التقديـــم:
أبناءها بنفسها تنجز عملا، أمّا المربّية
التي تحترف مهنة الصّباغة كمورد للرزق فإنّها تمارس شغلا. و كلاهما يشتغل في
الواقع، إلاّ أنّ محفّزات و دوافع كلّ منهما قد تكون مختلفة. فالشغل، بصفة عامة،
نشاط يمنح من قبل المشغّل لشخص مستعدّ لتقديم خدماته مقابل أجر معيّن. أمّا العمل
فهو نشاط منتج، و لكنّه ليس بالضرورة مؤدّى عنه. كذلك يمكن أن نقيم تمييزا بين
الشغل و اللاشغل. فالشغل هو الوقت الذي يقضيه الإنسان في إنجاز عمل يتقاضى عليه
أجرا أو يكون مصدر رزقه. أمّا اللاشغل فهو الوقت الذي يخصّصه الإنسان لنفسه و أسرته
و هواياته، وهو ما يدعى أيضا بالوقت الثالث أو الوقت الحرّ، غير أنّ الإنسان بصفة
عامة، لا يحصل على الوقت الحرّ إلاّ بعد أن يكون قد وفّى بتعهدّاته في العمل، أي
بعد أن يكون قد تمكّن من الحصول على الموارد الذي تمكّنه من العيش. و بذلك يشكّل
الشغل أحد العوامل الأساسية التي تمكّن الإنسان من تحقيق استقلاليته و تخلّصه من
ضغوط حاجياته البيولوجية الأوّلية. و بفعل تطوّر الحضارة الإنسانية و ارتفاع مستوى
معيشة الأفراد في بعض المجتمعات المعاصرة، أصبح وقت الفراغ نوعا من المنتوج الذي
يرغب المأجورون في الحصول عليه بشكل متزايد.
إنّ الباحثين في مسألة الشغل يتحدثّون تارة عن الشغل و تارة
أخرى عن العمل فهل يخفي الفرق في التّسمية فرقا في مضمون المفهومين ؟ إنّ تحليلا
أوّليا يظهر أنّه ليس هنالك أي فرق جوهري بين المفهومين "فالشغل " emploi" و "العمل travail"
يستخدمان على
التتالي في نفس السياق و بنفس المعنى، إلاّ أنّه يمكن الإشارة مع ذلك إلى أنّ كلمة
شغل تستخدم بشكل واسع حين يتعلّق الأمر بالنشاط الذي يقوم به الإنسان في المجتمعات
المعاصرة مقابل أجر يتقاضاه عن ذلك. أمّا كلمة عمل فإنّها تشير إضافة إلى المعنى
السابق، إلى كلّ نشاط إنساني يدويا كان أو فكريّا، مأجورا كان أو بدون مقابل مادي.
و هنا يمكن أن نقول بأنّ الأمّ التي تربّي
و مهما يكن، فالشغل من الوظائف الأساسية التي تميّز الإنسان عن الحيوان.
فكلّ ما نستهلكه اليوم هو نتاج العمل الإنساني سواء تعلّق الأمر بالحبوب أو
الخضراوات أو الفواكه أو بالحيوانات الداجنة... إنّ حاجيات الإنسان ليست ذات طبيعة
غذائية فقط، فله حاجيات أخرى ذات طبيعة ثقافية كما هو الأمر بالنسبة للملابس و مختلف
الأجهزة و التجهيزات التي يستخدمها في حياته اليومية. فنحن نعمل من أجل تحويل
الأعشاب المتوحّشة إلى حبوب (قمح، ذرة، شعير) و الثمار غير القابلة للاستهلاك إلى
الفواكه، و الحديد إلى سيّارات و طائرات… إلخ. فالنشاط
الاقتصادي هو كلّ نشاط يهدف إلى تحويل الطبيعة إلى موادّ قابلة للاستهلاك من طرف
الإنسان. هكذا يظهر أنّ الإنسان مضطرّ للعمل من
أجل ترويض الطبيعة و استغلال خيراتها بشكل يناسبه. و لكن إذا اكتفى الإنسان
بقوّة يديه فقط لإنجاز هذا العمل، فإنّه لن يحقّق تقدّما كبيرا، و من هنا ضرورة
استعانته بالتقنيات و بتقسيم العمل. إنّ
الاختراعات التقنية و تقسيم العمل هما السبيل الحقيقي لتطوّر الإنسانية. فالتحدّيات
الكبرى التي فرضتها الطبيعة على الإنسان هي التي دفعته باستمرار إلى التفكير في
أفضل السبل لمقاومتها أو إخضاعها. و هكذا، فإنّ كلّ اختراع جديد هو انتصار حقيقي
على الطبيعة، و تقدّم في مجال السيطرة عليها و ترويضها، و في الوقت نفسه فإنّ
الإبداع العلمي و الاختراعات التقنية و تقسيم العمل هي التي أسهمت بشكل فعّال في
تقدّم الإنسان. لكن هذه الاختراعات و ذاك التقسيم جعلوا من الشغل استعبادا، و من
الآلة ضرورة حتمية قصوى. فلماذا يعتبر الشغل فعل إنساني بامتياز ؟ و لماذا يحتاج
الإنسان إليه ؟ و
ما علاقة تقسيم الشغل بالتنظيم المجتمعي ؟ و كيف يعمل هذا التقسيم على تحديد صورة
الفرد داخل المجتمع ؟ و هل يمثّل الشغل استعبادا للإنسان أم تحرّرا له ؟
الشغل
خاصّية إنسانية صرف:
بأيّ معنى يكون
العمل صفة خاصّة بالإنسان ؟ كانت
نظرة الفلسفة اليونانية للشغل (الشغل اليدوي)
نظرة احتقار و اشمئزاز. و قد ظلّت هذه النظرة الفلسفية السلبية للعمل حاضرة عند كلّ
الفلاسفة الذين أتوا بعد أرسطو إلى حدود القرن
الثامن عشر. و لم تتغيّر الوضعية بشكل جذري إلاّ مع هيجل
الذي أعطى لمفهوم "العمل" معنى بعيدا. ففي حديثه عن "جدلية السيد و العبد"، عرّف هيجل العمل باعتباره
إنتاجا للإنسان بواسطة الإنسان. إنّ العمل هو
أداة التحرير الوحيدة للإنسان. فعمل العبد هو الذي يحرّره من سيطرة الطبيعة
كما يحرّره من سيطرة السيّد فيما بعد. إنّ علاقات الإنسان بالطبيعة ليست علاقات
معرفية فقط، و لكنّها أيضا علاقات تحويل و تغيير متبادلة، فالعمل في نهاية المطاف
يشتغل لصالح السيّد، و هذا يعني أنّ العمل نشاط اجتماعي ينجزه الناس بعضهم لصالح
بعض من أجل التلبية المتبادلة لحاجياتهم، إنّ العمل يكوّن بذلك اللّحمة الحقيقية
للعلاقات الاجتماعية.
نجد مثل هذه
الفكرة عند سيرج موسكوفيتشي. فهو يعتبر أنّ الشغل
فعل إنساني أساسي يخلق نوعين من الآثار: منتوجات و إبداعات. المنتوجات تساهم في
الحفاظ على البقاء و استمرارية النوع و الاستجابة للحاجيات، بينما تعمل الإبداعات
على التأثير في الإنسان نفسه، و تدفعه باتّجاه التفوّق على الطبيعة.
من جهته، يقوم ماركس بالتمييز بين العمل الإنساني و الأنشطة التي تقوم
بها بعض الكائنات الأخرى (بعض الحشرات و الطيور)، و يستخلص أنّ العمل هو أساسا فعل طرفاه الأساسيان هما الإنسان و الطبيعة.
و يلعب الإنسان في مواجهة الطبيعة دور قوّة طبيعية، فالقوّة التي يتوفّر عليها
الإنسان و الكامنة في يديه و رجليه و رأسه تستخدم بشكل إيجابي من أجل تحقيق
أهدافه، و في نفس الوقت يؤثّر بعمله هذا في الطبيعة الخارجية و يحوّلها. و بتحويل
الطبيعة يحوّل طبيعته الخاصّة، و ينمّي الملكات و القدرات الراقدة فيه. إنّ العمل
شيء ينتمي إلى المجال الإنساني فقط، صحيح إنّ العنكبوت يقوم بعمليات تشبه تلك التي
يقوم بها صانع الزرابي، كما أنّ النحلة تهشّ أكثر من مهندس بما تقوم به، إلاّ أنّ
ما يميّز ما يقوم به أسوأ مهندس و أمهر نحلة، هو أنّ
المهندس ينجز في رأسه ما سيقوم به قبل تنفيذه.
عمل الحيوان
|
عمل الإنسان
|
منتج:
ينتج المسكن
|
منتج:
ينتج عالما من الأشياء
|
غريزي،
فطري:
*
تمليه الحاجة الجسمية و المباشرة
* اضطراري بالضرورة
|
عقلي،
مفكّر فيه:
* لا يخضع بالضرورة للحاجة الجسمية و المباشرة
* إرادي
|
* إنتاج
من صنف واحد و متكرّر
|
*
إنتاج متنوّع و مختلف و متعدّد
|
*
امتداد لجسمه
|
* حرّ و مستقلّ عنه
|
إنّ النتيجة
المحصّل عليها بواسطة عمل الإنسان توجد بشكل قبلي في مخيّلته. إنّ العمل عند ماركس نشاط واع، متأمّل و مقصود، فالإنسان يتمثّل و يتخيّل
في البداية ما ينوي القيام به، و قدرته هاته على تمثّل أهدافه و تنظيم حركاته و أعماله
طبقا لهذه الأهداف تميّز عمله عن الأنشطة الغريزية التي تقوم بها الحيوانات. و ما
دام عمل الإنسان ليس شيئا غريزيا فإنّه يرتكز على الاهتمام و الإرادة. و يركّز ماركس بقوّة على هذه النقطة، فالعمل في نظره ليس عفويا
و لا طبيعيا، وهو لا يتطلّب مجهودات عضلية فقط من أجل تحويل الطبيعة، و لكن
استعدادا سيكولوجيا أيضا، حيث يقتضي الحفاظ على الإرادة الإنسانية في مستوى محدّد
من التوتّر و الانفعال المستمرّ. و حين يعمل الإنسان فإنّه يحقّق و يخرج و يموضع قدراته الخاصة، و من ثمّة فإنّ الشغل ليس فقط تحويلا للطبيعة و لكن أيضا تحويلا لطبيعة
الإنسان نفسه.
يتحدّث ماركس عن الشغل بإيجابية على ماهية الإنسان في ظلّ
سيادة الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، أمّا في النظام
الرأسمالي حيث تسود الملكية الفردية و حيث نظام السوق، يصبح كلّ شيء فيه
قابل للبيع، يصبح العامل مضطرّا لبيع قوّته من أجل قوته، فاضطرار
الإنسان إلى عرض قوّته للعمل و إخضاعها للنظام السوق معناه التنازل التدريجي عن
بعض مقوّمات كرامته ممّا يعني بداية التعايش مع تجربة الفقر و التهميش .
يرفض جيلبير هوتوا هذا التصوّر حول الشغل في المجتمعات
الحديثة، و يؤكّد أنّ الشغل، في مجتمعات كلّ شيء فيها يباع و يشترى"، هو
القيمة المؤسّسة لكلّ القيم:
*
السّعادة: العمل في المجالات المحبّبة عند العامل يحقّق له هذه القيمة. كما يوفّر
أجرة أي كمّية معيّنة من وسائل العيش تضمن الكرامة و بالتالي "السّعادة
المادية.
*
الهويّة: العمل
إثبات للذات الفردية و الجماعية من خلال النجاحات.
*
المواطنة: العمل هو الشرط لمزاولة أغلب الحقوق الاجتماعية مثل الزواج.
*
السلطة: يمنح العمل لصاحبه مكانة و حظوة اجتماعية.
*
الحريّة: العمل تحرّر من التبعية للآخرين.
*
اللّحمة الاجتماعية: داخل مؤسّسات العمل تنسج علاقات اجتماعية مترابطة و متلاحمة
تكاد تشبه العلاقات العائلية.
يخلص هوتوا إلى "أنّ الشغل
هو الذي يضفي المعنى على الحياة الفردية والجماعية".
تــقــســيـم
العــمــل:
إذا كان العمل خاصّية
إنسانية، فمن المؤكّد أنّ هذه الخاصّية لا تتمّ بشكل فردي بل بشكل جماعي في إطار
تقسيم للعمل الاجتماعي، بدأ مع تطوّر الأشكال الاجتماعية البدائية، و أخذ يتعقّد
مع مرور الزمن. فما علاقة تقسيم الشغل بالتنظيم المجتمعي ؟ و كيف يعمل على تحديد
صورة الفرد في المجتمع؟ يرجع مفهوم تقسيم العمل إلى
أفلاطون و أرسطو. لقد كانا ينظرّان الى
تقسيم العمل، لا على أنّه وسيلة من أجل
زيادة الإنتاج، و إنّما كنموّ لفعالية الفرد بالقدر الذي يتخصّص فيه الفرد فيما
يناسب طبيعته. فتقسيم العمل يتوقّف على طبيعة كلّ فرد، ما يعنى أنّه تقسيم طبيعي تحكمه طبيعة كلّ فرد.
يبحث أفلاطون عن أصل المدينة، و يردّ ذلك إلى تعدّد حاجيات
الإنسان التي لا يمكن أن يحقّقها لوحده فيفرض عليه العيش داخل جماعة من البشر.
"فيعمل كلّ من هؤلاء (…) ما يلزم للجميع من منتوجه، فيعدّ الفلاّح مثلا وهو
أحدهم، ما يحتاج إليه أربعة أشخاص من الطعام، فيقضي في إعداد طعامهم أربعة أضعاف
الوقت اللازم له لإعداد طعامه، ثمّ يقاسم إخوانه الثلاثة منتوجه، أم أنّه يهملهم و
يعمل ما يسدّ حاجته، فيقضي ربع وقته في إعداد ربع مقدار الطعام، و يقضي الثلاثة
الأرباع الباقية من وقته في إعداد مسكنه و كسوته و حذائه، و لا يتعب نفسه في
مبادلة إخوانه الحاجات بل يعمل ما يحتاج إليه بذاته لذاته ؟". يقوم أفلاطون بالتعريف بالحاجيات الأساسية للإنسان. و يحدّدها
في ثلاث حاجيات هي التغذية و السكن و الملابس، ثمّ يضيف الأحذية. و من أجل تلبية
هذه الحاجيات على الإنسان أن يقوم بثلاث أنشطة مختلفة: تحضير الغذاء، و صناعة
الملابس و بناء السكن. و كي يتمّ تحقيق ذلك يرى أفلاطون
أنّ هنالك سبيلان:
*
السبيل الأوّل: هو أنّ يقوم كلّ فرد بإنجاز هذه الأنشطة الثلاثة بالتتابع، فيقّسم
وقته بينها، وهذا ما يحصل فعلا في بعض المجتمعات "البدائية" حيث يقوم
الإنسان بكلّ أنواع الأنشطة.
*
السبيل الثاني: وهو المتّبع في المجتمعات المتطوّرة و يقوم على تخصّص كلّ فرد من
أفراد المجتمع في نشاط من هذه الأنشطة، حيث يخصّص لها كامل وقته و هذا هو ما يسمّى
بالتقسيم الاجتماعي للعمل، وهو الرأي الذي يميل إليه.
و تقسيم العمل
عند أفلاطون مسألة ضرورية لثلاثة أسباب على الأقلّ:
1 ـ
الطبيعة لم تمنح جميع الناس نفس المهارات و الكفاءات، و هذا ما يجعل الناس مكمّلين
لبعضهم البعض.
2 ـ الإنسان
يصبح ماهرا في عمل ما إذا كان ينجزه لوحده فقط. فالتخصّص يؤدّي إلى المهارة و تحسين
الإنتاج.
3 ـ التخصّص
يجنّب إضاعة الوقت عند الانتقال من عمل لآخر، و هكذا فإنّ كلّ مدينة حسب أفلاطون، يجب أن تتوفّر على الأقلّ على ثلاثة أو أربعة
أشخاص: مزارع، بنّاء، حائك، و إسكافي (صانع أحذية). و الواقع أنّه يجب إضافة تخصّصات
أخرى لأنّ المزارع لن يستطيع صنع محراثه بنفسه كما أنّ الحائك لن يتمكّن من صنع
أدوات عمله بنفسه أيضا، و من هنا ضرورة إضافة الحدّاد و النجّار… إلخ. و يستفيد الجميع من تقسيم
العمل فالمستعمل سيحصل على منتوج من نوعية جيّدة، و المنتج سيكون مستريحا في عمله
لأنّه سينجز نوعا واحدا من العمل هو ذاك الذي يملك أفضل المهارات فيه.
أمّا أرسطو فينطلق، كأستاذه أفلاطون،
من المدينة كأعلى وحدة اجتماعية و سياسية، و يرى أنّ وظيفتها هي توفير أسباب السّعادة
لأعضائها. و هذه الأسباب ذات طبيعة مادية و معنوية، فيقوم العبيد بتحصيل الثروة
الضرورية لاستمرار الأسرة، و يجعلهم أحد المكوّنات الأساسية لهذه الأخيرة. و يعتبر أرسطو نظام الرقّ نظاما طبيعيّا، و يصف العبد بكونه
آلة للحياة "لأنّ وجوده ضروري لإنجاز الأعمال الآلية المنافية لكرامة المواطن
الحرّ. والعبد آلة "منزلية" أيضا لأنّه يساعد على تدبير الحياة داخل
المنزل.
من هو العبد
بالنسبة لأرسطو ؟ الإجابة هي أنّ الطبيعة هي التي
تعينه، أي جملة العوامل الوراثية و البيئية و الاجتماعية، و الاختلاف بين الأعلى و
الأدنى أو بين الممتاز و الرديء أمر ملاحظ، حسب أرسطو،
في كلّ مظاهر الطبيعة: بين الإنسان و الحيوان، بين الذكر و الأنثى… إلخ. و كلّما
وجد هذا الاختلاف كان من الأفضل للجميع أن يسيطر الأقوى على الأضعف. إنّ الطبيعة
إذن تميل إلى إيجاد التمايز بين البشر فتجعل بعضهم قليل الذكاء أقوياء البنية، و بعضهم
أكفاء للحياة السياسية، و ينتج عن ذلك أنّ البشر صنفان: صنف حرّ بالطبيعة و صنف
عبد بالطبيعة أيضا. و في ذلك يقول أرسطو:
"إنّ شعوب الشمال الجليدي و أوروبا شجعان، لهذا لا يكدّر عليهم أحدهم صفو حرّيتهم،
و لكنّهم عاطلون من الذكاء و المهارة و الأنظمة السياسية الصالحة، لهذا فهم عاجزون
عن التسلّط على جيرانهم، أمّا الشرقيون فيمتازون بالذكاء و المهارة و لكنّهم خلو
من الشجاعة، و لهذا هم مغلوبون و مستعبدون إلى الأبد. و أمّا الشعب اليوناني فيجمع
بين الميزتين: الشجاعة و الذكاء. كما أنّ بلده متوسّط الموقع، لهذا هو يحتفظ بالحرّية
و لو أتيحت له الفرصة لتسلّط على الجميع". و من جهة أخرى يرى أرسطو أنّ الأسرة بحاجة للثورة، و يمكن تحصيل الثروة
بطريقتين:
* الطريقة
الأولى: طبيعية و تكمن في جمع النتاج الطبيعي اللازم للحياة، وهو الأمر الذي يتمّ
بدوره حسب ثلاثة أشكال: تربية الماشية و القنص و الزراعة.
*
و الطريقة الثانية يسمّيها صناعية و تتكوّن من ثلاثة أنواع: التجارة البرّية و البحرية،
و القرض، و الأجر. و يرى أنّ مبادلة الموادّ و المنتوجات تفرض على المجتمعات حين
تكون هنالك قلّة في بعض المواد التي تضطرّ لاستيرادها من الخارج، و هذا هو الأمر
الذي يجعل الحاجة إلى النقود ضرورية، فهي رمز يستخدم في المبادلة. إلاّ أنّ هنالك
خطرا يهدّد المجتمعات بفعل استعمالها للنقود، حيث تصبح هاته وسيلة في حدّ ذاتها،
وهو ما يؤدّي بدوره إلى أن يصبح الإنتاج غاية في ذاته، لا وسيلة لإرضاء الحاجات
الطبيعية، الشيء الذي يقود حتما إلى اضطراب الحياة الاجتماعية بفعل تراجع الفضيلة
إلى المراتب الأخيرة و طغيان المصالح المادية.
إنّ أرسطو لا يعتبر العمل، و العمل اليدوي على وجه الخصوص،
قيمة اجتماعية، فهو إكراه طبيعي. فللإنسان في الحياة وظيفة
أساسية هي تحصيل الفضيلة، و يتمّ ذلك عن طريق البحث الفلسفي و الاشتغال
بالسياسة بأشمل معانيها، غير أنّ الفيلسوف و المواطن الحرّ بصفة عامة في حاجة إلى
تلبية حاجياته الأساسية من تغذية و ملبس و مسكن، و لو قام بنفسه بتحصيل ذلك، لما
بقي له من الوقت ما يكفيه لممارسة و ظيفته النبيلة:
السياسة. من هنا ضرورة أن توجد طبقة من البشر تختصّ في هذه الأعمال، إلاّ
أنّ هذه الطبقة من البشر لا يجب أن تكون من بين المواطنين، فيأتي دور العبيد
لينجزوا الأعمال المنزلية و كلّ الأعمال المقترحة و يتحملّوا عن المواطنين الأحرار
أعباء تحصيل الرزق. فلا يجوز لمن يعملون لكسب قوتهم و قوت غيرهم أن يحسبوا في عداد
المواطنين. فالمواطنون، حسب أرسطو، لا يحيون حياة
أرباب الآلات و الحرف، لأنّ مثل هذه الحياة تحطّ من شرف الإنسان، و لا تتّفق مع
الفضيلة. كما لا يجوز للمواطنين أن يشتغلوا بالزراعة، لأنّهم في حاجة إلى فراغ؛ و إن
كان من حقّهم أن يملكوا الأرض الزراعية، أمّا فلاحة الأرض فتترك للعبيد من جنس آخر.
هنالك فرق كبير
بين ما جاءت به الفلسفة اليونانية حول تقسيم
العمل و ما يدافع عنه اليوم رجال الاقتصاد و الاجتماع. فأفلاطون
و أرسطو لا يعيران أهمّية لارتفاع الإنتاج
باعتباره أحد النتائج المباشرة المترتّبة عن تقسيم العمل. لذلك شاع مفهوم جديد
لتقسيم العمل ابتداءا من القرن 18 م، فآدم سميث
يعتبر أنّ تقسيم العمل هو منهج تولّد بفعل تخصّص كلّ فرد في مرحلة معيّنة أو جزء
محدّد من العملية الإنتاجية بدل القيام بكلّ العملية الإنتاجية. إنّ تقسيم العمل
يؤدّي ثلاث وظائف كبرى:
*
مضاعفة قدرة كلّ عامل.
*
اقتصاد و اختصار الزمن.
* اختراع الآلات و التي تسمح
لشخص واحد القيام بعدّة مهامّ.
تساهم هذه
العوامل في زيادة إنتاج الخيرات، و تحسين نوعية الإنتاج، فعندما يتخصّص العامل في
أداء مهمّة بسيطة يكتسب قدرة لا يمكن لغير المتخصّص اكتسابها حتّى لو كان طبيعيا
يتمتّع بمواهب عالية، لأنّ الاختلاف في المواهب الطبيعية بين الأفراد هو أقلّ ممّا
هو بين أشخاص يمارسون مهنا مختلفة. و مع أنّ آدم سميت أشار
بوضوح إلى سلبيات تقسيم العمل و تخصّص العامل في جزء بسيط من العملية الإنتاجية،
والذي يقود إلى الرتابة و التشويه المعنوي والتأثير السلبي على مستوى الذكاء، حيث
يصير أداء العامل مشابها لأداء الآلة، إلاّ أنّه ينتهي إلى أنّ تقسيم العمل هو
نتيجة للتبادل، و ليس سبب التبادل. التبادل هو الذي فرض تقسيم العمل. فالسوق، و ليس
الطبيعة، هو الذي يحدّد كما يحدّ من تقسيم العمل كما أنّ تراكم الرأسمال هو شرط
ضروري لتقسيم العمل. تمّت إعادة صياغة هذه النظرية من قبل
دوركهايم الذي تساءل عن خصوصية المجتمعات الصناعية بالنسبة للمجتمعات
الأخرى. وسّع دوركهايم المصطلح ليشمل كلّ أشكال
التخصّص في شبكة الوظائف الاجتماعيّة. و بهذا مدّ معناه و حقله الدلاليّ إلى ما
وراء الحيّز الاقتصاديّ البحت. و قد رأى أنّ أشكال تقسيم العمل ترتبط وثيقاً
بأنماط التنظيم الاجتماعيّ، أو بما أسماه "التضامن"، تحدّث عن نوعين
متعارضين من التضامن:
*
"التضامن
الآليّ" المستند إلى تقسيم بسيط للعمل كالذي تعرفه المجتمعات الأقلّ تقدّماً،
وهو ما يتبدّى، في صورة خاصّة، على هيئة روابط أهليّة و دمويّة و دينيّة وعصبية.
*
و «التضامن
العضويّ» الذي يسود المجتمعات الصناعيّة و المتقدّمة، و يرتكز حكماً على الفرديّة
و روابط الاعتماد و التبادل التي يخلقها تمايُز وظيفيّ معقّد تنخرط فيه أعداد ضخمة
من المؤسّسات.
تتّصف مجتمعات التضامن
الميكانيكى (الآلي) بحجم و كثافة ضعيفة، و تنظيم اجتماعي قليل الاختلاف، و قانون
قمعي، و وعى جماعي يدمج الفرد جيدّا في المجتمع. بينما مجتمعات التضامن العضوي تتّصف
بحجم و كثافة عالية، و وظائف اجتماعية مختلفة جدّا، و قانون تعاوني، ثمّ تحرّر
فردي. و
لم يفتْ إميل دوركهايم الإصرار على أهميّة
المؤسّسات و الشركات و «الروابط المهنيّة» في التوسّط بين الفرد و الدولة، كما في
خلق أنماط التنظيم الاقتصاديّ و الأخلاقيّ التي يتطلّبها تقسيم عمل معقّد تقنيّاً
و اجتماعيّاً. إنّ تقسيم العمل، حسب دوركهايم يؤدّي
إلى:
1 ـ تطوير
آليّات "التضامن العضويّ" الذي يتسبّب به العمل على حساب «التضامن
الآليّ» الناجم عن علاقات القرابة و الجيرة و الولاءات الموروثة أو الخامّ.
2 ـ أنّ
المجتمع الذي يقوم على المؤسّسات و عملها هو الذي يؤدّي إلى التراكم كبديل للتبديد
(تبديد طاقة الأفراد الذي تكمن أصوله في البداوة و طرق الحياة الأخرى التي لم
تمسسها يد الحداثة الرأسماليّة إلاّ قليلاً و في صورة برانيّة).
3 ـ نشأة
تقاليد مهنيّة، أو سلوكيّة، و إلى الافتخار الذاتيّ لدى الأفراد بالانتماء إلى هذه
المهن و طرائقها و التمسّك بها و الدفاع عنها.
4 ـ البيروقراطية
لأنّها تعتمد أساسا عليه كمبدأ.
من جهته، يتناول
جورج فريدمان موضوع تقسيم الشغل في علاقته بنظام
الآلية، و يؤكّد أنّ تعويض الآلة للعامل في أدّى إلى تقليص مساهمة الإنسان في
عملية الإنتاج بحيث بدأ ذكاء العامل ينفصل عن عمله. فالآلة تتكفّل بالعمليات
التطبيقية في معظمها، بينما يتكفّل العامل بالتخيّل و التصوّر و التخطيط و حتّى
العمل أيضا، أي أنّ العامل منقسم بين عمليات فكرية كثيرة و عمليات عضلية قليلة. إنّه
"سيّد الآلة"، و خادمها في الوقت نفسه"،
وهو مكره على المشاركة في عمليات فارغة من كلّ قيمة فكرية، وهي تفرض عليه بالمقابل
ضغطا عصبيا... و تجعله... منشطرا بين العمل و التفكير". إنّ تقسيم العمل وفق
نظام الآلية يحتوي على سلبيات، أهمّها، أنّه يعرّض العامل إلى استلاب ذهني، و إلى تدهور نفسي، بل و استلاب اقتصادي
من جرّاء البطالة التي تكون عادة نتيجة حتمية لتعميم الآلية و تطوّرها. كما أنّ
بعض المصالح الفردية قد تؤدّي إلى تعميق القطيعة بين العمّال و رؤسائهم ممّا يسبّب
تدهور العلاقات الاجتماعية. فهل يحرّر العمل الإنسان أم يستلبه ؟
الشغل
بين الحرّية و الاستلاب:
يرى سارتر أنّ تقسيم الشغل على الطريقة التايلورية أدّى إلى استلاب الإنسان. فمن المعروف أنّ
النزعة التايلورية ترى أنّ المردودية في الاقتصاد
لا تقوم إلاّ على الزيادة في الإنتاجية بأقلّ من الجهد و التكاليف، و في أسرع وقت
ممكن. و من ثمّة يكون العمل المتسلسل القائم على نظام الآلية النموذج المثالي
لتحقيق الأهداف الاقتصادية، لكن هذا ـ في اعتقاد سارترـ
لا يمنع العامل من التحرّر من أشكال الاستلاب من خلال وعي الاستعباد. و هنا نقترب
مع سارتر من جدلية العبد و السيد عند هيجل [1]. إنّ جدلية
العبد و السيّد لا يمكنها أن تتحقّق إلاّ إذا تصوّر العامل الحركة البسيطة التي
يقوم بها في بعدها الوظيفي، أي في تكاملها مع الحركات التي يقوم بها العمّال
الآخرون؛ الأمر الذي يدفع بهم إلى أن يتمثّلوا أنفسهم كما لو كانوا ذاتا واحدة، و من
ثمّة يدرك العامل أنّه لا يمكنه أن يحقّق ذاته بمعزل عن الآخرين. و على العامل في
ذات الوقت أن يتمثّل فرديته كذات يجب بناؤها من الداخل من خلال عملية التكوين
المستمرّ التي ستمكّنه من مواكبة تطوّرات نظام الآلية.
غير أنّ نيتشه يعترض على كلّ الخطابات التمجيدية للشغل، و يؤكّد
"أنّ الشغل يستهلك قدرا هائلا من القوّة العصبية التي يصرفها عن التفكير و التأمّل،
و الحلم، و الغيرة، عن الحبّ و الكراهية... و يقدّم باستمرار هدفا وضيعا يؤمّن
إشباعات سهلة و منتظمة". إنّ الشغل، بهذا المعنى يؤدّي إلى عرقلة تطوّر العقل
و الرغبات على المستوى الفردي، و يمكن المجتمع من تحقيق المزيد من الأمن و الاستقرار
لأنّ الكدّ و التعب لا يسمحان بالتطوّر و الانطلاق.
أمّا ماركس فيرى أنّ العمل تحوّل من قوّة محرّرة للإنسان إلى
نشاط مستلب في ظروف نمط الإنتاج الرأسمالي. و يقصد ماركس
بمفهوم الاستلاب [2] التشويه العميق الذي يلحق
العمل داخل نمط الإنتاج الرأسمالي. ففي ظلّ هذا النظام يصبح العامل مستغلاّ، و لأنّه
يشعر بذلك فإنّ العمل يتوقّف عن أن يكون أحد أسباب و مظاهر وجوده (أي الإنسان)
ليتحوّل إلى مجرّد وسيلة عيش. إنّ العمل في ظلّ الظروف الرأسمالية ليس تأكيدا
للكائن العامل و لكنّه نفي له. و يتجسّد الاستلاب في علاقة الشغل من خلال تجريد
العامل من نتاج عمله الذي ليس بإمكانه مراقبته، ليصبح المنتوج، وهو التجسيد لعمل
العامل، بمثابة قوّة معادية تسيطر تماما على العامل باعتبار أنّ هذا المنتوج أصبح
ملك شخص آخر هو الرأسمالي الذي باع له العامل قوّة عمله، فكأنّ العامل في هذه
العملية قد فقد حقيقته. إلاّ أنّ الاستلاب لا يهمّ منتوج العمل فحسب بل يهيمن على
كلّ مراحل العمل. فالعامل ليس حرّا أثناء القيام بالعمل. إنّه مقيّد بسلوك محدّد و
بنشاط بدني مرسوم مسبقا، الأمر الذي يعطيه
الانطباع بأنّه قد انفصل عن ذاته، فعمله ليس اختياريا. إنّه عمل مجبر. فهو
ليس تلبية لحاجة في حدّ ذاته، و لكنّه وسيلة لتلبية حاجيات خارج العمل، و باختصار
فاستلاب العامل يرجع بالأساس لكونه يشتغل فقط ليستمرّ حيّا. يقول ماركس و إنجلز في
"بيان الحزب الشيوعي: (يعبّر عن اغتراب
العامل في الأشياء التي ينتجها... كالتالي: "كلّما ازداد العامل إنتاجا، قلّ
ما يتاح له للاستهلاك؛ و كلّما ازدادت القيمة التي ينتجها، أصبح هو أقلّ قيمة؛ و كلّما
ازداد إنتاجه تجويدا، أصبح هو أقلّ تهذيبا و أكثر تشوّها؛ و كلّما ازداد المنتج
حضارة، ازدادت همجية العامل؛ و كلّما ازدادت قوّة العمل أصبح العامل أكثر ضعفا؛ و كلّما
أظهر العامل ذكاء، انحدر في الذكاء و أصبح عبدا للطبيعة").
____________________________________
[1] يبدو للوهلة الأولى أنّ العبد يوجد في وضعية
دونية، إلاّ أنّ هيجل يرى أنّه بفضل عمله سيكون
قويا و متفوّقا على سيّده، و سيرتقي بذلك إلى درجة الإنسانية، و سيحصل تحوّل كبير
على الوضعية الأولى للسيّد و العبد، حيث سيصبح العبد سيّد السيّد. لماذا ؟ لأنّ
العبد لم يضعف أمام الخوف من الموت. إنّه في هذا المستوى يتساوى مع الحيوان، الذي
لا يتردّد في المخاطرة بحياته من أجل حاجة حيوية، إلاّ أنّ قلق الموت الذي يواجهه
العبد بتفوّق يمنحه قيمة أساسية وهي تجاوز القلق و انتزاع الاعتراف من طرف الآخر.
و خلافا لما يمكن أن نتوقّعه، يضيف هيجل، فإنّ
السيّد في علاقته مع العبد لا يشعر بالرضى عن وضعه، لأنّ الاعتراف بإنسانيته يأتي
من طرف شخص لا يعترف هو بإنسانيته. إضافة إلى ذلك فإنّ السيّد يكتفي بالاستهلاك و بالتالي
يقضي على نتيجة عمل العبد. أمّا العبد فعلى العكس، يجعله تحكّمُه في الأشياء مساهِما
في الخلق، و يتمكّن بذلك من السيطرة على الطبيعة و أنسنتها و ذلك عن طريق العمل، و
من ثمّة ينفصل نهائيا عن العالم الحيواني و يرتقي إلى درجة الوجود الإنساني
الحقيقي. و يضيف هيجل بأنّ العبد يضع بصمته
الشخصية على الأشياء التي يصنعها و هنا يكمن الفرق بين الإنسان والحيوان. و هكذا
يتمكّن العبد بفضل العمل من تغيير الطبيعة الخارجية و من تغيير طبيعته أيضا. إنّه
يتجاوز درجة الحيوانية ليصبح إنسانا، و يتأكّد بذلك أنّ الإنسان لا يتوفّر على
طبيعة معطاة بشكل نهائي ثابت و قارّ. إنّ طبيعة الإنسان عبارة عن صيرورة متطوّرة،
تتحوّل باستمرار بتحويل الإنسان للطبيعة. و يتأكّد من خلال ذلك أيضا أنّ الوجود
الحقيقي للإنسان هو الوجود التاريخي، و بأنّ الطبيعة الحقيقية للإنسان هي
الثقافة، أي قدرته على خلق طبيعة ثانية
داخل الطبيعة، إنّ الإنسان هو ما يفعل في الطبيعة و ما
يفعل بذاته. و يتبيّن إذن من خلال عرض جدلية العبد و السيّد كما أوضحها هيجل أنّ العمل هو أداة
التحرير الوحيدة للإنسان. فعمل العبد هو الذي يحرّره من سيطرة الطبيعة كما
يحرّره من سيطرة السيّد فيما بعد، إنّ علاقات الإنسان بالطبيعة ليست علاقات معرفية
فقط، و لكنّها أيضا و قبل كلّ شيء علاقات تحويل و تغيير متبادلة، فالعمل في نهاية
يشتغل لصالح السيّد، و هذا يعني أنّ العمل نشاط اجتماعي ينجزه الناس بعضهم لصالح
بعض من أجل التلبية المتبادلة لحاجياتهم، إنّ العمل يكون بذلك اللحمة الحقيقية
للعلاقات الاجتماعية.
[2] استخدم ماركس هذا المفهوم
في مخطوطات 1844 التي لم تنشر إلاّ خمسين سنة بعد وفاته، و ألهمت عددا كبيرا من
الفلاسفة و المفكّرين. و قد قصد كارل ماركس بمفهوم
الاستلاب التشويه العميق الذي يلحق العمل داخل نمط الإنتاج الرأسمالي. ففي ظلّ هذا
النظام يكون العامل مستغلاّ، و لأنّه يشعر بذلك فإنّ العمل يتوقّف عن أن يكون أحد
أسباب و مظاهر وجوده (أي الإنسان) ليصبح مجرّد وسيلة عيش. و لمفهوم الاستلاب الذي
استخدمه ماركس معنى قانوني، حيث يعني التنازل أو
البيع للآخر شيئا نملكه. كما أنّ النعت اللاتيني alienus، وهو مصدر الكلمة، يعني الآخر أو الأجنبي، و
من هنا استعمال كلمة الاستلاب العقلي aliénation mentale للإشارة إلى شخص لم يعد يتحكّم
في نفسه و سلوكه، أي شخص أجنبي عن ذاته.
منقــــول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق