إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

الأربعاء، 25 فبراير 2009

حركة العلم بين الاتّصال و الانفصال

تمهيد :
*  إنّ ما تكتسيه الدّراسات الإبستيمولوجية من أهمّية قصوى في الفكر المعاصر عامّة لا سيما و أنّها تُعنى بمسائل المعرفة و الفكر العلميين دافع فعليّ لطرح المسألة الإبستيمولجية على الاهتمام الفلسفي. ذلك أنّ الفيلسوف يقيم نسقه الفلسفي على نقط ارتكاز هي بمثابة الافتراضات و الحدوس و عادة ما يعمد إلى العلم المعاصر له لتأسيسها مستعينا في ذلك بالمناهج العلمية لا على نحو عشوائي أو تلقائي بل تبعا لمعايير كملاءمة المنهج العلمي لبنية النسق الفلسفي و صلاحيته لتبريرها و بهذا المعنى يبدو الدور الذي يلعبه العلم في دعم النسق الفلسفي يتجاوز دور المساعد أو الموضّح بل يصبح العلم عنصرا يدخل في تكوين النسق و ينطبع به : فهذا الأخير 
يحتوي الأوّل و يعطيه معاني ليست بالضرورة معانيه الحقيقي J. Schlanger. La structre Methaphysique. و في الفترة الحالية بات التعرّض إلى المسائل الإبستيمولوجية أكثر إلحاحا نتيجة التحوّل إلهام لتاريخ العلم و الذي شهده مع ظهور الميكانيكا الكوانطية ممّا شدّ اهتمام الفلسفة المعاصـرة و استقطب كلّ النقاشات الفلسفية إذ مع النتائج الكوانطية الجديدة في الفيزياء طرحت اعتبارات فلسفية جديدة تعجز الفلسفات التقليدية عن استيعابها لذا ظهرت الضرورة لمراجعة بعض المرتكزات الفلسفية في العلم نفسه... و في هذا المستوى لا يخفى علينا كون تاريخ العلم مغرق في المعاصرة فأكثر من نصف علومنا محصّلة في هذه الفترة و هذا ما يجعل الإبستيمولجيين ما يزالون في ذهول و انبهار و لمّا يتبلور الوعي الكامل بهذا النهج المعرفي: العلم.
*  انطلاقا من هذه الاعتبارات فالإشكال المطروح يتعلّق بطبيعة المسيرة المعرفية العلمية و بطبيعة الحركة التي يتدرّج بحسبها العلم .هل أنّها تنتظم عبر الزمن في رتابة تطوّرية تراكميّة أم أنّها على العكس من ذلك تفترق لتشكّل أنماطا متقطّعة مستقلّة إلى درجة انعدام أي رابطة بينها ؟ و هل أنّ ما يحكم حركتها هوّية و اتّصال أم اختلاف و انفصال ؟ سؤالنا إذن يتعلّق بفعالية العلم المعاصر على مستوى الممارسة الحقيقية الفعلية  !
القراءة التواصلية و طبيعتها :
يقول : "كنغلام" إنّ لكلّ علم توجّه و ليس فقط تسلسل تاريخي. لعلّ ذلك ما نُعَايِنُهُ بالضبط في القراءات القائلة بالتواصلية كــ :
قراءة أوقست كونت: إذ يؤكّد "كونت" في كتابه "دروس في الفلسفة الوضعية" أنّ التطوّر يحكم تاريخ الفكر كما يحكم تاريخ العلوم كما يحكم المجتمعات فقانون الحالات الثلاث هو قانون عام لتطوّر الفكر و بنيته بحيث تشمل التطوّرية تاريخ الفكر كما تشمل تاريخ العلم. و لعلّ ذلك ما نتبيّنه بوضوح في الترتيب الكونتي للعلوم حيث نجده يرسم سلّم العلوم وفق عملية التدّرج من البسيط إلى المعقّد و من العام إلى الخاصّ وهو ما يجعل من تاريخ العلم محكوم بالمنهج الواحد و لا يبحث إلاّ عن الانسجام و الاستمرار متأثّرا بالتطوّر الآلي (الحتمي) فإذا هو تاريخا كلّيا و مشتركا بين العلوم و يتحاشى البحث في الانعراجات و الأزمات الحاصلة في ذلك التاريخ فلم يكن العلم إلاّ تواصلا لسلفه كما لم تكن التجربة العلمية إلاّ تواصلا للتجربة العلمية ممّا جعل حوار العقل مع التجربة مجرّد حوار للعقل مع تاريخه و مع بنيته الداخلية.
قراءة إيميل مايرسون :
هذه الأرضية الوضعية التواصلية في تَمَثُّل حركة العلم يستند إليها "مايرسون" إذ يقرأ تاريخ العلم من خلال البحث عن ثبوت الهوّية و التماثل داخل هذا التاريخ حيث يؤكّد أنّ التماثل هو الطرح الذي يمكّننا من تفسير التشتّت و الاختلاف أي عقلنته بواسطة مفهوم ثابت أو إعطائه مبدأ المعقولية من خارجه. فالتنوّع و الاختلاف لا يمكن تفسيره أو عقلنته إلاّ بردّه للهوّية أي بنفيه. فالماضي يضفي دائما شرعية على الحاضر في المفهوم المايرسوني و في تصوّره لحركة العلوم ذلك أنّه يقدّم تاريخ العلم على أنّه يضمّ جميع الفترات حول مركز وحيد فإذا به تأويل و إنصات لما قيل من قبل و إذا بمسار العلم يشكّل تطوّرا فعليّا تكون كلّ مرحلة من مراحله نتيجة طبيعية المراحل السابقة و حبلى بالمراحل اللاحقة "دوهام". و من ثمّة كان واجب الباحث في حركة العلوم و تاريخها أن يبحث في عصر ما عمّا فيه من أساسيات الأمس و وعود الغد حتّى تتجلّى رتابة المسيرة العلمية و تنتفي منها الفوارق النوعية بين مختلف نقاطها و تبرز الفوارق الكمّية باعتبارها "مواضع تكثّف" تلك المسيرة لا مواضع تقطّعها. أي أنّ الخطّ يظلّ عين الخطّ لا يمكّن تجانسه من تحديد نقاط انكسار فِعْلي تصل بين آنين يمكن أن يسمّى الأوّل قديما و الثاني حديثا.
تهافت القراءة التواصليةـ حدودها :
إنّ هذه القراءات كقراءات تطوّريـة تواصلية تلتقي كلّها في أنّه ليس من فكرة جديدة إلاّ و أمكن التعرّف على أجزائها المتناثرة هنا و هناك في مختلف الثقافات و ليس من نظرية إلاّ و أمكن إسنادها إلى مبشّرين سابقين كانوا وضعوا أركانها البسيطة الأولى فتبلورت عبر الأيّام في اتّجاه التصحيح و التعقيد. فالماضي يشرّع الحاضر: نصطدم هنا بشروط إمكان القيام بهذه القراءة ؟ أ تتأسّس على البدايات أم أنّها لا تستقيم إلاّ من النهايات ؟ إذ كيف يتأتّى لنا ـ على جهة الإمكان ـ قذف الحاضر في الماضي، أو ليس بعد ظهور الحاضر ذاته ؟ (معنى الجزئي لا يستبين إلاّ بمعنى الكلّ) فما يمكن أن يدّعيه المؤّول للماضي من معاني حديثة و إنّما تستمدّ من معاني الحاضر الذي ما كان لنا لولاه أن نضفي على ذلك الماضي ما نضفي من دلالات تتحوّل بمقتضاها البدايات الزمنية إلى بدايات منطقية.
إنّ هذا ما يبرّر و يشرّع لإمكانية تصويب موجّه الرؤيـة المعكوس و التفطّن إلى أنّ مصدر النور الذي كوّن الرؤية هو ليس الماضي و إنّما قيم الحاضر هي التي تعطي معنى لما مضى. إنّه أفق القراءة الانفصالية للعلم.
القراءة الانفصالية و دعائمها:
 تقدّم على القول بأنّ الممارسة العلمية كممارسة نظرية تستند إلى إحداثية قوامها حاضر العلم ذاته من جهة ما هو آن من مسار تاريخي تتجمّع فيه قوّة العقل البشري المتحفّزة دوما إلى تجاوز ذاتها، فالحركة استردادية و لا يعني الاسترداد غير أنّ شروط إمكان تاريخ علم ما هي أن يكون حاضره مقياس ماضيه إذ أنّ قيمة الأمس لا تكون إلاّ من قيم اليوم. ذلك أنّ تاريخ العلم كممارسة نظرية شاملة لا يكون إلاّ تاريخ العلمي و اللاعلمي. تاريخ الثورات و القطيعات الإبتستيمولوجية من هنا وجب الإقرار بفاعلية الأنساق و الحوادث المتجدّدة في العلم لذا أصبحت المهمّة الإبستيمولوجية تتعلّق بقراءة للبنية الداخلية للأنساق محاولة لمعاينة تكوّن العلم و ذلك بالالتفات نحو الأحداث و الأزمات التي يمرّ بها العلم بعد كلّ اكتشاف جديد. لم يعد الأمر بحثا في الأصل بل أمسى بحثا في الأحداث المباغتة هذا ما يؤكّده الإبستيمولوجي "قاستون باشلار" في قوله: "إنّ جميع الثورات الخصبة التي عرفها الفكر العلمي هي عبارة عن أزمات تجعل إعادة النظر بشكل جذريّ في النظرة الواقعية أمرا ضروريا و أكثر من هذا يجب أن نعرف أنّ الفكر الواقعي لا يستحدث من ذاته أزماته الخاصّة. لم يحدث هذا قط إنّ الاستثارة الثورية تأتيه من الخارج دوما و بالضبط من ميدان المجرّد الميدان الذي فيه تنشأ و منه تنطلق. إن منابع الفكر العلمي المعاصر تنتمي إلى ميدان الرياضيات ما يتأكّد لنا من خلال هذا القول أنّ: العلم يخلق موضوعاته و يركّبها فهي ليست معطاة في الإدراك و الخبرة الحسّية المباشرة إذ بين هذه الأخيرة و التجربة العلمية قطيعة و انشقاق. فموضوعات العلم غير موضوعات الواقع و لا يكون العالم محتاجا، لكي يصنعها و يَبْنِيهَا و ينشئها إلى انتظار ما تجود به الخبرة و الواقع. بل إنّ هذا الأخير يغدو أمام موضوع المعرفة منبع عوائق و عقبات إبستيمولوجية تقام المعرفة بتخطّيها.
*  الملاحظة العلمية تحمل دوما طابع السّجال و المناظرة فهي تؤيّد أو تبطل نظرية سابقة عبر إعادة بناء الواقع بعد إعادة بناء أطره العامة فهي تقوم على تصحيح الرؤية الأولى للظاهرة الملاحظة و ليست استئنافا لها. فالدور الذي يلعبه الواقع الخام هو أنّه بمثابة المؤشّر للحدث العلمي أي مؤشّر لفهم مدلوله و معناه انطلاقا من فرض معيّن أو نظرية معيّنة، فهو لا يكتسب موضوعية إلاّ عندما يتحوّل من واقع خام إلى واقع معرفة بأن يدرج في بنية معرفية معيّنة. وهو ما يعني أنّ الواقع يبقى لا عقلانيّا ما لم تمسّه جدلية الفكر العلمي التي تلقى نورا كاشفا عليه فالعلم لا ينشأ من الخبرة المباشرة بل ضدّا عنها كما أنّ تفسير الواقع بوقائعه لا يولد بإملاء منه بل بإملاء من شروط نظرية سابقة وهي شروط لها علاقة بمستوى المعرفة و بالبنية الفكرية العامة تقوم على الإقرار بفاعلية الأنساق و الحوادث المتجدّدة في العلم. وهو ما جعل باشلار يعلن أنّ أصغر الظواهر ترفض الوحدة و الاتّصال.
نخلص إذن إلى أنّ المهمّة الإبستيمولوجية تتعلّق بقراءة للبنية الداخلية للأنساق لمعاينة تكوّن العلم و ذلك بالالتفات نحو الأحداث و الأزمات التي يمرّ بها العلم بعد كلّ اكتشاف جديد لم يعد الأمر بحثا في الأصل بل في الأحداث المباغتة
الأستاذة : هادية الشاوش حرم بوهــلال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق