عبدالمنعم الحسني
* مصطلح
العمل الفنّي:
كلّ صورة عظيمة ترينا شيئا نبصره
بالعين مع شيء ندركه بالبصيرة، فهي تجمع بين البصر و البصيرة»
"الكسندر اليوت"
عندما نتحدّث عن الفنون البصرية لا
نملك إلاّ أن نجدها وسطا بين إبداع الفنّان وتذوّق المتلقّي. ذلك أنّه إذا سلّمنا
أنّ وجود المبدع حتمية أساسية لوجود الفنّ، فإنّه كذلك لا يمكن لأيّ عمل فنّي أن
يترك أثرا بدون وجود متلقّين يحكمون على جودة هذا العمل الفنّي، و إلاّ لما بقيت
الأعمال الفنّية الخالدة عبر الأجيال المتعاقبة. إلاّ أنّ الفنّان رغم أنّه لسان
عصره، فهو سابق عليه في كثير من الحالات، فهو دائما من يصنع الجديد و المختلف.
الكثير من المعروضات العظيمة في بدايتها كانت مستهجنة من المتلقّي و لم تلق
استحسانا و إعجابا إلاّ في مراحل متقدّمة من عمر هذه الأعمال الفنّية. يحاول هذا
المقال أن يسلّط الضوء على الأثر الفنّي الذي يتركه العمل الفنّي. أو بمعنى آخر أين
يقف العمل الفنّي بين إبداع الفنّان و تذوّق المتلقّي؟ و من يحكم الآخر و على ماذا
يحتكم الإثنان ؟!
قبل أن نتطرّق إلى الأثر الفنّي بين
المبدع و المتلقّي علينا بداية توضيح بعض المفاهيم المتعلّقة بالفنّ و العمل الفنّي.
فكثيرة هي التعاريف التي أطلقت على الفنّ و معظمها مستمدّة من القواميس الإنجليزية
و الأمريكية (1). و يأتي هذا التنوّع نظرا لموسوعيّة الكلمة و ارتباطها بفروع
علمية مختلفة كالفلسفة و علم النفس و الجماليات بل و حتّى التاريخ. فالفنّ مرتبط
بالأنشطة الإنسانية المختلفة. و قد قامت كلّ الحضارات البشريّة بلا استثناء على
اختلافها و تعدّدها و تنوّع مراحلها بإنتاج أشياء لها وقع خاصّ على نفوس أصحابها.
و السؤال الأبديّ الذي يتكرّر دائما هو لماذا قامت كلّ هذه الحضارات بإنتاج هذه
الأشياء التي أُعِدّت أعمالا فنّية راقية فيما بعد كعجائب الدنيا السّبع ؟ هل فقط
لأغراض نفعيّة بحتة و ما يتضمّنها من استعراض للقوّة و فرض للسيطرة و محاولة
البقاء و تحدّي الموت بالخلود، هذه الفكرة المجنونة التي سيطرت (و لا تزال) على الكثير من الفنّانين و المبدعين. أم أن هناك دافعا نفسيا آخر لهذا
المبدع عبر مراحل التاريخ المختلفة في التعبير عمّا يعتمل في داخله من خلجات نفسية
و مكنونات عميقة. تؤكّد الدّراسات النفسية الحديثة أنّ كلاّ منّا يحمل في طياته
العميقة بذرة فنّية. فالإنسان موهوب
بالفطرة، و لكلّ منّا موهبته الخاصّة، في الشعر، في الرّسم، في الموسيقى، في
الطبخ، في النجارة، في الحدادة و في كلّ أنشطتنا الإنسانية فالفنّ محبوس في
أعماقنا. فإذا لقيت هذه البذرة التوجيه السليم نمت و ترعرعت. فالفرق إذن بين الفنّان
و أيّ شخص آخر هو أنّ الأوّل يطوّر استعداداته الذهنية و العاطفية و المهارات
اليدوية لإنتاج شيء كامن في ذواتنا (2).
** العمل
الفنّي بين الشكل و المضمون:
تتركّز الاختلافات - حسب نوبلر
(1987)- في تعريف الفنّ إلى محورين أساسيين، حيث يرى أصحاب المحور الأوّل أنّ
العمل الفنّي هو «وسيلة للتعبير و محاولة لإيصال الأفكار و الخلجات
النفسية»(3). أكّد على هذا الاتّجاه الكاتب الروسي الشهير تولستوي
في كتابه ما هو الفنّ (1896). يشدّد أنصار هذا الاتّجاه على مطابقة الأنموذج للوحة
المرسومة أو المصوّرة أو المنحوتة. فجودة اللوحة هنا تتحدّد بمدى مطابقتها للواقع
الحياتي سواء في تصويرنا للأشخاص أو الطبيعة. يقول تولستوي
في ذلك: الفنّ هو أن يثير المرء في نفسه شعورا سبق أن جرّبه إذ يثيره في
نفسه، يعمد إلى نقل هذا الشعور بواسطة الحركات أو الخطوط أو الألوان أو الأصوات أو
الأشكال المعبّر عنها بالكلمات، بحيث يصبح جزءا من تجربة الآخرين، و هذا هو فعل
الفنّ(4). بينما يركّز المحور الثاني على أنّ الفنّ هو تصميم شكلاني يسمّيه
رائد هذا الاتّجاه وهو الإنجليزي كلايف بل (1913)
الشكل الدالّ (Significant form). لذا فقد جاء ثورة على
الفنّ التقليدي التعليمي. يقول كلايف بل في
ذلك: (...) إنّ الأشكال إذ تنتظم و تجتمع وفقا لقوانين معيّنة مجهولة و غامضة،
تحرّك مشاعرنا فعلا بطريقة معيّنة. و أن مهمّة الفنّان هي أن يجمعها وينظّمها بحيث
تحرّك مشاعرنا. هذه التجمّعات و التنظيمات هي ما أطلقت عليه على سبيل التيسير...
اسم «الشكل الدالّ» .ignificant Form) (5)) إذن أنصار الاتّجاه الأوّل يركّزون على الجانب التعبيري التوصيلي
للعمل الفنّي. بينما يؤكّد أنصار الاتّجاه الثاني على الجانب التشكيلي للعمل الفنّي.
لكن هذا ليس معناه -كما يرى البعض- أنّ النظريتين متناقضتان بالضرورة. ذلك أنّ لكلّ
هدفه، فالإثنان يتّفقان على أنّ صورة الجيوكندا
(ابتسامة المونوليزا) لـدافنشي عمل فنّي
عظيم. لكنّ سرّ عظمته بالنسبة لأصحاب الاتّجاه الأوّل تأتي من خلال قدرة الفنّان
على إيصال و نقل المشاعر إلى المشاهد كما جربّها الفنّان عبر إتقانه لدقّة تفاصيل
الأنموذج (وجه المرأة). بينما يرى أنصار الاتّجاه الثاني أنّ سرّ عظمة اللوحة تكمن
في قدرة الفنّان على تجميع الشكل و تنظيمه وفقا لقوانين معيّنة بحيث تحرّك مشاعرنا
تجاهها. يرى متذوّقو الفنّ أنّه من الضروري أن يشتمل العمل الفنّي العظيم على
العناصر الشكلانية الدالّة و التعبيريّة التوصيليّة في نفس الوقت. فالأشكال تنعش
ذاكرتنا المليئة بالأشكال المشابهة كالدوائر و المثلّثات و المربّعات و غيرها، هذه
الأشكال لها رموز تعبيريّة توصيليّة أقوى من مجرّد المحاكاة الشكليّة التقليدية
للعناصر و الأشكال كما هي في الوقع وإن تكن غير مباشرة في بعض الأحيان(7).
***
الفنّان بين القصديّة و التقنية:
إذن قد يكون العمل الفنّي وسيلة
لإيصال الأفكار أو مجرّد تنظيمات شكلانية لكن الأهمّ أن يكون الإثنان معا. و يقف
المبدع هنا ليحدّد ماذا يريد من عمله الفنّي. أو ما هو الأثر الذي يريد أن يتركه
في المتلقّي ؟ من هنا كان لا بدّ أن يختار أدواته بناء على هدفه أو مقصده الفنّي و
ليس العكس. معنى ذلك أن يحدّد الفكرة أوّلا و من ثمّ يفكّر بالتقنية المناسبة
لتنفيذ الفكرة. أبسط الأمثلة هنا يمكن أن نطلقها على لوحات و منحوتات بيكاسو.
حيث تعدّدت أساليب هذا الفنّان من الواقعية الجديدة إلى المستقبليّة و التكعيبية و
التجريدية أو السريالية و غيرها. بل إنّه أحيانا يمزج بين مدارس فنّية مختلفة في
لوحة واحدة لإنتاج تجربة جديدة وخ لق إيقاع مغاير. انظر إلى الوجوه في لوحة الجورنيكا
الشهيرة و ما تحمله من قساوة و ألم و تعاسة بتكعيبات مختلفة لتبيّن فظاعة الحرب و قسوتها.
و لاحظ دقّة الخطوط و انسيابها في تصويره للفتاة ذات القلادة. قس على ذلك عددا
كبيرا من الفنّانين مثل سلفادور دالي و
تجاربه و مندريان و كاندنسكي
و مان ري. إذن
القصد سابق للتقنية و ليس العكس. بناء على ماسبق يحاول ناثان
نوبلر أن يقدّم تعريفا شاملا للعمل الفنّي بأنه: نتاج إنساني يملك شكلا أو نظاما
معيّنا، و يقوم بإيصال التجربة الإنسانية. و يتأثّر بالتحكّم الحاذق في المواد
المستخدمة في بنائه من أجل إبراز الأفكار الشكليّة و المعبّرة التي يودّ الفنّان
أن يوصلها إلى الآخرين(8).
**** أين الجمال في العمل الفنّي ؟
نرى أن التعريف السابق لنوبلر
يخلو من كلمة الجمال و التي دائما ما تقرن بالعمل الفنّي لدى الكثيرين. ذلك أنّ
العديد منّا يرى أنّ العمل الفنّي لا بدّ أن يكون جميلا. لكن بعض الأعمال التي
يشاهدونها و التي أقرّ متذوّقو الفنّ و النقّاد بعظمتها ليست جميلة بنظرهم. فهي
تبدو قبيحة أو تشعرهم بالخوف أو الانزعاج أو حتّى الغثيان. فهل معنى ذلك أنّ هذه
الأعمال لا تعدّ أعمالا فنّية ؟ يرى نوبلر
أنّ السّؤال الذي يجب أن يطرح هو ما المقصود بكلمات مثل قبيح أو جميل ؟ لو جئنا لمعنى الجمال نجد أنّ هناك مفهومين
أساسيين لهذه الكلمة. الأوّل يرى أنّ الجمال يكمن في استجابتنا الذاتية بفعل إثارة
خارجية. بمعنى أنّ الإحساس بالجمال موجود في ذواتنا، لكن تأثّرنا بشيء ما جعلنا
نشعر بالجمال. فهذا الجمال ليس موجودا في الشيء و إنّما يكمن فينا.
أمّا المفهوم الآخر فيقول إنّ الجمال موجود في الشيء (خارج
ذواتنا) أو كما يسمّيها نوبلر التجربة
نفسها. و عندما تلتقّي التجربة الذاتية بالشيء هي التي تثير فينا الحسّ بالجمال.
يؤكّد على هذا المفهوم الكسندر اليوت بقوله:
فالرائعة [العمل الفنّي] يجب أن تؤخذ كاملة إلى أعماق الوعي و يعاد
خلقها هناك من جديد. فهي تسطع في حجرات القلب المظلمة. إنّ المعرفة المجرّدة قد
تلتقط من أي مكان، أمّا الفهم فلا يأتي إلاّ بالتجربة و يفترض بالرائعة أن تكون
تجربة. و ما لم يجرّبها المرء فإنّه لن يفهمها(9). يؤكّد
الكثير من علماء النفس على المفهوم الثاني الأشمل. فالجمالية في العمل الفنّي لا تأتي
من ذواتنا فقط لأنّ ذلك يلغي دور المبدع الذي صنع اللوحة بشكل معيّن و تكوين و تركيب
و أدوات معيّنة ليستثير بها بصر المشاهد و بصيرته. لنرجع إلى معاني كلمات مثل جميل
و قبيح و هل يمكن أن تطلق على العمل الفنّي ؟ نجد أنّ هذه الكلمات إنّما تستقي مدلولاتها من
الصور الراسخة في أذهاننا و نظم جمالية سابقة ارتبطت في شاشات عقولنا بمقاييس
جمالية سابقة. هذه المقاييس الجمالية تختلف من شخص لآخر و تتشكّل عبر تراكمات و خبرات
و تجارب يمرّ بها الإنسان. أمّا ما هو جديد فإنّه يربك هذه النظم الجمالية و نادرا
ما يضمّها تحت المقاييس السابقة. لذا فإنّ المتلقّي حين يشاهد العمل الفنّي و في
ذهنه النظم الجمالية المتوارثة فإنّه يفرض على نفسه قيدا أو حاجزا يسبّبه له رؤيته
المتوارثة عن الجمال، و بالتالي فإنّ قراءته للعمل الفنّي تصبح ناقصة، بدون وعي
منه (10). إذن لاحظنا هنا أنّ الجمال أو القبح كلمات ليست مرتبطة بالفنّ إلاّ بقدر
ما هو شخصي جدّا، فما هو جميل بالنسبة لي قد لا يعدّ كذلك بالنسبة لشخص آخر. من
هنا نرى أنّه من الضروري للفنّان المبدع ألاّ يتأثّر بما توارثه عن أفكار الجمال
أو ما يعرفه جمهوره عن الجمال. لأنّه بذلك يفرض على نفسه قيدا يأسره عن الانطلاق
في كلّ ما هو جديد و مذهل و مؤلم أو مزعج أحيانا (11). يحاول الفنّان المبدع أن
يصنع تجربة عن طريق خبرته الذاتية و فهمه و وعيه لمعطيات المكان و الزمان و من ثمّ
الاستخدام الواعي للأدوات الفنّية لتتمّ في النهاية استثارة المشاهد بالعمل الفنّي.
في ظلّ ذلك و كلّما كان الفنّان واعيا لقراراته واضحا و محدّدا لأهدافه و أفكاره
بعيدا عن التأثّر بمغريات الفنّ الأبديّة و المتمثّلة في المال و السلطة و المجد و
الشهرة و التباهي (12) أنتج فأبدع. هذا الإبداع قد يوصله إلى مكانة راقية في
التاريخ الإنساني و قد لا يصل أبدا. لكنّه في كلّ الأحوال يشعر مع نهاية كلّ لوحة
بفرح طفولي يغمره هذا الفرح هو الاستجابة الذاتية للعمل الفنّي. أمّا إذا كانت
معروضاته إرضاء للآخرين أو استجابة لطلبات المتنفّذين دون وعي أو إفراغ روحي من
الفنّان على العمل فإنّ النتائج عادة ما تكون وخيمة و العمل لا يعدو كونه عرضا
هزيلا مصطنعا. لكن هل معنى ذلك ألاّ نعبأ بالمتلقّي و نرمي كلّ ما يقوله دون
التفاتة ؟ قلنا من البداية إنّ الفنّان بدون متلقّ يكون غير معترف به. و الفنّان
كالأطفال يفرح بما أنجز و يحب أن يشاركه الآخرون. فالفطرة الإنسانية (الطفولية)
تحتّم عليه عرض أفكاره على الناس لسماع آرائهم سلبا كانت أم إيجابا. و لكن السؤال
هنا هو من هو المتلقّي الذي نستمع إليه و نحتكم لرأيه ؟
***** العمل
الفنّي بين المتذوّق و المتفرّج:
الفرق بين التذوّق الفنّي و الفرجة
العابرة كما يسمّيها مصري حنورة (2000) أنّ
التذوّق الفنّي هو « عملية تقويم لمادة معروضة من طرف على طرف آخر، أي أنّه
استجابة تقويمية تحمل المتعة من قبل المتلقّي لأحد الأعمال الفنّية» (13). أمّا
الفرجة العابرة فهي التلقّي الاستهلاكي للعمل الفنّي فتعرّضه هنا إنّما يكون عبارة
عن انفعالات شخصية لحظيّة عابرة لا يعتمل فيها العقل و لا تختمر فيها العاطفة (14).
فما يهمّ الفنّان هو رأي المتذوّق الفنّي و ليس المتفرّج العابر. ذكرنا منذ البدء
أنّ كلاّ منّا يحمل في ذاته بذرة فنّية، و لكن نتفاوت في ريِّ هذه البذرة بالماء
لتنموَ و تزهر. فمنّا من يواصل ريّها و يُعنى بزرعها و صقلها و تقليمها و المحافظة
عليها باستمرار. و هذه مرتبة الفنّانين. و منّا من يُعنى بها في فترات و ينساها
فترات أخرى. و هذا قد يكون متذوّقا للأعمال الفنّية. و منّا من يتركها دون عناية
فلا يتأثّر بما يرى إلاّ في حدود سطحيّة جدّا غالبا ما تكون متأثّرة بانفعالات
شخصية و يتلقّى العمل الفنّي بالصدفة و ليس قاصدا عامدا كما هو الحال بالنسبة
للمتذوّق الفنّي. إذن المتذوّق الفنّي يأتي وهو يملك استعدادا نفسيّا و ذهنيّا
للتلقّي. و المبدع هو أوّل متلقّ لعمله و بالتالي أوّل متذوّق له. فبعد اختمار
التجربة و تنفيذها تبدأ عملية التذوّق الفنّي للعمل. وهي واحدة من أهمّ المراحل التي
يراعيها الفنّان قبل أن يخرج العمل للناس. ذلك أنّ المبدع في هذه المرحلة يقوم
بالمراجعة الشاملة للعمل الفنّي فيقوم بالتعديل والإضافة أو الحذف أحيانا. حدّد
علماء النفس من هو المتلقّي (المتذوّق) الذي يمكن الركون إلى آرائه لكن حتّى هذا
المتلقّي يختلف في خصائصه. فهناك المتذوّق المتخصّص و المتذوّق الواعي لمسارات
الفنّ المختلفة و المتذوّق الذي تسوقه بذرته الفنّية الطفولية و لكن خبرته
الثقافية و تجربته الحياتية لا تزيد عن تحصيله الدراسي دون الاطّلاع. برغم هذا
التفاوت يرى علماء النفس أنّ مبادىء التذوّق تظلّ واحدة في حالة أنّه جاء قاصدا و ليس
مجرّد عابر. و يمكن الإفادة فيما يطرحه من أفكار أو آراء أثناء استمتاعه بالعمل
الفنّي. فعمليّة التذوّق الفنّي تتمّ بمحاولة المواءمة بين الميول العاطفية لدى
المتذوّق و إيقاع العمل الفنّي (15). هنا ينبغي الإشارة إلى أنّه بقدر تعدّد
الآراء في العمل الفنّي و تعبيراته الدلالية كلّما كان أكثر خصوبة من العمل
المباشر و البسيط حتّى وإن كان الثاني يحظى بعدد كبير من المعجبين (المتفرّجين و ليس
المتذوّقين للعمل الفنّي). تحدّث هذا المقال عن الأثر الفنّي بين الفنّان و المتلقّي.
و في سياق الحديث عن الأثر الفنّي تمّ تحديد مفهوم العمل الفنّي كوسيلة للتعبير
وإيصال الأفكار من جهة و تصميم شكلاني من جهة ثانية. يقوم بالعمل الفنّي مبدع له
خصائص نفسية و ذهنية و فكرية يحاول التعبير عنها و ترجمتها عبر لوحات فنّية
بتقنيات مختلفة تعتمد على قصديّة (أو الهدف) العمل الفنّي. و المبدع هو أوّل متلقّ
لعمله الفنّي و أوّل متذوّق له. بعد ذلك يتمّ عرض العمل على المتذوّق الفنّي، غير
المتفرّج، الذي يمكن الركون إليه و الإصغاء إلى أفكاره و تعليقاته. و هنا يختلف
المتلقّون باختلاف مستوياتهم الثقافية و الاجتماعية و الفنّية لكنّهم يتّفقون في
محاولة فهم أسرار العمل الفنّي الذي كلّما جاء جديدا خصب المعاني و الأفكار زادت
قيمته الفنّية و لو بعد حين.
الهوامش
والمراجع:
1- نوبلر ناثان (1987) حوار الرؤية: مدخل إلى تذوّق الفنّ و التجربة الجمالية، ترجمة فخري خليل، بغداد: دار المأمون ص: 33.
1- نوبلر ناثان (1987) حوار الرؤية: مدخل إلى تذوّق الفنّ و التجربة الجمالية، ترجمة فخري خليل، بغداد: دار المأمون ص: 33.
2- المرجع السابق ص: 34.
3- المرجع السابق، ص: 33، انظر كذلك
حسن محمد (بدون سنة)، مذاهب الفنّ المعاصر، الشارقة: مركز الشارقة للإبداع الفكري.
4- نوبلر، مرجع سابق، ص: 33-34.
5- بل، كلايف (2001)، الفنّ، ترجمة
عادل مصطفى، بيروت: دار النهضة العربية، ص: 41.
6- كلّ الأشكال المعروضة في هذا
المقال مأخوذة من
http://www.artcyclopedia.com/
7- انظر عيدابي، يوسف (2001)، مرايا
الرؤى في شأن بلاغة التشكيل: وقائع ندوة دولية حول الشعرية البصرية، الشارقة،
دائرة الثقافة والإعلام.
8-: نوبلر، مرجع سابق، ص: 38.
9- اليوت، الكسندر (1982)، آفاق
الفنّ، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا، بيروت، المؤسّسة العربية للدراسات و النشر، ص:32.
10- نوبلر، مرجع سابق، ص:43.
11- انظر عبدالحميد شاكر (1997)
العملية الإبداعية في فنّ التصوير، القاهرة: دار قباء.
12- انظر اليوت، مرجع سابق، ص: 79.
13- حنورة مصرى (2000) علم نفس الفنّ
و تربية الموهبة، القاهرة: دار غريب، ص: 108.
14- نشير هنا الى أنّ المتذوّق الفنّي
يختلف عن الناقد الفنّي ذلك أنّ الناقد الفنّي يحاول قدر الامكان ألاّ يقحم
الخصائص الذاتية في تقييمه للعمل الفنّي (انظر حنورة، المرجع السابق، ص: 109).
15- انظر المرجع السابق: 117.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق