إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

الأحد، 22 فبراير 2009

بناء درس الفلسفة: الخصوصيّة و الكونيّة

                                           حلقة تكوينية
الإدارة الجهوية للتربية و التكوين ببنزرت.
المركز الجهوي للتربية و التكوين المستمرّ.
28 نوفمبر 2007.
إعداد: أحمد الملّولي: متفقّد مدارس إعدادية و معاهد.
I . الإنساني بين الكثرة و الوحدة.  (الشعب العلمية)
2. الخصوصية و الكونية:
(الآخر ـ الاختلاف ـ التواصل ـ الصورة ـ المقدّس ـ الهوّية)
المبدأ العام:
"وهي المسألة التي يحصل فيها للمتعلّم الوعي بحاجته إلى التعرّف على ما هو إنسانيّ في كلّ إنسان، أي تقصّي طبيعة العلاقة (تناظر، تكامل، تقابل، تحايث...).... بين انشداد الفرد إلى خصوصّيته و انفتاحه على تنوّع أنماط الوجود الإنساني الممكنة من جهة، و نشدان الكوني من جهة أخرى.
إضاءات حول البرنامج
بنية الدّرس:
يُمثّل كلّ عنوان من هذه العناوين حقلا إشكاليا يتفرّع على مسائل تحيل كلّ واحدة منها على جملة من "المعاني" يشتغل عليها اشتغالا يراعي تجاورها و تباينها و وجوه تقاطعها و تموقعها في المجال الإشكالي المعنيّ، على نحو يضمن تنمية قدرة المتعلّم على الارتقاء بالمعاني من الكلمة إلى المفهوم، و من السؤال إلى المشكل، بما يتيح في الأخير بناء الدروس على نحو يضمن تدرّجها و ترابطها و وحدتها.  (إضاءات حول البرنامج)
الأهداف:
1 ـ أن يكون التلميذ قادرا على الوعي براهنيّة المسألة.
2 ـ أن يكون التلميذ قادرا على تحديد أنماط العلاقة الممكنة بين الخصوصّية و الكونية.
     (تناظرـ تقابل ـ تشارط ـ تكامل ـ...)
3 ـ أن يكون التلميذ قادرا على تبيّن الطابع المركب للهوّية.
4 ـ أن يكون التلميذ قادرا على التمييز بين كونيّ ينبغي إنقاذه و كوني ينبغي أن ننقذ الإنسان و الإنسانيّ منه.
5 ـ أن يكون التلميذ قادرا على بيان معنى أن يكون الكوني أفقا للخصوصية.
6 ـ أن يكون التلميذ قادرا على الوعي بأهمّية الاختلاف، و النظر إليه بما هو عامل ثراء لا عامل صدام و إقصاء.
7 ـ أن يكون التلميذ قادرا على الوعي بشروط اللقاء بالآخر الثقافي.
المدخل الإشكالي:
ما الذي يبرّر التفكير في مسألة الخصوصية و الكونية ؟
يبدو أنّ ما يَسم الواقع الإنساني من تعدّد و تنوّع و اختلاف، و ما يميّز الإنسانيّ من نزوع نحو الكوني من ناحية و ما يمثّل القاسم المشترك في الفضاء الإنساني من ناحية أخرى بما هو مؤشّر على الوحدة، أو الوجود النوعي للإنسان من ناحية أخرى ما يشرّع النظر في مثل هذه المسألة، علاوة على ما اقترن به واقع الاختلاف من صراع أو صدام و عنف مورس تحت شعارات مختلفة، فحرب الآلهة أو الحرب باسم الدفاع عن حقوق الإنسان أو من أجل نشر قيم الحقّ أو دفاعا عن الكرامة الإنسانية أو باسم مقاومة الإرهاب، مقابل ظهور أقلّيات تدافع عن حقّها في الاختلاف و الاعتراف بها بما هي وجود أو كيان مستقلّ، له هوّيته المميّزة، ما يفيد أنّنا نعيش اختراق ثقافات لخصوصية ثقافات أخرى باسم الكوني، مقابل انغلاق ثقافات معيّنة على نفسها دفاعا عن الخصوصية و رفضا للكونية، و ما تثيره هذه و تلك من جدل يعكس عند البعض أزمة هوّية و يعكس عند البعض الآخر أزمة فائض هوّيات. كيف يمكن للخصوصية أن تنفتح على الكونية دون أن تفقد خصوصيتها ؟ ألا يمكن النظر إلى الكونية بما هي الحفاظ على الخصوصية ؟ أم هل علينا أن نختار ما بين الخصوصية و الكونية ؟ ألا يمكن للكونية أن تكون أفق الخصوصية ؟ و إذا اعتبرنا أنّ الكونيّ قيمة نوعية فهل علينا اليوم أن ننقذ الكوني من مخاطر الفراغ الأنطولوجي الذي قد تولّده الدعوات المدافعة عن الخصوصيات أم علينا أن ننقذ أنفسنا من كونيّ لا يفيد إلاّ صورة مجرّدة للعدم ؟ ألا ينبغي أن نميّز بين كوني ينبغي إنقاذه وب ين كوني ينبغي أن ننقذ أنفسنا منه ؟ و بأيّ معنى يمكن أن ندافع عن الخصوصية و نعيشها دون القطع مع الكونية ؟
تفترض معالجة جملة هذه الإشكالات النظر في العلاقات الممكنة بين الخصوصية و الكونية [ علاقات تناظرـ تشارط ـ تكامل ـ تقابل...] و ما تثيره من مفارقات، إذ يمكن مبدئيّا القول بأنّ الخصوصية تستدعي الكثرة و التنوّع و الفوضى، في حين تحيل الكونية على الوحدة و النظام. فهل يعني ذلك أنّه ليس بالإمكان التفكير في هذه المسألة إلاّ وفق ما تسمح به هذه الثنائيات، أي الفردي في مقابل الكلّي و الوحدة في مقابل الكثرة و الفوضى في مقابل النظام ؟ ألا تترجم هذه الثنائيات عن رؤية اختزالية، تنتهي عادة إلى الانتصار لقطب و التضحية بالآخر ؟ تتحوّل هذه الثنائيات على مستوى التجربة البشرية إلى مفارقات تتلخّص في تمزّق الإنسان بين انشداده إلى الخصوصية و التفرّد و توقه إلى الكونية.
يقتضي التفكير في إشكاليات العلاقة بين الخصوصية و الكونية منهجيّا التساؤل عن دلالة الخصوصية و مقوّماتها.
تحيل الخصوصية على معنى الهوّية، على ما هو جوهري و ثابت و أصيل و مميّز لمجتمع ما أو لأمّة أو للنحن الثقافي، لكن هل ينبغي النظر إلى الهوّية من جهة اعتبارها مقولة منطقية [منطق الهو الهو، أو الهو عينه] أم من جهة اعتبارها ما يتحقّق تاريخيّا و ما  تقتضيه التاريخية من حركة و تغاير و تحوّل و كسب ؟ سؤال الثابت و المتحوّل يحيلنا على سؤال الهوّية من جديد من جهة الحقّ و من جهة الواقع، أعني هل هي كيان بسيط أم كيان مركّب ؟ بلغة أخرى هل تردّ جذور الهوّية إلى ثقافة واحدة منغلقة على ذاتها متأصّلة في عمقها أم أنّ جذورها متعدّدة و أصالتها تستمدّ من أصالة انفتاحها و قدرتها على التأثّر بالتاريخ و التأثير فيه من ناحية و من قدرتها على الإبداع و التجديد من ناحية أخرى ؟
* يتولّد عن التسليم بأنّ الهوّية بسيطة أو جوهر بسيط، الدفاع عن الخصوصية، و باسم هذه الخصوصية ندافع عن انغلاق الهوّية الثقافية على مختلف الثقافات، إذ باسم ذات الانغلاق ننظر إلى كلّ ما هو آت من ثقافة أخرى على أنّه غريب و غيرية تتهدّدنا، ينبغي رفضها و إقامة جدار عازل يحول دونها و التأثير فينا أو غزونا خشية تحوّلنا عمّا نحن عليه، أي خشية أن نفقد مقوّماتنا فنفقد هوّيتنا أو نعيش أزمة هوّية.
و لا شك أنّ من بين أهمّ استتباعات مثل هذا الموقف القائل بالانغلاق دفاعا عن الخصوصية رفض كلّ تواصل مع الآخر و إحلال العنف محلّه بما يعنيه من يأس من الإنساني أو ادّعاء احتكاره وادّعاء الأفضلية و الاعتراف بضرب واحد من التعامل يحكمه منطق الصراع أو الصدام و يترجم عن قداسة الهوّية و حيويتها و ما تستوجبه من خوض مغامرة الحياة حفاظا عليها.
* أمّا إذا افترضنا الطابع المركّب للهوّية أي هوّية تتحدّد على ضوء عوامل مختلفة و متعدّدة، فإنّ الكونية قد تفهم بما هي أفق الخصوصية، فبأي معنى نفهم الكونية بما هي أفق للخصوصية ؟ و هل يعني ذلك إمكان تجاوز القول بالكونية بما هي نفي للخصوصيات ؟ لكن ما دلالة الكوني و ما مشروعية القول بالكوني أو الدفاع عنه ؟
يفترض الحديث عن الكوني التساؤل عن علاقته بالكلّي ؟
يمكننا المجازفة بالتمييز بين الكوني و الكلّي من جهة اعتبار الكلّي ما يفيد المنطقي المعرفي أو الابستيمي عموما، أمّا الكوني فيحيل على سجلّ قيمي. لكن ألا يمكننا أن نقارب الكوني من نماذج تفكير مختلف كأن نقاربه من جهة الطبيعة و من جهة الوظيفة ؟ فعلى مستوى الطبيعة يحيل الكوني على ماهية ثابتة، على ما هو نوعي في الإنسان و على ما هو مشترك بين البشر، أو ما يوحّد الجنس البشري.
أمّا على مستوى الوظيفة يمكننا أن نعتبر الفكر كما الكلام الوظيفة النوعية للإنسان أي مجال الكوني، دون أن ينفي هذا الذي نعتبره كونيّا الخصوصية، فإذا كانت اللغة خاصّية نوعية و كلّية فإنّ الألسن متعدّدة، و إذا كان الفكر مجال الكلّي فإنّ تفكيرنا مختلف و إذا كان الرمز مجال الكوني فإنّ الرموز تختلف صورها و تتعدّد دلالتها، و إذا كان المقدّس حاضرا في كلّ المجتمعات فإنّ صورته و فعله و فعاليته تختلف. وهو ما يحيلنا على النظر إلى الخصوصي بما هو فضاء الثقـافـات [الكثرة] أمّا الكوني فيحيل على فضاء الحضارة [الوحدة]، و أنّ الإنساني لا يستقيم ما لم نأخذ مأخذ الجدّ واقع الكثرة في الخصوصيات دون نفي الوحدة التي يعبّر عنها الكوني.
على ضوء هذا القول ألا يبدو استشكال العلاقة بين الخصوصي و الكوني مفتعلا و لا مبرّر له ؟ ألا تبدو العلاقة من البداهة بحيث لا تثير من جهة المفهوم إحراجا طالما أنّ علاقة الكلّ بالجزء و العام بالخاصّ، و الوحدة بالكثرة علاقة تضمن بديهية، فلم إثارة مشكل يبدو لا وجود له إلاّ بصورة وهمية ؟
يبدو أنّ الواقع الإنساني بما يتضمّنه من تناقضات هو ما يثير مشكل العلاقة هذا. فالكوني من جهة الواقع ليس بمثل النقاء الذي نصوّره من جهة المفهوم وهو ما يدفعنا لإثارة علاقة الكوني بالإيديولوجي و بالإيتيقي، فأيّ معنى للكوني إذا ما قاربناه إيديولوجيا ؟ و أيّ معنى له في دلالته الإيتيقية ؟
يفهم الكوني الإيديولوجي بما هو كوني هيمنة، هيمنة تتّخذ من الكوني أداة لتحقيق الهيمنة، ليتحرّك الكوني بذلك ضمن أفق العقل الأداتي، أو الحسابي، أفق المصلحة بدل الحقيقة أفق النجاعة بدل القيم، وهو ما يتجلّى واقعا، في العولمة التي تبّشر بالوحدة على حساب الكثرة، و باسم الوحدة تتلف الخصوصيات، وهو ما يؤشّر على أزمة تواصل، إذ بقدر ما تشتدّ أساليب الهيمنة العولمية أو الكوني العولمي بقدر ما تشتدّ مقاومة الخصوصيات و تشتدّ مبرّرات انغلاقها، ليتحوّل الدفاع عن الخصوصية مواجهة للهيمنة، بما تعنيه المواجهة من سيادة منطق الصراع و الصدام، و غلبة منطق القوّة و اللامعقول، و حلول لغة العنف بدل لغة الحوار، ألا ينبغي أن يفهم من هذا أنّ الدفاع عن الخصوصية لا ينبغي أن يحمل على معنى رفض الكوني و إنّما رفض الكوني الهيمني أو كوني الموت دفاعا عن كوني الحياة أو كوني كلّية الإنسان و وجوده النوعي ؟
يفهم كوني الحياة بما هو كوني مبدع خلاّق منفتّح تميّزه قوى الفعل لا قوى الانفعال أو هو كوني إيتيقي، ألا يحيلنا الزوج فعل / انفعال إلى رفض منطق الانغلاق ؟ فالثقافة الميّتة هي التي تخشى الالتقاء بالآخر و التفاعل معه، أمّا الثقافة الحيّة فهي التي تملك القدرة على اللقاء بالآخر دون أن يكون هذا اللقاء قاتلا. أليس الكوني في معناه الإيتيقي ما به نعيش على حدة [خصوصية] و معا [كونية] ؟ أليس كوني الحياة هو أن يحافظ كلّ منّا على خصوصيته دون نفي للآخر و نفي حقّه في أن يعيش خصوصيته ؟ و دون رفض الوقوف على أرض مشتركة قوامها قيم كونية ينبغي احترامها و الدفاع عنها [الكرامة الإنسانية] و مشاكل كونية تجمع الإنسانية في همّ واحد و مصير واحد ؟
قد تختلف صور الثقافات، و قد تتعدّد نظم عيشها، وهو تعدّد لا يشرّع لأحد الحكم على الآخر بالوحشية أو التخلّف أو إعدام حقّه في الاختلاف ؟ تعدّد يدفعنا إلى النظر إلى الاختلاف بما هو علامة ثراء لنبقيه اختلافا نستمدّ منه ما به و من أجله نتواصل شريطة التمييز بين فعل تواصلي و آخر استراتيجي، تمييزا يصبّ في اتّجاه إنقاذ الكوني من الكوني أو إنقاذ أنفسنا من كوني طلبا للكوني.
مشروع تصوّر الدّرس:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق