إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

الجمعة، 10 مايو 2013

ـ 1 ـ الدولة: السّيادة و المواطنة

" المواطنة هي ما به تتميّز الإنسانية و ما به تسمو نحو الاخلاقية و الحرّية المطلقة، و لكن هذا يشترط  فقط مرور الإنسان عبر الدولة"
ـ  فيخته ـ في تمجيد الثورة الفرنسية ـ ص: 14
مدخل إلى التفكير في المسألة
"إننّا لا نناقش أمرا هيّنا إننّا نناقش كيف يجب أن يعيش الإنسان"
أفلاطون ـ كتاب الجمهوريّة
1 ـ دواعي الاهتمام:
داخل منطق البداهة  تبدو علاقة الشأن الفلسفي بالسجلّ السياسي علاقة تعارض أو تناقض، أو علاقة توتّر أو صراع، و هذا التناقض مردّه الاعتقاد بأنّ الفلسفي هو الذي يرتبط بالنظر و الحكمة، في حين يحيل السياسي على الفعل و الممارسة؛ أمّا الصراع فمردّه الطابع النقدي للخطاب الفلسفي الذي  كان منذ سقراط يبعث "على الإزعاج"، فالسؤال الفلسفي الحقيقي سلاح يخترق المؤسّسات و القيم، وهو باختراقه هذا يلقي الفيلسوف هناك في عزلة المجنون أو الغريب أو المارق أو المعارض، و لكن توتّر العلاقة لا ينفي التداخل و التضمّن، حتّى و إن كان في الالتقاء تورّطا يحرج الفيلسوف و يزعج السياسي. و قد سأل أحدهم ـ ليفهم منطق التداخل و التضمّن هذا ـ  الفيلسوف الفرنسي جون جاك روسو: "هل أنت أمير لتكتب في السياسة ؟"  فأجاب قائلا :ـ "لا، و لهذا السبب أنا أكتب في السياسة و عنها، لأنّه لو كنت أميرا أو مشرّعا، لما أضعت وقتي في قول ما يجب فعله؛ و إنّما لفعلته أو أحجمت عن الكلام".[1]
Rousseau "On me demandera si je suis prince ou législateur pour écrire sur la Politique? Je réponds que non, et que c'est pour cela que j'écris sur la Politique. Si j'étais prince ou législateur, je ne perdrais pas mon temps à dire ce qu'il faut faire; je le ferais, où je me tairais".    Du contrat social, I, Préambule
يكشف لنا هذا الموقف ضرورة تورّط خطاب الفلسفة في الشأن السياسي وهو تورّط الغرض منه استدعاء القول نقدا للفعل و توجيها للممارسة، إذ تبقى الفلسفة كما كانت دائما خطابا قادرا على اختراق الممارسة السياسية، و خطابا كاشفا لواقع العلاقة بين السيادة و المواطنة. و لعلّ عودة لأفلاطون [2] تؤكّد هذا التورّط الأصيل و الضروري بين الشأن السياسي le Politique  و الخطاب الفلسفي le Philosophique ؛ و قد أفرز  هذا  التورّط خطابا تأسيسيّا يعاين واقع السّيادة و يفاضل بين الأشكال المختلفة للنظم السياسية.
 كما أنّه من المفيد أن نقرّ اليوم أنّه في وضع مٌستعصٍ كهذا حيث قسوة الأزمنة المعاصرة و وحشيتها، و حيث تزداد الهوّة بين الغنى الفاحش و الفقر الكافر، و حيث" للبعض حظ الغلبة و للبقية ولع الخضوع" و التبعية، و حيث تعيش السلطة هاجس الأمن و يعيش المواطن  أكثر من أي زمن آخر هاجس الخوف؛ لا مفرّ لنا غير مراجعة  ملابسات الوجود السياسي الذي لحظة يصنع المواطن يقتل الإنسان، بل لا مفرّ إلاّ بعودة الخطاب الذي يوجّه القول فيه الفعل، أي عودة التدخّل القديم المزعج  للفلسفة  و تورّطها في التفكير من جديد في الوجود السياسي للإنسان بحيث، إذ نلمس داخل هذا الوجود بين مفهومي السّيادة و المواطنة وشائج علاقات جدلية فريدة من نوعها، بقدر ما تفيد التضادّ و التعارض، تفيد كذلك التضمّن و التضايف؛ و قد كشفت الثورة التونسية و غيرها من الثورات العربية هذه العلاقات الإشكاليّة و الجداليّة بين السّيادة و المواطنة، حيث انتقلت بنا من منطق التعارض إلى منطق التضمّن، و من شعب يريد سيادة بلا مواطنة إلى شعب يريد سيادة المواطنة، و ما الثورة إلاّ حركة انتقام تقطع مع علاقة التعارض و التضادّ نحو علاقة لا تكون فيها السّيادة عدوّا للمواطنة، و لا تكون فيها المواطنة رفضا للسّيادة. و لهذا كان من اللازم اليوم بعد أن حدث ما حدث أن ننخرط في الشأن السياسي و أن نفكرّ من جديد في الوجود السياسي للإنسان.
2 ـ إحراجات:
و لكن إذا كان لكلّ مجال معاييره القيمية أفلا تقتضي مقاربة المجال السياسي التساؤل عن المعايير التي تحكمه ؟ فهل يمكن النظر إلى معيارَيْ  العداء و الصداقة على أنّهما معياري المجال السياسي ؟ هل يمكن لهذه المعايير أن تمثلّ مبادئ أو قيم مطلقة أو تحكم كلّ فعل أو كلّ ممارسة سياسية ؟ هل يمكن الحديث عن عداوة دائمة و صداقة دائمة ؟ هل ثمّة قيم تحدّد العدوّ  و الصديق ؟ ألا يمكن أن يستحيل الصديق عدوّا و لعدوّ صديقا لتستحيل هذه القيم من مبادئ مطلقة إلى أحكام نسبية ؟ أليس القول المأثور في السياسة أنّه لا وجود لصداقة دائمة و إنّما لمصلحة دائمة حيث تكون المصلحة معيار ضبط الصداقة و العداء ؟
 «الحديث عن المجال السياسي يقتضي استحضار مفهوم الدولة الذي يستدعي بدوره مفهوم السّيادة، فكيف نفهم العلاقة بين الدولة و السّيادة ؟ و بأي معنى تمثّل السّيادة قيمة مطلقة أو مبدأ أساسيّا يعبّر عن الشأن السياسي ؟
 «ما هي مقوّمات السّيادة ؟ ألا يكشف اختلاف الأنظمة السياسية نسبيّة السّيادة، بحيث تختلف السّيادة باختلاف النظام السياسي ذاته ؟
 «وإذا كانت السّيادة تحيل على السلطة فهل تفيد السلطة ضرورة معاينة النفوذ و الهيمنة و الإخضاع و الاستبداد ؟ و هل يقتضي الحديث عن السّيادة التمييز بين سيّد و عبد ؟ و هل يحيل معنى السّيادة على نموذج المجتمع العبودي حيث القسمة النهائية بين السّيادة و الخضوع ؟
 «أليس من الممكن الحديث عن السّيادة دون استحضار مفهوم العبودية أو الخضوع ؟ ألا يمكن أن نتحدّث عن طاعة دون أن تكون الطاعة خضوعا أو دون أن يكون المطيع عبدا أو رعيّا ؟ أليس من الخلف إذا اختزال السّيادة في الاستبداد ؟ أ فلا يمكن للسّيادة أن تفلت من منطق الراعي و الرعيّة ؟ بل أليس من المشروع مقاربة السّيادة خارج النظم الاستبدادية ؟
 «و لكن هل من الممكن الحديث عن السّيادة في ظلّ النظم الديمقراطيّة دون أن يفيد هذا القول  تناقضا ؟ ألا تستحيل بهذا المعنى السّيادة إلى قيمة نسبية لا تقوم على معيار القوّة و إنّما تفيد معيار الحقّ ؟ و لكن ما الحقّ ؟ ما طبيعته ؟ هل ينظر إلى الحقّ بما هو حقّ طبيعي أم حقّ وضعي أو مدني ؟ و ما هو معيار هذا الحقّ ؟
 «يحيل الحقّ على المجال القانوني و نميّز فيه بين حقّ من يمارس السّيادة و من تمارس عليه السّيادة، و إذا كان الذي يمارس السّيادة هو إمّا شخصية قانونية أو شخصية معنوية فإنّ من تمارس عليه السّيادة يسمّى مواطنا. فمن هو المواطن ؟ و هل من تمييز ممكن بين الطفل و العبد و الرعيّ و المواطن ؟ و ما المقصود بالمواطنة ؟ و ما هي معاييرها ؟
 «إذا كان الاستبداد لا يحقّق سيادة الإنسان على ذاته و يجعل منه مواطنا فضمن أيّ تصوّر للسلطة يمكن أن يتحقّق التوافق بين السّيادة و المواطنة ؟ و هل بإمكان الدولة ضمان هذا المطلب ؟
 «و هل بإمكان المواطنة بالمعنى الديمقراطي ضمان إنسانية الإنسان ؟ ألا يدفعنا واقع التعدّد  و الاختلاف إلى دفع الشأن السياسي نحو أفق إيتيقي يؤسّس لمواطنة كونيّة ؟
3 ـ رهانات المسألة:
C الوعي بقيمة الوجود السياسي في اكتمال الإنسان.
C بيان منزلة الحقّ في التفكير في أسس الدولة.
C الوعي بقيمة المواطنة في تحديد منزلة الإنسان السياسية.
C التمييز بين حقّ القوّة و قوّة الحقّ.
C إدراك أنّ علاقة المواطن بالدولة تراوح بين واجب الطاعة و تأمين العدل.
C ضرورة المفاضلة بين النظام الاستبدادي و النظام الديمقراطي.
C التأكيد على أنّ النقد لا يوجّه للواقع السياسي فحسب و إنّما لمفهوم الحقّ ذاته.
C الوعي بالطابع المركّب للمواطنة و الديمقراطيّة.
C الاعتراف بالحاجة إلى بارديغم جديدة للمواطنة و بالأساس الإيتيقي للمواطنة الكونية.
4 ـ التخطيط المُفصّل:
                        ۞۞     الدّرس الأوّل: السّيادة و مخاطر الاستبداد  ۞۞
1.    {في السّؤال عن السّيادة}
2.    {"الأمير": و السّيادة القائمة على خوف الرعية}  ? نيكولا ميكيافلي
3.    {"التنين": و السّيادة القائمة على القوّة} ? توماس هوبس
4.    {ظلم المستبدّ لا يضمن السّيادة} ? عبد الرحمان الكواكبي
5.    {عدل المستبدّ لا يضمن المواطنة} ? دنيس ديدرو
                             ۞۞  الدّرس الثاني: السّيادة فضاء المواطنة ۞۞
1.    {الإرادة العامة و سيادة المواطنة} ?  ج. ج. روسو
2.    {السّيادة فضاء الحقّ و القانون} ?  باروخ سبينوزا
3.    {العدالة و قانون الحقّ} ?  سبينوزا
4.    {السّيادة في النظام الديمقراطي} ? سبينوزا
                          ۞۞    الدّرس الثالث: في التظنّن على السّيادة و المواطنة   ۞۞     
1.    { في نقد الديمقراطيّة و الدولة} ?  كارل ماركس
2.    {في نقد المواطنة} ? هربارت ماركوز ? إيريك فروم
3.    {في الحاجة إلى باراديغم جديد للمواطنة}
& الدّرس الأوّل: السّيادة و مشكل الاستبداد &
"ينزع صاحب السّيادة دوما إلى ابتزاز السّيادة، ذلك هو جوهر الدّاء السياسي"
بول ريكور
1. في السؤال عن السّيادة:
إنّ تمتّع الدولة بالسّيادة يعني أن تكون لها الكلمة العليا التي لا تعلوها سلطة، و هذا يجعلها تسمو على الجميع و تفرض نفسها عليهم باعتبارها سلطة آمرة عليا. لذلك فسيادة الدولة تعني و ببساطة أنّها منبع السلطات الأخرى. فالسّيادة أصلية و لصيقة بالدولة و تميّز دولة ما عن غيرها من الجماعات السياسية الأخرى، و السّيادة وحدة ثابتة لا تتجزّأ مهما تعدّدت السلطات العامة لأنّ هذه السلطات لا تتقاسم السّيادة و إنّما تتقاسم الاختصاص. و تظهر السّيادة إمّا على المستوى الداخلي حيث تبسط السلطة السياسية سلطاتها على إقليم الدولة أين تكون هي السلطة الآمرة التي تتمتّع بالقرار النهائي، أو على المستوى الخارجي حيث نتحدّث عن استقلالية الدولة وعدم خضوعها لدولة أخرى.
 مطلقة: بمعنى أنّه ليس هناك سلطة أو هيئة أعلى منها في الدولة.
  شاملة: أي أنّها تطبّق على جميع المواطنين في الدولة.
  ثابتة:  بمعنى لا يمكن التنازل عنها.
  دائمة: بمعنى أنّها تدوم بدوام قيام الدولة والتغيّر في الحكومة لا يعني فقدان أو زوال السّيادة.
ç و تاريخيّا يمكن أن نميّز بين ثلاثة أشكال للسّيادة:
C السّيادة التيوقراطيّة:
تفيد المعنى المقدّس للسّيادة التي تكون لله وحده إمّا بشكل مباشر أو بشكل تفويضي غير مباشر، وهي تعني في مضمونها أنّ اللّه إمّا أن يكون من يمارس السّيادة [الحاكم الإله] أو هو مصدرها و يفوّض لغيره ممارستها [الحاكم المختار].
ç هذا الشكل التيوقراطي للسّيادة لا يحيل على المعنى القانوني للسّيادة، الذي ظهر لحظة القطع مع  فكرة القداسة.
A سيادة الأمّة:
و بالفعل ارتبط ظهور الدلالة الشرعيّة للسّيادة مع رجال القانون الذين كانوا يدافعون عن سلطات الملك في فرنسا ضدّ البابا و الامبراطور، مؤكّدين أنّ الملك يتمتّع بالسّيادة الكاملة في ممتلكاته، و أنّ هذه السلطة العليا لا ينافسه عليها أحد في الدولة. و مع قيام الثورة الفرنسية بقيت فكرة سيادة الأمّة قائمة بما لها من صفة الإطلاق و الرفعة و الأصالة و لكنّها انتقلت من الملك إلى الأمّة، لتصبح بذلك إرادة الأمّة هي السلطة العليا. و يعني مبدأ سيادة الأمّة أنّ الصفة الآمرة العليا للدولة لا ترجع إلى فرد أو أفراد مُعيّنين بل إلى وحدة مجرّدة ترمز إلى جميع الأفراد أي الوحدة التي تمثّل المجموع بأفراده و هيئاته و أنّها بالإضافة إلى ذلك مستقلّة تماما عن الأفراد الذين تمثّلهم و ترمز إليهم.
B سيادة الشعب:
التطوّر الذي لحق بالمذهب الفردي، و الانتقادات التي وجّهت إلى مبدأ سيادة الأمّة هي الأسباب الكافية لظهور أصوات تنتقد التمثيل النسبي و الحقيقي للشعب، و تفهم نظرية سيادة الشعب على أنّ السّيادة للجماعة بوصفها مكوّنة من عدد من الأفراد، لا على أساس أنّها وحدة مستقلّة عن الأفراد المكوّنين لها. و طبقا لنظرية سيادة الشعب تكون السّيادة لكلّ فرد في الجماعة، حيث إنّها تنظر إلى الأفراد ذاتهم و تجعل السّيادة شركة بينهم و من ثمّ تنقسم و تتجزّأ.
ç و يعتبر مفهوم السّيادة أشمل من السلطة؛ فالسلطة" هي ممارسة السّيادة، و لكن إذا كانت السّيادة تحيل ـ كما قال ماكس فيبر ـ على السلطة القانونية للدولة الحديثة فكيف تضمن الدولة الطاعة ؟ و إذا كان الإنسان لا يسلك وفق الحقّ و العقل ألا يبرّر ذلك حاجة السّيادة للقوّة ؟ أليست الدولة القويّة القادرة على زرع الرهبة في نفوسنا الأقدر على فرض الطاعة و حفظ النوع ؟
2. " الأمير" و السّيادة القائمة على خوف الرعيّة:
و بالعودة إلى الفكر السياسي الحديث نجد كذلك امتدادا لهذا البراديغم و إن كان بشكل مغاير، إذ كان ماكيافيلي أوّل من اعتبر أنّ السلطة السياسية قوّة يتمّ امتلاكها لأجل إقامة الدولة، بل إنّه قد فكّر في الدولة كقوّة تقوم على الضرورة و التدّخل في الواقع لأجل التحكّم فيه، و المبدأ الذي حكم السياسة وفقاً لأمير ماكيافيلي كان قائماً على السيكيولوجيا الخاصّة بالطبيعة البشرية، إذ على الأمير ألاّ يبني سلطته على الأخلاق و مبدأ الفضيلة، بل على فساد الطبيعة البشرية و تناقضاتها الداخلية، لذلك، ينصح ماكيافلي الأمير بضرورة إقامة سياسته على القوّة و الترهيب أكثر من الرأفة و اللين. فالحقّ الوحيد الذي تقوم عليه سلطة الأمير هو حقّ القوّة، و سيادة الأمير يحصنّها و يضمنها خوف الرعايا.
ماكيافلي: "لا يتردّد الناس في الإساءة إلى ذلك الذي يجعل نفسه محبوباً بقدر تردّدهم في الإساءة إلى من يخافونه، إذ إن الحبّ يرتبط بسلسلة من الالتزامات التي قد تتحطّم بالنظر إلى أنانية الناس عندما يخدم تحطيمها مصالحهم، بينما يرتكز الخوف على الخشية من العقاب، وهي خشية قلّما تمنى بالفشل."
ماكيافلي: «لا ريب في إنّ كلّ إنسان يدرك أنّ من الصفات المحمودة للأمير، أن يكون صادقا في وعوده و أن يعيش في شرف و نبل لا في مكر و دهاء، لكنّ تجارب عصرنا أثبتت أنّ الأمراء الذين قاموا بجلائل الأعمال، لم يكونوا كثيري الاهتمام بعهودهم و بالوفاء بها و تمكنّوا بالمكر و الدّهاء من الضحك على عقول الناس و إرباكهم و تغلّبوا أخيرا على أقرانهم من الذين جعلوا الإخلاص و الوفاء رائدهم. و عليك أن تدرك أنّ ثمّة سبيلين للقتال؛ إحداهما بواسطة القانون و الآخر عن طريق القوّة، و يلجأ البشر إلى السبيل الأوّل، أمّا الحيوانات فتلجأ إلى السبيل الثاني [...] و على الأمير الذي يجد نفسه مرغما على تعلّم طريقة عمل الحيوان، أن يقلّد الثعلب و الأسد معا... و لذا يتحتّم عليه أن يكون ثعلبا ليميّز الفخاخ، و أسدا ليرهب الذئاب.»  ـ كتاب الأميرـ ص: 147
3 ـ "التنّين" و السّيادة القائمة على القوّة:
يحافظ هوبس على الموقف الميكيافيلي القائم على فساد الطبيعة البشرية و تناقضاتها الداخلية، و يعتبر احتكام السّيادة لمنطق القوّة مرّده التناقض القائم في حالة غياب السّيادة أو حالة الطبيعة بين الحقّ الطبيعي {الحريّة} و القانون الطبيعي {البقاء}، خاصّة إذا كان الإنسان يخيّر قانونا يضمن حياته على حقّ قد يكون سببا في موته.
ت.هوبز: "إنّ البشر و هم ذوو ولع طبيعي بالحريّة و بممارسة الهيمنة على الغير قد أوجبوا على أنفسهم حدودا... و إذا سنّوا هذه الحدود، جعلوا منتهى طموحهم و غاية سعيهم و هدف وجودهم أن يضمنوا بقائهم الذاتي."   
"تلك هي نشأة هذا التنّين الكبير، أو... ذاك الإله الفاني الذي ندين له بما نحن فيه من سلام و أمن"  كتاب التنّين
حالة الطبيعة
الحالة المدنية
الإنسان[ رغبة + حاجة]
الاحتراز + الحذر = الخوف
Défiance + Méfiance = Crainte
عدوانيّة   Agressivité
"حرب الكلّ ضدّ الكلّ"
- الكلّ يرغب في كلّ شيء خاصّة الأشياء التي يرغب فيها الآخرون:
Homo homini lupus
يقول بوسييه: "عندما يستطيع الكلّ فعل ما يشاؤون، فإنّ ذلك يعني ألاّ أحد يستطيع فعل ما يشاء، و عندما لا يكون هناك سيّد، فإنّ الكلّ سيّد،
و حيث الكلّ سيّد فالكلّ عبيد"
- منطق حالة الطبيعة هو منطق الرغبة:
الرغبة = الأنانية + العجب + الحيازة = التنافس و العدوانيّة.
- حالة الطبيعة غير محتملة فالحياة فيها قصيرة، بائسة و معزولة.
كيف يمكن التخلصّ من هذه الوضعية لضمان الأمن و السلم ؟    
الإنسان
رغبة = متعة / سلطة / خوف       +
 عقل = ضرورة / مصلحة
- الانتقال من الطبيعة إلى الدولة هو انتقال من خشية نكابدها إلى خشية نرضاها و الخوف بدون عقل عاجز عن تأسيس دولة، و لهذا لا تجد دولة مع الخشية الدينية لافتقارها لسند عقلي.
- المشكل: هل سيحتفظ الإنسان في انتقاله للحالة المدنية بحقوقه الطبيعية ؟
 هل يمكن أن أضمن حقّي و حقّك بوعد ؟
هل العقد هو عقد خضوع أم عقد توحيد ؟
- الحلّ: "إنّ السبيل الوحيد هو أن يمنح الناس كلّ قدرتهم لفرد واحد
ليحوّل كلّ إرادتهم لإرادة واحدة "
المشكل: الدولة من صنعنا و لكّنها تتحكّم فينا [وحش / إله فان] ؟ الأنا يفنى في أنا الحاكم ؟ لم يبق شيء من الحرّية إلاّ في صمت القانون ؟ هل أنّ الحقّ المدني ضامن للحقّ الطبيعي أم نفي له ؟ و إذا كان هو ما يضمنه القانون، فهل يعني ذلك اختزال الحقّ في القانون ؟
      HOBBES : « à l'état de nature l'homme est un loup pour l'homme, à l'état social l'homme est un dieu pour l'homme".
 استتباعات هذا الطرح:
ç الحياة في غياب السلطة هي حياة الخوف و العنف، أين يتعارض الحقّ الطبيعي [الحرّية] مع القانون الطبيعي [حفظ البقاء]؛ و الإنسان في غياب السلطة ذئب و في حضورها طيّب و مسالم.
ç حالة الطبيعة هي مصدر الموت العنيف أو فضاء حرب الكلّ و لو استمرّت لانقرض الإنسان، و بالتالي حضور السّيادة قد لا يضمن المواطنة و لكنّه يضمن البقاء، أمّا غيابها فهو لا يضمن لا المواطنة و لا بقاء الإنسان.
HOBBES : " Il apparaît clairement par là qu'aussi longtemps que les hommes vivent sans un pouvoir commun qui les tiennent tous en respect, ils sont dans cette condition qui s'appelle guerre, et cette guerre est guerre de chacun contre chacun "   Léviathan, chapitre XIII         

ç المصلحة و العقل يقتضيان تنازلي الكلّي و المطلق عن حرّيتي، و تنازلي لن يتمّ إلاّ في حالة تنازل الآخرين مثلي عن حقّهم، و هذا التنازل المتبادل يفترض ضامنا، تكون له مطلق الحريّة
 و القوّة إذ "العهود بدون سيف ليست سوى كلمات لا قدرة لها بتاتا على المحافظة على حياة الإنسان، و الكلمات أضعف من أن تستطيع ردع طموح الأفراد أو طمعهم أو غضبهم أو انفعالاتهم إلاّ إذا اقترنت بقوّة تؤيّدها أو سلطة تبعث الخوف في نفوسهم."
ç نفهم بفعل التفويض هذا أنّ الدولة نتيجة اتّفاق و مواضعة، حدّدتها ضرورة عـــقلية [و العقل ابن الضرورة]، و الضرورة تقتضي البحث عن سيادة تضمن التحوّل من حالة الحرب إلى حالة السّلم  و هذا هو منطق حساب المصلحة، و منطق الضرورة العقلية يفيد أنّ الإنسان هو الذي أراد الدولة
و أنّ السّيادة خلق و إنتاج عقلي؛ و لكنّه أرادها لا لتضمن حرّيته، لأنّه كان قبل الدولة حرّا و إنّما لتضمن بقاءه و أمنه، لأنّه في غياب السّيادة حيث حالة الطبيعة و الحرب و العدوانيّة ليس هنالك ما يضمن شيئا. و إذا نظرنا للدولة على أنّها نموذج مبني عقليّا فإنّ البعد التيليولوجي و التداولي للدولة حسب هوبز هو الأمن.
T. HOBBES : "Car c'est l'art qui crée ce grand Leviathan, qu'on appelle République ou Etat (Civitas en latin) lequel n'est qu'un homme artificiel "
ç قد يكون في سيادة القوّة شرّ، و لكنّها شرّ لا بدّ منه، و شرّ الدولة أفضل من شرّ انعدامها، و من يريد أن يعرف قيمة الدولة فليفترض غيابها وهذا الافتراض يسمّيه هوبز "حالة الطبيعة". و بالتالي استبداد الدولة الكليانية أبقى للإنسان و أضمن لأمنه و سلامته.
HOBBES : " le pouvoir souverain présente moins d'inconvénient que l'absence de pouvoir souverain "     (Léviathan, chapitre XVIII (
ç و لكن من ذا الذي سيضمن أنّ هذا الذي سيضمن البقاء و الأمن لن يستغلّ سلطته بحيث يحوّل قوّته استقواء و سلطته تسلّطا ؟ أليس من الممكن أن ينتهي الاستبداد ـ بتعلّة الغاية تبرّر الوسيلة {ميكيافلي} أو بهدف ضمان البقاء {هوبس} ـ جورا و اعتسافا ؟
4 ـ ظلم المستبدّ لا يضمن المواطنة:
' مصطلح الاستبداد (Despotisme) مشتقّ من كلمة يونانية (Despotes) و تعني ربّ الأسرة أو سيّد المنزل أو السيّد على عبيده، و استخدمت في سياق سياسي لوصف الحكم المطلق الذي تكون فيه سلطة الحاكم على رعاياه مماثلة لسلطة الأب على أبنائه في الأسرة. و الحاكم يبرّر كلّ تصرّفاته بأبوّته للمواطنين القصّر أو الأطفال. و يختلط مفهوم الاستبداد بعدد من المفاهيم التي تبدو مترادفات رغم الفوارق الدقيقة، و يستعمل البعض مصطلح الاستبدادية لوصف درجة تسلّط الحاكم، فإذا كان الحاكم لا يلتزم بالقانون، و إنّما قوله و فعله هما بمثابة القانون عُدّ نظامه استبداديّا؛ أمّا إذا كان هناك قانون يلتزم به الحاكم و لكنّه يحتكر سلطة التعديل و التغيير في القانون فهو إذن حكم مطلق.
و من المهمّ أن نلاحظ أنّه لم يكن الاستبداد السياسي مرذولا في تاريخنا السياسي، لأنّ السياسة (المشتقّة من فعل ساس) تعني، في جملة ما تعنيه، "قيام المرء على دابَّته و رياضتها و تأديبها"! فيغدو الحاكم في حالنا هو "السائس" لـ"قطيع" ناسه الذين تحوّلوا عمليًّا، كتحصيل حاصل، إلى ما يشبه الدواب. و لذلك، كانت فكرة "المستبدّ العادل" جزءا رئيسيّا من ثقافتنا السياسية. و لأجل ذلك لا تجد تيّارات سياسية عديدة أي حرج اليوم في الوقوف بشكل مباشر أو غير مباشر مع الاستبداد، لأنّ البراديغم الذي يتحكّم في هذا الوجود السياسي للشعوب هو براديغم الراعي و الرعيّة، أو براديغم السائس و دوابّه، لذلك يمكن أن نعتبر ثورة تونس انزياحا عن البراديغم أو ثورة عليه.
و على ضوء ذلك، يمكن اعتبار كتاب عبدالرحمن الكواكبي «طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد» بمثابة المراجعة النقديّة لواقع الاستبداد و كمراجعة نقديّة لأمير ميكيافلي و تنّين هوبس، ذلك أنّ الكواكبي كما كان همّه كشف مخاطر الاستبداد إذ اعتبر أنّ  «أصل الداء» الذي يصيب الأمّة  هو الاستبداد السياسي، كان كذلك يحاول مراجعة الفكر السياسي الذي يبرّر السّيادة القائمة على الخوف و القوّة. معتبرا أنّ الاستبداد السياسي يحيل على تناقض، إذ الاستبداد نفي للسياسة و الحكمة، و السياسة تتعارض مع السّيادة القائمة على الهوى و الميل.
الكواكبي: "الاستبداد في اللغة بمعنى اكتفاء الشخص برأيه في موضوع يحتاج إلى الشورى، لكن هذه اللفظة عند ذكرها بالصيغة المطلقة تفهم باستبداد الحكّام. أمّا في اصطلاح أهل السياسة فهي تعني تصرّف فرد أو جماعة بحقوق شعب دون الخوف من المؤاخذة و الاستجواب [..] و الاستبداد من صفات الحاكم المنفرد و المطلق العنان، الذي يتصرّف في أمور رعيته بإرادته دون خوف من المحاسبة أو العقاب" طبائع الاستبداد،  ص: 23  
الكواكبي: "الاستبداد لو كان رجلا و أراد أن يحتسب و ينتسب لقال: أنا الشرّ و أبي الظلم و أمّي الإساءة، و أخي الغدر، و أختي المسكنة، و عمي الضرّ، و خالي الذلّ، و ابني الفقر، و ابنتي البطالة، و عشيرتي الجهالة، و وطني الخراب، أمّا ديني و شرفي و حياتي فالمال المال المال." ـ طبائع الاستبداد ـ ص:         69      
الكواكبي: "إنّي أرى قصر المستبدّ في كلّ زمان و مكان هو الخوف عينه، فالملك الجبّار هو المعبود،  و أعوانه هم الكهنة، و مكتبته هي المذبح المقدّس، و الأقلام هي السكاكين، و عبارات التعظيم هي الصلوات، و الناس هم الأسرى الذين يقدّمون قرابين الخوف" ـ طبائع الاستبداد ـ ص: 65
الكواكبي: "في خدمة الاستبداد و سيلتين عظيمتين، هما جهالة الأمّة و الجنود المنظّمة،  و هما أكبر مصائب الأمم و أهمّ مصائب الإنسانية، و قد تخلصّت الأمم المتمدّنة نوعا ما من الجهالة، و لكن بُليت بشدّة الجبرية العمومية الجندية تفسد أخلاق الأمّة،  حيث تعلّمها الشراسة و الطاعة العمياء و الاتّكال، و تميت النشاط و فكرة الاستقلال و تكلّف الأمّة الإنفاق الذي لا يطاق، و كلّ ذلك منصرف لتأييد الاستبداد المشؤوم، استبداد الحكومات القائدة لتلك القوّة من جهة و استبداد الأمم بعضها على بعض من جهة. ـ طبائع الاستبداد ـ ص: 22 
' تلتهم السّيادة المطلقة أو السلطة الاستبدادية و الشمولية الدولة في
     جوفها، و السّيادة التي تلتهم الدولة تفترس المجتمع

و قد قدّم الكواكبي في كتابه  طبائع الاستبداد ثلاث قواعد لتشخيص الاستبداد و لمواجهته:
ç أوّلا: إنّ الأمّة التي لا يشعر كلّها، أو أكثرها، بآلام الاستبداد لا تستحقّ الحرّية.
ç ثانيا: أنّ الاستبداد لا يقاوم بالشدّة، و إنّما يقاوم باللين و التدريج.
ç ثالثا: أنّه يجب قبل مقاومة الاستبداد تهيئة ماذا يستبدل به الاستبداد.
الكواكبي: "ما أشبه المستبدّ في نسبته إلى رعيته بالوصيّ الخائن على أيتام يتصرّف بأموالهم كما يهوى ما داموا قاصرين، فكما أنّه ليس من صالح الوصيّ أن يبلغ الأيتام رشدهم كذلك ليس من مصلحة المستبدّ أن تتنوّر الرعية بالعلم" ـ  طبائع الاستبداد ـ ص: 25   
الكواكبي:" ألفنا أن نعتبر التصاغر أدبا، و التذلّل لطفا، و قبول الإهانة تواضعا، و الرّضا بالظلم طاعة، و الإقدام تهوّرا، و حريّة القول وقاحة، و حريّة الفكر كفرا، و حبّ الوطن جنونا" ـ طبائع الاستبداد ـ
  و يميّز الكواكبي بين استبداد ظالم يجعل العوام قوته فيصول عليهم و يطول، و بين استبداد رحيم يصبح فيه المستبدّ "وكيلا أمينا يهاب الحساب و رئيسا عادلا يخشى الانتقام و أبا حليما يتلذّذ بالتحابب"، وهو تمييز تفاضلي ينتهي به إلى القبول بالاستبداد شريطة عدله، لأنّ ظلم المستبدّ يفرز خوفا مزدوجا خوف الرعيّة من بطش المستبدّ، و خوف المستبدّ من نقمة رعيّته، و خوف الرعيّة عن جهل و خوفه عن علم، و حتّى يتحرّر المستبدّ من الخوف يجب أن يكون رحيما عادلا.
ç و لكن هل يضمن عدل المستبدّ مشروعيّة سيادته ؟ و هل علينا أن نختار بين استبداد و آخر؟ بل أليس من الممكن النظر للاستبداد العادل على أنهّ أشدّ خطورة من الاستبداد الظالم لأنّنا نختاره ؟
5 ـ عدل المستبدّ لا يضمن المواطنة:
يؤكّد ديدرو أنّ مشكل الاستبداد لا يرتبط بالسّيادة أو بعيب فيها فحسب بل بالشعوب الواقعة تحت نير السّيادة و سلطانها المطلق، حتىّ و إن كان المستبدّ عادلا فهل يعتبر الإنسان الخاضع لعدل المستبدّ مواطنا ؟
ديدرو: "إنّ الحكم الاستبدادي القائم على مبدأ عادل و مستنير هو حكم لا خير فيه على الدوام، ذلك أنّ فضائله هي من أخطر الإغراءات و أكثرها ثباتا، فهي تعوّد الشعب دون أن يشعر على حبّ الحاكم الذي يليه و احترامه و خدمته مهما كان شرّيرا و أحمق. و هذا النوع من الحكم يسلب الشعب حقّه في التشاور و في أن يريد أو لا يريد، بل يجعله يعترض على إرادته حتّى إن أصدر أمرا يريد به خيرا؛ بيد أنّ حقّ المعارضة هذا يبقى حقّا مقدّسا مهما كان غير معقول لأنّ الرعية بدونه تصبح أشبه بقطيع من الحيوانات الذي لا يلتفت إلى ندائه بحجّة أنّه يساق إلى مرعى ذي عشب وفير. إنّ الطاغية عندما يحكم على هواه يقترف أكبر الجرائم، فما الذي يميّز الحاكم المستبدّ الطيّبة أم الخبث ؟ كلاّ فهذان المصطلحان لا يدخلان لتعريفه، لأنّ ما يطالب به ليس ممارسة السلطة بل الاستمرار في الحكم. فليس من مصيبة أكبر يمكن أن تحلّ بأمّة من عهدين أو ثلاثة عهود متتالية لحكم عادل و لطيف و مستنير لكّنه استبدادي، فالشعوب بهذه الكيفية أي بحكم ما يعتريها من سعادة تصبح في غفلة تامّة عن امتيازاتها بل هي تصل إلى الرضا بالاستعباد التامّ".  Diderot : Réfutation d'Helvétius 
ç عندما تتعوّد الشعوب على الاستبداد تتعوّد على العبوديّة، و قد تكون السّيادة المستبّدة  عادلة و لكنّها ستزول بموت المستبدّ العادل، و عندها لن يكون للشعوب التي تحوّل إلى قطيع القدرة على صنع السّيادة من ذاتها، بل ستكون في حاجة إلى مستبدّ آخر قد يكون أقلّ عدلا و أكثر بطشا، و لكنّه سيكون الحلّ الضروري لشعوب تربّت على العبوديّة و التذلّل و الرضا و الخنوع.
ç السّيادة المستبدّة قد تكون عادلة و لكنّ العدالة لا تضمن المشروعيّة، إذ الضامن الوحيد لمشروعيّة السّيادة هو المواطنة، و إذا كان المواطن عبدا أو كان رعيّا فلن يكون أهلا حتّى لضمان السّيادة، و هذا يعني أنّ مشكل السّيادة لا يطال الرعيّة فحسب بل يطال السّيادة ذاتها.
ç الاستبداد العادل أكثر سوءا من الاستبداد الظالم، و إن كانت البداهة تقرّ العكس، و ذلك لأنّ هذا الاستبداد يجعل الحقّ المقدّس في الاعتراض و المعارضة حقّا لا معقولا، و يحوّل الأفراد "أشبه بقطيع من الحيوانات الذي لا يلتفت إلى ندائه بحجّة أنّه يساق إلى مرعى ذي عشب وفير".
ç و لكنّ هل ينتهي التظنّن على الاستبداد إلى اليأس في السّيادة ؟  و هل لا تفهم السّيادة إلاّ على معنى الخوف و القوّة أو على معنى
الاستبداد و الطغيان ؟ و هل لا يكون الحديث عن السّيادة إلاّ حديثا عن سيّد و عبيد ؟ و هل يفيد ضرورة الحديث عن السّيادة معنى نفي المواطنة ؟ ألا ينتهي بنا اليأس في السّيادة إلى اليأس في المواطنة ؟ ألا تدعونا كلّ هذه التساؤلات إلى استئناف التفكير في السّيادة بحيث بدل أن تكون فضاء اغتراب و نفي للمواطنة تكون فضاء المواطنة أو تكون سيادة المواطنة ؟ إذ أليس من الممكن أن يستحيل الآمر مطيعا و المطيع سيّدا ؟ ألا يمكن أن نتحدّث عن طاعة دون أن تكون الطاعة خضوعا أو دون أن يكون المطيع عبدا أو رعيّا ؟
الهوامش:
[1] ج. ج. روسو: في العقد الاجتماعي / ج 1
[2]  كشف أفلاطون ـ في  الجمهوريّة و  النواميس و كتاب السياسي و خاصّة في الرسالة السابعة، أنّه لن يتحقّق رخاء أمّة و ازدهارها إلاّ إذا أصبح الملك فيلسوفا أو الفيلسوف ملكا.
طريق النجاح: شكرا للأستاذ: الصحبي بوقرّة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق