تقام حلقات الحجاج و النّقاش لكنّه لم ير في ذلك ما يدعو للاختلاف بل إنّ الأمر لا يعدو أن يكون مسايرة و اتّفاقا فقط كانت الرّياضيّات هي التي تستهويه إذ يقول في كتاب مقالة الطّريقة: إنّني لا أستمتع إلاّ في الرياضيات و ذلك لبداهة و يقينيّة استدلالاتها. و بعد سنوات من الدّراسة في جامعة بواتييه يبدأ ديكارت رحلته المعرفيّة كتابة و تدريسا و في سنة 1619 بدأ بالنّسبة إليه حلم توحيد العلوم و المعارف و بكونه هو الذي يجب أن يتصدّى لهذه المهمّة و كان بذلك اهتمامه بالرّياضيات و بعلم الفلك ثمّ بعلم المناظر. سنة 1628 كان أوّل كتاب باللآتينيّة ـ قواعد لتوجيه الذّهن ـ و منه فكرة أنّ وحدة العقل البشري قادرة على تأسيس منهج كوني. و عند انتقاله إلى باريس التقى ديكارت مارسان الذي كانت له مراسلات مع غاليلي هوبس وديكارت و من ثمّ بدأت معه رغبة في مراجعة و تجديد التعاليم السكولاستيكية بل و دحضها و أن يؤسّس عوضا عنها ميتافيزيقا لها من الثّبات ما يملكه علم الرّياضيّات.
سنة 1640 كان ديكارت يستعدّ لنشر كتاب ـ العالم ـ لمّا أرسل إليه مارسان خبر محاكمة غاليلي الذي انتصر لما كان قدّمه كوبرنيك سنة 1543 من أنّ الأرض ليست مركز الكون و أنّها و بقيّة الكواكب تدور حول الشّمس. سنة 1637 كتب ديكارت ـ مقالة الطّريقة ـ سنة 1641 نشر ديكارت كتاب ـ التّأمّلات الميتافيزيقيّة ـ باللاّتينيّة و في سنة 1647 ظهرت التّرجمة الفرنسية لكن من خلال مراجعة من ديكارت نفسه سنة 1644 نشر كتاب مبادئ الفلسفة في 11 فيفري 1650 و في ستوكهولم توفّي ديكارت إثر مرض رئوي نتيجة البرد.
كتاب التّأمّلات:   
ـ التّقديم العام:
1 ـ الإطار التّاريخي:
حتّى نفهم غاية كتاب الـتّأمّلات لا بدّ من إلقاء نظرة على ما كان يحصل في تلك الفترة التّاريخية على المستوى الاجتماعي و السّياسي و المعرفي بالخصوص ذلك أنّ آثار التّجديد و النهضة بدأت تلوح شيئا فشيئا داخل إنتاجات العلماء و الفلاسفة رغم ما كان يتربّص بها من خلال سلطة الكنيسة و التّعاليم السكولاستيكيّة وهو ما حدث بالفعل، ففي سنة 1633 حوكم غاليلي من أجل كتابه ـ حوار حول النّسقين الكبيرين للعالم ـ كان ذلك في شهر جوان لكن في نوفمبر من نفس السنة تلقّى ديكارت نسخة من الكتاب من خلال مراسلة من بيكمان دفعته لكي يتراجع عن نشر كتابه ـ رسالة في العالم و الضّوء أين كان يدافع عن نظريّة مركزيّة الشّمس و كان يرى أنّ ما كان ينقص غاليلي هو المنهج الذي بإمكانه أن يساعده على الدّفاع عن أطروحته و لم ينشر انذاك إلاّ ثلاثة أجزاء منه مع تصدير ـ كتاب: مقالة الطّريقة. و قرّر انذاك الانطلاق في مشروع فلسفي رهانه بيان أنّ الفلسفة مدعومة من خلال سلطة الكنيسة عاجزة عن وصف العالم كما قدّمه العلم الحديث و يرى من خلال ذلك أنّ الميتافيزيقا التّي قدّمتها التعاليم السكولاستيكية من خلال الفلسفة الأولى (فلسفة أرسطو) عاجزة عن مساعدتنا على فهم العالم و من هنا جاء العنوان ' تأمّلات في الفلسفة الأولى'. لذا فمن الضّروري تأسيس ميتافيزيقا جديدة تتلاءم مع العلم الحديث.
2 ـ غاية ديكارت من خلال كتاب التّأمّلات:
يمثّل كتاب التّأمّلات تجربة فلسفيّة فاستعمال كلمة التّأمّل التي لم تكن دارجة آنذاك لم يكن صدفة بل هو رسم لسيرورة فكر لرحلة بحث و لغة في المعرفة من خلال تجربة ذاتية تتحوّل إلى دعوة لمحاكاته و ليس الأمر مجرّد قراءة لأثر أمّا الغاية من كلّ ذلك فهو إيجاد أسس صلبة يقيم عليها المعرفة: كان عليّ أن أحرّر نفسي و لو مرّة في حياتي من كلّ الآراء التي كنت أعتقدها صحيحة من قبل إن كنت أريد أن أقيم في العلوم شيئا وطيدا و مستقرّا. و هنا مثّل الشّك بالنسبة إليه المنهج و الوسيلة التي ستدفعه إلى التفاؤل بإمكانية النّجاح.
3 ـ تخطيط التّأمّلات الميتافيزيقيّة:
التّأمّل الأوّل: في الأشياء التي يمكن أن توضع موضع الشكّ.
التّأمّل الثّاني: في طبيعة النّفس الإنسانيّة و في أنّ معرفتها أيسر من معرفة الجسد.
التّأمّل الثالث: في بيان أنّ اللّه موجود.
التّأمّل الرّابع: في الخطإ و الصّواب.
التّأمّل الخامس: في ماهيّة الأشياء المادّيّة و في برهان أنّ اللّه موجود.
التّأمّل السّادس: في وجود الأشياء المادّيّة و في التّمييز الحقيقي بين النّفس و الجسد.
الخطوات العمليّة للحصّة: توزيع العمل و المجموعات
لعلّ الإيجابي في كتاب مثل التأمّلات الميتافيزيقيّة أنّه يحتوي على تقسيم يسمح بالاشتغال من خلال عمل المجموعات فالأجزاء الستّة تعطي إمكانية تقديم مهامّ يتولّى من خلالها كلّ فريق تقديم عرض بعد أن كان قد كلّف ببحث موجّه يتولّى من خلاله التركيز على استخراج فكرة أو رصد حجّة أو متابعة استدلال وهو أمر لا يخلو منه كتاب الـتأمّلات حيث يحضر السؤال و يتلوه الجواب و تسنده الحجّة و يعمّقه الاستدراك و يدفع الـتّأمل بالفكر إلى الأمام و ما حصّة الدّراسة المسترسلة إلاّ مناسبة لإنجاز هذه المهامّ التي يكون التلميذ شريكا فاعلا في إنجازها شراكة لا تترك للأستاذ سوى مهمّة الإصلاح و التوجيه لذا يبدو و أنّ هذه اللّحظة من الحصّة هامّة لكونه ستحدّد لاحقا سيرها و مدى نجاحها لكونها سترسم الأهداف البيداغوجيّة من خلال طبيعة المهامّ و سيكون الأمر على هذا النّحو:
المجموعة الأولى: تتولّى تقديم الكتاب و الكاتب تقديما مادّيّا و تاريخيّا.
المجموعة الثانية: تتولّى التعليق على التأمّل الأوّل لكن مع أسئلة توجيهيّة مثال ما الذي دفع ديكارت لاتّخاذ قرار الشّك ؟ ما هي خصائص هذا الشّك و ما هي رهاناته ؟
المجموعة الثّالثة: تتولّى التّعليق على الـتّأمّل الثّاني: كيف يمكن معرفة ماهيات الأشياء ؟ ما الذي يجعل معرفة النّفس أيسر من معرفة الجسد ؟ كيف ميّز ديكارت بين النّفس و الجسد ؟
المجموعة الرّابعة تتولّى التّعليق على التّأمّل الثّالث: ما هي الحجج التي قدّمها ديكارت لبيان أنّ اللّه موجود ؟ ما هي طبيعة هذه الحجج ؟
المجموعة الخامسة تتولّى التّعليق على التّأمّل الرّابع: ما الفرق بين الخطإ و الصّواب ؟ ما هو مصدر الخطإ ؟ ما هي دلالة الإرادة ؟
المجموعة الخامسة تتولّى التّعليق على التّأمّل الخامس: ما هي دلالة الامتداد ؟ ما هو الدّليل الجديد على وجود اللّه (الدّليل الأنطولوجي)؟
المجموعة السّادسة تتولّى التّعليق على التّأمّل السّادس: ما الفرق بين النّفس و الجسد ؟ كيف تمّ التخلّص نهائيّا من الشكّ ؟
الـتّأمّل الأوّل:
الهدف: استخراج دلالة الشّك سياقيّا و بيان الغاية منه داخل المشروع المعرفي. التركيز على ما تمثّله المرحلة الطفوليّة و ما تتميّز به من انفعال لا يسمح باتّخاذ القرارت السّليمة لكون هذه الفترة تتميّز بالتقبّل و التّلقين بالتّالي فإنّ مكتسباتنا في تلك الفترة يغلب عليها الاضطراب و يمكن أن تكون عرضة للشكّ. إنّ كلّ ما يمكن أن يطاله الشكّ هو خاطئ: قرار مسح الطّاولة.
الحجج الدّاعمة للشكّ: حجّة الحواسّ الخادعة فبما أنّ حواسّنا تخدعنا في كثير من المرّات فلا يمكن أن نميّز متى تكون خاطئة و متى تكون على صواب لذلك يجب أن نضعها موضع شكّ.
حجّة الحلم ذلك أنّنا نرى في الأحلام أشياء تبدو لنا بيّنة الصّدق لكن ما إن نستيقظ حتّى نتبيّن أنّها خيال محض.
حجّة الشّيطان الماكر حيث يكون الخطأ مجرّد تأثير من كائن شرّير يسعى لمغالطتي و لا يتردّد في إيقاعي في الخطإ.
التمشّي المنهجي:
يمثّل التّأمّل الأوّل مشروع تقويض و تهديم ذلك أنّ الأمر يتعلّق بتجاوز المرحلة الطفوليّة والتّخلص من تأثيرات التّربية و من سلطة الموروث التي لا علاقة لها بالمعرفة لذلك فإنّ الأمر بالنّسبة لـديكارت هو قرار توجّهه رغبة في تأسيس العلم اليقيني لذلك كان يكفي بالنّسبة إليه أن نشكّ و لو مرّة في حياتنا.
هذا الشّك ليس صدفة  و إنّما هو نابع من إرادة ارتأت أنّ الأمر يستوجب اتّخاذ قرار يساعد على بلوغ الحقيقة و تجاوز ما تحمله المعرفة من اضطراب لذا سيبقى هذا الشّكّ نظريّا يتحرّك من خلال منهج حيث يتعلّق الأمر بالبحث عن سبيل يمكن من خلاله بلوغ الحقيقة الأولى لذلك فسيكون كلّيا لا يستثني أيّا من المعارف السّابقة و التي ستكون خاطئة ما لم نتبيّن أنّها على خلاف ذلك، لذا فسيبدأ الشّك بالحواسّ ذلك أنّ ما تقدّمه الحواسّ لا يمكنه أن يمثّل معرفة يقينيّة لذا فإنّ ديكارت سيواجه منذ البداية خللا في المرجعيّات فكيف سنميّز بين الخطإ و الصّواب ؟ كيف لنا أن نجعل الخطأ يظهر على أنّه خطأ ؟ إنّ الخطأ ليس إراديّا و الحقيقة هي التي بإمكانها أن تصمد أمام أيّ شك. لذا لم يعد اليقين هو ما يبدو بديهيّا لأوّل وهلة بل هو انبجاس الفكرة الحقيقيّة التي لا يمكن مقاومتها، فالحلم يحملني إلى عوالم وهميّة و الحذر يفرض عليّ أن أتريّث و أن لا أثق في ما يقدّمه لي الحلم و أن أضعه هو الآخر موضع شكّ. و من ثمّ سينتقل إلى مصدر معرفي أكثر تعقيدا يكون هدفا لشكّه حيث ستجد المعقولات نفسها في موضع اتّهام إذ يجب على المعقولات أن تقوم بالنسبة إليه على أسس سليمة و ليس على أحكام مسبقة.
التّمييز بين الشّيطان الماكر و الإله الخادع: هي فرضيّة اعتمدها ديكارت عندما تساءل عن مبرّر للوقوع في الخطإ ذلك أنّنا كثيرا ما نرجع أخطاءنا إلى أسباب متعالية ففرضيّة الاله الخادع لم تدم طويلا ذلك أنّه من غير المعقول أن يكون اللّه قد تسبّب في وقوعي في الخطإ لذلك سيتخلّى عنها ديكارت سريعا لاستبدالها بفرضيّة الشّيطان الماكر إذ من الممكن أن يكون هناك شيطان له من الخبث و المكر ما يمكّنه من أن يغيّر لي الحقائق لتبدو أخطاءا و هنا يعلن ديكارت صراعا ثنائيّا. الأوّل مع الشّيطان الماكر الذي بإمكاننا منازلته أمّا الثّاني فمع اللّه و الذي يعتبر صراعا خاسرا منذ البداية لذلك سيتخلّى عنه ديكارت حيث أنّ اللّه بإمكانه أن يغيّر الحقائق إن أراد ذلك حتّى تلك الحقائق الرّياضيّة حيث بالإمكان أنّ إثنين و ثلاثة لن تساوي خمسة.
الـتّأمّل الثّاني:
الهدف: التعرّف إلى حدود الشّك و بيان كيف تمّ اكتشاف الذات و من ثمّ ما الذي يجعل معرفة النفس أيسر من معرفة الجسد ؟
إنّ عنوان التأمّل الثاني يعكس المشروع الإبستيمولوجي و الأنطولوجي الذي يسعى ديكارت إلى تأسيسه ذلك أنّه يعلن منذ البداية أنّه سيتابع السّير في طريق البحث إلى النّهاية حتّى يهتدي إلى شيء ثابت أو كما عبّر عن ذلك إلى أن يجد نقطة أرخميدس تكون قادرة على تحمّل عبء معرفة لا يطالها الشكّ حيث أنّ ما يعانيه ديكارت الآن هو اضطراب في المعرفة في حاجة إلى ما يدفعها إلى ثبات لا يتحقّق إلاّ مع العثور على حقيقة تكون حجّة على وجود الحقيقة. لذلك سيمرّ ديكارت إلى إعادة النّظر في مسار شكّه ليعلن فرضيّة ستمثّل لاحقا فرصة لتجاوز الشكّ حيث لم يعد هناك شيء ثابت فالحواسّ و الجسم و الشّكل و الحركة و الامتداد و المكان ليست سوى أوهام و بالفعل لا يوجد شيء ثابت و لكن داخل هذا الشكّ لا يمكن سحب الشكّ على الوجود إذ من الضّروري أنّ من يشكّ لا بدّ أنّه موجود وهو أمر له من اليقين ما يرتفع به عن طائلة الشكّ إنّ إقرار حقيقة الوجود تستلزم في نفس الوقت البحث عن طبيعة هذا الموجود أو كما عبّر عن ذلك ديكارت أن نبحث أيّ شيء نحن أو أن نطرح علنا سؤال ما هو الإنسان هذا السّؤال ليس سؤالا من الأسئلة التي يكون جوابها يسيرا ذلك أنّ المتداول هو ذلك التّعريف: الإنسان حيوان عاقل لكن هذا التعريف لا يفي بالحاجة ذلك أنّه يحتاج هو الآخر إلى تعريف الحيوان و العاقل و منه السّقوط في تسلسل أكثر صعوبة و أكثر تعقيدا على مستوى التّحديد ففي مرحلة أولى يكون الجسد هو المجال الذي يقع من خلاله تعريف الإنسان فمعرفتي بذاتي هي في البداية معرفة مادّية فالجسد هو فاعليّة و حياة و يبدو و كأنّ معرفته أيسر من معرفة النّفس فالإنسان نفس مرتبطة بالجسد هذا الجسد يعرف من خلال خصائصه الأوّلية و من خلال خصائصه الثانوية أمّا الخصائص الأوّلية فهي خصائص الجسم الماديّة و التي تدرك بسهولة (التمدّد و عدم النّفاذ) أمّا الخصائص الثانويّة فهي الخصائص التي لا تتغيّر وهي حسّية و ذاتيّة. و على عكس الجسد الذي ينتمي إلى مجال العطالة المادّية فالنّفس هي المسؤولة عن الحياة و عن التّفكير و عن الحركة. من خلال الشكّ فإنّ التّجربة الحسّية لا تقدّم لنا شيئا عن النّفس فهناك صورة مغايرة للأنا، فالأنا الذي انتهى إليه ديكارت يقصي كلّيا الجسد فلست جسدي إذن هل أكون نفسا ؟ إنّ فكرة النّفس لازالت غامضة إلى الآن لهذا سيعود ديكارت إلى مسألة الوجود فيقين، أنا كائن أنا موجود التي تتواصل طيلة لحظات التّفكير: فوجودي يتحدّد عندما يكون فكري بصدد التّفكير فأنا على يقين الآن أنّني شيء لا علاقة له بالجسم على مستوى التّحديد لذا يصبح من المشروع أن نتساءل ما هو هذا الشّيء الذي يفكّر ؟ إنّ هذا السّؤال الذي طرحه ديكارت سيدفع إلى معرفة الذات بما هي شيء يشكّ و يفكّر ينفي و يثبت و يريد و يتخيّل و لكنّه أيضا يحسّ، إنّ كلّ هذه المظاهر تعود أساسا للفكر بما هو إحالة مباشرة للأنا أو الذّات و الذي لم يتمكّن الشّكّ من إقصائه و الذي يكون في نفس الوقت متميّزا عن الجسم تميّز كان لتجربة الشّمع دور في تأكيده ذلك أنّ السّؤال الذي واجه صاحب التأمّلات هوما الذي يميّز النّفس عن بقيّة الأجسام ؟ و الوسيلة التي قد تساعد على الإجابة هو إخضاع الجسم إلى تجربة تكون قادرة على أن تكشف خصائصه فأخذ قطعة شمع و بيّن أنّها تحمل الخصائص الحسّية إذا ما تأمّلنا بمعنى أنّ لها شكل و طعم و لون و رائحة و صوت إذا ما نقرنا عليها و لكن هل أنّ هذه الخصائص هي فعلا خصائص الجسم فإذا كان الأمر كذلك لا بدّ أن تصمد هذه الخصائص و لا تتغيّر لكن إحراق قطعة الشّمع تبين أن جميع هذه الخصائص الأوّليّة قد زالت و لم يبق من القطعة إلاّ شيء واحد هو الامتداد فكانت النتيجة أنّ الجسم هو جوهر ممتدّ وهو أمر يعود للذّهن بالأساس، حيث أنّ الامتداد هو فكرة أكثر ممّا هو واقعة نحن نتذهّن الامتداد و ندركه أكثر ممّا نحسّه.
التّأمّل الثّالث:
الهدف: كيف تمّ الـتعرّف إلى الذات ؟
في هذا المستوى من الكتاب يعود ديكارت إلى مشروعه الأنطولوجي في محاولة لرسم ملامح الذّات كما قد بيّنها التّأمّل الثّاني فالذّات التي تعرف نفسها الآن تنغلق عن كلّ ما هو خارجي عنها و ترفض أن تكون تجربة الانفتاح على العالم الخارجي وسيطا يعيدها إلى ذاتها فهل أنّ الإنسان فعلا وحده مع ذاته ؟ بالفعل فبالنسبة لـديكارت يكفي أن ينثني الإنسان عل ذاته حتّى يلوح له يقين وجوده و بالتّالي يجب استثمار هذا الانغلاق و هذا اليقين المتعلّق بالوجود الذي سيكون نقطة أرخميدس التي تؤسّس لإمكانيّة علم يقيني و التي ستتولّى لاحقا استعادة العالم لكن هل بالإمكان تقويض هذا الانغلاق ؟. إنّ تحليل هذه المعرفة بالذات يتمثّل في اختبار الأفكار و التمثّلات حتّى نضمن يقينيّتها و حقيقتها فبما أنّني شيء يفكّر ألا يكون ذلك حجّة على إمكانيّة اعتماد هذا اليقين ليكون نموذجا تصاغ على شاكلته بقيّة الحقائق؟ إنّ هذه المعرفة الأولى لها من الخصائص ما يجعلها بالفعل يقينيّة لكن ما هو مقياس اليقين ؟ إنّه بالنّسبة لـديكارت توفّر خاصّيتين: الوضوح و التميّز فهذا الأنا أفكّر يملك من البداهة ما يجله يقينيّا أي واضحا و متميّزا و من هنا سينتقل ديكارت إلى اختبار العالم على ضوء النتيجة الأولى التي كان الفكر حجّتها الأولى فالوجود هنا سيتحوّل إلى لحظة يعبّر عنها يقين الفكر: أنا أفكّر إذا أنا موجود هذا يقينيّ لكن إلى متى قد يحصل أنّي متى انقطعت عن التّفكير تماما انقطعت عن الوجود بتاتا. إنّ ما كان يسم اللحظة الديكارتيّة الأولى هو عودة مطلقة للذات لكن الآن بمقدور هذه الذّات أن تبدأ لحظة انفتاح و اختبار تقوّض ذلك الانغلاق الذي فرضه المنهج و الذي سيتولّى لاحقا إعادة تنظيم العالم على أساس الحقيقة التي لا تزعزها فروض الرّيبيين مهما يكن فيها من شطط و سيكون لفرضيّة الاله المخادع دور محرّك سرعان ما سيتراجع عنه ديكارت ليستبدله بفرضيّة الشّيطان الماكر هذه الفرضّية ستبرّر الخطأ و ستعطي ضمانا لإمكان صمود الحقيقة ليبرز الإله الضّامن للحقيقة هذا الاله الإبستيمولوجي الذي سيعتمده ليكون سندا لثبات الحقيقة و يبقى الهمّ الديكارتي هنا مواصلة العمل على تجاوز هذا الانغلاق و الانثناء الذي بدا في هذا المستوى دافعا بـديكارت خارج العالم و ليلوح سؤال يتعلّق بمصدر الأفكار: هل توجد فكرة لا نكون نحن سببها ؟ و هنا لا بدّ أن يكون هناك مصدر خارجيّ يتولّى مهمّة إنتاج هذه الأفكار، فمن الممكن أن نفهم طبيعة أفكارنا على طريقتين: فإمّا أن تكون هذه الأفكار طريقتنا في التّفكير فهي تنبع منّا وهي كذلك صدى يترجم عقلنا من خلال التمثّلات لكن توجد أيضا الحقيقة الصوريّة للأفكار و بالتّالي يمكن أن نصنّف لأفكار تراتبيّا تبعا لحقائقها الموضوعيّة و بحسب موضوع الفكرة و الذي عبر التمثّلات سيكون داخل الفكرة وهنا ستكون فكرة الإله كجوهر لا متناهي أكثر الأفكار التي تملك حقيقة موضوعيّة. إنّ فكرة الإله ستكون سببا لإدراك تناهي الإنسان ذلك كونه و من خلال قياس منطقيّ ينتهي ديكارت إلى إعلان حقيقة وجود الإله: أنا أفكّر إذن أنا موجود، أنا كائن ناقص، عندي فكرة الكمال، إذن اللّه ككائن كامل موجود.
التّأمّل الرّابع:
الهدف: في إمكانيّة الحديث عن علم يقينيّ و تجاوز الخطإ.
في آخر التأمّل الثالث كان ديكارت قد اكتشف فكرة الإله بما هي فكرة كلّية و في نفس الوقت كانت حقيقة منطقية و بالتالي كان في صلب المعقوليّة ذلك أنّ هذه الفكرة هي أوضح حتّى من فكرة الأنا لكونها قد أسهمت في ذلك المشروع الإبستيمولوجي الذي قرّر ديكارت أن يؤسّسه و نعني بذلك إمكانيّة علم يقينيّ و متكامل ففكرة الإله أعطت للمعرفة سندا يضمن استمرارها و يقينيّتها إذ لم يعد الأمر متعلّقا بمعرفة ذاتيّة بقدر ما أصبح بالإمكان إنتاج معرفة موضوعيّة فالخطأ هو أمر ممكن ذلك أن طبيعتنا الإنسانيّة ليست من طبيعة الإله الذي يكون بالضّرورة في منحى عن الخطإ من ناحية و من ناحية ثانية فمن المستحيل أن يكون اللّه وراء و قوعنا في الخطإ في التأمّل الأوّل رفض ديكارت فكرة الإله المخادع لأنّ اللّه بطبيعته طيّب و لا يجوز أن يكون سببا في دفعنا للخطإ فالخداع ضعف في حين أنّ اللّه له من القوّة ما يجعله غير قادر على أن يخدع و الخداع بالنّسبة لـديكارت نقص لا يمكن أن يكون من خصائص الإله و السّبيل الذي يقينا هو اعتبار أنّ اللّه منحنا عقل إذا ما أحسنّا استعماله فإنّنا لن نخطئ و هنا ظهرت الإرادة التي ستكون تعبيرا عن الحرّية التي لا يتردّد ديكارت في اعتبارها هبة إلهيّة فما نطلق عليه عدم المبالاة هو من أحطّ درجات الحرّية ذلك أنّ عقم ما تنتجه في مجال المعرفة لا يعكس خصوصيّة إراديّة إنسانيّة بقدر ما يعكس امتناعا عن تحمّل المسؤوليّة في الحكم لذا يجب أن نعترف أنّ الإدراك و الإرادة ليسا مسؤولين عن الخطإ بل إنّ الأمر يتعلّق هنا بعدم استعمالهما بطريقة سليمة و كأنّ ديكارت هنا يستعيد ما كان أكّد عليه في قواعد المنهج من أنّ سبب الخطإ ليس إلاّ سوء استعمال للعقل فالمعرفة اليقينيّة هي ما ينتج تبعا للإرادة و بكلّ حرّية و ما يكون بديهيّا أي واضحا و متميّزا.
التّأمّل الخامس:
الهدف: في دلالة الامتداد و التجاوز النّهائي للشكّ.
إلى حدود هذا المستوى من التّأمّلات لم يستطع ديكارت رفع الشكّ إلاّ فيما يتعلّق بالذّات من خلال الكوجيتو أو في ما يتعلّق باللّه في ما يتعلّق بإثبات الكمال بقي أن ينتهي الشكّ في ما يتعلّق بالحقائق العقليّة ثمّ يرفعه عن الأشياء المادّية وهو أمر رأى ديكارت أنّه يستوجب منهجا منظّما و نظاما لا بدّ من اتّباعه إذ يجب أن نفهم جوهر الأشياء المادّية بمعنى كيف تكون هذه الأشياء المادّية ممكنة بالنّسبة لفكرنا كإمكانيّة و ليس كواقع فحقيقة الجواهر تخضع أيضا إلى مقياس الوضوح و التميّز لأنّ كلّ ما يخضع إلى هذا المقياس هو بالضّرورة صحيح ففيما يتعلّق بالأشياء المادّية فإنّنا لا ندرك منها إلاّ الخصائص الثّانوية أي ما يكون خاضعا لطائلة الحسّ في حين أنّ الخصائص الأوّلية هي خصائص عقليّة وهي وحدها التي تملك ميزة الوضوح و التميّز وهو ما يؤسّس حقيقة هذه الأشياء المادّية و جوهرها الذي لا يفهم من خلال الوجود الفعليّ المادّي بقدر ما يفهم عن طريق ملكة التذهّن و هنا يصبح الامتداد كما سيبيّن ذلك ديكارت التّعبير الوحيد عن ماهيّة الأشياء الماديّة هذا الامتداد الذي ليس إلاّ خاصيّة عقليّة و ليس خاصيّة تجريبيّة أي أنّه يفهم أكثر ممّا يعاين و هنا يصبح الأمر متعلّقا بتثمين المعرفة الفطريّة أي إنّ داخل الإنسان تكمن الحقيقة بحيث يستعيد ديكارت المصدر الذّاتي للمعرفة فإذا قبلنا أمرا ما على أنّه يقينيّ فليس إلاّ لكوننا فهمناه و أيضا لكنّنا قادرين على التعرّف عليه معرفة أنّه صحيح فلا يمكن الحكم على شيء بالخطإ أو بالصّواب ما لم نكن مالكين لمعيار يكون قادرا على الفصل في الأحكام أي أنّه لدينا و بصورة ما قبليّة معرفة بالصّواب و بالحقيقة، أن نفهم هو بالأساس أن نكتشف حقيقة تتلاءم و تتوافق مع فكرة نمتلكها مسبقا و نراها منعكسة فيما نحن بصدد اختباره. فهذه الحقيقة موجودة في ذهننا و يقبلها عند الاختبار فأن نعتبرها عقليّة فلكونها موجودة في عقلنا، فاعتبار أنّ الماهيّات العقليّة هي أفكار فطريّة يعني إقرار أنّ هذه الماهيّات تكوّن ذهننا. إنّ هذه الأفكار قابلة للاختبار لكونها تتعلّق بحقائق نمتلكها وهي موجودة فينا لذا فهذه الحقائق لا تدرّس بقدر ما تسترجع. و يميّز ديكارت بين اليقين العقلي و اليقين الميتافيزيقي، فاليقين الميتافيزيقي يجعل من الحقائق أبدية و خالدة. لكن اليقين المطلق هو شرط إمكانيّة العلوم فاليقين العقلي هو أساس كلّ يقين لهذا فالبداهة التي هي بالأساس عقليّة تصبح كذلك شرط تجاوز الشكّ و يعود ديكارت للاستناد إلى الضّمان الإلهي للمعرفة و الذي سيعتبره المسؤول عن خلود و ثبات الحقائق و هو أمر يعود للذاكرة التي سيجعلها اللّه قادرة على استرجاع المعارف بل إنّ العلم نفسه لن يكون قادرا على التطوّر إلاّ متى كانت الذاكرة طرفا فاعلا في فعل المعرفة. و هنا أصبح العلم إمكانيّة قابلة للتّحقيق تتحرّك ميتافيزيقيّا لكنّها تتأسّس تجريبيّا فالميتافيزيقا هي أصل كلّ العلوم و هو أمر كان ديكارت قد أعلنه من خلال مجاز الشّجرة.
التّأمّل السّادس:
الهدف: التّميز بين لنّفس و الجسد.
ينطلق التّأمّل السّادس من إعادة التّساؤل حول الأشياء المادّيّة و التي لم يتردّد في الاعتراف بوجودها لا لشيء إلاّ لكون الذّهن قادرا على تمثّلها و تمييزها و الجسم ليس إلاّ أحد هذه الأشياء المادّية التي بالإمكان تذهّنها و لكن كيف لنا أن نميّز بين الجسم و الفكر ؟ ألا يجدر بنا رسم الحدود المعرفيّة للحواس حتّى نثبت عجزها عن التّعبير عن إنّيتنا بما هي إنّيّة قائمة على الفكر ؟ يؤكّد ديكارت أنّ أمانة الحواسّ في مجال المعرفة أمر يحتاج إلى الحذر لكون ما تقدّمه الحواسّ يفتقد للمقوّمات الموضوعيّة للمعرفة و نعني بذلك البداهة لكون ما تنتهي إليه الحواسّ من أحكام لا يمكنه أن يحتمل إحراج الحجّة التجريبيّة أو الحجّة العقليّة لذا سيعلن ديكارت في هذا المستوى الأخير من التأمّلات أنّ الشكّ في معطيات الحواسّ أمر ضروري و هو ما سيفتح أفقا جديدا لمراجعة مصدر الحواسّ و نعني بذلك الجسم و بالتّالي رسم الحدود بينه و بين جوهر الذّهن أي الفكر وهنا يكون اكتمال المشروع الأنتربولوجي بإثبات أن وجود الذّات الذّي هو أمر بديهيّ يعود إلى شرط أساسي هو أنّها فكر محض فجوهر الإنسان و حقيقته تعود للفكر الذي لا يمكن أن يكون أو أن يوجد بمعزل عن الجسم لكنّ العلاقة بالجسم ليست علاقة انفصال مطلق إذ يبدو و كأنّ هناك ترابط قدّمه ديكارت على نحو مثال النّوتي و السّفينة إذ يبدو و كأنّ هناك اتّحاد يجعل من الأحاسيس تترجم عبر الفكر والمعايشة المباشرة و لعلّ ما يعنيه ديكارت بهذا المثال هو بيان ضرورة التّمييز و لكن ليس ضرورة الفصل باعتبار أن النّفس و الجسد متمايزان و لكن ليسا منفصلان إذ أنّ ملكة الإحساس و ملكة التخيّل التي تعود للفكر هي في البداية تعود للذّهن و ما يقوم به الفكر هو ترجمتها و فهمها لذا سيعمد ديكارت من خلال هذا التمييز إلى جعل هذا التمييز إجابة متجدّدة عن سؤاله الأوّل: من أنا ؟ حيث مثّلت النّفس و تعبيرها الفعلي أي الفكر الإجابة الوحيدة التي حاول من خلالها أن يؤسّس صورة تضع الإنسان داخل تعريف الفكر و الوعي بالذّات كذات تفكّر لها من الإرادة و من الحريّة ما يشرّع تعاليها عن الجسم و المادّة و لواحقها من الحسّ و لم يعد الجسد هنا سوى امتداد جب أن يصنّف عل هذا الأساس و في اخر الكتاب يكون ديكارت قد انتهى إلى رفع الشكّ نهائيّا و لئن كان آخر ما انتهى إليه: لا بدّ من الاعتراف من أنّ طبيعتنا ضعيفة عاجزة.
الاشتغال على المعاني المركزيّة التي يمكن توظيفها في برنامج السّنة الرّابعة:
تــقــديــم:
لعلّ أهمّ ما يقدّمه كتاب التأمّلات هو تلك المعجميّة الفلسفيّة الزاخرة بالمعاني و المفردات و التي ستشكّل أرضيّة بحث و تفكير و مجال تواصل بين المرجعيّات الفلسفيّة و لئن كان اعتمادها من طرف الفيلسوف مقدّما داخل سياق منطقي و منهجي فإنّ رصدها و تفكيكها سيكون بالنسبة إلينا فرصة لتوظيفها بصورة تعكس طابعها الإشكالي حيث أنّ الرّهان هنا هو أن نتساءل: ما الذي يعطي لهذه المعاني تلك القيمة الإحراجيّة و التي ستتحوّل من خلالها إلى شبكة من الأسئلة و المراجعات ؟ كيف يكون لمفهوم ما، القدرة على أن يتجاوز حدود الاقتصار على إحالة إلى مرجعيّة أو أن يكون تعبيرا على تجربة ليصبح بشكل أو بٍآخر تواترا لأسئلة و توليدا لدعوات البحث ؟ إنّ هذه الأسئلة هي ما يقدّمه برنامج الفلسفة في السّنة الرّابعة و الذي يكون محور الإنّية و الغيريّة صدى له. هذه المعاني تبدأ من عنوان المحور نفسه و نعني بذلك الإنّية و الغيريّة لكن سنرجئ الاهتمام به إلى آخر هذا العمل و تبريرنا في ذلك أنّ فهم دلالة هذين المعنيين يتحدّد من خلال رصد دلالات المعاني التي تشكّل هيكلة المحور نفسه و نعني بذلك: معنى الذّات و النفس و الوعي كمعاني مركزيّة تحتلّ بداية الاهتمام ثمّ بعد ذلك سيكون معنى الجسد كمعنى يمثّل كتاب التأمّلات مجالا يتحدّد من خلاله عبر خصوصيّة السّياق ثم سيتعلّق الأمر بمعنى التاريخ لا في دلالته المادّية التاريخيّة بل في اعتباره شرطا موضوعيا للمعرفة ثمّ سيكون الأمر متعلّقا باستدعاء معنى الآخر و إن كان إدراج هذا المعنى في البرنامج الرّسمي في المحور التّالي أي "التّواصل و الأنظمة الرّمزية". و لن يكون الأمر متعلّقا بمجرّد رصد لحضور هذه المعاني بقدر ما سيكون محاورة لها و كشفا لما تمثّله من دور في صياغة الإشكاليّات التي يطرحها البرنامج كما أنّ اعتماد هذه المعاني من خلال المرجعيّة الديكارتيّة سيكون بمثابة الخيط الناظم الذي سيوجه العمل و الذي سيجد داخل اختلاف المقاربات التي استدعت هذه المعاني فرصة للتعمّق في فهمها و إعادة التّفكير فيها من خلال معرفة بسياق تفتح أفق التمعّن و فضاء إعادة طرح السّؤال. وهو الرّهان الذي قام عليه اختيار هذا الأثر و الذي سنحاول إبرازه داخل هذا الجزء الأخير من العمل.
رصد المعاني:
الــــذّات: 
لعلّ في اعتبار الفلسفة الديكارتيّة فلسفة الذّات ما سيجعل من هذا المعنى مركزيّا داخل هذا العمل فكتاب التأمّلات هو ترجمة فعليّة لما يحمله هذا المعنى من قيمة داخل النسق الديكارتي ذلك أنّه مسار سؤال و جواب حول معنى و قيمة و خصائص الذّات أمّا فيما يتعلّق بالمعنى فهو يحيل إلى ذلك الانكشاف الذي يعود فيه الإنسان إلى ذاته يرسم ملامحها و يحدّد مجال سلطتها معرفة و وجودا و من ثمّ يكون الأمر إبرازا لدلالاتها و لقد عمل ديكارت في كتابه هذا على أن يكون هذا المعنى مغايرا لما كانت الفلسفة السّابقة قد دأبت على إعلانه سواء بصورتها اليونانيّة القديمة على الشّكل الـسّقراطي 'اعرف نفسك بنفسك ' و كما عبّر عنها الفلسفة الوسيطة مثلما هو الحال مع ابن سينا كصورة للإنسان النّفس أو ما قدّمه القدّيس أغسطين من بيان لمعنى الذّات التي لا تجد الحقائق إلاّ متى عادت إلى ذاتها هذا فيما يتعلّق بمجال المعرفة الذي رأى ديكارت أنّه لا يتحقّق إلاّ لحظة عودة للذّات إلى ذاتها لا في شكل تذكّر ولا في شكل استعادة لما هو في داخل الذّات بل من خلال تأسيس وهو ما سيحيل إلى البعد الثاني و نعني به قيمة هذه الذّات فبالنسبة لديكارت لا يتعلّق الأمر باكتشاف عرضي بقدر ما هو إعلان عن قدرة للتّجاوز و إمكانيّة للتّأسيس، تجاوز لإرث من المعارف و العلوم لا يخلو من اضطراب و تأسيس لعلم يقيني شكّل أساس المشروع الديكارتي، أمّا فيما يتعلّق بالخصائص فإنّ الفكر هو ما تعبّر عنه هذه الذّات فالـكوجيتو الذي مثّل لحظة البداهة الأولى هو ما سيعطي للذّات أخصّ خاصيّة لها و التي ستعلن عنها كذات تفكّر لها من القدرة و الإرادة و الحرّية ما سيجعلها في حلّ من كلّ إلزام تاريخي أو معرفي بل أمام مسؤوليّة إنسانيّة هي مسح الطّاولة و إعادة تنظيم الوجود من خلال المعرفة. و هذا المعنى الذي قدّمه ديكارت سيكون له صدى داخل الفلسفة اللاّحقة فبالنّسبة لـكانط فإنّ دلالة الذّات لا تفهم إلاّ داخل عالم التمثّلات الذي يتعلّق دائما بشيء موضوعي أمّا هيجل فهو يعتبر الذّات داخل مجال الانفتاح على الآخر و لا تفهم إلاّ عبر الصراع و النّفي الذي لا بدّ أن تبلغ داخله الاغتراب لكي تستعيد ذاتها، أمّا نيتشه فعودته للغرائز شكّلت تصوّرا للذّات كجسد تتصارع داخله الانفعالات و لم يتردّد ماركس أيضا في بيان الدّور الذي تلعبه الظّروف الموضوعيّة في التّأثير على الذّات التي لم تعد سوى محصّلة موضوعيّة للظّروف المادّية. إنّ جميع هذه التّصورات لم تكن سوى ردّ على الصّورة التي كان ديكارت قدّمها للذّات.
النّفس:
 إنّ القيمة التي أعطاها ديكارت لهذا المعنى تبرز من خلال الاعتماد عليه ليكون إشارة لما تكون عليه الذات أو ليكون إحالة للخصوصيّة التي ستميّز الإنية باعتبار أنّ الإجابة عن سؤال ما الإنسان أحالت ديكارت إلى الفكر الذي لن يجد تعبيرا إلاّ في النفس و لعلّ ما يبيّن درجة اهتمام صاحب كتاب التأمّلات بالنّفس أنّه اعتبر كتابه موجّها بالأساس إلى تحقيق هدفين الأوّل إثبات وجود اللّه أمّا الثّاني فهو البرهنة على ما تختصّ به النّفس وهو أمر ترجمه في بداية إهدائه للكتاب الذي وجّهه إلى عمداء و علماء الكلّية اللاّهوتيّة بباريس أمّا علي المستوى الفلسفي فإنّ ما سيحتلّه معنى النّفس داخل كتاب التّأمّلات سيمتدّ من البداية إلى النّهاية و لعلّ رصد دلالة النّفس كما تمّ تقديمها يمكن أن يعكس قيمتها فالنّفس هي ما يميّز الإنسان على المستوى المعرفي و على المستوى الوجودي فالمعرفة لا تتحدّد إلاّ من خلال قدرة النّفس على أن تؤسّس ذاتيّا معرفة يترجمها قرار حرّ يتوجّه من خلال استقلال لإرادة، فالإنسان جوهر مفكّر كلّ طبيعته أو ما هيّته لا تقوم إلاّ على النفس.
الفكر:
 أي أنّ النفس التي أنا بها ما أنا، ذلك أنّ النفس هي التي تعطي فعليّا الدّلالة الحقيقيّة للإنسان وهو ما سيعكس القيمة الوجوديّة للنفس فوجود الإنسان و كينونته تعود للنّفس التي تتميّز بالتّعالي و التميّز عن كلّ ما هو ماديّ و خصوصا الجسد. و فكرة النفس التي أسّسها ديكارت وجدت مراجعة خصوصا من طرف سبينوزا الذي يلغي صورة المفارقة ليقيم تصوّرا على استدعاء الجسد كوجه آخر للنّفس: إنّ النّفس و الجسد شيء واحد تارة نراه بصفة الفكر و طورا بصفة الامتداد.
الوعي: 
إنّ دلالة الوعي كما يقدّمها ديكارت في الكتاب تترجم من خلال المعنيين السّابقين ذلك أنّ الوعي هو تعبير عن الذّات و هو إحالة إلى النّفس و لا بدّ من فهم أنّ هذا الوعي هو بالأساس وعي بالذّات كذات واعية لكنّ هذا الوعي لا يحتاج إلاّ لعودة الذّات عودة لا تحتاج لأيّ شيء خارجي و لا تحتاج لأيّ شيء مادّي يكون طرفا في توجيهه لذلك كان هذا الوعي ارتكاسيّا منغلقا ينطلق من الذّات لكن ليعود إليها وعي يفترض إمكانيّة الاستغناء عن السّماء و عن الأرض الجسد و عن الامتداد عن كلّ شيء ما عدا أنّه يفكّر. لكنّ هذا الوعي الذي قدّمه ديكارت مثّل نقطة مراجعة جذريّة ذلك أنّه أصبح مع هيجل وعيا يستوجب وعيا مواجها عبر بينذاتيّة ضروريّة، و أصبح مع ماركس وعيا اجتماعيّا و تحوّل مع الفينمنولوجيا إلى قصديّة ....
الجسد:
 إنّ هذا المعنى مثّل بالنّسبة لـديكارت آليّة برهانيّة اعتمدها لا لقيمتها بل لتوظيفها لبيان ما يمكن أن تمثّله النّفس من دور في تحديد إنيّة الإنسان و لعلّ التمييز الذي اعتمده ديكارت لم يكن إلاّ برهنة بالخلف على ما للنّفس من كثافة تحديديّة سواء على مستوى المعرفة أو على مستوى الوجود فالمعرفة الحسيّة المتعلّقة بالجسد لا تضاهي معرفة النّفس التي هي معرفة يقينيّة و وجود الجسد الذي هو فان لا يقارن بخلود النّفس. إنّ هذه الصّورة التي قدّمها ديكارت للجسد تغيّرت لاحقا إذ يجب أن نعترف للجسد بمستطاع مع سبينوزا و أن نحترم الجسد مع نيتشه و أن نقرّ له بدور أوّليّ في تحديد إنيّة الإنسان و أن نعلن دوره كشرط أساسي لإدراك العالم مع مارلوبونتي ليتحوّل الحديث من ذات متعالية إلى ذات متجسّدة.
العالم:
 إنّ هذا المعنى لم ير فيه ديكارت أيّ قيمة داخل كتاب التأمّلات سواء عبر شكل الكتاب أو عبر مضمونه فـديكارت يكتب في غرفة مغلقة لا يحتاج إلى أن يتواصل مع العالم الخارجي حتّى إطلالاته من الشّرفة لم تكن إلاّ للتّعالي عمّا هو خارج تلك المنطقة التي يفكّر من خلالها في تأمّلاته و لذلك فافتراض أنّ العالم غير موجود ممكن و قابل للتّصوّر و لا يغيّر أيّ شيء من نتائج بحثه بل أكثر من ذلك ليس العالم إلاّ لحظة يعاد بناؤها على ضوء ما قد ينتهي إليه الفكر. أمّا قيمة هذا المعنى في الفلسفة اللاّحقة فيظهر خصوصا داخل الفينمنولوجيا ذلك أنّ الوعي ليس مجرّد لحظة تأمليّة بل هو انفتاح ضروري على العالم يترجمه: أنّ كلّ وعي هو وعي بشيء ما.
التّاريخ:
 إنّ ما قدّمه ديكارت داخل التّأمّلات يعبّر عن تعالي الوعي و الذّات عن كلّ الشّروط الموضوعيّة للمعرفة و خصوصا الزّمان و المكان فكأنّ هذا الوعي قادر على أن ينتج معرفة بمعزل عن المحدّدات الضروريّة لها، هذا الأمر سيكون كانط من سيعيد بناءه و ذلك داخل الإستيتيقا المتعالية و التي سيبيّن من خلالها كانط أنّ أهمّ شرط للمعرفة هو الحدس الذي يتشكّل في الصّور الماقبليّة أي الزّمان و المكان فكلّ تجربة داخليّة تتموضع في الزّمان تفترض تجربة خارجيّة أي في المكان.
الآخر: 
لم يمثّل الآخر بالنّسبة لـديكارت أيّ قيمة ذلك أنّ استدعاءه لم يكن إلاّ لبيان محدوديّة قيمته و لم يتعدّى الأمر تجربة جزئيّة شهد من خلالها الآخر مارّا أمام الشّرفة (التّأمل الثاني) و لم يتعدّى الأمر اعترافا بعدم الحاجة إلى الانفتاح عليه لمعرفته.
الإنيّة:
 إنّ دلالة الإنّية هي دلالة مركزيّة في كتاب التّأمّلات وهي التي صيغت من خلالها الأسئلة الديكارتيّة حول الإنسان و لئن كانت هذه الإنّية تتحدّد ذاتيّا في انغلاق مطلق فإنّها تفهم في معاني النّفس و الوعي و الذّات.
الغيريّة:
 أمّا الغيريّة فهي كلّ تلك المعاني التي لم يتردّد ديكارت في تجاوزها و نعني بذلك الجسد والعالم و الاخر و كلّ ما يتجاوز الذّات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق