إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

الثلاثاء، 14 أبريل 2009

في مفهوم المواطنة... و حقوق الإنسان

بقلم: علي وتوت.
المواطنة، مفهوم يقصد به حقوق و واجبات الأفراد و الجماعات داخل الدولة بمفهومها الحديث. و هذا المقال لعلي وتوت يطرح لنا إشكال المواطنة و يعالجه من زوايا مختلفة بهدف الإحاطة بمختلف جوانب هذا الإشكال. يرتبط مفهوم المواطنة Citizenship الحديث بأساس فلسفي قديم، ذلك أنّها ارتبطت بمفهوم (الدولة / المدينة) التي تكوّنت في اليونان عدّة قرون قبل الميلاد. و المواطنة ترجع إلى مفهوم اليونان حول الـ (POLIS) بمعنى البلدة أو المقاطعة، أو المدينة، أو أيضاً تجمّع السكّان أو الأفراد الذين يعيشون في تلك 
المدنية و علاقاتهم ببعضهم، وهي الوحدة الأساسية في التكوين السياسي. و في الأصل، فإنّ المواطنة مقابل الغرباء، في المدن الإغريقية القديمة، هي المناخ الذي ولدت منه المعادلة الثانية، الأحرار (المواطنون) والعبيد (الغرباء) وليس العكس. فقد وجد (المواطنون) اليونان في مواطنتهم الأصلية مادّة لتمييزهم ضدّ الآخرين، واشتقّوا من ذلك قوانينهم التي استمرّت مع الرومان سادة التشريع الأوائل في هذا المجال. لكن مفهوم التسامح ظهر كنتاج لعصر النهضة والتنوير اللذين سادا في أوروبا في القرن السابع عشر، على أنقاض حكم الإقطاع المتحالف مع الكنيسة الكاثوليكية. أمّا فيما بعد، فإنّ رموز عصر التنوير (أمثال هوبز، ولوك، وروسو، ومونتسكيو) طرحوا مفهوماً آخر يقوم على العقد الاجتماعي ما بين أفراد المجتمع و الدولة أو الحكم، و على آلية ديمقراطية تحكم العلاقة بين الأفراد أنفسهم بالاستناد إلى القانون. و عليه فقد ساد مفهوم المواطنة، حيث تحوّل المواطن إلى ذات حقوقية و كينونة مستقلّة، بعد أن كانت القبيلة أو العشيرة أو الوحدة العضويّة هي ذلك الإطار، الذي ترتبط علاقاته بالآخرين بناءً على موازين القوى و منطق القوّة أصلاً. و مع انتصار الثورة الصناعية البرجوازية و تحرير الأقنان و العمالة الزراعية لزجّها في المصانع، أخذت القضية شكلاً جديداً هو الحقوق المدنية في الدساتير مع استمرار استغلالهم و اضطهادهم في الواقع. إنّ المفهوم الحديث للمواطنة تطوّر قبل قرابة (200) سـنة عندما تشكّلت الدول الأوربية الحديثة. فالدولة الحديثة تعتبر لنفسها السيادة المطلقة داخل حدودها، وأنّ أوامرها نافـذة على كلّ من يقطن داخل تلك الحدود الجغرافية. لكن و من أجل منع استبداد الدولة و سـلطاتها فقد نشأت فكرة المواطن الذي يمتلك الحقوق غير القابلة للأخذ أو الاعتداء عليها من قبل الدولة. فهذه الحقوق هي حقوق مدنية تتعلّق بالمساواة مع الآخرين وحقوق سـياسية تتعلّق بالمشاركة في اتّخاذ القرار السياسي، و حقوق جماعية ترتبط بالشئون الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. و المواطنة بهذا المفهوم، تختلف عن الأخـوّة الدينيّة. فالمسلم أخ المسلم و يرتبـط معه بروابـط معنوية فوق الزمان و المكان، أمّا المواطنة فهي رابطة التعايش السلمي بين أفراد يعيشون في زمان معيّن و مكان معيّن (أي جغرافية محدّدة). و المواطنة لا تتناقض مع المبدأ الإسلامي لأنّ العلاقة الدينية تعـزّز الروابط الزمنية أيضاً، و لا خلاف في ارتباط الإنسان المسلم مع غير المسلم ضمن إطار اجتماعي يتمّ الاتّفاق عليه تحت عنوان المواطنة. و بينما يشكّل المواطن في أي موطن وحدة أنساق اجتماعية و اقتصادية و ثقافية وهو جزئية متأثّرة و مؤثّرة و عامل تغيير، و المواطنة إحدى المحركّات و الاستراتيجيات التي تقوم عليها البنى التحتيّة في دولة المؤسّسات و مجتمع القانون. استناداً لما سبق، أصبحت المواطنة هي الآلية للحدّ من الصراعات الإثنية، و العرقية، و الاجتماعية، و الجنسوية، على قاعدة مبدأي عدم التميّز و المساواة، و الكلمة الأخيرة (و المساواة Equalization ) تعدّ من الكلمات الذائعة على الرغم من غموضها. لكنّها مع غموضها و شهرتها فقد استهوت المجتمعات و الأفراد، إذ استعملها الزعماء و القادة المصلحون ليثيروا حماسة الأفراد و يحركّوا مشاعرهم و انفعالاتهم على مختلف النواحي السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية. فالمساواة تعدّ من الكلمات الجبّارة التي ملأت بحوثها أسفار الفلاسفة و المفكّرين، و شغلت أحداثها التاريخ في فصوله المختلفة. و كانت حافزاً للثورات الشعبية و النهضات الاجتماعية، كثورة العبيد في الإمبراطورية الرومانية و الثورة البلشفية في روسيا و غيرهما. و كان ذلك بسبب اضطهاد حرّيات الإنسان و كرامته، أو تفاوت الطبقات أو الثروات. و ممّا لا ريب فيه أنّه لا توجد مساواة طبيعية، لأنّ الناس خلقوا متفاوتين خَلقاً وخُلقاً، فهم مختلفون غير متساويين، في التكوين، و الشكل و اللون، و العقل و الذكاء، وهم مختلفون متمايزون في القوّة و الجمال و الصحّة و العمر و الخلائق و الميول و الطبائع. فإذن لا مساواة بين الناس في عرف الطبيعة، إلاّ من حيث بعض التكوين الأساسي و الغرائز الفطرية. و كذلك لا توجد المساواة الاجتماعية فيما بين الناس. فعلى الرغم من أنّ الأديان و الشرائع السماوية قد دعت إلى المساواة، مثلما هم المصلحون و الحكماء و الفلاسفة دعوا إليها أيضاً، فإنّ الناس يترتّبون في فئات و درجات في الغنى و الجاه، و الحسب و النسب. مثلما أنّهم مختلفون بأنواع العمل و طرق الكسب و المعيشة، و يتمايزون في حياتهم العائلية و الزوجية. و في مجتمعاتهم، و ملذّاتهم و آلامهم و معاملاتهم و عباداتهم. إذن لا مساواة بين الناس في أعراف الحياة الاجتماعية و تقاليدها. فما هي المساواة التي قصدها الفلاسفة و الحكماء و المصلحون و المشرّعون و السياسيون عندما نادوا بها كحقّ من حقوق الإنسان الأساسية ؟ إنّ المساواة المقصودة هي المساواة القانونية، أي مساواة الناس جميعاً أمام القانون من ناحية الحقوق و الواجبات و الحماية القانونية. هذه المساواة التي أقرّتها الدساتير و الشرائع الداخلية و الدولية. و أصبح من غير الغريب أن تجد مجتمعاً متعدّد الأعراق و الأصول كفئة موحّدة وفق منظومة من البنى القانونية، و المفاهيم الاجتماعية و القيمية التي تشترط عدم التميز و المساواة في الحقوق و الواجبات. و قد أدّى هذا إلى إنهاء مفهوم العنصرية الذي أصبح مفهوماً مثيراً لاشمئزاز الإنسان، و تعزّز ذلك عبر كفاح الشعوب ضدّ أنظمة الاستعمار من أجل إزالة نظام التمييز العنصري كما حصل في كفاح شعب جنوب إفريقيا، و كذلك عبر حركة الحقوق المدنية والتي عبّر عنها مارتن لوثر كنج في الولايات المتّحدة الأمريكية، تلك الحركة التي أفضت إلى إلغاء كلّ القوانين العنصرية بحقّ السود الذين كان يتمّ التعامل معهم بوصفهم كائنات إنسانية من الدرجة الثانية أو الثالثة. من هذا فقد أجمعت الدساتير الدولية على أنّ للأفراد الحقّ في أن لا تتعرّض شخصيّتهم أو وطنيّتهم للشكّ أبدا نتيجة معتقدهم أو أصلهم أو دينهم أو لغتهم أو رأيهم. و لا يجوز إجبار المواطن على التخلّي عن جنسيّته أو إسقاطها عنه دون رغبته.
وتتمثّل أهمّ حقوق المواطنة فضلاً عن المساواة القانونية بمجموعة الحقوق الآتية:
1) الحقّ في السلامة الجسدية: للمواطنين الحقّ في احترام سلامتهم الجسديّة و عدم المساس بها أو تعريضها للتعذيب.
2)  الحقّ في العمل: للمواطنين حقّ العمل في أي مهنة أو مكان حسب اختيارهم الشخصي الحرّ
و تقوم الدولة وفق نظام الضمان الاجتماعي بإعالتهم في حالة البطالة أو العوق البدني أو العقلي.
3) الحقّ في السكن: لكلّ مواطن الحقّ في السكن أينما يشاءون داخل الوطن و لهم حقّ الحصول على السكن الشعبي المناسب من الدولة في حالة عجزهم عن توفيره.
4) حقّ التعليم: للأفراد المواطنين حقّ الحصول على التعليم لكلّ المستويات و حقّ تأسيس المدارس و الكليات الخاصّة و يحقّ لهم الحصول على التعليم الابتدائي بأي لغة وطنية رسميّة مقرّة في وحدتهم الإداريّة، إضافة لحقّ تعلّم أي لغة من هذه اللغات في المدارس حيثما كان ذلك ممكناً.
5) الحقّ في دعم ورعاية الدولة:  للمواطنين الحقّ في الحصول على دعم الدولة للقيام بعمل مكرّس لخدمة المنطقة التي يسكنون فيها، كتطوير الثقافة و الفنون و العلوم و الرياضة البدنية، أو القيام ببرنامج لرعاية و حفظ البيئة، أو حفظ المواقع و الشواهد الدينية و الأثرية و التاريخية و صيانتها و تطويرها. كما أنّ من حقّ المواطن على الدولة أن تقوم بتطوير المواصلات و الخدمات العامة،
و حماية البيئة و صيانتها و تحسينها و تخضير المدن و العناية بنظافتها، و حماية و رعاية حقوق الأجيال القادمة و المحافظة عليها.
6) الحقّ في الخدمات الصحّية: للمواطنين الحقّ في الرعاية الطبية و التأمين الصحّي المجاني
و الحصول على العلاج الطبّي المتخصّص على حساب الدولة مع حقّ تلبية حاجة الريف إلى الخدمات الصحّية المجانية بنفس مستوى المدينة.
7) حقّ اللجوء إلى القضاء: للفرد المواطن حقّ اللجوء إلى القضاء للحصول على حقوقه و لا يجوز تقديمه إلى محاكم خاصّة. و لكلّ فرد الحقّ في محاكمة عادلة و له حقّ الحصول على المساعدة و الحماية القانونية إذا لم يتمكن من تحمّل كلفتها. و له حقّ الوصول إلى أي معلومة في الدولة لممارسة أو حماية أي من حقوقه. كما لا يجوز حرمان أو تجريد المواطن من حياته أو حريته أو ملكيته بدون الإجراءات القانونية المناسبة.
8) الحقّ في الملكية: لكلّ مواطن الحقّ في شراء و حيازة و تملّك و ورث و توريث الممتلكات الخاصّة و استخدامها حسب رغبته و لا يحرم من ممتلكاته بدون التعويض المناسب.
9) الحقّ في التصرّف:  للمواطن الحقّ في القيام بما يشاء أو الامتناع عن ما يشاء حسب اختياره  و يكون مسؤولاً عن أفعاله التي قام بها أو امتنع عنها باختياره الحرّ.
10) الحقّ في الخصوصية: للمواطن الحقّ في العزلة و حماية خصوصيته و الحقّ في أن تكون حرمة و سرّية داره و سكنه و رسائله و بريده و اتّصالاته مصانة و له الحقّ في الاطلاع على سجّلاته لدى الدولة أو أي مؤسّسة في المجتمع تحتفظ بسجّلات عنه.
11) حقّ اللغة: لكلّ مواطن الحقّ في استخدام لغته المحلّية والتعلّم بها و تعليم أولاده و تكون أي لغة رسمية إلى جانب اللغة الوطنية، إذا قرّر ذلك سكّان الإقليم الإداري المعني في استفتاء يُجرى في ذلك الإقليم.
12) الحقّ في رفض ذكر القومية أو الدين في الوثائق: للمواطن الحقّ في الحصول على وثائق سفر أو وثائق شخصية موحّدة سارية المفعول لا تحتوي على أيّ إشارة تفريق أو تمييز. و يمكن أن يذكر في شهادة المواطنة القومية و الدين إذا رغب المواطن بذلك و قدّم طلباً بذلك.
13) الحقّ في الإدارة الذاتية: للمواطن الحقّ في انتخاب الإدارة الذاتية و المحلية و البلدية لمحافظته و منطقته و قضائه و ناحيته و غيرها من الوحدات الإدارية في الدولة انتخاباً مباشراً.
14) حقّ الحماية و التعويض: للمواطن الحقّ في الحصول من الدولة على الحماية اللازمة من الإرهاب و التطرّف و الكوارث. و له الحقّ في التعويض من الدولة بقرار من المحكمة المختصّة إذا تمّ التجاوز على أيّ من حقوقه أعلاه.
15) حقّ الإرث و الشهادة و الاختيار: للمواطن حقّ الإرث و الشهادة و الاختيار في أحكام الأحوال الشخصّية بين القانون المدني و أحكام القضاء الشرعي.
16) الحقوق الإجرائية: للمواطن الحقّ في عدم اعتقاله أو استجوابه من قبل أيّ سلطة بدون أمر قانوني ساري المفعول صادر عن حاكم مختصّ. و لا تجوز محاسبة الفرد على فعل ما لم يكن مخالفاً لقانون سبق صدوره ذلك الفعل كما لا يجوز إصدار قانون بأثر رجعي إلاّ بالتعويض المناسب عن الخسائر المترتّبة على تطبيقه و لا تجوز محاسبته على فعل مرّتين كما لا يجوز أن يعاقب شخص بجريرة شخص آخر.
17) حقّ المتّهم أو الموقوف: للمتّهم أو الموقوف الحقّ في محاكمة سريعة و علنية و أن يعتبر بريئاً حتّى تثبت إدانته و أن يبلغ فوراً بسبب اتّهامه أو توقيفه و له الحقّ في استشارة محام أو الحصول على محام من المحكمة المختصّة إذا لم يكن قادراً على توفير كلفة ذلك و له حقّ الاتّصال بأهله و طبيبه. و لا يجوز تسليم المتّهم إلى أي دولة أجنبية لأيّ سبب كان.
فضلاً عن العديد من الحقوق الأخرى. لكن هناك في الوقت الحاضر مجموعة من حقوق الإنسان التي توصف بأنّها حقوق حديثة كالحقّ في بيئة نظيفة، و الحقّ في التنميّة، و الحقّ في السلام، و الحق في التضامن الإنساني، و... ما إلى ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق