إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

السبت، 21 فبراير 2009

العلم بين الحقيقة و النمذجة

الإدارة الجهوية للتربية و التكوين ببنزرت
المركز الجهوي للتربية و التكوين
العلم بين الحقيقة و النمذجة: المنزلة الإبستمولوجية للنمذجة
إعداد: المتفقد: أحمد الملّولي.
* في راهنية المسألة:
يبدو أنّه " لم يعد بالإمكان أن نفكّر بعد إنشتاين مثلما كنّا نفكّر قبله"..فلقد انتهى الأمر بالعلم في ظلّ التطوّرات التي شهدها انطلاقا من بداية القرن العشرين، بالإضافة إلى ظهور مباحث علمية جديدة (الألسنية، علوم التربية، علوم الاتّصال، المعلوماتيّة، السيبارنيطيقا) إلى الانثناء على ذاته و مراجعة جملة أسسه و مبادئه و معتقداته، حيث لم يعد بإمكان منظومة المفاهيم السائدة استيعاب ما تطرحه التطوّرات العلمية من إشكاليات. و قد كان لذلك الأثر المباشر في طرح عديد القضايا ذات الصبغة الابستيمولوجية و الفلسفية و المتّصلة بطبيعة المعرفة العلمية. و لعل أهمّ ما أفضت إليه هذه المراجعة ظهور مصطلح النمذجة التي تعبّر عن وصف لمسار اشتغال العلم
و كيفية بنائه أو إنتاجه، لذلك يبدو ضروريا أن نولي مسألة النمذجة و إنشاء النماذج ما تستحقّه من عناية قد تسمح لنا ببيان كيف ؟ و لماذا ؟ و من أجل من ؟ تُبنى و تُتصوّر و ترسم أو تكتب النماذج العلمية ؟ كما يعدُّ من الضروري أن نتبيّن مشروعية النماذج التي تبنى و تطبّق للتفكير في الواقع بما فيه من ظواهر و سلوكيات. فإذا سلّمنا مع بول فاليري بأنّنا " لا نفكّر إلاّ على أساس النماذج "[nous ne raisonnons que sur des modèles ]، وجب أن نفهم كيف تبنى النماذج، و أيّ منزلة إبستيمولوجية للنمذجة في الثقافة العلمية، و أي قيمة فلسفية للنمذجة ؟ أو ما الذي تقتضيه من مهامّ في علاقة برجل المنطق و الإبستيمولوجي و الفيلسوف؟ و لعلّ الصعوبة التي تعترضنا في هذا المقام تكمن في أنّ اهتمام الثقافة العلمية بالنموذج معاصر، ففي مستوى البحث العلمي يبدو النموذج بما هو وسيلة أو أداة إنتاج و عرض المعرفة مفهوما حدثا، كما يبدو مفهوم النمذجة مستحدثا بحيث لا نعثر في المعاجم المتداولة على تعريف للنموذج وفق ما يفهم في معالجة الظواهر التي تعتبر مركّبة، بل لعلّ حضور فكرة النموذج في التقليد الفكري و تعدّد مجال فهمه و استخدامه ما يؤكّد هذه الصعوبة نظرا لإمكان الخلط بين دلالة النموذج علميّا و دلالته في التقليد النظري، لكن هذه الصعوبة لا ينبغي أن تحول دوننا و التفكير في المسألة إذ غدا النموذج كما النمذجة الكلمة المفتاح على ما يبدو في لغة العلم و العلماء و المهتمّين بالشأن العلمي، وهو ما يؤكّد راهنية مسألة النمذجة و ما يضفي مشروعية على تناولها بغاية بيان منزلة النموذج و النمذجة في الفكر العلمي المعاصر من جهة إبستيمولوجية و فلسفية.
* في علاقة النمذجة بالبرنامج:
يتنزّل تناول مسألة النمذجة في البرنامج ضمن توجّه عام اتّخذ من الكوني مطلبا، و إذا كان العلم بما هو خطاب عقلاني تفسيري لا يتعارض مع هذا المطلب اعتبارا إلى ما تتّسم به مبادئه و منطقه و نتائجه من طابع كوني، استنادا إلى كونيّة العقل العلمي ذاته، فإنّ مقاربة العلم من جهة النمذجة و القول بأنّ النمذجة هي السّمة المميّزة للخطاب العلمي اليوم ما يثير بعض الصعوبات في بيان صلة النمذجة بالكوني، فهل يتوافق مطلب الكوني و الكلّي مع معالجة مسألة النمذجة ضمن برنامج اتّخذ من الكوني مطلبا ؟
قد تكون علاقة النمذجة بالكلّي إشكالية و تثير كثيرا من الجدل، و لكن يبدو مع ذلك و في قراءة أولى أو أولية أنّ مسألة النمذجة في تناغم مع روح البرنامج و مطلبه:
* إذ تعدّ النمذجة، مسار كلّ علم مهما كان قطاعه المعرفي، فالنمذجة لا تخصّ علما من العلوم أو قطاعا معيّنا من قطاعات المعرفة بل تشمل كلّ العلوم دون استثناء: العلوم الصلبة أو ما تسمّى بالصحيحة أو العلوم الليّنة أو العلوم التي لم تبلغ مستوى العلوم الصلبة، ، و من هذه الجهة تبدو النمذجة كلّية بما أنّ المسار كلّي.
* ترتبط النمذجة ببنية كلّية تضمّ التركيبي و الدلالي و التداولي أي أنّ النمذجة بنية كلّية تستجيب لكلّ انتظاراتنا من العلم، إذ تفضي إلى تجاوز القول بأنّ " العلم لا يفكر" مادام لا يهتمّ فقط بالإجابة عن سؤال كيف ؟ و إنّما أيضا عن سؤال لماذا ؟ أو من أجل ماذا ؟، اعتبارا للطابع التليولوجي للعلم. فالنمذجة تهتمّ بالنظر كما بالفعل و كأنّ النمذجة تستعيد العلم بما هو حكمة نظرية و عملية، أي حكمة دافعها الكلّي و مطلبها الكلّي.
* إنّ من بين مبرّرات التجاء العلم إلى النمذجة بما هي مسار أو تمشّي أن العلم يهتمّ بالتفكير في المركّب، فالوعي بالطابع المركّب للظواهر و الأحداث و السلوكيّات، هو ما أفضى إلى القول بالنمذجة، وهو ما يعني أيضا أنّ النمذجة تسمح بالربط بين الاختصاصات المختلفة و تمكّن من النظر فيها على ضوء تقاطعها تجاوزا للطابع التجزيئي أو الذرّي و بالتالي التفكير في الكلّي و طلبه.
* تعدّ النمذجة تأكيدا على الطابع المفتوح للعقلانية العلمية، طالما لا معنى لنموذج مكتمل، وهو ما يؤكّد نسبية النماذج، دون أن تفهم هذه النسبية على معنى التشريع لنزعة ريبية في العلم، و إنّما تحمل على معنى تأكيد طموح العلم نحو فتح أفق البحث على ما استغلق على العقل العلمي زمن سيادة البراديغم الميكانيكي أو التوجه الوضعي، أي طموح العلم في طلب الكلّي، فضلا على أنّ النمذجة هي تجاوز للمعطى و الاكتفاء بالظاهر نحو المنشأ و المبني و المبتكر و كأن العلم يهتمّ بالبحث عمّا هو غير موجود و إيجاده، و إنتاج معرفة كلّية سواء تعلّق الأمر بالعالم الميكروسكوبي أو الماكروسكوبي، الطبيعي أو الإنساني، المتناهي في الصغر أو المتناهي في الكبر أو المتناهي في التعقيد أو التركيب، وهو ما يمكن أن يبرز علاقة النمذجة بمطلب الكلّي، و ما يسمح لنا بالتأكيد على علاقة التناغم بين النمذجة و مطلب الكلّي.
فهل أنّ هذه العلاقة من البداهة ما يجعلنا نطمئنّ إليها و نتعامل معها باحتفاليّة فكريّة ؟ أم أنّ الجانب الخفيّ للنمذجة يمكن أن يكشف لنا عن مسافة بين النمذجة و الكلّي حتّى لا نقول مفارقة النمذجة و مطلب الكلّي. إنّ النظر إلى النمذجة في وجهها الثاني حتّى لا نقول وجهها الخفيّ قد يكشف عمّا يشرع تظنّنا حول علاقة النمذجة بالكلّي:
* إذا ما سلّمنا بأنّ النمذجة تقدّم بما هي نتاج تخلّي العلم المعاصر عن صورة العقل العلمي كما رسمه "لابلاص"، و انهيار اليقين العلمي نتاج ما عرف بأزمة الأسس في الرياضيات وأزمة الحتمية في الفيزياء، فإنّ ذلك قد لا يعني سوى أنّ النمذجة هي علامة تفكّك الكلّي، إذ ليس بإمكان العلم أن يكون نتاج النمذجة و أن يدّعي طلب الكلّية ؟ و نقض هذا الادّعاء يمكن أن يتمّ بالاستناد إلى منجزات العلم ذاته، انطلاقا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، التي انتهت إلى الإقرار بمحدوديّة النموذج الهندسي الإقليدي و النموذج الفيزيائي النيوتني و عدم إمكانيّة سحبهما على كلّ الظواهر الكونيّة و استبدال التصوّر الآلي البسيط للكون حيث ترتبط كلّ الظواهر ببعضها ارتباطا سببيّا خطّيا بتصوّر أكثر تعقيدا (اللامتناهي في الكبر و اللامتناهي في الصغر و اللامتناهي في التعقيد L'infiniment complexe)[1]. و قد ترتّب عن ذلك تجاوز الاعتقاد في إمكانية بناء نسق واحد من المبادئ و القوانين الشاملة لكلّية الواقع، بالتحوّل من عقلانية منغلقة دغمائيّة تدّعي الكلّية إلى عقلانية قطاعية منفتحة و التخلّي عن فكرة النموذج الواحد (النموذج الفيزيائي الرياضي) الصالح في كلّ المجالات (النزعة الوضعية).
* و النمذجة من ناحية أخرى هي تمثيل اختزالي للواقع مرتبط بسياق ما، و النموذج يقترن أساسا بالفعل أو يراهن على التحكّم و الفعل أكثر من مراهنته على الحقيقة و التفسير، فضلا على أنّ النموذج هو إنتاج أو بناء يرتبط بمواضعة بين مجموعة علميّة أو تقنيّة حتّى لا نقول أنّه يرتبط بمن يقوم بالنمذجة أو بالفاعلين في إنتاج النماذج، إذ لم نعد نتحدّث عن العالم بوصفه ملاحظا موضوعيّا بل بوصفه ملاحظا مبتكرا، كما لم نعد نتحدّث عن العلم بوصفه يحيل على الزوج معرفة ـ موضوع بل يحيل على الزوج معرفة ـ مشروع، وهو ما يثير الإشكال في علاقة النمذجة بمبادئ العلم إذ لا يمكن القول بأنّ هذه المبادئ كلّية بل هي جهوية لا في علاقة بالقطاع المعرفي فحسب و إنّما في علاقة بالسياق الاجتماعي و الاقتصادي و الحضاري الذي يحكم إنتاج النماذج، علاوة على ما قد يفيده السياق من تورّط العلمي في الإيديولوجي، و يمكننا القول في هذا السياق أنّ التفكير في مسارات النمذجة يفرض علينا من زاوية النظر الإبستيمولوجية البحث عن الأبعاد الجديدة للعقلانية العلميّة بما هي عقلانية حسابيّة لا تهتمّ بحساب الأبعاد و التعبير عنها في لغة رياضية كمّية فحسب، و إنّما بحساب المصالح و الغايات أو الأهداف. و لعلّ البحث عن أصل النمذجة الذي لا نعثر عليه في الفلسفة أو الفنّ و إنّما يعدّ وليد التطوّرات التقنية الهائلة ما يؤكّد هذا القول. فالثورة الإعلامية و ما أفرزته من نشأة اختصاصات مثل علم التحكّم أو القرار أو التواصل أو الذكاء الرامز أو الهندسة و غيرها و عدم قدرة هذه الاختصاصات على أن تكتسب صفة العلومية وفق البراديغم الكلاسيكي و حاجتها إلى اكتساب منزلة علميّة، ما دفعها للبحث عن طرق و مناهج لتعين بها وجودها و تكتسب بها صفة و حقّ الانتماء إلى الحقل العلمي، هو ما شرّع و أنتج مفهوم النموذج و النمذجة. فهل يمكننا أن نتجاوز مثل هذه القراءة التي تختزل النمذجة إمّا باعتبارها السمة المميّزة للعلم و متوافقة مع مطلب الكلّي أو باعتبارها ما يمثّل إعلان التحكّم في العلم و معاييره خدمة لغايات إيديولوجية و ما يتولّد عنه من إقرار بهوّة تفصل النمذجة عن الكلّي أو الكوني أو لعلّها تعبّر عن كوني الموت أو كوني الهيمنة بدل أن ترتبط بكوني الحياة ؟.
*الإشكالات النظرية التي تثيرها مسألة النمذجة:
ـ إنّ النمذجة كما النموذج مصطلحات حديثة في مقاربة العلم وهو ما يجعلها مسألة ملتبسة تحتاج الكثير من النظر و الدقّة المفهوميّة خاصّة في علاقتها بجملة من المفاهيم المجاورة على غرار البراديغم أو النموذج الإرشادي، أو مفهوم المثل الأعلى العلمي، أو مفهوم المثال الأفلاطوني... فما المقصود بالنمذجة و أي دلالة للنموذج و أي منزلة له في الفكر العلمي؟ هل يعدّ مجرّد انعكاس لواقع معطى أم أنّه إنشاء لواقع لا يتحقّق إلاّ بالقطع مع المعطى ؟ هل تمثّل النمذجة مجرّد مسار أو منهج أو طريقة يتّبعها العلماء في بحثهم ليكون بذلك وسيطا نفوّض له وظيفة المعرفة أم أنّه مجرّد إجراء لتجسيد المعرفة في صور أو رسوم أو بيانات فيزيائية كانت أو مجرّدة ؟ أم أنّ النمذجة لا تعدّ طريقة علميّة و إنّما طريقة تستعمل العلم ؟ و إذا سلّمنا بأنّ النمذجة هي السّمة المميّزة للعلم اليوم فأيّ علاقة لها بالمنهج التجريبي في دلالته الوضعيّة من ناحية و بالباراديغم الوضعي أو الخبري أو الواقعي من ناحية أخرى ؟ هل يمكن النظر إلى النمذجة بما هي امتداد للعقلانية الكلاسيكية أم بما هي إعلان عن براديغم جديد مغاير في مبادئه و معاييره و نتائجه ؟ و إذا أخذنا بعين الاعتبار بنية النمذجة أو أبعادها التركيبيّة و الدلاليّة و البراغماتيّة، فكيف نفهم العلاقة بين الجانب التركيبي الذي يحيل على الطابع الصوري للنموذج و الجانب الدلالي الذي يحيل على علاقة النموذج بالواقع و التجربة و التوقّع و التفسير ؟ هل أنّ الواقع هو ما يمثّل أساس إنتاج البنية التركيبية للنموذج ليكون الحدس هو منطلق هذا البناء أم أنّ البعد التركيبي يتشكّل صوريا ثمّ يجد مجال انطباقه في الواقع ؟ و أي دور و معنى للتجربة حين يتعلّق الأمر بالبعد الدلالي ؟ هل تحافظ التجربة على دلالتها الكلاسيكية بما هي ملاحظة مجهزّة و مجال إثبات النظريّة أم بما هي تجربة افتراضية أو اصطناع يتمّ بوساطة الحساب الرقمي [الحاسوب] ؟ و أيّ علاقة بين النموذج و النظرية ؟ هل يعدّ النموذج مجرّد تجسيد للنظرية العلمية أم أنّ النموذج يتماهى مع النظرية ؟ أم أنّ النموذج نظرية ذات بعد عملي ؟ أم ينبغي النظر إلى هذه العلاقة جدليا بحيث لا ينتج العالم نموذجه إلاّ وفق تصوّر نظري ما قبلي و أنّ النموذج من شأنه أن يعدّل النظرية أو يدفعها إلى مراجعة مبادئها و مسلّماتها و مفاهيمها ؟ ثمّ هل من معنى للموضوعية في النمذجة و الحال أنّ علاقة الذات بالموضوع لم تعد "محايدة" على معنى الموضوعية الأنطولوجية، في مقابل الحديث عن علاقة تفاعلية بين الملاحظ و موضوعه، هي من جنس العلاقة الفينومونولوجية حيث لا يدّعي المنمذج أنّه يصف الواقع كما هو و إنّما يصف الواقع كما يتمثّله ؟ و كيف نفهم علاقة النموذج في جانبه التركيبي و الدلالي بالجانب البراغماتي ؟ هل يفيد هذا الجانب بأنّ العلم قطع مع القطع مع الغائية ؟ هل انتهى إلى إعلان علاقته بالغائية على وجه الملأ ليجعل زيجته بها شرعية حتّى و إن لم تكن مشروعة، ليقطع بذلك مع علاقة سرّية ارتبط بها بالغائية إذ على حدّ عبارة جاكوب كانت علاقة العلم بالغائية شبيهة بعلاقة رجل بامرأة يريدها و يعاشرها دون أن يريد لعشرته معها أن تظهر للعيان. و أي دافع لعودة الروح لمثل هذه العلاقة ؟ أو لصالح من ؟ هل أنّ مثل هذا التحوّل يهدف إلى تحقيق ضرب من المصالحة بين الواقع العلمي و الواقع الإنساني تجاوزا للطابع الجافّ و المجرّد للعلم أم أنّه إعلان عن علاقة عضوية بين العلم و رأس المال تجعل من النجاعة بدل الحقيقة ومن التحكّم بدل التفسير القيمة الأسمى للعلم ؟ ألا يمكن وفق هذا القول أن نشكّك في الطابع العلمي للنمذجة ؟ ألا يمكن القول بأنّ النمذجة ليست مجال اشتغال العلماء و إنّما مجال اهتمام المهندسين و مكاتب الدراسات و الخبراء و رؤساء الأموال حتّى إن اعترفنا باعتماد العلماء على النماذج لتوضيح نظرياتهم ؟ و بالتالي ألا ينبغي النظر إلى النمذجة لا من جهة أنّها مسار علمي حتّمه التطوّر العلمي و طبيعة الظواهر المركّبة و إنّما من جهة أنّها تدّعي العلمية لتخفي طابعها الإيديولوجي و تضفي مشروعية على أفعالها ؟
ـ إنّ عنوان المسألة كما ورد في البرنامج [ العلم بين الحقيقة و النمذجة ] يثير لبسا يغذّي مثل هذا الجدل، فالعلم بين الحقيقة و النمذجة قد يوحي من خلال كلمة "بين" أنّ الأمر يتعلّق بمقاربة العلم من جهة الحقيقة أو من جهة النمذجة، و كأنّ العلم انزاح عن مطلب الحقيقة نحو النمذجة، أو لكأنّنا مدعوون إلى الانتصار إلى مقاربة العلم من جهة الحقيقة أو من جهة النمذجة، و ما تثيره فينا مثل هذه المقاربة الاختزالية من رجّة في صورة للعلم عاشرتنا طويلا و المتعلّقة بصلته العضوية بالحقيقة إذ لا معنى للعلم مادام لا ينتج حقائق موضوعية كلّية صارمة و دقيقة و مادام لا معنى للعلم ما لم يكن خطابا متميّزا عن غيره من أنظمة الخطاب بكونه عقلانية تفسيرية، فهل ينبغي أن نفهم البين على معنى البين بين لا على معنى إقصائي اختزالي بحيث يفيد عندها عنوان المسألة بأنّ الحقيقة تغيّرت دلالتها و سبل بلوغها مقارنة بالبراديغم الكلاسيكي، انزاحت عن معيار المطابقة إلى معيار الصلاحية و الفعالية و أنّ النمذجة هي الطريق الملكي الذي ينبغي اتّباعه من أجل إنتاج الحقيقة، أو أنّه لا معنى للحقيقة ما لم تكن نتاج النمذجة ؟
* في علاقة برهانات تدريس النمذجة:
أخيرا يبدو الاختيار على تدريس النمذجة لتلاميذ الباكلوريا حاملا لكثير من الرّهانات:
رهانات نظرية أو إبستيمولوجية:
ـ الكشف عن منزلة النموذج و النمذجة في البناء العلمي و بالتالي الوعي بآليات إنتاج العلم للمعرفة.
ـ الكشف عن علاقة العلم بالواقع و إبراز معنى القول أنّ الواقع العلمي واقع منشأ و ليس واقعا معطى.
ـ تجاوز النظر إلى الواقع بأنّه بسيط و الوعي بطابعه المركّب، و تجاوز النظر إلى العلم بما هو اكتشاف للنظام الكامن خلف الفوضى الظاهرة و الوعي بأنّ العلم هو الذي ينتج نظامه و يحكم تنظيم الأشياء والوقائع.
ـ التأكيد على الطابع المركّب للبناء العلمي من جهة بعده التركيبي و الدلالي و التداولي.
ـ تبيّن علاقة النموذج و النمذجة بالنظرية، و الوعي بمنزلة الحقيقة في العلم.
رهانات عملية أو إيتيقية:
ـ الكشف عن الطابع التوتولوجي للعلم و الوعي بمنزلة الغايات في المعرفة العلمية.
ـ بيان طبيعة العلاقة بين العلم و التقنية و سبل توظيفها في علاقة بالواقع الإنساني .
ـ بيان ما يلفّ الحديث عن النمذجة من لبس و تظنّن من جهة علاقتها بما هو إيديولوجي.
محاذير بيداغوجية:
ـ أوّل هذه المحاذير: ترتبط مقاربة العلم في علاقته بالنمذجة بكثير من التقنيات أو المعارف التقنية و الأمثلة الدقيقة التي قد لا يفقه سرّها إلاّ ذوي الاختصاص، وهو ما يعسر إدراجها ضمن مجال إبستيمولوجي أو قراءة ابستيمولوجية موجّهة إلى تلاميذ، عسر يتعمّق حين نفكّر في النقل التعليمي الذي توجبه تعليميّة الفلسفة من جهة التمييز بين المعرفة العالمة و المعرفة الواجب تدرسيها، و لعلّ وعينا بهذه الصعوبة هو الذي قادنا إلى التفكير في النمذجة من جهة إبستيمولوجية لا من جهة تقنية، وهو ما يدعوني إلى التنبيه أنّ الأمر لا يتعلّق بتحويل درس الفلسفة إلى درس في الرياضيات أو في الفيزياء و إنّما درس من طبيعة إبستيمولوجية، دون أن يعني ذلك عدم التفكير في نموذج علمي فيزيائي أو اقتصادي يمكن أن يقدّم كمثال توضيحي للمسألة.
ـ ثانيها: يبدو الاختيار على تدريس النمذجة لتلاميذ الباكلوريا حاملا لمزلق خطير، و المتمثّل في تحوّل الدرس إلى محاكمة للعلم بدل الوعي بآليات إنتاجه و قيمته، فرهان تدريس النمذجة قد يبدو ملتبسا على غرار رهان تدريس مسالة الفلسفة و العلم في البرنامج القديم إذ تتنزّل مسألة النمذجة ضمن فلسفة ما بعد الحداثة، وهو ما يجعلها مسألة ملتبسة في مجتمع مثل مجتمعنا لازالت تسيطر فيه الخرافة على الأذهان، حتّى لا أقول أنّه لم يرتق بعد إلى الحداثة، لذلك تحدثّت عن مزلق وجب أن نعي بمخاطره، مزلق قد ينتهي بنا إلى النظر إلى العلم على أنّه مجرّد تمثّل لا يختلف نوعيّا عن بقيّة التمثّلات دينيّة كانت أو ميتافيزيقية، فما ينبغي التأكيد عليه في تقديري أنّ "العلم يظلّ علما رغم كلّ شيء" و أنّ المهمّة النقدية لفلسفة المعرفة تهدف لا إلى تشريع اليأس من العلم و إنّما تحريره من عنف الإيديولوجي أو من عنف كوني الهيمنة.
ـ ثالثها: قدّم سفر البرامج المسألة مفصّلة بحيث ميّز في درس أبعاد النمذجة بين البعد التركيبي و الدلالي و التداولي، وهو تقسيم من طبيعة منهجية و إجرائية بالأساس، إذ لا نعثر في الأدبيات الخاصّة بالنمذجة كما في النصوص السّند المقترحة في الكتاب المدرسي مثل هذا الفصل، ذلك أنّ هذه الأبعاد متداخلة و مترابطة فيما بينها، إذ لا يمكن استحضار البعد التركيبي دون إحالة على البعد الدلالي و التداولي، لذلك يتطلّب الأمر بيداغوجيا النظر إلى هذه الأبعاد في ترابطها من ناحية مع التركيز في مستوى إستراتيجية الدّرس على مفهوم مركزي في مقابل النظر إلى بقيّة المفاهيم على أنّها تتنزّل في مقام ثان، أي أنّ تخيّر السند يكون مقترنا بتخيّر الهدف (البعد التركيبي مثلا) و التركيز في مستوى معالجة السّند و متابعة حركة الأفكار فيه على هذا الهدف.
سوف أعرض هذه المداخلة بدءا بتحديد دلالة النموذج و النمذجة في الفكر العلمي، ثمّ أنتقل إلى مقاربة النموذج من جهة بنيته أوّلا و من جهة وظائفه لأعالج إثر ذلك المقاربة الإبستيمولوجية للنمذجة متوقّفا عند علاقة النموذج بالواقع و بالنظرية و بالتفسير و التجريب و الموضوعية و الحقيقة ثم أعرض الأسس الإبستيمولوجية للنمذجة و أنتهي إلى النظر في بيان الحدود التي يمكن أن نقف عندها من زاوية إبستيمولوجية و فلسفية.
I ـ دلالة النموذج و النمذجة:
يعرّف النموذج حسب فاليزار" بما هو كلّ تمثّل لنسق واقعي سواء كان ذهنيا أو ماديا، يتمّ التعبير عنه بلغة أدبية أو في شكل رسوم بيانية أو رموز رياضية" كما يعرّفه دوران بقوله" يشمل معنى النموذج في دلالته الأكثر اتّساعا كلّ تمثّل لنسق واقعي مهما كان شكل هذا التمثل". و النمذجة وفق هذا التحديد هي التمشّي المنهجي الذي يفضي إلى إنتاج النموذج و الذي يعني التمثّل لكائن ما يوجد في الواقع و لكيفية اشتغاله، و تفترض النمذجة أنّ كلّ كائن هو بمثابة منظومة تشتغل على نحو ما، ليكون النموذج منزّلا ضمن حقل الفكر النسقي وهو ما يعبّر عنه فاليزار بقوله " لا ينفصل مفهوم النسق في الحقيقة عن مفهوم النموذج منظورا إليه كنسق تصوّري لنسق واقعي. و كل نسق واقعي لا يعرّف إلاّ بالعودة إلى نماذج تصوّرية (التصوّرات الذهنية أو التصوّرات الصورية) و على العكس من ذلك فإنّ كلّ نموذج يمكن اعتباره نسقا خصوصيا أيّا كانت طبيعته فيزيائية (maquette) أو مجرّدة (ensemble de signes ) " يجد النموذج أصوله في التقنية، و يفيد الرسم الهندسي أو الموضوع المختزل في مثال مصغّر أو في شكل تبسيطي و الذي ينتج المشروع (الموضوع)  ويعبّر عنه ، إذ يمكن أن يخصّ بعمليات حسابية أو اختبارات فيزيائية لا يمكن تطبيقها على الموضوع ذاته، لذلك اتّخذ النموذج طابعا منهجيا، إذ يشير إلى كلّ الصور أو الإنتاجات التي تخدم أهداف المعرفة. إنّ الوقوف على الدلالة الجديدة للنموذج تقتضي تمييزه عن دلالات تبدو مجاورة و لكنّها مغايرة:
* النموذج و البراديغم:
يفيد البراديغم بحسب توماس كوهن معنى تمثّل العالم و طريقة في النظر إلى الأشياء أو نموذجا إرشاديا متناسقا في رؤية العالم يستند على جملة قيم و مبادئ و معايير و قواعد تتبّناها مجموعة علميّة معيّنة و تتواضع بشأنها أو تتّفق عليها لقراءة الواقع أو للحكم على الأحداث في فترة زمنية معيّنة وهو ما يجعل البراديغم قريبا في دلالته من منظومة الأفكار أو البنية المفهومية التي تعتمدها جماعة علمية في البحث و النظر و الحكم، و على هذا الأساس يختلف النموذج عن البراديغم اختلافا يمكن توضيحه على أساس أنّ النموذج أو النمذجة إنّما يتحرّك داخل براديغم معيّن إذ ترتبط النمذجة ببراديغم الكون المبني في مقابل براديغم الكون المنحوت أو براديغم الإنشاء في مقابل براديغم الاكتشاف، وهو ما يعني أنّ النمذجة لا تعكس امتدادا للعقلانية الكلاسيكية و إنّما تعبّر عن ثورة علمية التي يفترض قيامها انقلابا على باراديغم سائد و الانتقال إلى براديغم جديد.
* النموذج و المثل الأفلاطونية:
لا ينبغي أن يفهم النموذج في معنى المثال الأفلاطوني حيث يمثّل النموذج الصورة المثالية التي تتحدّد على ضوئها الموجودات و تنتظم، بل على العكس إذ أنّ النموذج العلمي التقني يقلب صورة النموذج الأفلاطوني بما أنّه تمثّل عرفاني أو عقلاني لأجسام واقعية متعيّنة.
* النموذج و المثل الأعلى العلمي:
كما لا ينبغي أن يفهم النموذج على معنى المثل الأعلى العلمي الذي تتّخذه بقية العلوم نموذجا تحاكيه و تنحو نحوه على غرار النظر إلى الفيزياء النيوتنية بما هي نموذج لبقية العلوم في المقاربة الوضعية أو النظر إلى الرياضيات بما هي نموذج ينبغي محاكاته و اعتباره نموذجا لكلّ خطاب يطلب استيفاء شروط العلومية، إذ لا وجود لنموذج النماذج و لا معنى لنموذج مكتمل حيث تكون خصائص النموذج مطابقة أو ملائمة لخصائص النسق.
* النموذج و الصور الحسّية:
قد يفهم النموذج على معنى الصورة الحسّية أو الرسم الذي يخاطب العيون "فالصورة الحسّية للقوانين المجرّدة للعقل العلمي لا يمكن الإمساك بها دون اللجوء إلى النموذج" على حد عبارة بيار دوهايم كما يمكن أن يحيل على معنى الأصل في علاقة بنموذج الفنّان أو النسخة المثالية القائمة على محاكاة الطبيعة أو التصميم الهندسي أو التقني أو الفنّي أو المعماري أو تمثال الإنسان أو الحيوان بما هو نموذج يرسمه طلاّب الفنون للتدرّب أو هو المخطّط بالنسبة للمهندس القائم على المماثلة الإيقونية أو المشابهة الرمزية أو النموذج المصغّر أو الصورة المصغّرة، هذه المعاني لا تعبّر عن حقيقة النموذج في العلم  و إن كانت تكشف عن تجربتنا المعرفية الثرية و متعدّدة الوجوه في النظر إلى النماذج، أو التقاليد القائمة في استخدام النماذج، ذلك أنّ النموذج وفق هذه المعاني قد يفيد التمييز بين النظرية المجرّدة و النموذج الواقعي أو الميكانيكي ( وهو ما نفهمه من خلال قول دوهايم خاصة) أو يحيل على معنى محاكاة معطى متعيّن (كما هو الحال حين ننظر إلى الفنّ بما هو محاكاة للطبيعة) أو يحيل على معنى المجاز ( la métaphore ) الذي يعدّ تعبيرا عن محتوى واقعي، فالنموذج علميا لا نستوفيه حقّه ما لم نأخذ في الحسبان إمكان أن يكون النموذج مجرّدا يفيد بنية مفهومية أو بنية من القيم و العلاقات و الخصائص مثل برنامج الحاسوب من ناحية، و ما لم ننظر إليه في بعده المركّب: إذ ليس النموذج انعكاسا لواقع، ليس له واقع بل هو ليس سوى وظيفته: نموذج لـ، إنّه يحيل دوما على شيء مغاير له أو هو بمثابة المرجع لشيء و وظيفته إنّما هي وظيفة تفويضية [Délégation ] "إنّه وسيط نفوّض له وظيفة المعرفة" [سوزان بشلار]. ينبغي أن يفهم إذن من كلمة نموذج وحدة معرفية أو إدراكية مستقلّة تعبّر عن نفسها في شكل علاقات صورية بين مقادير. و انطلاقا من مجموع الفرضيات يسمح النموذج من استخلاص أو اشتقاق جملة من النتائج أو الاستتباعات في صورة نسقية (البعد التركيبي). أمّا من الناحية التجريبية فيكون للنموذج منزلة ابستيمولوجية هجينة، إذ لا يمكن النظر إليه بما هو نتاج نظري خالص، و لا أيضا بوصفه حصيلة ملاحظات. إنّه ينشئ أيضا حقلا من المفاهيم (موضوعا مفهوميا) مرنا قابلا لمسار متدرّج للتعديل (البعد الدلالي). و من الزاوية الإجرائية فإنّ للنموذج منزلة عملية أو تطبيقيّة أصيلة بما أنّه يضمّ عناصر وصفيّة و أخرى معيارية، تسمح له أن يكون فاعلا و ناجعا و قادرا على تحقيق الغايات التي حكمت إنتاجه ( البعد التداولي ). إذا اعتبرنا أنّ النمذجة هي بمثابة مسار إجرائي للمعرفة، و أن النموذج هو وسيط نفوّض له وظيفة المعرفة، فإنّنا نكون إزاء دلالة جديدة للنموذج بما هو تمثيل للمعرفة، وهو ما يقتضي منّا أن نبلّور معنى النمذجة بما هي مسار يسمح بإنتاج النماذج بضبط خطواتها، فكيف ننمذج ؟. 
يمكن تعريف النمذجة العلمية بما هي قدرة على إنتاج نماذج قوامها وعي الفكر العلمي بطبيعة نشاطه العرفاني بما هو صانع نماذج مرتبطة بسياق اجتماعي محدّد. كما تفيد جملة المراحل التي يمرّ بها الباحث لبناء نموذج ما انطلاقا من المنظومة الملاحظة و التي يمكن اختزالها في:
ـ رسم الحدود الدقيقة للنسق المزمع نمذجته.
ـ التعرّف بدقّة على عناصر النسق و تصنيفها بحسب خصائصها.
ـ اختيار لغة ما لتمثّل هذه العناصر و كيفية تفاعلها ( لغة أدبية، إيكونوغرافية أو منطقية ـ رياضية).
ـ اختبار النموذج بتشغيله افتراضيّا لتعديله عند الاقتضاء.
ـ ضبط الأهداف التي يرجى تحقيقها من إنشاء النموذج في علاقة بسياق ما.
ـ يمكن للباحث في الأخير إمّا تعميم هذا النموذج على أكثر من منظومة أو أن يبني منظومة أكثر تجريدا بواسطة الاستقراء وهو ما يعني أنّ النمذجة مشروع مفتوح.
II ـ النمذجة بين البنية و الوظائف:
1 ـ النمذجة من جهة البنية: أبعاد النمذجة:
قبل الشروع في مباشرة النمذجة نظريّا من جهة البنية، سأنطلق من مثال إجرائي، و المتمثّل في نموذج الذرّة كما بناه بوهر( 1913):
ملاحظة: [ يمثّل نموذج نيلز بوهر للذرّة تجاوزا لنموذج روذرفورد:
بحسب هذا النموذج فإنّ الجزء الأهمّ من كتلة الذرّة مركّز في جزء صغير ذي شحنة إيجابية هو النواة، و الكهارب تدور من حولها في مدارات تقرب أو تبعد عن النواة بحسب طاقتها، مثلما تدور الكواكب حول الشمس (نموذج كوكبي)]
المسلّمات النظرية لنموذج بوهر:
1. الذرّة تتكوّن أساسا من الفراغ.
2. للذرّة نواة تحتوي (فقط) على بروتونات ذات شحنة موجبة.
3. الكهارب تتحرّك على مدارات محدّدة نسمّيها مستوى طاقة. Niveau d'énergie
4. عندما يمتصّ الكهرب الطاقة ينتقل من الحالة الأساسية (المدار الأصلي) إلى الحالة المثارة (المدار الثاني).
5. عند انتقال الكهرب من مدار إلى آخر، فإنّ فارق الطاقة بين المدارين يتمّ امتصاصه أو إصداره في شكل موجات كهرومغناطيسية تحدّد قيمة تردّدها بمقدار فارق الطاقة بين المدارين مقسوما على ثابت بلانك (يرمز لثابت بلانك برمزH و يساوي: 6.626.10)
6. عندما يعود الإلكترون إلى حالته الأصلية يخسر من الطاقة ما يوازي كمّية الطاقة الموجودة بين مستويات الطاقة (لا يمكن للكهرب أن يبقى بين مدارين).
المستوى التجريبي أو الاستكشافي:
يتعلّق النموذج بذرّات الهيدروجين.
تحليل ذرّات الهيدروجين المثارة في مهبط إشعاعات.
ملاحظة الطيف الضوئي عند تسخين المادة / ملاحظة أنّ ذرّات الهيدروجين تصدر ضوءا في شكل أشرطة ضوئية يسمّيها أطياف الضوء. مادام لكلّ طيف مقدار معيّن من الطاقة يخصّه، استنتج بوهر:
1/ أنّ كلّ طيف من هذه الأطياف يتناسب مع طبقة يمكن للكهرب أن يستقرّ عليها.
2/ عندما تسلّط على الكهرب حزمة من الطاقة من الخارج، يمرّ الكهرب من مستوى طاقة إلى مستوى أرفع بقفزة واحدة.
3/ عندما يعود الإلكترون إلى مداره الأصلي فإنّه يخسر نفس مقدار الطاقة التي يتلقّاها في شكل إشعاع ضوئي.
4/ أنّ المتحكّم في بقاء هذه الكهارب على هذه المدارات هي الطاقة التي تمتلكها بحيث تغادر تلك المدارات أو تظلّ عليها بحسب الطاقة التي تمتصّها أو تصدرها.
مستوى الفعالية:
* تجاوز قصور نظرية روذرفورد:
عدم توازن الذرّة ( يفترض روذرفورد أن الذرّة تتكوّن في القسم الأكبر من الفراغ وتتمركز مادة الذرّة في النواة و التي تجعل الكهرب ينحرف بشكل متواصل و يضمحل في الأشعّة فوق البنفسجية، وهي أشعّة لم يتمّ ملاحظتها من ناحية، فضلا على أنّ القول بانحراف الكهرب عدّ نقيصة لا يمكن للفيزياء تجاوزها إلاّ بتجاوز مسلّمات النموذج ذاته).
* فهم ظاهرة الطيف الضوئي عند تسخين المادة.
* تطوّر فيزياء الذرّة و اعتمادها في مجال التحكّم في الطاقة.
* هذا النموذج لا يصلح إلاّ بالنسبة للذرّات التي لها كهرب واحد مثل الهيدروجين.
* تحديد طبيعة الضوء سيقود إلى تشكيل نموذج جديد (شرودنجر1925)
ما يمكن تسجيله في علاقة بهذا المثال:
ـ المسلّمات النظرية تحيل على البعد التركيبي (أوّليات، قواعد برهانية، علاقة بين عناصر
 [الأشعّة، الكهارب، المدارات، الطاقة، الطيف الضوئي] ثوابت...)
ـ المستوى التجريبي أو الاستكشافي يحيل على المستوى الدلالي (علاقة النموذج بالنسق/ الصلاحية النظرية / الصلاحية التجريبية)
ـ مستوى الفعالية يحيل على المستوى التداولي البراغماتي (تجاوز قصور النظرية، فهم ظاهرة الطيف الضوئي، التحكّم في الطاقة).
إنّ تأكيد بول فاليري على "أنّنا لا نفكّر إلاّ وفق النماذج"، إنّما يفهم في إطار حضور النموذج في كافّة مجالات الإنتاج الفكري، فما الذي يميّز النمذجة العلمية بما هي إنتاج للنماذج ؟ يمكن تعريف النموذج إمّا بالنظر في بنيته أو بالنظر في وظائفه. أمّا من جهة البنية فيتحدّد النموذج وفق ثلاثة أبعاد هي البعد التركيبي و البعد الدلالي و البعد التداولي. و ترابط هذه الأبعاد في بناء النموذج العلمي بمثّل تجاوزا لضيق الأفق الوضعي الذي يفرض الترييض شرطا لعلمية العلوم، في حين يمسي الترييض وفق المقاربة النسقية التي تقوم عليها النمذجة العلمية مجرّد بعد دون أن يكون شرطا أساسيا باعتبار أنّ النمذجة حسب لوموانيو Le Moigne لا تختزل في الصورنة. ففيم تتمثّل هذه الأبعاد ؟
أ. البعد التركيبي:
يصاغ كلّ نموذج حسب فاليزار[2] في لغة صورية إلى حدّ ما. و تتكوّن كلّ لغة صورية من مجموعة عناصر أوّلية أو رموز و من مجموعة قواعد منظّمة لهذه الرموز في علاقات قابلة لتأويل دلالي. و بشكل أدقّ يتحدّد النسق الصوري بما هو لغة صورية تقوم على مجموعة أكسيومات (مصادرات) و مجموعة قواعد استنباطية هي ما به تتحدّد المبرهنات. و يكون النسق الصوري إمّا أكسيوميا أو شبه أكسيومي، ذلك أنّ النسق الأكسيومي هو النسق الصوري الذي تكون كلّ أوّلياته و مصادراته و قواعده بيّنة الوضوح، مثال ذلك الميكانيكا الكوانطية. تبعا لذلك ترتبط مستويات صورنة النموذج بنوعية اللّغة المستعملة التي إمّا أن تكون أدبية أو رمزية أو رياضية منطقية. و بحسب اللّغة المعتمدة يكون النموذج رمزيا، كيفيا، معياريا، أو رقميا كمّيا. كما يتكوّن البعد التركيبي للنموذج من ثوابت (constants) و متغيّرات (variables ) و ثابتات (paramétres ) وعلاقات (relations ) [علاقة حدّ أو علاقة إحصائيّة أو علاقة سببية أو علاقة اشتراط أو علاقة تبعيّة...]. و على مستوى خاصّياته التركيبيّة، يقتضي النموذج أن يكون متماسكا (أن لا يتضمّن مبرهنات متناقضة)، تامّا (أن لا يتضمّن قضايا لا تقبل البرهنة أو الدحض)، مستقلاّ (أن لا يتضمّن مصادرات تحتاج أن نستنبطها من مصادرات أخرى)، قطعيا (أن يتضمّن تمشّيا برهانيا يسمح بالحكم على قضيّة ما بالصواب أو الخطأ)، مشبعا (أن لا يحتاج إلى استخدام أكسيومات إضافية من خارج النسق). و يقوم النموذج في بعده التركيبي على مبدإ الثبات داخل تغيّر الإحداثيات و الوحدات.
ب. البعد الدلالي:
يتحدّد البعد الدلالي للنموذج:
 أوّلا: في علاقة بالنسق الذي يمثّله وفق علاقة تفاعلية تأخذ بعين الاعتبار المسافة التي تصل بينهما بهدف جعل النموذج أكثر فأكثر ملائمة.
ثانيا: في علاقة بمجال صلاحيته التي تتحدّد في علاقة بالملاحظ الذي يقرّ بصلاحية النموذج و في علاقة بفئة الأنساق التي يكون صالحا في إطارها و في علاقة بمجال صلاحيته زمانيا و مكانيا.
ثالثا: في علاقته بالواقع، "فكلّ نموذج في بعض وجوهه، يمكن أن يعدّ وسيطا بين حقل نظري يمثّل تأويلا له و حقل تجريبي يمثّل تأليفا له"[3]. و تتحدّد طبيعة النموذج بحسب نوعية العلاقة التي له بالمرجع الذي يحيل عليه و الذي يعبّر عن بنيته و كيفية اشتغاله، فيكون النموذج تبعا لذلك إمّا شاملا أو جزئيا أو مغلقا أو مفتوحا.
و أخيرا في علاقة بخاصّياته الدلالية التي يضبطها فاليزار في الصلاحية النظرية و الصلاحية التجريبية و الثراء و القابلية للدحض و المرونة و البساطة.
ج. البعد التداولي:
يمكن تبيّن هذا البعد على المستويات التالية:
أوّلا: من جهة أهداف النموذج بما هو تمثيل لكيفية اشتغال نسق ما بغرض معرفته و التحكّم فيه.
ثانيا: من جهة العلاقة بين منتجي النماذج و مستعمليها و الفاعلين في النسق على اعتبار أنّ المعرفة التي تقود النموذج هي معرفة موجّهة نحو الفعل و " أنّ الحقيقة ذاتها لا تعدو أن تكون سوى الفعل عينه".
ثالثا: من جهة تأثير النموذج في الفرد أو المجموعة على مستوى التمثّلات و التصوّرات و الأفعال و تأثيره في الواقع و ما يمكن أن يحتمله النموذج ذاته من تعديلات وفق ما تسمح به القيم الاجتماعية و الوسائل التقنية المتاحة.
رابعا: من جهة معاييره التداولية، حيث يشترط في النموذج أن يكون ذي أداء ثابت و إيجابي، بسيطا، مرنا، و قابلا للتوظيف.
                                                   مثال من علم الاقتصاد
البعد التركيبي:
دراسة العلاقة بين الاستهلاك C و الدّّّخل R
تصاغ العلاقة على النحو التالي: C =a R + b حيث تكون a مُعامل (Coefficient) إيجابي و أصغر من واحد و حيث تكون b ثابتة (Constanteوفق هذه الصيغة الدخل R هو الذي يحدّد الاستهلاك C، أمكن تبعا لذلك التساؤل ما الذي يحدّد الدخل؟ (مثال الأجر...)
إذا كان النموذج لا يقدّم إجابة عن هذا السؤال فذلك لاعتبار الأجر أو الوظيفة... متغيّرات خارجية أو عوامل مشوّشة
البعد الدلالي:
وهو يتحدّد تبعا لما إذا كنّا نعني بالدخل R وبالاستهلاك C دخل الفرد أم دخل المجموعة.
إذا تعلّق الأمر بدخل الفرد نكون إزاء نموذج ميكرواقتصادي و إذا تعلّق الأمر بدخل المجموعة نكون إزاء نموذج ماكرواقتصادي.
البعد التداولي:
يتحدّد ذلك في ضوء كيفية استعمالنا للنموذج بما هو نموذج وصفي أو معياري.
2 / النمذجة من جهة الوظائف: وظائف النموذج:
يمكن أن نقارب النموذج من جهته وظائفه و التي يمكن اختزالها في ستّ وظائف يمكن أن نجد لها حضورا في كلّ نموذج، الوظيفة الأولى و الثانية من طبيعة تركيبية و تتعلّق باللغة التي يعبّر بها النموذج و التي تؤّمن إمكانات الفهم و التفسير بالنسبة لمبتكر النموذج و الثالثة و الرابعة من طبيعة دلالية و ترسم علاقاته بالعالم الواقعي على قاعدة أواليات الأمثلة و الجمع أي أنّ ابتكار نموذج يعدّ بمثابة المثال المصغّر للواقع دون أن يكون انعكاسا مباشرا للواقع، أمّا الوظيفتان الأخيرتان فهي من طبيعة براغماتية أو تداولية و تتّصل بالإدماج الاجتماعي للنموذج الخاضع إلى مسار سياقي و تعميم المعرفة. سوف نعرض كلّ وظيفة من الوظائف المعلنة بالتركيز على مفهومها النواتي و الإسهامات المتعلّقة بفعل النمذجة و الخصائص المطابقة المنتظرة من النموذج.
أ. الوظيفة الرمزية:
يفهم النموذج أساسا بما هو دعامة لمفهمة الظواهر في لغة دقيقة و صارمة. إذ يعرف النموذج بنيويا بما هو مجموعة من العلاقات (غالبا ما تكون احتمالية) بين عناصر. هذه العناصر ليست مجرّدة بشكل خالص و تحيل على نسق مادي واقعي أو افتراضي. لذلك يسمح كلّ نموذج بضرب من الترميز أو التمثيل الرمزي لنسق سواء كان محيّنا ـ راهنا أو خياليا أو افتراضيا، ليكون بذلك قابلا للفهم أو التأويل بلغة، متوافقة مع عناصره و محدّدة لخصائصه و للعلاقات القائمة بين هذه الخصائص داخل النموذج. إنّ القيمة المنتظرة للنموذج في مستوى الوظيفة الرمزية، إنّما تتحدّد بقدرته التعبيرية، أي قدرته على تحقيق ضرب من التوافق بين طابعه الصوري و تأويله.
ب. الوظيفة القياسية:
يبدو النموذج أيضا بمثابة وسيلة للتفسير أو الفهم و صورنة الظواهر، فالنموذج يقدّم أوّلا في صورة مجموعة من الفرضيّات تلخّص خصائص النسق الذي تمّ تمثيله، و يسمح ثانيا و بشكل خاصّ من استنباط جملة الاستنتاجات المتوّلدة عنها. فكلّ نموذج إنّما يشتغل و كأنّه محرّك استدلالي يسمح بترميز نتائج مجموع الفرضيات. ليكون النموذج أساسا للفهم أو التفسير الذي يأخذ بعين الاعتبار بعض الظواهر انطلاقا من مبادئ عميقة و لكنّه أيضا يمكن أن يستحيل مجرّد لعبة صورية بين فرضيات و استنتاجات تتعلّق بعالم افتراضي. يكون لفرضيات النموذج مزية القوانين البيّنة و التي تسمح بالمعالجة أو التحكّم اليسير في الظواهر. فهذه الفرضيات تملك القدرة على حصر الظواهر و إحصاءها بشكل شامل رغم ما تملكه من قابلية للمراجعة، كما أنّها تبنى بطريقة تكون فيها كلّ فرضية مستقلّة وهو ما يسمح باستبدالها بفرضية أخرى خاصّة في النماذج التي تقدّم في صورة نسق من المصادرات. و تستنبط النتائج بطريقة صارمة من الفرضيات سواء بطريقة تحليلية (البرهنة الرياضية) أو عن طريق الاصطناع الرقمي (الحساب عن طريق الناظم الآلي)، إذ يمكن بلوغها عن طريق مسار استدلالي قادر على تناول علاقات عديدة و مركّبة. من جهة الوظيفة القياسية، فإنّ القيمة الأساسية للنموذج تكمن في صلابته، أي في قدرته على ربط الفرضيات بالنتائج.
ج. الوظيفة التجريبية:
يقدّم النموذج بما هو إطار قويّ لمواجهة أفكار أو تصوّرات نظرية بمعطيات خبرية اصطناعية. فالنموذج ليس مجرّد وسيط غائم بين نظريات خالصة غالبا ما تكون صارمة و بين أحداث نمطية و محلية، إذ يمكنه البحث عن معادلة خبرية أكثر دقّة مع المعطيات الموجودة (العفوية أو المثارة) المتعلّقة بنسق واقعي. كلّ نموذج تبعا لذلك ييّسر صلاحية صارمة لمعطياته النظرية في علاقة بمعطيات خبرية ليكون عندئذ موضوع مسار للنمذجة لا يفضي إلى نمذجة نسق ما إلاّ حسب بعض السّمات و وفق بعض الحدود. إنّ المقاربة الإسقاطية التي تعنى ببيان صلاحية نموذج موجود عبر مواجهته بالمعطيات تبدو ناجعة جدّا. فمن جهة يسمح النموذج بيسر من إبراز الاستتباعات القابلة للاختبار، و التي تعبّر عن نفسها في شكل علاقة بسيطة بين عناصر قابلة للملاحظة، و من جهة أخرى من اختبار صلاحيتها على أرضية المعطيات التجريبية المتوفّرة. و تكون المقاربة الاستقرائية التي تهتمّ بإبراز الملاحظات من البنى الممكنة للنموذج، جدّ صلبة. فمن جهة تسمح الوسائل الإحصائية من بيان عدد غير قليل من المعطيات الخام المحدّدة بضوابط خبرية مكوّنة بذلك أحداثا أو وقائع نمطية، و من جهة أخرى كثيرة هي الطرائق التي تسمح من إنشاء نماذج تفسيرية انطلاقا من وقائع عبر ضبط منظومات من الثابتات للعلاقات. من وجهة نظر الوظيفة الخبرية، فإنّ القيمة الأساسية للنموذج إنّما تكون في مصداقيته، أي في قدرته على التعبير عن البنية الدنيا للظاهرة. و يمكن الملاحظة بأنّ الفروق بين النموذج و الواقع تبدو كثيرة و أكثر حدّة في العلوم الاجتماعية مقارنة بعلوم الطبيعة، ففي علوم الطبيعة يمكننا أن نفكّر من جهة الظاهرة الأساسية و الأعراض، في حين أنّ كلّ العوامل في العلوم الاجتماعية تبدو لها نفس القيمة و مؤثّرة سواء كانت أساسية أو عرضية. علاوة على أنّ الفوارق بين النموذج و الواقع في علوم الطبيعة يمكن النظر فيها و مقارنتها و حتّى قياسها بأكثر يسر منها في العلوم الاجتماعية، فالتفاعلات الميكانيكية تخضع لقوانين معروفة و إن بشكل تقريبي في حين يكون تحديد الكلفة الاقتصادية للبحث عن المعادن أو للمعاملات التجارية أكثر عسرا.
د. الوظيفة الاستكشافية أو الاستشرافية:
يقدّم النموذج أيضا بما هو وسيط معرفي زمن ثبات المعرفة و استقرارها أو زمن تطوّرها و ما قد تشهده من تحوّلات. إذ تسمح النماذج من تثبيت المعرفة القائمة في اختصاص معيّن في شكل وحدات بسيطة و مستقلة و متمفصلة فيما بينها، و لكنّها تلعب خاصّة دور الأساس الذي يضمن تطوّر المعرفة في الاختصاص، بفعل دوافع خارجية أو معطيات داخلية. و بحكم وحدة لغة المعرفة و وحدة مبادئها تمثّل النماذج وسيلة أساسية لبلورة المعرفة. و على هذا الأساس تخضع النماذج إلى ضرب من التراكم و الذي يفضي إلى إثرائها عبر الزمن عن طريق عمليات إعادة القراءة أو إعادة التأويل المتعاقب، إذ لا وجود لنموذج مكتمل. من جهة تزامنية تيّسر النمذجة عملية مقارنة المعارف، و من جهة تطوّرية أو تعاقبية فإنّ النمذجة تيّسر تطوّر المعارف. و يكون تطوّر النماذج قائما على ثلاثة أصناف من العمليات الصورية، مقترنة في الغالب بمتابعة تأويلية دلالية، إذ يمكن لنموذج أن يتّسع مجال تطبيقه (توسيع) أو يتّخذ صورة تحليلية مخصوصة (تقليص) أو أن يتلقّى أساسا أعمق (تجذير). من جهة الوظيفة الاستكشافية فإنّ القيمة الأساسية للنموذج إنّما تكمن في سعته أو خصوبته أي قدرته على إحداث أو توليد نماذج متنوّعة (كما سنتبيّنه من خلال نموذج الذرّة لاحقا).
ه. الوظيفة التطبيقية أو العملية:
يعدّ النموذج أداة فاعلة للتوّقع و البرمجة في خدمة التحكّم و القرار. لتحقيق ذلك يتوجّب أن يترجم النموذج في شكل تجريبي وهو ما من شأنه أن يحقّق القدرة على التحكّم و الفعل في الوضع الذي يراد السيطرة عليه، وهو ما يقتضي ارتباط النموذج بشكل أوّلي بوسائل فعل بغاية تغيير الوضع و بمبادئ أو قواعد تسمح بالحكم عليه. يخضع كلّ نموذج بشكل قصدي إلى مسار أو سيرورة ملائمة مع المحيط و بعض المشاكل التي يثيرها، ليخضع بذلك إلى سيرورة توافق مع السياق وهو ما يفضي إلى التحرّي بشأن وضعيات معلومة أو استكشاف وضعيات لم تختبر بعد أو حتّى وضعيات قصوى لا يمكن أن نطالها، و يمكن للنموذج أن يلعب دورا "سحريا" حين يضطلع بمهمّة القرينة أو الإثبات بغاية تعليل بعض التوقّعات أو التعليمات أو الوصفات المقرّرة. و تكون التوقّعات المحدّدة بواسطة النموذج واضحة و محدّدة لأهدافها، إذ يمكّن النموذج من ضبط كلّ الاحتمالات أو الإمكانات المستقبلية. إنّ مسار التوافق مع السياق إنّما يهدف إلى استخلاص القيمة التقريبية للنموذج في اتّجاه استخدامه لتحقيق أهداف محدّدة يتمّ ضبطها مسبقا و التوافق بشأنها، هذه التحديدات التقريبية تحمل على وسائل الفعل و على بنية النموذج ذاته و على المعايير التي تسمح بالحكم على النتائج التي تمّ تحقيقها، بحسب طبيعة النموذج (حدثي أو ضدّ ـ حدثي ): إذا كان النموذج حدثيّا أو متوافقا مع الحدث [pro factuel] فإنّه يسمح باستكشاف أشياء موجودة بالقوّة أو كامنة ( قابلة للتحقّق في سياق جديد أو مغاير) أو افتراضية (قابلة للتحقّق في سياق أقصى بالتخلّص من بعض الضوابط أو الضغوطات). أمّا إذا كان النموذج ضدّ ـ حدثي أو غير متوافق مع الحدث [contrefactuel] فإنّه يعالج إمكانات الظاهرة أكثر من واقعها بحيث يقدّم إجابة أو حلولا نظرية لمشكل أو قضية نظرية. من جهة وظيفته التطبيقيّة تكون الخاصّية الأساسية للنموذج في إجرائيته أي قدرته على معالجة المشكل المزمع توضيحه بضرب من النفعية. وفي هذا الإطار تكون غايات النماذج في علوم الطبيعة أكثر وضوحا منها في علوم الاجتماع، ففي علوم الطبيعة يوجد محدّد ـ مقرّر واحد يستند إلى النموذج ليحقّق هدفا واضحا، أمّا في علوم الاجتماع فنكون إزاء عدد كبير من أصحاب القرار يتّبعون نماذج متعدّدة و مختلفة و يهدفون إلى تحقيق غايات مختلفة حتّى لا نقول متعارضة.
و. الوظيفة الخطابية:
يفهم النموذج أخيرا بما هو صورة حدث يسمح بإنتاج خطاب وجيز و بنقل أمين للمعرفة، إذ يعتبر النموذج وسيلة بيداغوجية ناجعة بالنسبة للمختصّين كما بالنسبة لطلبة اختصاص ما. و لكنّه يعدّ أيضا وسيلة تواصل ناجعة مع غير المختصّين سواء تعلّق الأمر بوسائل الإعلام أو بوسط اجتماعي أو مهني، إذ يعدّ موضوع رسالة تؤمّن بثّ الأفكار و إذاعة المعرفة، و يسمح النموذج بتحقيق تواصل ناجع، و بذلك تسهم النماذج في تحقيق ضرب من تراتبيّة اجتماعية للمعرفة. من جهة وظيفته الخطابية، تكون الخاصّية المميّزة للنموذج في نفاذه أي قدرته على أن يكون مقبولا بوصفه معرفة لا تقبل الشكّ.
III  ـ إبستيمولوجيا النمذجة: الأسس و القيمة:
يتنزّل الحديث عن النموذج و النمذجة ضمن الفكر النظامي (systémique) أو النسقي، و لا يهتم النسق العام بطبيعة النموذج موضوع الدراسة سواء كانت فيزيائية أو بيولوجية أو اجتماعية، و إنّما يعمل على استخراج ما يعدّ ثابتا أو خاصّية مشتركة بين النماذج من جهة البنية أو من جهة الوظيفة. إنّ التساؤل عن الأساس الإبستيمولوجي للنمذجة، يفيد التساؤل من ناحية عن الدوافع التي ولّدت فكرة النمذجة بما هي السّمة المميّزة للبحث العلمي من ناحية و عن طبيعة المعرفة العلمية منظورا إليها بما هي إفراز للنمذجة.
* يبدو كما ذكرنا آنفا، أنّ أزمة الأسس في الرياضيات وأزمة الحتمية في الفيزياء، و ما تولّد عنها من أزمة اليقين العلمي و تهاوي الصورة التي ترسّخت عن العلم بما هو خطاب تفسيري كلّي و مطلق و تأرجح العلم بين الضرورة و المواضعة و تأرجح الحقيقة بين المطابقة و الصلاحية و الحديث عن أزمة المنهج التجريبي و تحديدا التراجع عن دور التجربة و منزلتها بما هي معيار اليقين العلمي،. كما أنّ ظهور علوم أخرى أنتجتها التطوّرات التقنية و التكنولوجية الهائلة و خاصّة على إثر الثورة الإعلامية: علم التحكّم ـ القرارـ التواصل ـ الذكاء الرامزـ التكنولوجيا التقنية ـ الهندسة ـ التربية ـ البيداغوجيا ـ التنظيم الخ... هذه العلوم مثّلت امتدادا لسلسلة اللايقين الذي أفرزته الميكانيكا المعاصرة في دراستها لظواهرها، و اللايقين هنا ليس لا يقينا في مستوى النتائج فحسب بل أيضا في مستوى الانتماء أو التحدّد كعلم، فصفة العلم لم تعد تصحّ على هذه العلوم الجديدة. عوامل حتّمت ضرورة مراجعة تصوّرنا للعلم و للمعرفة العلمية لتكون بذلك النمذجة الحلّ لتجاوز الشكّ الذي أصبح يحيط بالعلم و بالمعرفة العلمية. إنّ النظر إلى النمذجة بما هي تجاوز للتمشّي المنهجي في العقلانية الكلاسيكية يعني فيما يعنيه تغيّر نظرتنا للمعرفة العلمية ذاتها في علاقة بالواقع أساسا، إذ تفترض النمذجة تجاوزا للعلاقة التقليدية بين العلم و الواقع، و إقامة علاقة جديدة لا يمكن أن تفهم إلاّ على أساس تحديد منزلة المعرفة: هل هي معطاة، موجودة بشكل سابق عن تدخّلاتنا النظرية، هل هي تفسير موضوعي للوقائع التي نتصوّرها على أساس علاقات قائمة بين أسباب نكتشفها [ براديغم الكون المنحوت ـ  المصنوع الذي صاغه نيوتن و سيطر على نظرية المعرفة طيلة قرنين من الزمن] أم أنّ المعرفة هي بناء نظري، تمثيل كشفي أو قصدي للسلوكيات أو للعلاقات التي نتصوّرها بحسب غايات أو أهداف نبتكرها [براديغم الكون المبني الذي بدأ أرخميدس في نحته و تواصل مع دي فينشي و بول فاليري و غاستون بشلار و جان بياجي و سيمون و إدغار مورانهذان النموذجان الإرشاديان (البراديغمان)، الأوّل براديغم الاكتشاف (كشف واقع) و الثاني براديغم الإنشاء (بناء تمثّلات عقلانية)، يحيلان على ضربين من المعرفة: معرفة ـ موضوع و التي تقوم على الوصف و التفسير باستخدام لغة الرموز الرياضية. أمّا الضرب الثاني من المعرفة فيتعلّق بالزوج معرفة ـ مشروع: و لعلّ رمز النحلة و المهندس الذي أشار إليه كارل ماركس إنّما يقترح تصوّرا للنموذج ـ التمثيلي لمعرفة ترتبط ببراديغم المعرفة ـ المشروع، فنموذج الخليّة يبنى في ذهن المنمذج قبل أن تكون الخلية معروفة، أو قبل أن تكون إن شئنا موضوع معرفة، هذا المثال يقدّم لنا صورة المعرفة العلمية المنشأة أو المبنية و التي تفترض أنّ الواقع العلمي ليس معطى ما دمنا لا ننشئ إلاّ ما ليس موجودا، فالبراديغم القائم على منطق الاكتشاف يرفض كلّ محاولة للإنشاء أو البناء، أمّا الابتكار و التصوّر فيعني البحث عمّا ليس موجودا و إيجاده، و البحث و إيجاد ما لا يوجد لا يحيل على براديغم معرفة موضوع ما و إنّما بناء معرفة لمشروع ما.
* النموذج و النظرية:
قد يفهم من النمذجة، أنّ النموذج هو مجرّد حلقة في مسار النمذجة، أو هو مجرّد تجسيد لمشروع نظري أو تطبيق لنظرية ممّا يوحي بأنّ النموذج تمثيل حسّي أو شكلي لنظرية تمّ إنتاجها سابقا، مثل هذا الفهم يبدو تبسيطيّا و سطحيا وفق ابستيمولوجيا النمذجة، إذ أنّ النموذج سواء كان إيقونيّا رمزيا أو صوريا، أو تصميما هندسيّا يفهم على أنّه نبع معرفة و ليس نتاج المعرفة فهو لا يصف أو يعرض معرفة ـ موضوع و كأنّه مجرّد مثال، فهو يقدّم معرفة ـ مشروع بصورة ما قبليّة و التي لا توجد بشكل مستقلّ أو لنقل أنّ النموذج يوجد معرفته الخاصّة، إذ تنتج المعرفة ـ المشروع و تتمثّل بواسطة تصوّر النموذج و ليس بالتحليل. و على هذا الأساس فإنّ طريقة بناء النموذج لا تتّبع منهجا تحليليّا (تحليل فاستنتاج) و طرق بيان صلاحية نموذج لا تكون من نمط الفرضي الاستنتاجي التجريبي، إذ يتّبع في بناء النموذج طريقة [projective - systémique] البرمجة و التي تفيد القصد ـ التصوّر و طرق إثبات المشروعية تكون أكسيومية أو شبه أكسيومية استقرائية تداولية أو براغماتية، إذ على المنمذج أن يحدّد مشروعه (مصادراته، نظريته في المعرفة) و أن يتوافق على أنّ المعرفة التي يمثّلها هي تجسّد و فعل معرفيين أو عرفانيين، وهو ما يؤكّد أنّ النموذج ليس مجرّد تمثيل حسّي لنظرية بل ينبغي النظر إليه بما هو نظرية تبنّى عقليّا و تتميّز ببنية مركّبة مادامت تضمّ في آن بعدا تركيبيّا و بعدا دلاليا و آخر تداوليا، و الحقيقة أنّ علاقة النموذج بالنظرية هي علاقة ملتبسة من خلال العودة إلى مواقف المهتمّين بالنمذجة و القائمين بها، فإذا كان لوموانيو في كتابه الإنشائية أو البنائية يشدّد على ضرورة النظر إلى النموذج بما هو نظرية، بما أنّه تصوّر أو تمثّل مثالي للواقع و ليس مجرّد تبسيط أو رسم اختزالي يجسّد النظرية، ذلك أنّ بناء النموذج يحتاج إلى تصوّر ما قبلي عقلاني يحدّد الأسس النظرية، و إلى تحديد ضرب من التأويل يصل هذه الأسس بواقع جهوي افتراضي، و إلى ضبط جملة الأهداف التي تحكم بشكل قبلي إنتاج النموذج بما هو مشروع، فإنّ مولود في مقاله المدرج ضمن الموسوعة الفلسفية يؤكّد أنّ النموذج هو نتاج نظرية و حامل لنظرية و العلاقة بين النموذج و النظرية هي علاقة جدلية طالما أنّ النظرية هي التي تحدّد إنتاج النماذج في نفس الوقت الذي يؤثّر النموذج بحكم التجارب حتّى و إن كانت افتراضية في النظرية ممّا يفيد أنّ النمذجة تؤكّد الطابع المفتوح للنظرية و الطابع المرن للنموذج، لمزيد فهم العلاقة بين النموذج و النظرية، يجدر بنا استحضار شكل العلاقة بين النمذجة و التجريب و بيان دلالة التجربة و منزلتها في عملية النمذجة ذاتها.
* النمذجة و التجريب:
" بتوسط النموذج ترتبط النظرية بالتجربة" على حدّ عبارة لادريار في كتابه رهانات العقلانية، إذ يمكن أن تقترح التجربة تعديلات على النظرية ـ  النموذج كما يمكن أن تؤول النتائج التجريبية في حدود النظرية و بذلك يعدّ النموذج وسيلة أو وسيطا لا ينبغي أن يتمّ الخلط بينه و بين الواقع، إذ "أنّ الخريطة ليست الأرض"، كما أنّ التجربة لا ينبغي أن تفهم على معنى خبري أو بما هي منطلق البحث و منتهاه على غرار التجريب في البراديغم الوضعي، فالتجربة يمكن أن تكون عفوية أو مثارة، و يمكن أن تكون مخبرية أو افتراضية، و من المؤكد أنّ معيار صلاحية نموذج ما لا يتحدّد بالواقع المعطى و إنّما بالتناسق و الانسجام داخل بنية النموذج النظرية من ناحية و بفعالية النموذج من جهة براغماتية أو تداولية من جهة أخرى، إذ تفترض عدم قابلية النموذج للتحقّق واقعيا عجز الواقع المباشر على استيفاء النظرية، أو أنّ النموذج يتّسم بعقلانية أكبر ممّا يكون عليه الواقع المعطى، فضلا على أنّ بعض التجارب تبدو مستحيلة بالنظر إلى الكلفة الباهضة للتجارب، وهو ما يؤكّد أيضا أنّ معيار صلاحية النموذج إنّما تتحدّد بضرب من المواضعة أو الاتّفاق بين المجموعة العلمية، و حتّى "إنّ كان البناء مستمدّا في جانب منه من المعلومات المسبقة عن خصائص المواضيع فإنّ النموذج يعيد تشكيلها انطلاقا من مقولات خاصة". وفق قول لادريار العلاقة مع الواقع تقوم على الفرضية لا بمعناها الكلاسيكي الذي جعل منها إمكانية للتحقّق عيانيا أو تجريبيا، و إنّما هي افتراض أي أنّ النموذج لا يخضع للفصل الكلاسيكي بين النظر و النظرية بل يقيم تشابكا [imbrication] بين النظر و الفكر فيكون أداة النظر  la visibilité وأداة التعقل l’ intelligibilité لهذا الواقع الافتراضي virtuel. فالمفهوم الأساسي الذي تقوم عليه عملية النمذجة هو مفهوم التعقليّة الذي يمكن من نمذجة الأنساق المعقّدة و حلّ مشاكل الواقع.
* النمذجة و التفسير أو الفهم:
ترتبط النمذجة بالملاحظ المبتكر [OBSERVATEUR CONCEPTEUR]، و يؤكّد لوموانيو أنّ المعرفة المبنية أو المنمذجة ذات طبيعة فينومينولوجية، و التي بموجبها لا يمكن أن نفصل بين الذات العارفة و الظاهرة موضوع المعرفة، أمّا الفرضية الثانية فمن طبيعة تيلولوجية (تدرس التيلولوجيا نظام الغايات أو نسق الأهداف) تتّصل بالهدف الذي يحرّك الذات العارفة لمعرفة ظاهرة أو موضوع ما. تنظر هذه المقاربة الإبستمولوجية إلى المعرفة بما هي "معرفة فاعلة " على حد عبارة لوموانيو ، بحيث لا ينبغي البحث عن التفسير و إنّما عن تمثّلات يمكن لنا إبداعها. يفيد الفهم الإنجاز [ أنا أفهم يعني أنا أنجز أو أجسّد] على حدّ عبارة لادريار. فعوض أن نفرض على النموذج مهمّة تفسير الكون (ميكانيكي أو سببي أو ديناميكي أو طاقي)، يمكننا أن نبني و أن نشرّع النظر إلى العمل العلمي [النمذجة] بما هو نماذج للفهم (روني توم) أو بما هو وسائط للعقلنة (سوزان بشلار)، أو بما هو تمثّلات إجرائية يمكنها أن تلعب دور الفعل، " لم أعتقد أبدا في التفسير" على حدّ عبارة بول فاليري و الذي يضيف "و لكنّني اعتقدت في ضرورة البحث عن تمثّلات على أساسها يمكننا أن نفعل، كما لو كنّا نشتغل على خريطة، أو كما يشتغل المهندس على رسم منجز... و الذي يمكّن من الفعل".
* النمذجة و الحقيقة:
تقترح ابستيمولوجيا النمذجة معرفة بوصفها تمثّلا، أو نموذجا يسمح لنا الفهم الذي يقدّمه لنا بشأن ظاهرة ما الفعل فيها طالما " أنّ الحقيقي هو الفعل ذاته " أو طالما " أنّ الحقائق ليست أشياء تكتشف و إنّما أفعال نقوم بها، إنّها أبنية و ليست كنوزا". على غرار فلسفة ما بعد الحداثة، فإنّ هذه المقاربة قد تتّهم بالنسبية العدمية، و قد تفهم على معنى تأكيد النزعة الريبية في العلم و المعرفة العلمية و قد تربك صورة العلم التي عاشرتنا طويلا، وهو ما يستبعده دعاة النمذجة و المدافعين عن مشروعيتها، إذ يعتبرون أنّه إذا لم يكن بالإمكان تأسيس اليقين الذي يسمح لنا بإنتاج معرفة حقيقية، فإنّه بالإمكان في نظرهم إنتاج معرفة على صورة السنفونية أو اللحن الموسيقي الطويل المركّب، فلا يمكننا وفق هذه المقاربة الحديث عن المعرفة و كأنّها بناء معماري تكون قاعدته صخرة ثابتة عليها تتأسّس المعرفة الحقيقية و لكن يمكننا أن نقيم مباحث متعدّدة تترابط فيما بينها و تنتج معرفة مختلفة في دلالتها عن التصوّر الكلاسيكي للمعرفة. وهو ما يشرّع لحلول المعنى بدل الحقيقة أو النظر إلى الحقيقة بما هي إمكان، أو حكم عرفاني مفتوح و مرن و أن معيار هذا الحكم هو الانسجام الداخلي و الفعالية، وهو ما يتأكّد من خلال قول بياجي" لا نعرف موضوعا إلاّ بالفعل فيه و تحويله" و على هذا الأساس تنظر إبستيمولوجيا النمذجة إلى الواقع الموضوعي أنطولوجيا، الواقع في ذاته، بوصفه حدّا يستحيل بلوغه، أمّا الواقع الذي نريد تعقّله فهو عبارة عن تمثّل، بحيث تحلّ البينذاتية محلّ الموضوعية، المعنى محلّ الحقيقة، و الفهم محلّ التفسير و بهذا المعنى تقترح النمذجة تجاوز النقائض الكلاسيكية بين المثالية و الخبرية بين الذات و الموضوع، بين النظري و التطبيقي، بالسعي إلى إنتاج معارف مجدية أو قابلة للتجسيد و تراهن على العلوم التطبيقية أو المطبّقة. تفترض إبستيمولوجيا النمذجة إذن تصوّرا مغايرا للمعرفة و شروطها و معاييرها عمّا كانت عليه في المقاربة الوضعية، إذ لا شكّ أنّ مثل هذه المقاربة تتعارض مع الإبستيمولوجيا الوضعية ـ الواقعيّة و الفرضيّة الأنطولوجيّة التي تقوم عليها و التي تقرّ بأن للواقع وجودا موضوعيا مستقلاّ و مع الفرضية التي تقرّ بمبدأ الحتميّة أي وجود علاقات موضوعية ضرورية و ثابتة تحكم الظواهر و كأنّ نظام الطبيعة الذي ينتجه العلم ليس إلاّ النظام المعطى الذي نكتشفه بواسطة المنهج العلمي.
نظرية المعرف
المنهج
النموذج
براديغم:
 معرفة ـ موضوع
عن طريق التحليل
(الفرضي الاستنتاجي التجريبي)
نموذج التفسير
براديغم:
 معرفة ـ مشروع
عن طريق التصوّر
 ( الأكسيماتيكي الاستقرائي البراغماتي)
نموذج التأويل والفهم
نموذج التمثّل الإجرائي
 · الأساس الإبستيمولوجي للنمذجة: تتنزّل النمذجة ضمن مقاربة إبستيمولوجية بنائية، فماذا نعني بالبنائية ؟
تمثّل الإبستمولوجيا البنائيّة تيّارا إبستيمولوجيّا يؤكّد الخاصّية البنائيّة و المبنيّة للمعرفة، و بالتالي للواقع. و يردّ هذا التيّار تاريخيّا إلى جان بياجي، الذي يعدّ أوّل من استخدم مصطلح البنائية و عرضها بوصفها مقاربة إبستيمولوجية منذ سنة 1967 في مقال بعنوان " المنطق و المعرفة العلمية" لذلك عدّ أب البنائية و المحدث لقطيعة مع الأفكار التي تعتبر أنّ المعرفة العلمية تكتسب عن طريق الكشف و الاكتشاف، إذ تعرّف الإبستمولوجيا مع بياجي بما هي " دراسة إنشاء المعارف الصحيحة أو المشروعة" كما نجد للبنائية حضورا مع بشلار الذي أكد أنّ " لا شيء معطى، الكلّ منشأ " طالما أنّ المشاكل العلميّة لا تطرح بذاتها، إذ تكون المعرفة العلميّة بالنسبة للروح العلمي في تقديره إجابة عن سؤال أو مشكل و بالتالي ففي ظلّ غياب الأسئلة لا مجال لإمكان قيام معرفة علميّة، و كأنّنا به يعتبر " أنّ الدرب تنتجه الخطوات ". و لعلّ ما يعرف اليوم "بالعلوم الاصطناعيّة" على غرار علم التحكّم أو السيبرنيتيقا، و علوم التنظيم و القرار، و التي لا تجد لنفسها موقعا في الإبستمولوجيا الكلاسيكية التي ترى في العلم نتاجا للتجربة، ما يؤكّد قيمة الإبستمولوجيا البنائية، كما أنّ مبدأ اللاتعيّن الذي أنتجته فيزياء الكوانتا ما يدعّم هذه المقاربة.
* القيمة الإبستمولوجية للنمذجة:
تقوم النمذجة على رؤية نسقية للأحداث و الظواهر و النظم، فكلّ الظواهر سواءً كانت طبيعية أو إنسانية نظام من العلاقات و القوانين التي يمكن تمثّلها و دراستها، فتكون النمذجة وفق ذلك هذا التمشّي الذهني المميّز للعلم و المتمثّل في تحديد المفاهيم التي تمثّل الظاهرة و العلاقات التي تربط بينها و القوانين التي تحكمها. فإذا ما أقررنا بأنّ العلم " لا ينشأ إلاّ بنشأة موضوعه و منهجه "، و أنّ الظواهر العلمية ظواهر منشأة، و التمييز تبعا لذلك بين مادّة المعرفة و موضوع المعرفة أمكن القول بأنّ العلم لا يفكّر إلاّ من خلال ما ينتجه من نماذج. و تنكشف أهمّية النماذج في العلم بصفة خاصّة حينما يتعلّق الأمر بدراسة ظواهر لامتناهية في التعقيد يكاد يستحيل التعامل معها بشكل مباشر، ممّا يقتضي مقاربتها من خلال ما يبنيه الذهن من نماذج تكون تمثيلا و تصوّرا لها. فالنموذج العلمي بهذا المعنى هو إحلال " اللامرئي البسيط محلّ المرئي المعقّد"، وهو ما يكشف عن دوره العرفاني و الإجرائي في ذات الوقت؛ "ففي غياب نموذج ذي دقّة متناهية يمسي الفكر ذاته فاقدا للدّقة و تكون النتائج المستنبطة من النموذج ملتبسة"[4].
و تتأكّد القيمة الإبستيمولوجية للنمذجة حين نتبيّن أنّها لا تختزل في مجرّد إنتاج النماذج بما هي واسطة بين النظرية و الواقع أو بما هي تمثيل فيزيائي أو رمزي للظواهر بهدف التبسيط و التوضيح، أو بما هي أدوات استكشافية، وهو ما يتجلّى بصفة واضحة في الإنتاج العلمي منذ بداية القرن العشرين. فوجه الجدّة في اعتماد النمذجة في مقاربة التفكير العلمي المعاصر تتحدّد وفق الأبعاد التالية:
أ. بما هي تمشٍّ ذهني مميّز للعلم يتجسّد في إنتاج النماذج. (البعد النظري ـ العرفاني)
ب. بما هي بناء للعالم من خلال بناء الفكر، ذلك أنّ "الفكر في تنظيمه للعالم يعيد تنظيم ذاته" كما يشير إلى ذلك بياجي. (البعد التصوّري ـ البنائي)
ج. بما هي استعمال للنماذج.(البعد العملي ـ التداولي)، أو بما هي معرفة ذات منحى عملي، فلا وجود لنموذج في ذاته، و كلّ نموذج هو نموذج لشيء ما و بغاية ما و في سياق محدّد يجب أخذه بعين الاعتبار.(البعد الغائي ـ البراغماتي)
د. بما هي تفكير في طبيعة التفكير العلمي و مساءلة له؛ حيث "تجد النمذجة دعامتها في تمشٍّ استشرافي و نقديّ للمعرفة"[5]. (البعد الميتاعرفاني ـ النقدي) و يتجلّى وجه الجدّة أيضا في التحديد المغاير لمفهوم النموذج و ذلك بتجاوز النظرة الأنطولوجية و الوضعية التي تختزله في تصوير واقع معطى في صورة تصميم أو تجسيم مصغّر (تمثيل تناظري)، أو في صورة رياضية (تمثيل رقمي)، نحو نظرة بنائية.
يقوم التصوّر البنائي للنموذج:
أوّلا، على اعتبار أنّ الأهمّ في بناء النموذج ليس التحليل (النمذجة التحليلية استنادا إلى قواعد المنهج الديكارتي) بل التصوّر (النمذجة النسقية استنادا إلى المنهج البنائي: المعرفة بناء).
ثانيا، تجاوز التصوّر الوضعي الذي يعرّف النموذج من جهة أنّه تمثيل لظاهرة في لغة رياضية و من ثمّة اختزال النمذجة في الصورنة، إلى تصوّر بنائي نسقي مركّب ينظر إلى النموذج في لغاته المختلفة حيث يمكن للنموذج أن يعتمد لغة طبيعية أو رمزية تجسيمية Iconique إلى جانب اللّغة المنطقية الرياضية، كما يمكن للنموذج الواحد أن يحتوي لغات مختلفة.
ثالثا، تجاوز المقاربة الموضوعية التحليلية التي تقوم على عزل النموذج و تجزئة الواقع، إلى مقاربة نسقية إدماجية تقوم على ربط النموذج بالنسق و بالفاعلين فيه.
رابعا، تجاوز الحياد الموضوعي المزعوم للنموذج الآلي.
وهو ما يعني أنّ حضور النموذج في العلم متعدّد الأوجه، من جهة النظرية التي يعبّر عنها والمرجع الذي يحيل عليه، و الغاية التي يصبو لها.
La modélisation systématique
Projet ou processus – unité active – système – conception – conjonction – articulation –organisation –adéquation –intelligence-effectivité- projection-pertinence-  compréhension-téléologique
La modélisation analytique
Objet - élément - ensemble - analyse - disjonction - structure - optimisation - contrôle - efficacité - application - évidence – explication causale.
*· الحدود الإبستمولوجية للنمذجة:
أ. في علاقة بالحقيقة:
إنّ مقاربة العلم بتعريف النمذجة العلمية بما هي قدرة على إنتاج نماذج قوامها وعي الفكر العلمي بطبيعة نشاطه العرفاني بما هو صانع نماذج مرتبطة بسياق اجتماعي محدّد، تعني التخلّي عن النظر إلى العلم بما هو إنتاج لحقائق كلّية و موضوعية تفسّر الواقع كما هو و اعتباره على خلاف ذلك اختراع نماذج لوضعيات أو أحداث أو ظواهر مرتبطة بسياقات و اختيارات، بما يعني تجاوز براديغم المعرفة النظرية المحض إلى براديغم المعرفة ذات المنحى العملي. تكمن المفارقة في أنّ تحرّر العلم من النزعة الواقعية قد منحه قدرة أكبر على معالجة الواقع و التحكّم فيه، بواسطة ما ينتجه من نماذج، تسمح له بفهم الظواهر عبر تمثيلها و الفعل فيها.
و إذا أقررنا بأنّ العالم لا يتعامل مع وقائع موضوعية و معطاة بل هو الذي يبني موضوعاته ذهنيا، و إذا ما كان في تعامله مع واقع شديد التعقيد، ملزما بالتفكير بواسطة النماذج التي بفضلها يختبر ما يتصوّره من فرضيات، فلا معنى للقول عندها بخصوص نموذج ما بأنّه صحيح أو خاطئ، ففي الاحتكام إلى الصلاحية و الملائمة ما يعني التخلّي عن مطلب الحقيقة، أو لنقل أنّ الأمر يتعلّق بتغيّر في المعايير بإحلال اليسر و الملاءمة و الصلاحية أو عدمها محلّ الصواب و الخطأ. أليس في اعتبار الصلاحية معيارا للنموذج و الملاءمة معيارا للنظرية وفقا للرؤية المواضعاتية في العلم، أنّ استبدال الحقيقة بالصلاحية يستند إلى تصوّر يفترض تجاوز التصوّر الكلاسيكي و الوضعي للعلم في علاقته بالحقيقة و بالواقع " إنّه بالتأكيد (النموذج) تمثيل ملائم؛ أمّا بخصوص حقيقته فإنّ السؤال المناسب الذي يجب طرحه ليس معرفة ما إذا كان النموذج حقيقيا أم لا، بل ما إذا كان يحتمل أن يكون صحيحا أو خاطئا، لكنّه في الغالب ليس كذلك"[6].
ب. في علاقة بالواقع:
يبدو أنّ العلم المنمذج لا يهتمّ بالواقع، و لا يسعى لإنتاج معرفة بشأن الواقع في كلّيته، إذ أن الفرضية الفينومنولوجية للنمذجة تفيد أنّ الملاحظ المبتكر أو منتج النماذج لا يعكس إلاّ واقعه، أي رؤيته للواقع، و كأنّ النموذج إنّما يبني واقعه، وفق هذا التحديد لا تكون النمذجة إلاّ اختزالية، و إذا ما استحضرنا علاقة إنتاج النماذج بالسياق من ناحية و بالبعد التيلولوجيمن ناحية أخرى تأكّد لنا هذا البعد الاختزالي.
ج. في علاقة بالنظرية:
إنّ النموذج تمثّل و تمثيل عن طريق أشكال في أوسع معانيها، فهو بذلك يحقّق تصوّرا أو رؤية نظرية، و لكن النموذج ليس له مع ذلك دلالة النظرية العلمية، فدلالته التطبيقية أي اعتباره نظرية موجّهة نحو الفعل و الإنجاز و التحكّم أساسا، ما يبعده عن معنى النظرية، فالطابع الغائي للنمذجة يسمح بتحقيق ضرب من التأليف، أو بإنتاج نظرة منسّقة [stylisée] للواقع. إنّ النموذج يظهر عالما بسيطا مشابها أو مماثلا للوضعية "موضوع الدراسة " و يضفي عليه المعنى بفضل هذه المماثلة. و الحقيقة أنّ التظنّن على صلة النمذجة بالنظرية يتعمّق حين نستحضر العلوم الجديدة على غرار علوم الإعلامية و الهندسة، فتطوّر الإعلامية أنتج فيما أنتجه أنشطة جديدة جدّ هامّة اقتصاديا و اجتماعيا تستعمل في سياقات مختلفة و التي تسمّى نمذجة، و تنتج هذه الأنشطة تمثّلات كمّية مشابهة في ظروف إنتاجها ظروف بلورة المعرفة العلمية، و لكّنها تستخدم في سياقات مختلفة من أجل اتّخاذ القرار في شركة أو مصلحة من مصالح المؤسّسات، أو بما هي وسيط للتواصل بشأن مواضيع معيّنة اقتصادية كانت أو مدنية أو اجتماعية، و إذا كان العلم بحسب نيكولا بولو " قد يتّخذ من النموذج وسيطا لتوضيح بناءاته النظرية، فإنّ المهندس لا يملك في الغالب نظرية مرجعية تكون إطارا لفعله أو نشاطه". سواء تعلّقت النمذجة بإعداد ملفّ من أجل اتّخاذ قرار جمعي أو تعلّق الأمر بتمثّل
 " منجز" عن طريق الإعلامية بغاية إنتاج ما [ une production ]، فإنّ كلّ نمذجة " إنّما تنخرط ضمن سياق اجتماعي وهو ما يضفي عليها طابع النجاعة و لكن أيضا طابع الدنس" على حدّ عبارة نيكولا بولو.
هـ . في علاقة بالعلم:
ليست النمذجة وفق قراءة بولو طريقة علمية و إنّما طريقة تستعمل العلم، و خاصّة علم الإعلامية الذي يستخدم وسيطا و أساس الانتقال من حقل العلم إلى مجال المجتمع، و غموض النمذجة يكمن في تقديمها في صورة علم مطّهر في حين أنّها منغرسة في رهانات مخصوصة و تابعة لجهات غير علمية حتّى و إن بدت النمذجة متماسكة في بنيتها، و صارمة في لغتها، إذ مثلما يمكن أن نغالط باستعمال اللغة الطبيعية، يمكن أن نغالط باستعمال النماذج " و ليس للرياضيات بهذا الخصوص أيّة فضيلة تطهيريّة، على خلاف ذلك تكون الرياضيات الصحيحة في ظاهرها، لياقة و  أدبا يمكن أن يخفي الغايات الأقلّ نبلا". وهو ما يؤكّد أنّ النمذجة لا تعبّر عن السّمة المميّزة للعلم و إنّما "عن الصورة البورجوازية للعلم" على حدّ عبارة آلان باديو، صورة يعلن فيها العلم على وجه الملأ علاقته العضوية برأس المال بعد أن كان يتخفّى وراء الموضوعية و الحياد. إن النظر إلى العلم بما هو نمذجة يكشف بذلك عن افتقاده الاستقلالية، و لكأنّنا أمام عقلانية " تبرّر السيطرة و الهيمنة و الاضطهاد" استعارة لقول ماركوز، لتستحيل العقلانية لا عقلانية، و التعقّل جنونا، و الذكاء غباء، مادام العلم يتحوّل باسم هذه المقاربة إلى خطاب يعالج مشاكل جزئية و ينتج تمثّلات في مكاتب الخبراء أو مكاتب الدراسات و رجال الأعمال و المؤسّسات العابرة للقارّات و المؤسّسات العسكرية، بغاية الفعل و  التحكّم دون قراءة للعواقب، أو المخاطر التي يمكن أن تنجرّ عن هوس المصلحة و المنفعة و الجدوى و النجاعة، و الأمثلة عديدة في هذا الاتّجاه سواء تعلّق الأمر بثقب الأوزون، أو بالأسلحة الغبية أقصد ما تسمّى بالذكية، أو الزراعات المحوّلة جينيا. قد لا يتعلّق الأمر برفض النمذجة في ذاتها، و إنّما رفض مبادئها و الغايات التي تحكم إنتاجها، وهو ما يستدعي التفكير في نمذجة بديلة، وهو ما يحمّل رجال العلم و الفلاسفة و رجال السياسة و المجموعات الإيتيقية مسؤولية إنقاذ العلم من جنون الهيمنة، أو من كلّي الموت، غير أنّ السؤال الذي يطرح في خاتمة هذه المداخلة: هل يمكن للإيتيقي أن يضطلع بمثل هذه المهمّة ؟ ألا ينبغي التفكير في براديغم جديد يحقّق مصالحة العلم مع ذاته و مع إنسانية الإنسان ؟

قائمة المراجع:
1. Bernard Waliser, Systémes et modèles,ed seuil ,1977
2. PascalNouvel, Enquête sur le concept de modèle, ed PUf
3.Jean Ladrière, Les enjeux de la rationalité,aubier Jean-louis Le Moigne ,Le constructivisme ,ed  l’harmattan
4. Duran,La systémique,1979
5. Alain Badiou, Le concept de modèle
6. Nicolas Bouleau, la modélisation et les sciences de l’ingénie

توزيعية للمسألة
                                          العلم بين الحقيقة و النمذجة
مدخل إشكالي وضعية استكشافية
 1 ـ  دلالة النمذجة:
في أصل النماذج مولود ص: 221 (كتاب العلوم)
أو
النموذج تبسيط باسكال ـ نوفال ـ ص: 235
أو
كيف ينشأ النموذج؟ ـ فرودونتال ـ ص: 237
2 ـ أبعاد النمذجة:
أ ـ البعد التركيبي
النمذجة و الأنساق الرمزية ـ  هربرت سيمون ـ  ص: 227
أو
النموذج و البنية ـ ج. بياجيه ـ ص: 229
أو
النموذج بما هو نسق ـ ج. لادريارـ ص: 261 (كتاب الآداب)
النموذج
ب ـ البعد الدلالي
النمذجة و استكشاف الظواهرـ  تنودجي ـ ص: 223
أو
النمذجة للفهم ـ  لوموانيو ـ  ص: 235
ج - البعد التداولي
النمذجة إجراء منهجي ـ فرويندتال ـ  ص: 244
أو
شروط صلاحية النماذج ـ رونيه توم ـ ص: 240
أو
النشاط العلمي و النشاط التقني ـ جون لادريار ـ ص: 242
3 ـ حدود النمذجة
أ‌ ـ الحد الإبسيمولوجي
الصلاحيات النسبية للنماذج ـ نيكولا بولو ـ ص: 266 (كتاب الآداب)
أو
الحقيقة و المشروعية في العلم ـ ليوتار ـ ص: 278 (كتاب الآداب)
ب ـ الحدّ الفلسفي
النموذج و الإيديولوجيا ـ آلان باديو ـ ص: 289 (كتاب الآداب)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق