إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

الخميس، 20 مايو 2010

الخصوصيّـة و الكونيّـة

الإنساني بين الكثرة و الوحدة: الخصوصيّـة و الكونيّـة
الأستاذ: سامي الملّولي ـ معهد الحبيب ثامر ـ صفاقس ـ
 فاتحة قول: " سارعوا فلا مخدعة كالأمن و لا حصن أمنع من إساءة الظنون" ـ ابن سينا ـ رسالة الطيرـ
قدر الفلسفة أنّها تمارس التظنّن و" إساءة الظنون" في كلّ ما يعترضها من مسائل و لعلّنا اليوم و إذ نشهد هذا الزّخم، و هذه الضوضاء حول الكونيّة / الكونويّة، العالميّة / العولميّة ـ العولمة يجعلنا أمام ضرورة طرح السؤال:
لماذا التفكير في مسألة الخصوصيّة و الكونيّة ؟؟؟  هل من راهنيّة لهذا السّؤال ؟ و أي رهانات يمكن تحديدها له ؟ أو ما عسانا نكشف من رهانات لهذا السّؤال ؟؟
قد يكون هابرماس محقّا في التأكيد على" إيتيقا الحوار" أو على "العقل التواصلي"، تماما كما أنّ الأطروحة الفينومينولوجيّة و خاصّة مع ميرلوبونتي حين أكّد بأنّ التواصل ضرورة أنطولوجيّة و أنّه قدر الإنسان أن يتواصل، سواء كان هذا التواصل أفقيّا أو عموديا فإنّه يثوي على جملة مـن الخصوصيات الثقافيّة و الحضاريّة بل إنّه يؤكّد على الطابع الاختلافي بين الشعوب. و إذا كان سؤال البدء في الفلسفة هو "ما الإنسان ؟"  فإنّ هذا السّؤال يتشظّى و يتذرّر (من الذرّة) ليُلامس الإنسان في جميع أبعاده، و لينتقل حقل المساءلة من السّؤال عن الماهيّة إلى السّؤال عن الهويّة. لعلّ القراءة النقديّة الواعية برهانات التظنّن في المسألة تُبيّن بأنّ البحث في الإنساني هو في حدّ ذاته محور المساءلة و رهانها، فالرّهان الحقيقي هو تحقيق الوعي بمدى حاجة الإنسان إلى التعرّف على ما هو إنساني في الإنسان، و البحث عن طبيعة العلاقة بين الخصوصيّة و الكونيّة إن كانت علاقة تتقوّم على التماثل أم التنافر أم التكامل أم التقابل أم التحايث.... تماما فإنّ عمليّة التظنّن تكشف على تأرجح الإنسان بين الانشداد إلى خصوصيته و التمسّك بمقوّمات هويّته و بين توقه للانفتاح على تنوّع أنماط الوجود الإنساني الممكنة. أي السعي للانخراط في الكونيّ / الانتماء للكونيّ. إنّ الفكر المتظنّن يكشف عن خصوصية الواقع الإنساني بما هو واقع فسيفسائيّ يعبّر عن التعدّد و التنوّع و الاختلاف، كما يكشف عن هيف طبيعي إنسانيّ نحو الكونيّ، علاوة عن كون هذا الواقع يكشف نفسه أيضا بما هو واقع صراع و صدام و اصطدام و عنف، اكتسب مشروعيته من خلال جملة من السّندات مثل الحديث عن الحرب الصليبيّة بما هي حرب مقدّسة أو عن الفتوحات الإسلامية أو الحرب من أجل تحقيق الحرّية و الديمقراطيّة و تحقيق حقوق الإنسان (احتلال الحلفاء لألمانيا بعد الحرب العالميّة الثانية أو الاحتلال الأمريكي للعراق...). أو الحرب من أجل نشر قيم الحقّ و الدّفاع عن إنسانيّة الإنسان (الحملات الاستعمارية) أو أحدث أشكال "الموضة" في الحروب على الإنسانيّة بما هي الحرب على الإرهاب (كالحرب على أفغانستان أو الحرب على غزّة...). كما يكشف هذا الواقع عن وجود أقلّيات تسعى بدورها إلى "افتكاك الاعتراف" بخصوصياتها و العمل على فرض ذاتها و عن حقّها في الاختلاف، مثل الأقلّيات البربريّة في شمال إفريقيا أو الأكراد أو التركمان أو العرب في بلاد فارس (إيران)... وهي أقلّيات تؤكّد على حقّها في الحفاظ على هويّتها و كيانهـا، وهو ما يتضمّن الإشارة و التنبيه إلى وجود خطر يهدّد هذه الأقلّيات و بالتّالي الكشف عن وجود اختراقات ثقافية لخصوصيات ثقافيّة أخرى وفق مبرّرات الانخراط في الكونيّ وهو ما يحيل على التشديد على مخاطر النظرة الأحاديّة للخصوصية تماما كما يحيل على مخاطر ادّعاء الكونيّة. رغم التأكيد بأنّ الكونيّة هي مشترك إنساني، غير أنّ ذلك لا ينفي وجود ثقافات منغلقة أو هي تسعى ـ كما أكّدنا ـ إلى الانغلاق على نفسها كردّة فعل دفاعيّة عن خصوصياتها و إعلانا عن الرّفض القطعيّ للكونيّة. و سيّان إن تعلّق الأمر بعمليات الاختراق و الاكتساح أو بعمليات الانغلاق، بالتحلّل و بالانحلال أو بالتعصّب و القطيعة و الرفض، فإنّ ذلك يؤكّد على وجود أزمة هويّة أو على هويّات متأزّمة عند البعض و" فائض هويّة " عند البعض الآخر. لكن ألا يمكن للخصوصيّة أن تنفتح على الكونية دون أن تتحلّل فيها ؟ ألا يمكن للكوني أن يكون المجال الذي يحمي الخصوصيات ؟ هل أنّ صياغة عنوان المسألة  "الخصوصيّة و الكونيّة"  و الواقع الرّاهن المهترّئ و المتأزّم يدعونا إلى الانخراط في إميّة حضاريّة / ثقافيّة، إمّا اختيار الكوني أو الدفاع على الخصوصيّة ؟ ثمّ، ألسنا أمام مفارقة حادّة تتمثّل في وجود دلالتين متقابلتين للكونيّ: كونيّ نتوق إليه بما هو الكونيّ الثّاوي للقيمة و القيم الإنسانيّة لذلك نجد أنفسنا مدفوعين للعمل على الانخراط فيه و الدفاع عنه، بل و إلى السعي لإنقاذه... و كوني آخر مغاير، هو كونيّ إمبريالي، توسّعي، يتوجّب علينا أن ننقذ أنفسنا منه، بما هو الكونيّ المتأسّس على فكرة الحضارة / الثقافة النموذج أو المركز أو بما هي جوهر الكونيّ الذي يتوجّب إكسابه صفة الكليّ و بالتالي إعطاءه خاصيّة الإنسانيّ ليكون "الكونيّ الإنسانيّ"  لنجد أنفسنا أمام لغو البحث عن تحديد جنس العلاقة بين الإنسانيّ و الكونيّ و بين الكوني الإنساني و العالمي و بين الكوني و العالمي و العولمي و العولمة... إنّ التفكير في" الخصوصيّة و الكونيّة" يحمل في طيّاته أفكارا و رهانات ملغومة قد تنفجر فينا و قد نبطل انفجارها، لذلك فإنّ التظنّن النقدي الفلسفي ـ الواعي براهنيّة الإنسان المأزوم ـ يراهن على البحث في أوجه العلاقات الممكنة بين الخصوصيّة و الكونيّة، إن كانت هذه العلاقة قد تجسّدت كعلاقة تناظر أو علاقة تشارط أو علاقة تكامل أو علاقة تقابل... تماما كما نجدها في علاقة الإنّية بالغيريّة، لكن هذه المرّة مع إنيّة تجسّدت هويّة و غيريّة تجسّد تنوّعا و اختلافا و كونيّة. إذا كانت الخصوصيّة تحيل على مفهوم الهويّة، فكيف يمكننا مقاربة دلالة الهويّة ؟ هل بما هي أحد المقولات المنطقيّة و التي تحيل إلى تحديد كان أرسطو قد حدّد معالمه، و بالتالي نكون أمام مقولة تتأسّس على "الهو هو" أو "الهوـ هو الذي لا يمكن أن يكون غير هو"  أم باعتبارها هوّية متحقّقة في التاريخ أوهي ما يتحقّق في التاريخ، هذا التاريخ الذي يفترض وجود جملة من الاستلزامات كالحركة و التغاير و التحوّل و التنوّع و التثاقف ...؟؟؟ وهو ما يفترض منّا ممارسة فعل التظنّن و المساءلة: هل نحن إزاء الهويّة بما هي حقيقة بسيطة أم أنّها تنخرط في خانة الحقائق المركّبة و بالتالي نكون أمام الهويّة المركّبة و هل أنّ الهويّة تعود إلى جذور واحدة أم إلى جذور متعدّدة و متنوّعة و مختلفة من حيث الأصالة و الخصوصيات و بالتالي هل نحن أمام هويّة و خصوصيّة منغلقة أم نحن أمام هويّة تتأسّس على الانفتاح، لكن ألا يكون ذلك بمثابة التشريع للانفتاح وبضرورة التأثّر بالتاريخ و التأثير فيه و إضفاء مشروعيّة على الاحتواء و التكيّف مع المُستجدّات الحضاريّة. لكن، ألا نكون مرّة أخرى أمام إحراجيّة المسألة ؟؟ فإذا كنّا أمام الهويّة البسيطة فإنّنا نكون أمام التشريع للانغلاق و التقوقع و إضفاء المشروعيّة على كلّ عملية دفاع عن هذه الهويّة الثقافيّة و رفض كلّ غيريّة حضاريّة قد " تنوي" تهديدها و التعصّب و إمكان ادّعاء امتلاك الكونيّ، و بالتالي فكّ الارتباط بكلّ ما هو آخر حضاري و الانغلاق على "الأصيل و "الأصالة" و "الخصوصيّ" و "الحقيقيّ" و "الذاتيّ" و رفض كلّ إمكان للتواصل مع الآخر أو "الغيريّة الحضاريّة"، و التأرجح بين رفض للكونيّ و ادّعاء لامتلاكه... و إذا كنّا أمام الهويّة ذات الطابع المركّب، أي الهويّة التي ساهمت في تشكّلها عوامل متعدّدة و متكثّرة و مختلفة فإنّنا نكون أمام وجه مثاليّ و جميل للكونيّة بما أنّها تتحدّد كأفق تتحقّق فيه الخصوصيّة. تماما فإنّ هناك إحراج آخر يعترضنا: ألا يمكن أن يكون الكونيّ مقولة إيديولوجيّة وجدت في أرضيّة القطب السياسي و الاقتصادي الواحد المبرّر  و المشرّع لبسط رهان هيمنة خصوصيّة على خصوصيات أخرى ؟ و بالتالي لن نكون أمام الكوني "الإنسانيّ" بما هو أفق لتحقّق الخصوصيّ بل بما هو كونيّ ـ أفق للنجاعة وهو ما تتستّر وراءه مقولة العولمة. فهل يعني ذلك أنّنا إزاء كوني عولميّ و ليس أمام كونيّ إنسانيّ ؟؟
1 ـ  في دلالــة الخصوصيّــة:
لعلّ القراءة الأوّليّة لمفهوم الخصوصيّة تجعلنا أمام دلالة السّمات الفرديّة الجزئيّة التي قد يتميّز بها شخص ما عن غيره و هنا تتحدّد كسؤال عن الذات الذاتيّة الفرديّة، و قد تحيل على خصوصيات نوع، لتكون المحدّدة للتميّز النوعي للإنسان مثلا، و هنا يُحتكر السّؤال في البحث عن الماهيّة أو الإنيّة، و قد تحيل على التميّز في حدود ما هو إنسانيّ في علاقته مع وحدات الوجود الاجتماعي ممّا يفرز التميّز الثقافي و التنوّع الحضاري بشكل نكون فيه أمام دلالة الهويّة. فبأيّ معنى يمكن أن تتحدّد الخصوصيّة هويّة ؟؟؟ إنّ البحث عن التحديد لا يمنع الإشارة إلى كون المساءلة عن الخصوصيّة أو الهويّة هي من أكثر المسائل إحراجا لما تمثلّه الهويّة من راهنيّة طرح سواء تعلّق بالشعوب حديثة التكوّن أو تلك ذات الإرث و الأصول الحضاريّة الموغلة في القدم. و يمكن تحديد الهويّة بكونها ذلك: "الشعور العميق الوجودي للإنسان، و الشعور العميق الخاص بانتمائه. و يمنح الانتماء المراد غايته و أمل حياته: المسؤوليّة عن هويّة الجماعة و استمراريّـة أنماط تراثها المختلفة، الماديّة و الرّوحيّة، و الأمل في أنّ جهوده الإبداعيّة و الوجوديّة لن تذهب هباء بموته، بل ستُغذّي حياة الجماعة حتّى بعد وفاته. [ د. رشاد عبد الله الشامي / إشكاليّة الهويّة في إسرائيل /صفحة 7 / سلسلة عالم المعرفة عدد 224 ] و لعلّ ذلك ما كان تايلور قد أكّد عليه بما أنّ المساءلة عن الهويّة هي مساءلة عن الخصوصيّة، أو بما أنّ الهويّة هي المحدّدة الخصوصيّة، و إن كان تايلور قد شدّد على اعتبار الهويّة عمليّة انتماء إلى موقع اجتماعي أو ثقافي و التزام بموقف و قيم تُفصحُ عن الخصوصيّة، علما و أنّ للالتزام دلالة صارمة تستوجب الوعي بهذا الانتماء و تحقيق موجباته و استحقاقاته فالالتزام هو " الوعي بضرورة الوفاء لمشروع إنساني محدّد المبادئ. و الالتزام حسب جون لادريار في مقاله بالموسوعة العالميّة يتعارض مع اللامبالاة كما يؤكّد لادريار أنّ الالتزام يتقوّم على ثلاثة مرتكزات وهي:
1 ـ الانخراط.
2 ـ المسؤوليّة.
3 ـ التطلّع إلى المستقبل...
 فالإنسان الملتزم بقضيّة ما أو بفكرة أو بخصوصيّة يشعر أنّه معنيّ بها فتعكس مواقفه انخراطا في مُجريات الأحداث يُترجم في أفعال تضفي على وجوده معنى قد يلتقي بتطلّعات الإنسانيّة جمعاء. (كتاب الفلسفة للسنة الثالثة آداب. صفحة: 262 " نافذة دعائم للتفكير في المسألة" بتصرّف ) إنّ الإلزام حسب تايلور هو الذي يُمكّن الذات من الحكم و التقييم بما أنّ احتلال الموقع هو ما يحيل على الانتماء وهو يجعل الذات تتبنّى نظاما تقييميّا يكون لها مرجعا لتحديد الخير و الصالح و يحدّد ما يجب فعله و ما يتوجّب الامتناع عنه، بل و حتّى ما يتوجّب قبوله من الآراء و المواقف و الأفكار و الممارسات و ما يكون من الضروريّ الاعتراض عليه. يقول تايلور" أن أعرف من أكون يعني أن أعرف الموقع الذي أحتلّه"  وهو ذات الموقع الذي من خلاله تتحدّد هويّة الذات حيث يقول: " تتحدّد هويتّي عبر الالتزامات و ضروب تحقّق الذات التي تعيّن الإطار أو الأفق الذي أستطيع فيه محاولة الحكم حالة بحالة على ما يكون خيرا أو صالحا، على ما يجدر فعله وما أقبله أو ما أعترض عليه "  تماما فإنّ الهويّة قد تتحدّد من خلال الالتزام الأخلاقي أو الرّوحي الدينيّ و لعلّ ذلك ما نلمس صداه في الأطروحة السوسيولوجيّة مع ديركهايم حيث يعتبر أنّ الدين هو من أهمّ المحدّدات للهويّة و لعلّ ذلك ما يترجم قوله :" إنّ المعتقدات الدينيّة الخالصة تكون دوما مشتركة بين مجموعة محدّدة تجهُر بها وتمارس طقوسها المترابطة، وهي ليست مقبولة فحسب على نحو فرديّ، من جميع أعضاء هذه المجموعة، و إنّما تعتبر ملك المجموعة، و ما يُحقّق وحدتها"  (كتاب الفلسفة: 4 ثانوي / شعب علميّة ص: 159 نصّ "المقدّس الديني) كما أنّ الهوية قد تتحدّد في الانتماء إلى الأمّة أو إلى تراث حضاري. وهو ما يحيل على جملة من المرتكزات الأخرى في تحديد الهويّة مثل اللغة... على النقيض تماما يؤكّد تايلور مخاطر فقدان هذا النوع من اليقين و المعيار للحكم و للالتزام حيث ينبّه من خطر ضياع القدرة على أخذ القرار و من الالتزام به الأمر الذي يؤدّي إلى الاغتراب و يكشف عن حالة أزمة هويّة وهي حالة اعتبرها تايلور "تجربة مؤلمة و مرعبة"  و لعلّ ذلك ما أشار إليه يوسف أورّن في كتابه "القلم كبوق سياسي "حيث يرى أنّ أزمة الهويّة هي حالة من الحيرة و أنّ الخطورة تكمن في استفحال هذه الحيرة  "و إذا ما تواصلت هذه الحيرة و أصبحت بمنزلة سمة لعدد من الأجيال على التوالي، فإنّ هذا دليل قاطع على أنّ الجماعة لم تنجح في أن تحافظ على تواصل أبنائها بها" و لمّا تبيّن أنّ الخصوصيّة حين تعيّنت هويّة فإنّها تفتح المجال للحديث عن تنوّع و اختلاف بين الخصوصيات و الهويّات ممّا يجعلنا أمام إحراجيّة التنوّع بين الرفض و التقريظ، بين التأكيد على مشروعيّة النظرة الأحادية للخصوصيّة و بين الإقرار بضرورة التنوّع الحضاري و بداهة الانخراط في الكوني. فكيف نتبيّن ذلك ؟؟؟
2 ـ مخاطر النظرة الأحاديّة للخصوصيّة و مخاطر ادّعاء الكوني:
قد يصدق القول إنّ كلّ خصوصيّة تتضمّن نظرة أحاديّة، فإذا كانت الخصوصيّة قد تحدّدت كمقوّم حضاري ثقافي، فإنّ ذلك يُحيل على إحراجية الاعتقاد ببداهة الكمال و بالتالي بالمركزيّة الثقافيّة وهي قناعة تجعل من التفاضل و المفاضلة أساس العلاقة بين الشعوب. وهو اعتقاد يرتكز على التعصّب و الدغمائيّة، ممّا يجعل المتعصّب يرى هويّته الهويّة الوحيدة ذات المشروعيّة و المعبّرة عن الإنساني في الإنسان و لعلّ المماثلة التي قدّمها فولتير بين التعصّب و نسبته إلى التشاؤم نسبة العدوى إلى الحمّى و بنسبة الغيض إلى الغضب. فالتعصّب بما هو انحياز لا موضوعي / "أعمى" هو في حقيقة أمره يتأسّس على المغالطات و ليس على الحجج العقليّة. لذلك يقدّم المتعصّب أشباه حجج و يعتمد على تضخيم ظاهر الحقّ حتّى يشرّع للنظرة الأحاديّة للخصوصيّة كالاستناد على تصوّرات دينيّة كالمعتقد اليهودي القائل بأنّ اليهود هم شعب الله المختار، وهو المعتقد الذي انبنت عليه جملة من القناعات و لأفكار التي كرّست احتلال فلسطين باعتبارها أرض الميعاد ما بعد الشتات، أو ما عمدت إليه الحملات الاستعماريّة من رسم الأهداف النبيلة التي تسعى لترسيخها في البلدان "البدائيّة " أو "البربريّة " أو "المتوحّشة " أو الهمجيّة ". فالمجتمعات غير الغربيّة في نظر الغرب هي أقرب للتجمّعات الحيوانيّة من الاجتماع الإنساني. وهو ما نلمس صداه في قول جون أوغلبي في كتابه " إفريقيا "john ogibly, africa, london 1670 p.34" في وصفه للآخر الحضاري "البدائي": " كفّار أو منحلّين يِؤمنون بالعديد من المبادئ الإلحاديّة و يعيشون مع بعضهم عيشة إباحيّة.. و يجرون وراء.. شهواتهم التي لا يكبح جماحها كابح " بل إنّهم يفتقرون للحياة المدنيّة المنظّمة " أمّا الحكومات فلا يعرفونها و لا سمعوا بها، فهم يعيشون في حالة الفوضى، و يقادون في كلّ المناسبات كالقطعان الهادرة، و يهدؤون أحيانا كالماشية وهي تتناول طعامها، و يجرون وراء ملذّاتهم العابثة. " وهو ذات الموقف الذي قال به وليام تان رهين "William ten rhyme, a short account of the cape of good hope"  إنّ هؤلاء البرابرة الذين لا يردعهم قانون و الوثنيين اللاأخلاقيين لا يمارسون إلاّ تلك العادات التي تدفعهم لها الغرائز العمياء دفعا لا يقاوم ". فمخاطر النظرة الأحاديّة يمكن اختزالها في الاعتقاد بأفضليّة خصوصيّة عن بقيّة الخصوصيّات. وهو ما شرّع في الماضي البعيد عمليّات اقتناص السود أو الحملات الاستعماريّة، فواقعة الاتّجار بالعبيد وجدت مبرّراتها في قناعات أو معتقدات دينيّة من ذلك ما نجده في موقف الطاهر بن جلّون في كتابه:
le racisme expliqué à ma fille (1998) " le colonialiste considère qu'il est de son devoir , en tant qu'homme blanc et civilisé , d'aller "apporter la civilisation à des races inférieures".il pense ,par exemple , qu'un africain , du fait qu'il est noir, a moins d'aptitudes intellectuelles qu'un blanc, autrement dit qu'il est moins intelligent qu'un blanc.
وهو الموقف الذي يبيّن الخلفيات العنصريّة التي تتقوّم عليه نظرة أحاديّة للخصوصيّة بشكل بدا فيه الأمر و كأنّه قدر "إلاهي" على شعوب أن تتحمّل الرقيّ بشعوب أخرى وهي مغالطة كرّستها الإيديولوجيات الاستعماريّة بشكل أصبح البعض" يرى أنّ من الحداثة فرض الحداثة على الآخرين ما دامت تمثّل الخير الأسمى الذي يجب تعميمه. لكنّنا نعرف أنّ كثيرا ما تشكّل المثل النبيلة سلاحا خطابيا يبرّر السيطرة و بسط النفوذ" (السند: تمهيد عـــ25ـدد الوارد في كتاب الشعب العلميّة صفحة 169). فالنظرة الأحاديّة للخصوصيّة بقدر ما تعلن قيامها على قيم إنسانويّة فإنّها تُضمر طمس لما هو إنساني و المتمثّل هنا في الهويّة الثقافيّة / الحضاريّة لأمّة ما. و قد نلمس صدى ذلك في ما ورد في مقالة " الغرب المتمدّن ينظر إلى إفريقيا البدائيّة" لــ كاثرن جورجو هو الفصل 9 من كتاب البدائيّة الذي حرّره أشلي مونتانيو (عالم المعرفة عدد53) " فهذا رحّالة يؤكّد أنّ بعض الزنوج الذين يعيشون في منطقة لا يحدّدها الرّحالة ذاته بوضوح جنوب الصحراء " يمارسون الجنس كالحيوانات: الأب مع ابنته و الأخ و أخته " و يؤكّد نفس الرّحالة أنّ أولئك الزنوج " يأكلون اللّحم البشري" وهي عادة حيوانيّة أيضا. و قد كانت كلّ غرابة في الملبس أو المأكل أو المسكن تجرح الأحاسيس الأروبيّة تستخدم لرسم صورة الحيوانيّة الإفريقيّة هذه." كما نجد في هذه المقالة إحالة على عمليّة التبرير للاتّجار بالرقيق من قبل البرتغاليين بعد عمليّة صيدهم أو اقتناصهم حيث تحيل على ماورد في كتاب أزورارا azurara / the chronicle of discovery and conquest of guinea "من وصف للوضع السعيد الذي وجد الأفارقة ـ الذين أصبحوا عبيدا ـ أنفسهم فيه: " و هكذا غدا وضعهم عكس ما كانوا عليه، لأنّهم كانوا في السّابق يعيشون في حالة لا رجاء فيها للروح أو للجسد: للروح لأنّهم كانوا وثنيين مقطوعين عن صفاء الدين المقدّس ونوره لأنّهم كانوا يعيشون كالحيوانات لا تنظّم حياتهم عادة من عادات العقلاء، و لم يكونوا يعرفون الخبز أو الخمر، ولا تغطّي أجسادهم الملابس، ولا تأويهم البيوت. و الأسوأ من كلّ ذلك أنّهم، بسبب ما كان يستبدّ بهم من جهل، لم يكونوا يعرفون الخير، ولا يعرفون إلاّ العيش في خمول بهيميّ. " فجملة هذه الأقوال تبيّن كيف كانت النظرة الأحاديّة للخصوصيّة هي التي كانت تقود الحملات الاستعماريّة و تقدّمها كحملات إنسانيّة بل هي مخاطرة من أجل الإنسان و تثبيت الإنسانيّ بما هو يحيل على هذه المبادئ الكونيّة المتمثلّة في تعاليم الدين المسيحي غير أنّ ذلك و كما بيّنا قد انبنى على مغالطات عديدة و لعلّ ما أشار إليه سارتر sartre في تقديمه لكتاب مختارات جديدة من الشعر الزنجي و الملاجاشي التي كان سنجور قد جمعها: " يتعلّم الزنجي أن يقول أبيض كالثلج حين يشير للبراءة، و يصف النظرة التي لا ترضيه فيقول إنّها سوداء، و يصف الروح بأنّها سوداء إن كانت شرّيرة، و الفعلة السوداء إن كانت قبيحة، أي أنّه يدين نفسه، يتهّمها أوّل ما يفتح فاهه." وهو ذات الموقف الذي نعثر عليه عند هتلر لحظة تمجيده للجنس الآري و تنزيلهم منزلة أرقى عن غيرهم من الأجناس، فالجنس الآري حسب هتلر هم مصدر الحضارة بل إنّهم هم من أكسبوا الإنسانيّة صفة الإنسانيّة (راجع النصّ الوارد في كتاب الفلسفة للسنة الثالثة آداب ) " لعلّه من غير المجدي أن نناقش مسألة معرفة أيّ عرق أو أيّة أعراق كانت في البدء مؤتمنة على الحضارة الإنسانيّة و يعود إليها بالتالي فعليّا فضل تأسيس ما نسمّيه اليوم بالإنسانيّة. و إنّه من اليسير أن نطرح على أنفسنا السؤال في علاقة بالحاضر و عندها سيكون الجواب سهلا و واضحا. أنّ كلّ ما هو ماثل أمامنا من حضارة إنسانيّة و من منتجات الفنّ و العلم و التقنية هو تقريبا ثمرة النشاط الخلاّق للآريين دون سواهم. و هذا الأمر يسمح لنا بأن نستنتج تبعا لذلك و دون أن تعوزنا الحجّة، إنّهم كانوا وحدهم المؤسّسين لإنسانيّة راقية وهم بالتالي يمثّلون النمط الأوّلي لما نعنيه بـ " الإنسان ". إنّ الآري هو برومثيوس الإنسانيّة و قد انقدحت شرارة النبوغ الربّاني في كلّ الأزمنة من جبينه المنير". فـهتلر هنا (في كتابه " كفاحي ") يعود إلى الأصل الأوّل للجنس الجرماني الذي يتمثّل في الآريين علما و أنّ هذه الكلمة تعود في أصلها إلى اللغة السنسكريتيّة (لغة الحضارة الهندو ـ أوروبيّة) و تحيل على دلالة الرفعة و النبل و الشرف للعرق الأبيض الخالص. و بالتالي أخذت الكلمة دلالة إيديولوجيّة في ألمانيا النازيّة. إذا كانت النظرة الأحاديّة للخصوصيّة قد انبنت على تصوّرات مغالطيّة و على تأويلات إيديولوجيّة و نظرة تفاضليّة بين الهويّات و الخصوصيات فإنّ ذلك ما اعتبره مونتانيو رفضا للغيريّة الحضاريّة، و تقوقعا داخل خصوصيّة يعتبرها أصحابها قد حقّقت الكمال في جميع أوجهها و تمظهراتها لذلك يترفّعون عن خصوصيات يرون فيها سمات لا إنسانيّة ولا أخلاقيّة لذلك يرى مونتانيو لا موضوعيّة الحكم بالهمجيّة على الآخرين لمجرّد أنّهم يخالفوننا الهويّة و العادات و التقاليد و الديانات حيث يقول: "كلّ واحد يسمّي همجيّا ما لا يتّفق مع عوائده" غير أنّ النظرة الأحاديّة للخصوصيّة المرتكزة على جملة هذه الخصائص السابقة تقابلها نظرة أحاديّة مضادّة، هي ردّة فعل على ما كابدته المجتمعات غير الغربيّة أو الأوروبيّة من استغلال و استعمار و استعباد و استنقاص من قيمتها و من خصوصياتها و من تكوّنها الفيزيولوجي و حطّ لها بالاستناد إلى لون بشرتها حيث نجد الشاعر النيجيري دنيس أوسادباي D.Osadebay  يقول:
أنا لا أملك بندقيّة و لا أملك قنبلة
أنا لم أصلح للحرب بعد
جلبت لي صليبك ثمّ قذفت بي
لقد أصبح قلبي مليئا بالمرارة
أخبرتني أن أغمض عيني و أصلّي
لكنّك كنت تسرق أرضي
(ورد في قضايا إفريقيا للدكتور محمد عبد الغنّي سعودي/ سلسة عالم المعرفة عدد: 34) كما أنّ سنجور قد أكّد في مجموعته الشعريّة على أنّ الزنجيّة أو الزنوجيّة هي ضرب من عنصريّة جديدة أو هي عنصريّة ضدّ التمييز العنصري كما حدّدها سارتر في تقديمه لأعمال سنجور. و لعلّ ما قدّمه سنجور في تحليل موقف الطلبة الزنوج الذي استهلّه بالسؤال: "ألم تكن الزنجيّة عنصريّة جديدة ؟" وهي عنصريّة مضادّة " فلتفترضوا أنفسكم بجلد أسود لمدّة خمس دقائق، أنا أعرف أنّ هذا صعب عليكم، و لكن ليس هناك من طريقة لاكتساب الخبرة عن موقفنا حينئذ سوى هذه الطريقة، ارجعوا بأنفسكم إلى الوراء ثلاثين عاما إلى سنوات ما بين الحربين، كنّا طلابا زنوجا نعيش في الحي اللاتيني بفورة الشباب و عاطفته، و أيضا بسذاجته و عفويته" كما يذكر سنجور حالات الإحباط التي كان عليها ذلك الشباب و كيف كان ينظر إليهم بما هم خالين من العبقريّة و مجرّدون من القيم، بل هم مجرّد شحّاذين تطفّلوا على مائدة الرجل الأبيض "علّمونا في المدارس الثانويّة أنّنا لم نكن مدعوّين على مأدبة العالم". ما يمكن الإشارة إليه هو أنّ ما يكون موضع نقد هنا ليس النظرة الأحاديّة للخصوصيّة بقدر ما يتوجّب علينا الكشف عن إشكال يتحدّد ليس كفضح للنزعات العنصريّة و الاستعماريّة و المركزيّة الثقافيّة بل ككشف لأزمة الهويّة التي تكابدها عديد الشعوب نتيجة هذه الهيمنة الثقافيّة أو نتيجة عدم تكيّف الخصوصيّة مع متطلّبات الواقع أو الحاجات الجديدة وليدة المواجهة مع خصوصيات أخرى مغايرة. وهو ما عبّر عنه شارل تايلور بعدم القدرة على الحكم أو تغيير الأشياء و القيم ... أي فقدان الشعور بالانتماء و" باحتلال موقع " و لعلّ ذلك ما أشار إليه المفكّر العربي عبد السلام بنعبدالعالي حيث يقول: " يفهم البعض من التفتّح على فكر الاختلاف دعوة إلى تفتيت الهويّة، خصوصا و أنّ هذا الفكر يقـترن لدى مسامعهم بالتفكيك و الخلخلة و التعدّد. وهم يخشون على هويّتتنا" الهشّة مزيدا من الهشاشة و الضياع". لكن هل يعني ذلك أنّنا أمام استحالة وجود الكوني ؟ و التشريع للانغلاق على الخصوصيّة و محاصرة الهويّة في بوتقة ثقافيّة ضيّقة ؟ هل أنّ واقعة الاستعمار و المركزيّة الثقافيّة تؤدّي ضرورة إلى العمل على " إنقاذ" ذواتنا من كوني يدمّر فينا الإنساني ؟ ألا يمكننا الانخراط في الكوني دون التضحيّة بالخصوصيّة و بالهويّة ؟ ألا يمكن إيجاد ضرب من علاقة ممكنة بين الخصوصيّة و الكونيّة تفتح الآفاق أمام التنوّع الثقافي و تكرّس إمكان التثاقف و تجعل الكوني مشتركا إنسانيا و تتجاوز كلّ ادّعاء لامتلاك الكوني بل و تقطع معه ؟
3 ـ في علاقة الكونيّ بالخصوصيّ ... أو مشروعيّة التنوع الثقافي بما هو سبيل تحقيق الكوني الإنسانيّ:
هل يكفي العودة لرائد الحداثة رنيه ديكارت René Decartes حتّى نؤصّل الكوني الكامن في الإنسان و لا سيّما عند إقراره "في مقالة الطريقة "Discours de la méthode " العقل أعدل الأشياء توزّعا بين الناس،... و إنّما الرّاجح أن يكون شاهدا على قوّة الإصابة في الحكم، وهي القوّة التي يطلق عليها في الحقيقة اسم العقل أو النطق، واحدة بالفطرة عند جميع النّاس. و هكذا، فإنّ اختلاف آرائنا لا ينشأ من كون بعضنا أعقل من بعض، بل ينشأ عن كوننا نوجّه أفكارنا في طرق مختلفة و لا نطالع الأشياء ذاتها " أم يتوجّب علينا المرور بـهيغل حتّى نؤسّس للمثقّف الكوني و لنصل لـمالبرانش N. MALEBRANCHE حتّى نستدلّ على العقل الكوني من خلال كونيّة حقائقه العقليّة و الأكسيولوجيّة:" إنّ العقل الذي نستشيره حين نتأمّل في أعماق أنفسنا هو عقل كوني ". و بالتالي إلى إيجاد بيان "من أجل سلم دائمة" على شاكلة المشروع الذي كان كانط KANT قد باشر تحبيره، للانتهاء إلى التشريع لحقّ الضيافة و للشراكة في سكنى الأرض " لا يتعلّق الأمر ها هنا بحبّ البشر، و إنّما بالحقّ... وهو حقّ لكلّ البشر بمقتضى حقّ الملكيّة المشتركة لسطح الأرض" و السعي لإمكان إيجاد دستور كوني يرعى هذه الحقوق و يرسّخها و لعلّ ذلك ما يجعلنا أمام الأطروحات التي تشدّد على تقريض الاختلاف و التنوّع الثقافي مثل ما عمد إليه كلود لفي ستروس Claude LEVI-STRAUSS و موران Edgar MORIN فالعودة إلى الأطروحة الأنتروبولوجيّة البنيويّة مع لفي ستروس تبيّن مدى الحرص على استبعاد الأطروحة التطوّرية التي كانت حبيسة النظرة الآحاديّة للخصوصيّة التي همّشت الخصوصيات المغايرة لذلك ينتهي بنا كلود لفي ستروس إلى القول " البربري هو من يؤمن بالبربريّة ". فالأنتوبولوجيا البنيويّة لم تنكر الاختلاف و لم تتنكّر للتنوّع و الانقسامات المختلفة تماما كما أنّها لم تُلغِ وجود بعد ثقافي كوني إنسانيّ يتأسّس على التعايش و الاعتراف بالتعدّد في مختلف المجالات كالمعتقدات و القواعد الأخلاقيّة و اللغة و الفنون و العادات و التقاليد و... لذلك الكوني الإنساني هو زمرة هذه الهويّات المختلفة و الخصوصيات المتنوّعة و تمكين الأقلّيات من الحفاظ على مقوّماتها. فالثقافة بما هي "نظام مغلق من الأسئلة والأجوبة المتعلّقة بالكون و السلوك الإنساني" على حدّ ما ذهب إليه غروم بوم فكلّ ثقافة تمثّل حسب لفي ستروس نسقا متميّزا من الرموز أو من الأنظمة الرمزيّة. وهو تنوّع يعكس الإبداعات المختلفة بين الحضارات ن فتقريظ الاختلاف و التنوّع الثقافي و الحضاري هو رفض لمقولات "الهمجيّة " و "البربريّة " و "البدائيّة "... تماما كما هو تأكيد على ضرورة الحفاظ على مقوّمات الثقافات و على مرتكزات اختلافها عن غيرها. و لعلّ ذلك ما يلتقي مع مضامين البيان الذي أصدرته اليونسكو سنة 1982 و التي تشدّد على الدّفاع عن الهويّة الثقافيّة لكلّ شعب و ضرورة احترام ثقافات الأقلّيات و ثقافة أي مجتمع. تماما فإنّ موران  MORIN  قد أكّد على بداهة وحدة الإنسانيّة رغم الاختلافات الثقافيّة بل إنّ العلاقة قد تتحدّد مثل لعبة الأضداد على حدّ ماذهب إليه غوسدورف فما حاجج عليه موران هو جدليّة الوحدة و التنوّع حيث يقول:" ثمّة وحدة إنسانيّة و ثمّة تنوّع إنساني. هناك وحدة داخل التنوّع الإنسانيّ وثمّة تنوّع داخل الوحدة الإنسانيّة". لكن يبقى الاعتراف بالتنوّع الثقافي في حاجة لما يسنده و قد نجد ذلك في ما أكّد عليه هابرماس  HABERMAS  في تأسيسه للعقل التواصلي و لأشكال إيتيقا التواصل المتقوّمة على العقلانيّة و اعتماد الحجج العقليّة في ربط العلاقات بين الإنيّة و الغيريّة لكن هذه المرّة نكون أمام إنّية تحدّدت هويّة ثقافيّة و غيريّة تشكّلت كهويّة مغايرة ممّا يجعل الكوني الإنساني ممكنا دون الخلط بينه و بين العالمي أو العولمي أو العولمة بما هي مفاهيم تحيل حسب بودريار على دلالات اقتصاديّة و سياسيّة و بالتالي على كوني تحوّل إلى عمليّة تحكّم و سيطرة أكثر حدّة و فتك من ادّعاء امتلاك الكوني أو في ادّعاء امتلاك الخصوصيّة النموذج. فما ينبّه له بودريار هو اكتساح العولمة لمجالات الكوني الإنساني التي تتمثّل في القيم الإنسانيّة كمبادئ الحريّة و حقوق الإنسان و الديمقراطيّة... وهو تنبيه كان المفكّر العربي سمير أمين قد حذّر منه حين اعتبر أنّ العولمة هي بمثابة النسق المنظّم و المحدّد الأهداف و الذي يعمل على إفراغ الهويّة الجماعيّة من كلّ محتوى، وهي عمليّة حايثت الرأسماليّة عبر جملة من المراحل. يبقى الكوني الإنساني فكرة تتأرجح بين المنشود الممكن و الفكرة الطوباويّة و بين رهانات الفلسفة و بين أطماع الخطاب الإيديولوجي المغالطي. لكن يبقى المنشود مطلوبا على الأقلّ بما هو يحمل الإنساني فينا و ليكون الكوني كما بيّنا كونيا إنسانيا و ليس هيمنيّا، نطلبه و نسعى لإنقاذه من خطر التعصّب و من خطر العولمة، ليكون كونيا يقوم على التنوّع و الاختلاف و يعمل على الحفاظ على هذه المكوّنات و لعلّنا نستحضر هنا غاندي في قبوله المغاير و المختلف و إعلانه الانخراط في الكوني بكلّ ما يحمله من اختلاف و تغاير " إنّني على استعداد لأن أفتح نوافذ بيتي لتدخله الرياح من كلّ اتّجاه و كلّ جانب، و لكن من دون أن تقوّض هذه الرياح الجذور التي يقوم عليها بيتي و الأسس التي ينهض عليها "....
ـــــــــــــــــ
قائمة مراجع:
1 ـ كتاب الفلسفة للسنةالرابعة ثانوي ـ شعبة الآداب.
2 ـ كتاب الفلسفة للسنة الرابعة ثانوي ـ الشعب العلميّة .
3 ـ كتاب الفلسفة للسنة الثالثة آداب
4 ـ السيّد المتفقد أحمد الملولي: وثيقة حلقة تكوين بيداغوجي حول الخصوصيّة والكونيّة.
5 ـ سلسلة عالم المعرفة عدد 34 قضايا إفريقيا ـ تأليف د. محمدعبد الغني سعودي.
6 ـ سلسلة عالم المعرفة عدد 53 البدائيّة ـ تحرير أشلي مونتانيو.
7 ـ سلسلة عالم المعرفة عدد 224 إشكاليّة الهويّة في إسرائيل ـ د . رشاد عبد الله الشامي.

هناك تعليق واحد: