إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

الخميس، 2 أبريل 2009

موضوع حول مسألة الفنّ

الموضوع: إذا كان الفنّان لا يكترث بالحقيقة، فما الذي يبرّر إبداعه لحقيقة ؟
لئن أصبح تقليدا منذ بواكير الخطاب الفلسفي الأوّل قائما أساسا على مطلب الحقيقة و السّعي إلى بلوغها، فإنّ ما يجذب الفيلسوف و العالم و السياسي و الإنسان عامّة إنّما هي الرغبة الشديدة من أجل معرفة الحقيقة لكن هذه المعرفة تقتضي أوّلا استخدام العقل، في حين يسحب الفنّان هذه الغاية من أجل تأصيل حقيقة قائمة على خياله و وجدانه و ربّما حدسه أيضا، إلى درجة أنّ البعض افترض أنّ الفنّان لا يكترث بالحقيقة و لكنّه رغم ذلك يبتدعها. فهل نحن في الفنّ أمام مجال التنصّل من الحقيقة أم تثبيتها ؟ و ما هو نوع الحقيقة التي لا يبالي بها الفنّان ؟
 و أيّة حقيقة يبتدع ؟ إنّ في تحليلنا لأبعاد هذه الإشكاليّة و لأهمّ الرهانات الداعية إليها، نعيّن موقع الحقيقة من نشاط بشري مميّز و فريد اصطلح عليه بالفنّ، إذ ما يشدّ الانتباه هنا ليست الحقيقة القطاعيّة و إنّما هي الحقيقة الواحدة و المخصوصة أي الحقيقة التي تختلف شكلا و مضمونا مع أجناس الحقائق الأخرى وهي التي يخلقها الفنّان. إذا كان هدف الفنّان ليس معرفيا أساسا ولا يتلخّص أبدا في معرفة الحقيقة بقدر ما يسعى هذا الأخير إلى الابتكار و الإنشاء و هذا هو المعنى الدالّ في صيغة السّؤال نفسه الذي ورد في شكل افتراض قائم على أداة نفي " إذا كان... لا " فهذه الصيغة تهدف أساسا إلى تثبيت نوع الحقيقة التي لا يبالي بها الفنّان و بيان الحقيقة التي يراهن عليها، نستنتج إذن أنّ صيغة السؤال القائمة على الافتراض تطالب الفنّان بتحديد الحقيقة التي تتناقض مع الحقيقة التي لا يكترث بها أصلا، فعدم الاكتراث قائم على اللامبالاة و التجاهل و اللااعتراف و ينسحب هذا بدوره على اللامرونة في مصطلح الحقيقة ذاته. فهذا المصطلح يحمل دلالات متنوّعة و ثريّة جدّا إلى حدّ أنّنا لا نستطيع معرفة معنى الحقيقة. فالمطلوب هنا الانتقال من سؤال، ما الحقيقة ؟ إلى سؤال ما حقيقة ؟ هذا السؤال هو الذي يجعلنا نتوقّف على معنى الحقيقة كما يذهب إليها الفنّان الذي يخلّص هذا المعنى من جملة التصوّرات، تصوّر أوّل باسم الفيلسوف حيث الحقيقة عنده هي في مقابل الخطأ وهي اليقين الذي نتوصّل إليه حينما نستبعد فلسفيّا الرأي الوثوقي القائم على التصديق، و تصوّر ثاني باسم العالم سواء في مجال الرياضيّات حيث الحقيقة صوريّة صرفة نتوصّل إليها بالافتراض و الاستنتاج و العلوم التجريبيّة حيث تتعلّق الحقيقة بالظواهر الطبيعيّة و الوقائع و تحصل الحقيقة بتآلف النظري بالتجريبي. نلاحظ إذن تجانس معنى الحقيقة القائمة على مبادئ العقل إذ متى تطابق العقل مع الواقع الخارجي نكون إزاء الحقيقة الموضوعيّة. و هذا صراحة ما لا يبالي به الفنّان، فلماذا ؟ حين يبحث الفنّان عن الحقيقة يتجنّب قدر الإمكان استخدام العقل لأنّ الخيال هو دعامة الفنّ فلو تقيّد الفنّان أو التزم بالحقيقة الموضوعيّة لأضاع منه كلّ ما يُعدّ ميزة له، بمعنى أنّ الالتزام بالحقيقة الذي هو فضيلة لا يمكن الاستغناء عنها في حالة السعي للمعقوليّة ضمن مجال العلم و الفلسفة، فذلك قد يبدو علامة نقص و مظهر ضعف حين يكون هدف الفنّان خلق عمل فنّي يتّسم بالجمال بما هو نتاج لخيالاته و أحاسيسه و حالاته الوجدانيّة. فالفنّان صاحب خيال واسع بل يضفي على صور العالم رؤى خيالية و يجسّم في النهاية هذه الرؤى على أنّها حقائق بإمكاننا مشاهدتها في آثاره الفنيّة لذلك علّق برقسون " للفنّان عين ميتافيزيقيّة " يترتّب عن الفارق السابق أنّ التزام الفنّان بالحقيقة الموضوعيّة أو العينيّة يجعله مقيّدا و ملتزما بما هو موجود في حين أنّ سعيه للجمال من خلال الخيال سعي حرّ و طليق لا تتحكّم فيه ضوابط و لا جبريّات و لا قضاء و لا قدرة، إنّه يتعمّد مخالفة النظام الفعلي للأشياء لأنّه يصوّر الأشياء على نحو مغاير لما هو موجود، أو ربّما خلق لنفسه في مجال فنّي ما عالما خاصّا به، و كمثال على ذلك الفنّان الموسيقي يخلق لنفسه عالما خاصّا من الأصوات المتآلفة عن طريق آلاته الموسيقيّة التي تصدر أصواتا لا وجود لها أو لمثلها في الطبيعة فيتحرّر بذلك من قيود الصمت الطبيعي أنّه بذلك ليس حبيس الطبيعة و إنّما يخلق لنفسه حقيقة خاصّة، هذه الحقيقة الذاتيّة هي التي تجعلنا نتحرّك دون ضوابط فلا أحد في النهاية يرغمه على خلق هذه الحقيقة أو كيفيّة خلقها، فهو السيّد الأوحد و الخالق الوحيد لهذه الحقيقة في هذا المجال. فضمن هذا العالم الذي تحكمه الضرورة و الحتميّة يتعيّن على كلّ من يسعى لكشف الحقيقة أن يكون موضوعيّا في تفكيره و في نظرته للظواهر و على عكس ذلك نجد الفنّان منحازا عاطفيّا و حدسيّا و حسيّا للحقيقة التي يتلذّذها لا بعقله بل بحواسّه لذلك قال دي فينشي "العين تخطئ أقلّ ممّا يخطئ الفكر " فالعمل الفنّي إذن هو الذي يصوّر الحقيقة من خلال جملة من الخطوط و الأشكال و الألوان و المساحات بل أشكال هندسيّة تتّخذ صورة المكعّبات كما هو الشأن لدى المدرسة التكعيبيّة. إنّ ما تكشف عنه هذه الأطروحة ضمنيّا هو خاصّة في بيان قدرة العقل على تغليف الحقيقة و إخفائها، فبواسطة مخيال الفنّان يقع كشفها و رصدها لأنّها حقيقة مبتكرة و مبتدعة. كما أنّ الفنّان هو الوحيد القادر على استبعاد الحقيقة كمفهوم تمّ تجريده بواسطة العقل ليثبت الحقيقة الحسيّة التي يتمّ رؤيتها في مستوى الأثر الفنّي بما هو لغة الفنّان الذي يحمل مقاصده و تصوّراته. فقيمة الفنّ لا تكمن في تجميل ما يظهر بل في إظهار ما لا يظهر، إذ من استتباعات اعتبار أنّ قيمة الفنّ تكمن في تجميل ما يظهر الانزلاق في مجرّد المحاكاة و الاكتفاء بنسخ ما يوجد من جمال في الطبيعة في حين علّمنا هيغل أنّ الجمال الفنّي يسمو دائما على الطبيعي إذ في هذا المجال تأكيد عل استقلالية الفنّان و تحريره من القانون الطبيعي أو الجبريّة الطبيعيّة فهو ليس مطالبا بأن يلتزم في أعماله بتقليد الطبيعة تقليدا كاملا، الشيء الذي يلغي قيمة الإبداع و الحال أنّ الموضوع يطالبنا بضرورة إبراز الحقيقة التي يقدّمها لنا الفنّان. يفترض هذا من جهة المكاسب التي يمكن تثمينها أنّ الحقيقة لا يمكن لنا أن ننطلق منها بل هي التي يجب أن نصل إليها و هذا من جهة نظر عمليّة يجعلنا نخترق قواعد العقل الذي يعقّم الحقيقة أو أنّه لا يصادق عليها من جهة المنطلق في حين أنّ الفنّان لا تهمّه جملة الحقائق و إنّما رهانه إنشاء حقيقة تتميّز أساسا بالبعد الجميل الذي يحرّر الفنّان من هاجس الواقع و الالتزام به. لكن إلى أيّ حدّ بإمكان الفنّان أن يخترق الحقيقة كما تتراءى لنا في الواقع ؟ و إذا تمكّن من ذلك فأي غنم للإنسان من الحقيقة التي يبدعها الفنّان و الحال أنّ الحقيقة قد لا تبدو واضحة لدى النّاس، أليس الأجدر أن نكشف الحقيقة كما هي في الواقع خاصّة في عصرنا الرّاهن الذي يحتاج إلى مواقف و أفكار و نظريّات تعيد بناء الواقع بناء نقديّا كما فعل الفيلسوف و عليه يمكن أن ندين الفنّان إذا ما اكتفى بإبداع الحقيقة دون أن يلتزم التزاما مباشرا بالكشف عن الحقيقة في الواقع و لعلّ هذا ما أدّى بجملة من الفنّانين إلى إبداع فنون ملتزمة هدفها كشف طبيعة الواقع و طبيعة الحقيقة المنتشرة بمعنى آخر يطالبنا الفنّ بأن نكشف عن تناقضات الواقع الرديء بجملة من التعابير التي تكون أقرب للعقل من الخيال بمعنى آخر فالواقع لا يقتضي مجرّد التأمّل و الاستغراق في الخيال بل يقتضي عقلا راشدا قادرا بالفعل على تشخيص أزمات الواقع بما في ذلك أزمة الإنسان الحالي و توتّره النفسي و قلقه القائم فعلا في صلب الواقع لذلك بدل أن تكون للفنّان عينا ميتافيزيقية المطلوب أن تكون له عين واقعية.
منقـــول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق