الأستاذ: محسن الميلي
إلاّ أنّ مضمون هذه
التجربة ليس واضحا متميّزا. فطبيعة الروابط بينه و بين العالم، و بينه و بين
الآخرين تبقى غامضة غائمة، كما أنّ خصوصية العلاقة بين نفسه و جسده تظلّ متداخلة
في شعوره طالما لم يرتدّ إلى ذاته متفحّصا تجربته الشعورية المباشرة في عفويتها، و
متجاوزا غموضها و تداخلها سعيا إلى تكوين وعي شرعي بذاته. و ذاك ما تروم التجربة
الفلسفية الاضطلاع به: فالتفلّسف هو الانتقال من التمثّل ـ بما هو تجربة تلقائية
انطباعية حسيّة و انفعالية ـ إلى التفكير بما هو تجربة عقلية نقدية تأمّلية، أو هو
بعبارة جان لاكروا " عودة
إلى الفكرة المباشرة التلقائية للتفكير فيها قصد اكتشاف معناها أو إكسابها معنى"
أو هو على حدّ قوله دائما " ترجمة فكريّة لتجربة روحيّة
معيشة ". و بهذا المقتضى تشكّل القول الفلسفي في الإنسان، من حيث هو قول
الإنسان في الإنسان، قول يعبّر عن وعي الإنسان بوجوده و ما
يتضمّنه هذا الوجود من إشكال. و لكن إذا كان التفكير في الإنسان ثابتا من ثوابت
المبحث الفلسفي ـ إنّ لم يكن مبحثه الرئيس ـ فإنّ كيفيات تعقّل الإنسان لذاته، و وعيه
بإنيّته لم تكن واحدة و لا متجانسة دوما، بل تنزّلت في مسارات و سياقات إشكالية
تنوّعت بتنوّع مجالات التجربة الإنسانية و امتدّت بامتداد أبعادها. و الواقع أنّ
سؤال « ما الإنسان؟» هو الذي يبرّر كلّ هذا الاختلاف و
التباين. فهو يدعونا إلى البحث في «ماهية الإنسان» أي حقيقته و طبيعته الخصوصية
الثابتة و المميّزة. و لكن هل يمكن التفكير في الماهية الإنسانية بمعزل عن التفكير
في الوجود الإنساني ؟ هل ننظر إلى الإنسان باعتباره حقيقة قائمة بذاتها و جوهرا
متعاليا، أم لا حقيقة له إلاّ بما هو موجود في العالم ؟ هل ينبغي تعريف الإنسان
بأنّ ماهيته النفس و بأنّ طبيعته الفكر، أم يتوجّب النظر إليه من جهة وجوده
الجسدي؟ هل بين النفس و الجسد تعال أم تحايث ؟ تخارج أصلي أم تداخل ؟ قد يبدو
للبعض أنّ هذه التساؤلات لم يعد لها ما يبرّرها اليوم، فهي مغرقة في التعقيد و الإلغاز،
إنّنا تجاوزنا هذه الأرضية الميتافيزيقية العقيمة و أصبحنا نميل إلى التفكير في
مشكلات أكثر واقعية و أقرب إلى حياتنا العملية. قد يكون لهذا التشكيك ما يبرّره و لكنّ
الأمر لا يتعلّق في نظرنا بطبيعة هذه المسائل ذاتها بقدر ما يتعلّق بكيفية إقبالنا
عليها و بخصوصية روح المساءلة و رهاناتها. و من البيّن أنّها من هذه الناحية
تتنزّل في مشكل أساسي و جذري. وإذ نطرح هذا المشكل و نفكّر فيه فنحن نفكّر في
وجودنا و مصيرنا، و ننشد معرفة أنفسنا و إضفاء معنى على حياتنا، و على أساس هذه
المعرفة و هذا المعنى تتحدّد منزلتنا في العالم، و يكوّن موقفنا الحضاري، و تنبني
علاقتنا بالقيم المحققّة لتحرّرنا.
يقول ابن سينا عن
الإنسان إنّه ما يشير إليه كلّ واحد منّا بقوله "أنا".
و الواقع أنّه ما من إنسان إلاّ و يشعر بذاته و وجوده. و يقول عن نفسه إنّه
"أنا". و لو سألنا أيّا منّا عن مقصوده بقوله "أنا"، أو لو
حاول أيّ منّا الكشف عن مضمون تجربة شعوره بالأنا، و إن في صورتها الأوّلية
المباشرة، لظهر أنّ الإنسان بمقتضى هذه التجربة: يشعر أنّه موجود، و أنّه موجود في
العالم و مع الآخرين إلاّ أنّه يشعر أنّ وجوده متميّز عن الأشياء من جهة أنّه قادر
على التمثّل و الإحساس و التذكّر و التخيّل و الإرادة و الاختيار. و أمّا من جهة
حقيقته الخاصّة فإنّه يقول إنّه يتكوّن من نفس و من جسد.
1 ـ في استبعاد الجسد:
الجسد هو الجانب المرئي من كياننا، و مع ذلك فكثيرا ما سعت الفلسفات
الماورائية إلى استبعاده من تعريف الإنسان، بل دعا بعضها إلى الإعراض عنه و تخليص
النفس من معاشرته و مساكنته. فما الذي يبرّر مثل هذه المواقف ؟ ما الذي يدعونا إلى
التشكيك في حقيقة الجسد و أصالته عندما يتعلّق الأمر بتعريف الإنسان ؟ بل لماذا لا
يتأهّل الجسد لكي يكون مبحثا جديرا باهتمام الفيلسوف ؟ عديد المقاربات يمكن
تنزيلها في هذا الإطار، و إن تباينت مرجعياتها و رهاناتها. و لن نفصّل الآن القول
في مختلف مضامينها، حسبنا التركيز على ما تستند إليه من مفترضات و براهين و
مبرّرات مع الإحالة عليها على سبيل الدعم و التوضيح.
+ مبرّرات ثلاثة تتداخل في تفسير هذا الاستبعاد وهي متشابكة يقود
بعضها إلى بعض، و تردّ إلى مبرّر معرفي، و مبرّر أنطولوجي و مبرّر أخلاقي.
المبرّر المعرفي: و يتّصل بتصوّر معيّن للعلم
و شروط تحصيله. تعتبر هذه المقاربات عامة أنّ مبحث العلم هو مبحث الماهيات، و أنّ
ماهية الكائن هي حقيقته المطلقة الثابتة و الكلّية، فطبيعي إذن أنّ الطريق إلى
إدراك هذه الماهيات لا يكون بغير التأمّل الروحي أو البرهان العقلي الكفيل بتحرير
المعرفة من كلّ ضروب الجزئية و التناقض و التغيّر. ذلك أنّ شروط العلم الحقّ لا
يمكن أن تتوفّر في الحواسّ الجسديّة التي لا تتّصل إلاّ بالظاهر و المرئي، ولا
تدرك الأشياء إلاّ في تغيّرها و تكثّرها و صيرورتها و تكوّنها و فسادها. فنحن «لا
نرى ولا نسمع شيئا على وجه اليقين » كما يقول أفلاطون،
كما أنّه " لا شيء هو في الواقع على الوجه
الذي تصوّره لنا الحواسّ" كما يقول ديكارت.
فإذا انضافت إلى الحواسّ الانفعالات كاللذّة و الخوف و الألم أدركنا عندئذ أن
الجسد عائق معرفي و أنّه مصدر للظنون و الأوهام، و أنّ الإنسان الحقّ هو الإنسان
العارف، و أنّ الإنسان العارف هو الإنسان العقل لا الإنسان الجسد.
المبرّر الأنطولوجي: إذا أمعنا
النظر في هذا المبرّر المعرفي ألفيناه استتباعا لمبرّر أنطولوجي تحدّدت بمقتضاه
نظرة هذه الفلسفات للوجود، وهي على اختلافها قائمة على أساس تصوّر ثنائي معياري
للوجود. فنحن إزاء مقاربات معيارية تفضّل الوجود العلوي على الوجود السفلي و تميّز
بين وجود مثالي معقول و وجود مادي محسوس، أو بين نظام الغايات و نظام الوسائل، أو
بين الجوهر المفكّر و الجوهر الممتدّ، أو بين
مملكــــة العقل و الحرّية و مملكة الطبيعة و الضرورة. و ما ثنائية النفس و الجسد
إلاّ انعكاس لهذه الثنائيات. و سواء أَنُظِر إلى الوجود المتجسّد المحسوس على أنّه
مجرّد عرض أنطولوجي و بالتالي على أنّه وجود زائف أم نظر إليه على أنّه وجود جوهري
ممتدّ، كما في الديكارتية، ففي كلتا
الحالتين يقع التأكيد على أنّ حقيقة الإنسان هي النفس العاقلة. يقول أفلاطون:
«فلمّا لم يكن الإنسان هو الجسد، و لا هو الجملة المؤتلفة من الجسد
و النفس، لزم أن نستنتج أن الإنسان هو النفس »
(محاورة القيبيادس). و على غرار أفلاطون يقول الكندي
«إنّا بأنفسنا نحن ما نحن لا بأجسامنا ». و
يبيّن ابن سينا مباينة النفس للبدن و استقلالها عنه و أنّ
الإنسان هو ما يشير إليه كلّ واحد منّا بقوله «أنا» و هذه الأنا هي النفس سواء
أكانت مشاركة للجسم أو غير مشاركة. فالأنا
غير جسم إذ يمكن تصوّر وجودها دون وجوده، و إذا فارقت النفس الجسد في
الموت أصبح الجسد جثّة هامدة لا تتحرّك لأنّها هي مبدأ حركته. كما أنّ
النفس هي الثابت في الإنسان و المعبّر عن هويّته و ماهيته، ذلك
أنّ أعضاء البدن تتغيّر عبر أطوار نموّه في حين يظلّ الإنسان يتذكّر كثيرا من
أحوال طفولته و مراحل حياته ممّا يدّل على أنّ هناك في الإنسان وراء تغيّر أجزاء
جسمه شيئا ثابتا لا يتغيّر هو نفسه. و أمّا ديكارت فيفصل الكوجيتو ـ
أي الأنا أفكّر ـ عن الجسم فصلا جوهريا ذلك أنّ مضمون اليقين الأوّل و المطلق إنّه
« شيء مفكّر» بمعنى « أنّ
النفس التي أنا بها ما أنا متميّزة تمام التميّز عن الجسم». و لكن
رغم كلّ ذلك فلا ينكر هؤلاء الفلاسفة الجسد إنكارا تامّا ولا يحكمون بتخارج كلّي
بين النفس و الجسد بل يؤكّدون وجود علاقات متبادلة بينهما و لكن في كلّ الحالات
يظلّ الجسد مستبعدا من تعريف ماهية الإنسان فهو ذلك «الآخر»
الذي و إن ساكن النفس و عاشرها فإنّه لا يلتئم معها و لا تلتئم معه كما لو كان
هامشا أو غريبا.
المبرّر الأخلاقي: إذا كانت ماهية الإنسان
عقلية بالأساس فإنّ وجوده و مصيره سيرتبطان بالعقل ذلك أنّه لا يؤكّد ذاته و لا
يحقّق "كماله الأخير" إلاّ بتأمّل الحقائق و تعقّلها أملا في تطهير
الذات من طبيعتها الجسـمية و شوقا إلى الاتّصال بالعالم المعقول أو إلى أن يصير
"إنسانا كاملا " تحرّر من مؤثّرات الجســد المتغيّر و انفعالاته، وم ن
دورة الكون و الفساد التي هي مصدر الشرّ و الرذيلة. و في ذلك الاتّصال يكون الخير
الأسمى لدى أفلاطون و تكون السّعادة
القصوى لدى ابن سينا الذي
يقول عن النفس إنّها "جوهر روحاني" فاض
على هذا القالب (الجسد) و أحياه و اتّخذه آلة في اكتساب المعارف و العلوم حتّى
يستكمل جوهره و يصير عارفا بربّه عالما بحقائق معلوماته فيستعدّ بذلك للرجوع إلى
حضرته و يصير ملَكًا من ملائكته في سعادة لا نهاية لها ". (رسالة في معرفة
النفس الناطقة و أحوالها).
+ بهذه الصورة تتكامل المبرّرات المعرفية الأنطولوجية و الأخلاقية و من
السهل علينا أن نتبيّن أنّها تلتقي في التسليم بهذه المفترضات:
- ثنائية الوجود في سائر مستوياته و مناحيه.
- جوهرية العقل الإنساني و استقلاله عن الوجود الطبيعي و بالتالي عن الجسد.
- وحدة الحقيقة و ثباتها.
- ربط سعادة الإنسان بتحقيق كماله العقلي معرفة و سلوكا.
- جوهرية العقل الإنساني و استقلاله عن الوجود الطبيعي و بالتالي عن الجسد.
- وحدة الحقيقة و ثباتها.
- ربط سعادة الإنسان بتحقيق كماله العقلي معرفة و سلوكا.
و لكن ما مشروعية هذه المفترضات ؟
2 ـ في نقد استبعاد الجسد:
* هل يقوم تعريفنا للإنسان استنادا إلى ماهيته العاقلة على معرفة شرعية
بذواتنا ؟ ألا يمكن أن نرى فيه جهلا بحقيقة الإنسان أو اختزالا لها ؟
* هل في استبعاد الجسد من عالم العقل ضمان فعلي للسّعادة الإنسانية ؟
ألا يمكن أن نرى فيه موقفا مضادّا لإرادة الحياة ؟ ضمن هذين التساؤلين يمكن أن
نتبيّن أفق المساءلات النقدية للتصوّرات الميتافيزيقية السابقة:
ـ فيما يتعلّق بالمساءلة الأولى: هل
تعبّر الثنائية عن معرفة فعلية بحقيقة الوجود الإنساني أم هي مجرّد وعي زائف ؟
مقاربتان نقديتان يمكن الإحالة عليهما في هذا السياق وهي السبينوزية
و الظاهراتية فهما تشتركان في تحطيم
الثنائية كلّ من زاوية إشكاليتها الخصوصية.
يشكّك سبينوزا في
علمية هذا الموقف إذ يبيّن أن الثنائية إنّما تقوم على نظرة أخلاقية معيارية
للإنســـان و للجسد و للطبيعة بوجه عام لا على نظرة علمية موضوعية. فهو يقول عن
هؤلاء:" إنّهم يتصوّرون الإنسان في الطبيعة مملكة داخل مملكة و
يعتقدون أنّ الإنسان يخلّ بنظام الطبيعة أكثر مما يمتثل له، ويبحثون عن علّة العجز
و التقلّب الإنسانيين لا في القوّة العامة للطبيعة بل في ما يعتبرونه ضربا من
العيب في الطبيعة البشرية، وهو عيب يجعلهم يرثون لها ويسخرون منها و يحتقرونها أو
يكرهونها في جلّ الأحوال ". هذه
النظرة الأخلاقية المعيارية منعتهم من دراسة الجسد و مع ذلك حكموا بعجزه و نفوا
مستطاعه. و يؤسّس سبينوزا منظورا
آخر للوجود يلغي فيه كلّ ثنائية و انفصال بين وجود معقول و وجود محسوس و كلّ إقرار
بتعالي النفس على الجسد أو الجسد على النفس. فالنفس و الجسد صفتان للطبيعة التي
نتصوّرها طورا من جهة الفكر و طورا من جهة الامتداد، و بالتالي فإنّ
الجسد كالنفس تماما، هو صفة أو خاصية طبيعية محايثة لنا و ليس
عرضا غريبا ولا عيبا لحق بنا يتعيّن علينا كرهه و التخلّص منه ... تقودنا المقاربة السينيوزية إذن
إلى التشريع لمقاربة علمية للإنسان من جهة كونه نفسا و جسدا في آن لأنّ الطبيعة
واحدة ولا يمكن أن يحدث فيها شيء يمكن أن يعزى إلى عيب فيها، كما لا يوجد فيها
أفعال لا تخضع لقوانينها الطبيعية.
ـ أمّا إذا انتقلنا إلى المقاربة الظاهراتية فنلاحظ
أنّها تتجاوز الثنائية لا من جهة تأسيس مفهوم الطبيعة كما فعل سبينوزا و
إنّما من جهة إعادة صياغتها لمفهوم الكوجيتو فهي
تقيم تواثقا شديدا و علاقة ضرورية بين الإنسان و العالم و بين النفس و الجسد.
فهي ترى أنّ الإنسان ليس ماهية عقلية خالصة ولا وعيا متعاليا بل
هو موجود في العالم. و خلافا لفلسفات الأنانة (فلسفات
الأنا المكتفي بذاته و المنطوي على ذاته) لدى ديكارت أو القـديس
أوغسطين يبيّن مارلوبونتي أنّه" ليس
هناك إنسان داخلي فالإنسان يوجد في العالم ولا يعي ذاته إلا في العالم. و عندما
أعود إلى ذاتي لا أجد مركزا للحقيقة الداخلية و إنّما ذاتا منفتحة على العالم ".
و بناء على هذه الحقيقة الأوّلية التي عبّر عنها هوسّرل و هايدجر "أن
أوجد هو أن أوجد في العالم" أو سارتر " أن
أكون هو دائما أن أكون في وضع "، يمكننا فهم علاقة
النفس بالجسد. فالفينومينولوجيا توسّع
من مجال الكوجيتو لتفتحه على العالم و على الآخرين و على
الجسد. و في هذا السياق صيغ مفهوم" الجسد
الخاص". و الجسد الخاصّ يتجاوز العرض الأنطولوجي لدى أفلاطون، و
الجوهر الممتدّ أو الجسم الآلة لدى ديكارت و
الفيزيولوجيا، ليتعيّن وسيطا بين الإنسان و العالم، بين
الإنسان و الآخرين، و بين الإنسان و ذاته. فهو
ما به أعي العالم و أدرك الأشياء وهو ما به أظهر للآخرين و أتواصل معهم، وهو موطن
التعبير عن الذات، و مصدر المعنى والدلالة فهو ليس ملكا لي بل هو ذاتي و قوام و
جودي. ممّا يعني استحالة اختزال حقيقة الإنسان في النفس العاقلة أو الوعي
المتعالي.
ـ و أمّا في خصوص المساءلة الثانية: وهي
هل في استبعاد الجسد من عالم العقل ضمان فعلي للسّعادة (و تحقيق الذات) أم سعادة
واهمة ؟ فيمكننا توضيح ذلك بالإشارة إلى المقاربة النيتشوية التي
تقلب العلاقة بين النفس و الجسد ليصبح الجسد هو العقل الكبير و لتصير النفس مجرّد
أداة من أدواته و كيفية من كيفياته. و بالتالي فإنّ احتقار الجسد تعبير عن وضع
جسدي أي عن جسد تغلّبت فيه قواه الانفعالية الارتكاسية التي تروم الانحطاط و الموت
على القوى الفعّالة المعبّرة عن إرادة القوة التي هي إرادة الحياة ذاتها. و لذالك فإنّ
العقلانيات الميتافيزيقية فلسفات انحطاط و عدمية، وهي بقدر
انجذابها إلى الحقيقة و تفاؤلها بها يكون إعراضها عن الحياة و تشاؤمها منها. إلاّ
أنّ هذه المقاربات النقدية تسهم في تجاوز بعض المواقف الميتافيزيقية بشأن العلاقة
بين النفس و الجسد و تسهم أيضا في إعادة صياغة إشكالية الإنسان: هل الإنسان هو
بالفعل عارف بنفسه واع بذاته ؟ هل يشكّل الوعي ميزته الجوهرية أم هو كائن اللاوعي؟
ذلك أنّ خطاب الجسد كان بمعنى من المعاني أيضا خطاب اللاوعي.
شكرا :*
ردحذف