إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

الخميس، 28 مارس 2013

تحليل موضوع ـ شعبة الآداب

الأستاذ: محمد كريم النيفر
الموضوع:   قيل: « بقدر ما يجب أن يكون العمل ناجعا، بقدر ما يجب أن يكون عادلا. « 
                                 هل يضمن هذا الشرط جعل العمل إنسانيّا ؟
مرحلة التفكيك والفهم و العمل التحضيري:
 -  طبيعة الموضوع: ورد نصّ الموضوع في شكل قولة مشفوعة بتعليمة في صيغة "هل" هذا يحتّم علينا فهم مضامين القولة وتحليل المعطى الذي يطلبه منّا الموضوع أوّلا ثمّ الاشتغال على خصوصية التعليمة المرفقة (ملاحظة: التعليمة في صيغة "هل" هي في حدّ ذاتها سؤال في صيغة
"هل" و تنطبق عليه نفس منهجيته لذلك يمكن ترجمة الموضوع في السؤال التالي: "هل يكون العمل إنسانيّا إذا وفّق بين مطلب النّجاعة ومطلب العدالة" ؟
* فهم مضمون القولة: " بقدر ما يجب أن يكون العمل ناجعا، بقدر ما يجب أن يكون عادلا." تراهن القولة على شرطين ضروريين للعمل هما "النجاعة" و"العدالة"، كما أنّ هذه الصيغة: بقدر......... بقدر/  كلّما كان......... كان/ كلّما......... كلّما/ على قدر كذا........ نفعل كذا /بقدر........ يكون/ يكون...... بقدر/ كلّما / متى....... تمثّل نوعا من التلازم الذي يخفي علاقة شرطية أو علاقة سبب بنتيجة الشيء الذي يدعونا إلى التفكير الفلسفي لتفسير هذه المتلازمة
 و ذلك بتفكيك كلا المعطيين والتفكير فيهما على حدة قصد رصد هذا التعالق الشرطي السببي
هذا يدعونا إلى رصد المعطى الأوّل و البحث عن معناه و مظاهره و استتباعاه الفلسفية التي تدفعنا إلى طرح المعطى الثاني كمكمّل أو كحلّ لصعوبات أو لتوتّرات و استبانات المعطى الأوّل و من ثمّ استكشاف منطق التلازم بينهما  واستحالة التفكير الأحادي الجانب في كليهما .
*  ملاحظة: يعتبر نصّ القولة موقفا تأليفيا، الشيء الذي يدعونا إلى تحليل هذا التأليف و تفكيك عناصره وفهمها كلّ على حدة ثمّ إعادة صهرها معا في موقف تركيبي تلازمي شرطي إدماجي تداخلي.
 * يستوجب موضوعنا مرحلتين:
(1 تحليل مضمون القولة الذي يراهن على ضرورة دمج الناجع بالعادل  والعادل بالناجع لضمان إنسانية العمل
 لحظة أولى: الاشتغال على علاقة العمل بالنجاعة
لحظة ثانية: الاشتغال على علاقة العمل بالعدالة ؟
* رصد مفهوم العمل
* رصد مفهوم النجاعة و مظاهرها( تعصير العمل، التقنية، تفتيت العمل عقلنته، التيلرة
والفوردية...)  و نتائجها الإيجابية ( نماء الثروة / الزيادة في الإنتاج والمردودية والاقتصاد في الكلفة) و السلبية ( الاغتراب و الاستلاب و الشّقاء الإنساني للعمال، سلعنة الجهد الإنساني...) التي ستستدعي التفكير في حلّ يؤسّس لمفهوم العدالة
* تبيان أوجه تدخّل العدالة للخروج من أزمة النجاعة (النتائج السلبية لها)
*  الاشتغال على نظام الفرضيات :
* عدالة بدون نجاعة
* نجاعة بدون عدالة
لحظة ثالثة: الوصول إلى الحلّ التوفيقي بدمج الناجع بالعادل  و العادل بالناجع
 2)  تجاوز هذا الشرط بالبحث عن شروط أخرى لتحقيق إنسانية العمل
 *المقدمّة:
* يمكن الانطلاق من توتّر الإنسان بين حاجته للعمل لتحقيق إنسانيته و تأكيد حضوره وبصمته في العالم  و ما يشوبه واقع العمل من التباس  و غموض زمن العولمة و تألية القيمة المادية على حساب القيمة الإنسانية في زمن غلب عليه المنطق المادي و الهيمنة الرأسمالية و مطلب الربح  الذي أصبح غاية الغايات والشغل الشاغل للجميع و ما يشترطه هذا المطلب من ضرورة المراهنة على النجاعة و توفير شروط المردودية و ضمان أكثر ربح ممكن في أقلّ زمن ممكن الشيء الذي و إن حقّق فائضا للقيمة المادية لا يمكن أن يضمن القيمة الإنسانية إلاّ بتدخّل قيم أخرى حقوقية لعلّ العدالة أبرزها، لكنّ الواقع الإنساني اليوم و في ظلّ الأزمات الاقتصادية المتلاحقة  والمتوالدة والمتلازمة ما ينفك يكشف عن هشاشة إدغام الناجع بالعادل حتّى لدى أرقى الدول و أكثرها رهانا على النجاعة وضمانا للعدالة و ما الإضرابات المتكرّرة لعمّال مصانع سيارات "الرونو" في فرنسا إلاّ حجّة لا يشقّ لها غبار على ما نقول. الشيء الذي يدفعنا لمعاودة طرح سؤال علاقة الإنسان بالعمل وعلاقة العمل بالنجاعة والعدالة نشدانا لإنسانية تتردّد بين الاستحالة والإمكان.
 *الإشكالية:
-  ما العمل؟ ما النجاعة ؟
- ما حاجتنا للنجاعة ؟ ما سبل تحقيقها؟ ماذا ننتظر منها؟ و ما انعكاساتها على واقع العمل ؟ هل تعتبر النجاعة في العمل غاية في حدّ ذاتها أم أنّها تخفي في طيّاتها الغايات الأقلّ نبلا ؟
- هل يمكن أن تحفظ النجاعة كرامة و إنسانية الإنسان أم أنّها تحتاج لمعدّلات تأنسنها كممارسة
 وتعدّل من مساراتها كالعدالة مثلا ؟
-  لكن ما العدالة ؟ لماذا يستوجب العمل الناجع تدخّلها؟ و هل يضمن تداخل الناجع بالعادل إنسانية الإنسان ؟ وهل في تحقيق النجاعة والعدالة معا كفيل بمجابهة تحدّيات الرّاهن  و تغوّل العولمة زمن "اللا نظام العالمي الجديد "على حدّ عبارة تودوروف؟
*التحليل:
-  الانطلاق برصد مفهوم العمل كمطلب إنساني أوّلا و كغاية تضمن كرامة الإنسان و سيادته
 و سيطرته على العالم و كوسيلة لضمان الثروة و الربح و الإنتاج و النماء الاقتصادي و الرّفاه باستخدام الجهد البشري في مرحلة أولى ثم ابتكار أدوات ووسائل أخرى مساعدة للإنسان في تحقيق طموحه اللامتناهي في السيطرة على الطبيعة و إخضاعها تحت سلطانه ( يمكن في هذا المستوى استثمار أطروحة فولتار أو كانط أو هيقل  للتنصيص على البعد الإنساني للعمل و دوره في تحقيق الحرّية و الإنسانية للإنسان ثم التدرّج للطرح الماركسي للعمل بما هو منتج للثروة و صانع لها).
-  التدرّج بالموضوع من دور العمل في صناعة الثروة إلى ضرورة طلب النجاعة لتطويرها و نمائها .
-  مفهمة النجاعة بما هي حسن للأداء و رهان على الجدوى و المردودية و تقليص التكلفة و زيادة الجودة مع ربطها بمعجمية اقتصاد السوق و ما يفرضه من منافسة  ومن مبادئ ليبيرالية تحكم مجتمعات الاستهلاك .
-  التفكير في رهانات النجاعة  و مدى حاجة المجتمعات الرأسمالية لها الشيء الذي أسهم في التعصير للمصانع و الرهان على التقنية المتطوّرة خاصّة بعد الثورة الصّناعية في أوروبا و الغرب الرأسمالي الشيء الذي دفع ببعض منظّري الرأسمالية مثل آدام سميث  صاحب مقولة " دعه يفعل دعه يمرّ" و فريديريك وينسلو تايلور صاحب نظرّية تفتيت العمل وتقسيمه  على التفكير في نظرّيات جديدة ترمي للزيادة في الإنتاج وفق معايير علمية مضبوطة سُميّت بنظريات عقلنة العمل  و جعله أكثر نجاعة و مردودية وربحا و إنتاجا للثروة و قابلية للمنافسة .
-  التدرّج بمسألة النجاعة من الإيجاب إلى السّلب و ذلك بالإشارة إلى النتائج السلبية  لها على الصعيد العمّالي حيث أسهمت في زيادة الثروة و لكنّها أسهمت في بؤس العمّال و شقائهم عن طريق إجبارهم على القيام بحركة واحدة و الزيادة في ساعات العمل وعدم وجود نظام أجور عادل يعطي البروليتاريا حقّها ويضمن لهم كرامتهم و يمكّنهم من مجابهة وحشيّة المجتمع الاستهلاكي ( تدعيم هذا الموقف ببعض المدعّمات مثل شريط "الأزمنة الحديثة" لشارلي شابلن  ـ "صانع الدبابيس" لجون باتيست ساي ـ توظيف بعض المرجعيات المدعّمة مثل ماركس أو سارتر الذي يتحدّث عن ضابط عقارب عداد سيّارة "الفورد" الذي يقضي طيلة حياته منكبّا على هذا العمل دون أن يكون قادرا على ركوب هذه السيّارة الباهضة الثمن الشيء الذي يدفعنا للحديث عن مفهوم الاغتراب و التشيّؤ و بضعنة الإنسان .
-  ضرورة مجابهة مفهوم الاغتراب الناجم عن النجاعة بمفهوم العدالة الذي يحيل على المساواة والإنصاف و إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه ضمانا لحقوق العمّال  و حماية لهم من تغوّل الرأسمالية المادية الجشعة التي لا تنشد إلاّ المنفعة المادية و جني الثروة .
- التدرّج بالعمل على رصد أطروحة إيريك فايل المنادية بدمج الناجع والعادل و فشل كلّ منهما في غياب الآخر.
 * النقــــد:
- لئن ثمّن البعض قيمة المزاوجة والإدغام  بين النجاعة والعدالة إنقاذا لإنسانية الإنسان من الذوبان والتلاشي في عالم مادّي صرف تحكمه قوانين السّوق و تسيّره هيمنة الاقتصاد المعولم في عالم يزداد فيه الأغنياء غنى والفقراء فقرا، الشيء الذي ضخّم من عدد البؤساء و رفع من معدّلات البطالة والخصاصة والتهميش والتشرّد و الجوع والتسوّل و انتشار أطفال الشوارع و العنف والجريمة والمخدّرات و المسكرات حتّى في صلب المجتمعات الأكثر تقدّما و تكديسا للثروات و رهانا على النجاعة وتبجحا باعتماد أفضل قوانين الشغل و أرفع نسب للأجور، فهذا يشير بأن تطعيم النجاعة بالعدالة مسألة تتطلّب معاودة التفكير في مسالة العمل الذي راهن عليه بعض الفلاسفة على أنّه الضامن الرئيسي لإنسانية الإنسان فإذا بعمّال المجتمعات المعاصرة يتحوّلون وفق مبدأ المردودية إلى "أدوات للعمل المغترب" على حدّ عبارة هربارت ماركوز ليتحوّل العمل بذلك إلى مؤسّسة مُقنّنة لصناعة الموت و العبودية و البؤس و التسلّط وكذلك إلى نشاط عقيم لا يخدم إلاّ مصالح الطبقات القوية اقتصاديا على حساب شقاء و إرهاق الفئات البروليتارية الضعيفة والمكافحة لأجل تأمين ما قلّ من الغذاء والدواء لأبنائها. الشيء الذي قد يدفعنا إلى البحث عن نجاعة أكثر نجاعة وعن عدالة أكثر عدالة قادرة على حماية الطبقات الأكثر تهميشا في المجتمعات الصناعية و تقليص الهوّة السحيقة بين الطبقات و هذا لا يتمّ إلاّ بتدخّل الإرادات السياسية لتعديل القوانين الاقتصادية و الاجتماعية و بتحيينها و تطويعها لمساعدة الفقراء و المواطنين الأقلّ حظّا داخل مجتمعاتها بتوفير حدّ أدنى من الحماية الاجتماعية .
 - تبيّن لنا المرجعية الماركسية أنّ القوانين ليست عادلة في حدّ ذاتها لأنّها تخدم مصالح الطبقات المهيمنة اقتصاديا حيث أكّد لنا ماركس من خلال نقده للإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان و المواطنة الذي أعلن بعد الثورة الفرنسية أنّه لا يتضمّن أي فصل من فصوله لا يخدم من قريب أو من بعيد مصالح الطبقات الغنية فقانون حماية الحرّية هو في الواقع حماية لجملة من الحرّيات الرأسمالية كالملكية  و قوانين الملكية لا تخدم في الواقع سوى الأشخاص القادرين على الملكية دون سواهم من الفقراء الذين لا يحتاجونه لأنّهم لن يملكوا شيئا بسبب بؤسهم كما أنّ قانون الملكية يحتاج لقانون آخر يضمن حماية الملكية و هذا البند لا يحتاجه الفقراء نظرا لأنّ ليس لديهم ما يسرق. إنّ القراءة الماركسية لقوانين الأنظمة الرأسمالية تبيّن أنّ الرهان على العدالة بمعنى سنّ القوانين يمكن أن يكون خادما لمصلحة طبقة على أخرى فلا تتحقّق العدالة بذلك لذلك يجب مراجعة القوانين و جعلها عادلة فعلا و ضامنة للمساواة والإنصاف بين الجميع .
- دعت الماركسية إلى ضرورة تدخّل الدولة لتغيير القوانين الجائرة كما نظر ماركس لضرورة التوزيع العادل للثروات قصد تقليص الفوارق الاجتماعية والطبقية
-  لئن راهن البعض على الحلّ السياسي لمزيد تفعيل النجاعة والعدالة ضمانا لإنسانية الإنسان فإنّ البعض يقترح تدخّل الجانب الأخلاقي  في تحقيق المعادلة الصعبة بين الناجع والعادل فالفلسفة الكانطية مثلا تدعو إلى ضرورة جعل الإنسان غاية لا مجرّد وسيلة لتحقيق غاياتنا  و ذلك يمكن أن يكون ردّا على الفلسفة النفعية المدافعة على المصلحة الفردية على حساب مصالح الآخرين مثل فلسفة ماكيافيلي التي تقول "الغاية تبرّر الوسيلة" أو فلسفة نيتشه الذي يقول"سيروا على أهدافكم و لو على جماجم الآخرين".
-  يمكن الإشارة في هذا المستوى إلى فلسفة هنري برجسون الداعية للمزاوجة بين الميكانيكا
و التصوّف أي بين قوّة العلم و قوّة الوازع الروحي و الأخلاقي فعلى الحضارة المعاصرة أن لا تعلن سيادة العلم و التقنية على حساب تهميش القيم الإنسانية و الروحية لأنّها قد تساهم في تعديل كفّة التعامل الإنساني  نحو التواصل الإيجابي الذي لا يكون إلاّ بتقوية الجانب الروحي و الأخلاقي لذلك يقول برجسون  في كتاب "منبعا الأخلاق و الدين": " لن تستردّ هذه الميكانيكا وجهتها الحقيقية، و لن تقدّم خدمات تتناسب و قدرتها، إلاّ إذا استطاعت الإنسانية التي زادت من انحنائها إلى الأرض، أن تنهض بواسطتها و أن ترنو على السماء." و في هذا السياق يقول أنشتاين: "علّمت ابني درسا في الفيزياء و نسيت أن أعلّمه درسا في الأخلاق".
 * الخاتمــــة:
-  إنّ دمج الناجع و العادل مسألة إيجابية في الواقع و يمكن أن يساهم في أنسنة العمل غير أنّ تحدّيات الواقع يمكن أن تفرض معطيات لا متوقّعة تجعل من النجاعة والعدالة يحيدان عن مسارهما الصحيح و يخدمان مصالح طبقات معيّنة خاصّة في ظلّ الاقتصادات المعولمة و المورّطة في فخّ العولمة اللاإنسانية و في واقع تحتدّ فيه المنافسة و تتوالد فيه الأزمات السياسية والاقتصادية
 و الاجتماعية  غير أنّ ذلك لا يجب أن يوقعنا في فخّ الإيديولوجيات المتشائمة التي تتعامل باحتفالية مرضية مع أزمات الإنسان مثل المالتوسية التي تعتبر أنّ الزلازل والحروب و الكوارث الطبيعية مسألة إيجابية نظرا لعدم وجود توازن طبيعي بين عدد سكّان الأرض و الموارد الغذائية لهم، بل على الفلسفة والفنون و الآداب حمل البندقية النقدية دفاعا عن الأمل و الفرح و ابتسامة الأطفال و الفقراء و البائسين و دفاعا مستميتا عن إنسانية الإنسان رهانا على الإنسان...
 طريق النجاح: نشكر الأستاذ: محمد كريم النيفر على هذه المساهمة القيّمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق