إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

الخميس، 2 مايو 2013

ـ 5 ـ الإنّية وعدُ كيان

الإنّية كيان تاريخي.
 إعداد: الصحبي بوقرّة ـ أستاذ مبرّز في الفلسفة
"يرتبط الإنسان بوجوده كما يرتبط بإمكانه الأخصّ به"
هيدجير ـ الوجود و الزمن.
1 ـ  الإنّية جدارة و اكتساب:
امتلاك الإنسان وعيا يجعله يحتلّ مكانة خاصّة في الطبيعة، إذ بفضل الوعي يتّخذ الكائن البشري مسافة من الطبيعة، و بفضل هذه المسافة تدرك الذات ذاتها و تدرك إنّيتها و حقيقة وجودها. و لكن الوجود الواعي{existence consciente}  أو الوعي بالوجود لا يختزل في هذا الدور الذي ينغلق فيه الإنسان في عالم الذاتية، إذ يجب  على الوعي حتّى يتأكّد و يتحقّق في كلّيته أن ينفتح على ما يكون خارج الذات، و أن يدرك مكامن الذات و نوازعها، فالإنّية ليست حقيقة مكتملة في  العالم الضمن ـ ذاتي و إنّما تتحقّق و تاريخ و توق إلى الاكتمال  و هي تحقّق مع الغيرية و فيها،  و الغيرية كما نلتقى فيها مع الغير ـ و هذا ما عالجناه في معرض حديثنا عن العلاقات البينذاتية ـ و نلجُ فيها أعماق الذات ـ و هذا ما عالجناه بخصوص منزلة الجسد الخاص و فرضية اللاوعي ـ  نلقى فيها كذلك العالم و الطبيعة؛ و هذا الانفتاح على الغيرية لا يتحقّق بفضل الفكر أو الوعي التفكري و إنّما بفضل الفعل أو الوعي العملي. فهذا النشاط العملي للوعي هو الذي يسمح للإنسان بامتلاك الطبيعة التي ينتمي إليها في الأصل ليتعرّف على ذاته فيها. و الاكتفاء بمعرفة الذات لا يمكّنني من التعرّف عليها. فكيف نكتسب هذا الوعي بالذات الذي يحيل على الوجود المخصوص للإنسان و بالتالي الذي تدرك بفضله الإنّية ؟ هذا هو السؤال الذي يحاول هيقل تقديم إجابة بخصوصه.
إذ يكشف هيقل في تمييزه بين الوجود في ذاته و الوجود لذاته، خصوصية إنّية الإنسان انطلاقا من كشف طابعها المزدوج باعتبارها تحيل على وجود مضاعف{double existence}  فالإنّية تحيل من جهة على كيان طبيعي و تحيل من جهة ثانية على الفكر أو الروح.
" إنّ أشياء الطبيعة لا توجد إلاّ على نحو مباشر و بطريقة واحدة، في حين يكون للإنسان، لأنّه فكر، وجود مزدوج؛ فهو يوجد من جهة وجود أشياء الطبيعة، لكنّه من جهة أخرى يوجد أيضا لذاته".
Hegel: «les choses de la nature n'existent qu'immédiatement et d'une seule façon ...»
يُظهر هيقل انطلاقا من هذه الصياغة عجز الأشياء في وجودها عن إدراك هذه المسافة، إذ تبقى أشياء مشدودة إلى الطبيعة، في حين تكون للإنسان أكثر من طريقة للوجود، فإن كان ينتسب من جهة حيوانيته للوجود في معناه الأوّل، فإنّ ما به يكون إنسانا هو امتلاكه طريقة ثانية لأن يوجد. إذ يمتلك الإنسان القدرة على القطع مع هذا الوجود المباشر مع العالم الخارجي. إذ بفضل الوعي بالذات يحدث هذا الانسحاب من الطبيعة، بحيث يكون الإنسان وجودا مضافا للطبيعة.
 إذا بفضل الوعي يعرف الإنسان أنّه يوجد، إذ يدرك وحدة الإنّية و فرادتها و تميّزها عن كلّ ما يحيط بها، وهو لأجل ذلك وجود لذاته { pour soi }، في حين يبقى الحيوان المدفوع بغرائزه مرتبطا و مشدودا إلى قوانين الطبيعة.
 و هنا يمكن أن نقول مع هيقل إنّ الحيوان لا يمتلك وعيا، و أنّ الوعي التلقائي الذي تحدّث عنه فيورباخ، و الذي يشاركنا فيه الحيوان لا يرقى إلى درجة اعتباره وعيا، طالما لا يقطع مع ما يكون مباشرا و تلقائيا، أي طالما لم ينجح في إحداث هذه المسافة. فما هي سمات الوعي الحقيقي ؟ و هل يختزل الوعي في معرفة الإنّية أو في معرفة وجود الذات ؟
لا يبدو أنّ الوعي بالذات الذي يمكّن الإنسان من أن يكون فكرا أو روحا مكتملا و لا نهائيا، إذ يظهر الوعي بالذات في صورة قابلة للتطوّر و التغيّر، و هنا تكمن تاريخية الوعي، حيث يوهبُ الإنسان وعيا و حيث يكتسبُ الإنسان وعيَا، فما يبدو مفارقة { الهبة / الاكتساب} يبدو بالنسبة لهيقل أساسيا و شرط اكتمال الإنّية، فشرف الإنسان و فضله لا يكمن في مجرّد كونه يمتلك وعيا و إنّما في كونه يكتسب ما يمتلك .
 و اكتساب الوعي يتحقّق بالنسبة لهيقل بطريقتين: { نظريا + و عمليا} و لكن من المفيد لحظة نميّز بين الطريقتين أن لا نعتبر أنّهما يتعارضان، إذ لا ينفي النظري العملي و لا يدرك العملي في غياب النظري. و إذا اتّخذ الوعي بالذات في المنطلق شكلا نظريا، فإنّ تحقّقه و اكتماله يقتضي استدعاء الشكل العملي الذي يدرك في الفعل أو الممارسة أي في النشاط الإنساني، حيث يقدّم الفعل الوعي بالذات في شكله الأكثر اكتمالا.
اكتساب النظري:
يحيل هذا المعنى على المعرفة المتعلّقة بالإنّية، حيث يدرك الإنسان بفضل فكره و بفضل منطق الاستبطان إنّيته، فهو اكتساب نظري من جهة كونه يحيل على مسافة النظر و التفكّر، و بفضل هذه المسافة يدرك { يعرف + يشعر + يحسّ...} الإنسان أنّه يوجد. حيث يصف هيقل في هذا المستوى الجانب التفكري للإنّية الواعية، أي للوجود بالذات الذي يتمظهر و يتجلّى في عودة الفكر لذاته.
"ينثني على ذاته للوعي بكلّ الحركات، بخفايا و ميولات القلب البشري و بوجه عام يتأمّل ذاته و يتمثّل ما يخصّه به الفكر كماهية. و أخيرا يتعرّف على ذاته حصرا فيما يستخرجه من عمقه الخاص كما في المعطيات التي يتلقّاها من الخارج".
Hegel: «se contempler, se représenter ce que la pensée peut lui assigner comme essence.»
 و لكنّ الشكل النظري للوعي بالذات لا ينجح بمفرده في إنتاج  إنّية كما تدّعي مغالطة الأنانة، و بالفعل لو اختزلنا الوعي في هذا البعد النظري، لبقيت الذات في حدود اليقين أي في حدود المعرفة. و حيث تستهلك الإنّية ذاتها لا يمكن أن نتحدّث عن التطوّر و التغيّر و الصيرورة.
الاكتساب العملي:
هذا الشكل العملي للوعي الذي يضمن  واقعية اللإنّية أو هو الذي يساهم في دفع الذات و تمظهرها الخارجي لتتأكد الإنّية من وجودها، إذ يصاحب اكتساب الوعي بالذات الرغبة في التمظهر خارج الذات و ذلك انطلاقا من الفعل في المحيط الخارجي.

"  إنّه مدفوع لاكتشاف ذاته و التعرّف عليها فيما هو معطى مباشر و فيما يُعْرَض عليه من الخارج ".
Hegel: «il est poussé à se trouver lui-même dans ce qui lui est donné immédiatement, dans ce qui s'offre à lui extérieurement.»
تظهر الطبيعة و العالم من حولنا ـ  بفضل الوعي ـ أشياء خارجية أي غيرية، و ظهور الغيرية هو الذي يحدث في الإنّية الرغبة في التعرّف على ذاتها فيما يكون مغايرا، أي الانتقال من مستوى معرفة الإنّية إلى مستوى التعرّف على الإنّية، إلى درجة تسمح لنا بالقول بحاجة الإنّية إلى الغيرية، و هي حاجة تتجاوز حدود المعرفة و اليقين. و هكذا تتحوّل الغيرية المرآة الضرورية للإنّية، حيث يكون في الغيرية صورة الإنّية و بصماتها.
و ما تحاول الجدلية الهيقلية توضيحه ، هو ضرورة التمييز بين وعي لا ينجب إلاّ أنانة و وعي موجب يكون شرط تمظهر الإنّية و تحقّقها، إذ ميّزت الجدلية  بين "الوعي في الذات" البسيط، المباشر  الذي لم يمرّ بعد بالصيرورة الجدلية، أي لم ينفتح بعد على الآخر [الغير و العالم]، و بقي وعيا منغلقا على ذاته، مساويا لذاته (الوعي الديكارتي أو الإنية المنغلقة على ذاتها و التي تكون في منطلقها نفيا للآخر)؛  و بـين "الوعي بالذات"  أي الوعي بالأنا و الآخر، وهو وعي قد تحرّر من الانغلاق، و المباشرة و التساوي مع الذات، بما هو لحظة انفتاح و تواصل مع الآخر.
يكشف التمييز الهيقلي الجدلي بين الوعي في الذات و الوعي بالذات أنّ الوعي الأخير، يمرّ بلحظات، و بالتالي فهو لا يظهر للذات مباشرة، بل هو يتحقّق بعد تمشٍّ جدلي، حقّق حركة التجريد المطلق، و تخلّص من كلّ انغلاق، و هذا يعني أنّنا مع هيقل يجب أن نفهم الإنّية على أنّها ما يكتسب، و أنّ البقاء في حدود الأنانة لا يصنع إلاّ إنسانا غير جدير بالإنسانية؛ و التاريخ هو استتباع لتمظهرات الإنّية و تحقّقها، إذ لا تصنع الأنانة تاريخا.
Sartre: «L’homme qui n’est d’abord rien, qui ne sera qu’ensuite et qui sera tel qu’il se sera fait »  l’existentialisme est un humanisme, 1946, Paris, Nagel, pp. 196
2 ـ الإنية  بما هي مشروع:
يدافع سارتر على موقف فلسفي مفاده أنّ الإنسان مشروع ذاته و أنّه حرّية مفتوحة على إمكانيات لا نهائية و أنّ إنّيته تتحدّد بالمشروع الذي يختاره لنفسه، فهو دائم التجاوز لوضعيته الأصلية بواسطة ممارساته. و يعتبر سارتر أنّ الإنسان بما هو شخص هو مشروع مستقبلي، يعمل على تجاوز ذاته و وضعيته و واقعه باستمرار من خلال اختياره لأفعاله بكلّ إرادة و حرّية و مسؤولية، و من خلال انفتاحه على الآخرين.
 و لتأكيد ذلك ينطلق سارتر من فكرة أساسية في فلسفته وهي "كون الوجود سابق على الماهية"، أي أنّ الإنسان يوجد أوّلا ثمّ يصنع ماهيته فيما بعد. إنّه الكائن الحرّ بامتياز، فهو الذي يمنح لأوضاعه معنى خاصّا انطلاقا من ذاته؛ فليس هناك سوى الذات كمصدر مطلق لإعطاء معنى للعالم. إنّ
Sartre: « L’homme est d’abord ce qui se jette vers un avenir, et ce qui est conscient de se projeter dans l’avenir. L’homme est d’abord un projet »
l’existentialisme est un humanisme, 1946, Paris, Nagel, pp. 196
الشخص هو دائما كائن في المستقبل، تتحدّد وضعيته الحالية تبعا لما ينوي فعله في المستقبل. فكلّ منعطف في الحياة هو اختيار يستلزم اختيارات أخرى، و كلّ هذه الاختيارات نابعة من الإنسان باعتباره ذاتا و وعيا و حرّية.
 و نحن نقول إنّ الإنسان حرّ و هذا على وجه التدقيق لأنّه ليس موجودا، و لأنّ ما هو موجود لا يكون حرّا، و سارتر لا يفهم عدم الوجود هذا باعتباره لا شيء و إنّما باعتباره إنّية لا تزال في طور الغيرية، و لعدم الذي يوجد في قلب الإنّية هو الذي يجعله حرّا، إذ الإنّية لا توجد مع الإنسان و إنّما هي ما يصنعه الإنسان، فما يوجد هو العدم أمّا الإنّية فهي الإمكان، و لأنّها ما يمكن فهي ليست كائنة بل ما يكون؛ و على الإنسان أن يختار الإنّية التي يرتضيها لوجوده، وهو اختيار يتّسم بطابع الجزافية المطلقة. و هكذا تكون الحرّية هي وجود الإنسان، أعني عدم وجوده، إلاّ على النحو الذي يكون فيه مشروعا لذاته، وهو مشروع لأنّه وجود يعد بأن يكفّ عن أن يكون عدما، و لأنّه لا يزال وعدا فهو إمكان وجود. و الإنسان مرغم على تقبّل هذا الوجود و على تحمّل مسؤولية توفير إنّية له؛  يلزم عن هذا القول ـ و هذا هو ثمن الحرّية ـ أنّ الإنسان يحمل على كتفيه عبء ذاته و العالم كلّه.
  و في النهاية نقول:   لا يولد الإنسان إنسانا، و إنّما يصير كذلك، و هذا يعني أنّ الإنسان حرّية
و أنّ للحرّية ثمن، و ثمن الحرّية هو بناء إنّية تكون جديرة بالإنسانية. و على الإنسان أن يختار بين الإنّية و الغيرية الصورة التي يرتضيها لذاته، أي أن يتحمّل مهمّة بناء ماهيته، إذ الإنسانيّ مهمّة الإنسان، حيث تكون حقيقته ما يحقّقه أو ما يكون جديرا به.
طريق النجاح: شكرا للأستاذ: الصحبي بوقّرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق