إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

الإنساني‭ ‬في‭ ‬كثرته‭ ‬و مطلب‭ ‬الكلّي‭ ‬في‭ ‬إنسانيته

الإنساني في كثرته و مطلب الكلّي في إنسانيته:  الحلّ الفينومنولوجي
إعداد: أنور البصلي
لعلّ بعض الملاحظات السطحيّة لواقعنا الإنساني، و مدى اقترانه بالكثرة تجعلنا ننتبه إلى ما يميّز وجود الناس من تنوّع قد يعبّر عن خلاف عميق فيما بينهم من مستويات عديدة:
*  بيولوجيّا: اختلافات عرقية و جنسية و شكلية...
* ثقافيا: أنماط عيش متعدّدة، و عقائد و لغات كثيرة و أعراف و تقاليد و قيم تتناقض فيما بينها بشكل صارخ .
* فرديا: لكلّ فرد حتّى و إن كان له هوّية ثابتة حسب زعمه ؟ مواقف من الحياة و الدين و الأخلاق و السياسة و الفنون، قد لا يتّفق فيها مع غيره... فهذه المستويات من الكثرة قد تجعلنا في حيرة: ألا من سبيل للنظر الى هذه الكثرة على نحو يمنعنا من السقوط في العنف العنصري و الجنسي ؟ إنّ واقع الحال، في عالمنا اليوم، هو واقع النظر من زاوية سلبية لهذه الكثرة، فالاختلاف بين الأفراد 
لونا أو جنسا أو عرقا، و الانتماء إلى ثقافة معيّنة أو عرق أو لغة أو عقيدة أو طبقة أو جهة... يتحوّل من مؤشّر على تعدّدية خلاّقة مبدعة للإنسانية إلى مبرّر لانتهاك حقوق الآخرين أو اتّهامهم بالتخلّف و التوحّش و البدائية، و حتّى بالإرهاب. يبدو أنّ هذه الصورة القاتمة التي تعبّر عن وضع خطير و متأزّم تعيش ـ و عاشت ـ على وقعه الإنسانية هي من بين دواعي الاهتمام الذي يدفعنا للتساؤل: ما دلالة الكثرة و منزلتها في الواقع الإنساني ؟ ما هي التمشّيات الممكنة التي تجعلنا نصوغ مفهوما للكثرة على نحو يجعلها لا تتناقـض مع الوحـدة الإنسانيـة التي تجمـع بين كـلّ الناس حول خصائـص كلّيـة مشتركة ؟
عن الكثرة مفهوم:
لنفترض إمكانية أنّ الوعي أو العقل هو ما يمكن أن يمثّل " نقطة ثبات" بعبارة ديكارت تلتقي حوله الإنسانية و تتوحّد لنقول:" العقل أعدل الأشياء توزعا بين الناس" أنّ هذا الافتراض الذي يجعل من الذات "ذاتا مفكّرة" يحتاج إلى من يبرهن على وجاهته، فكيف لنا أن نجعل من الوعي الخاصية المشتركة التي تعبّر عن وحدة تجمع بين الإنسانية كلّها في كثرتها ؟ ألن نضطر إلى استبعاد ما هو مغاير للوعي في تعريف الوحدة الإنسانية مثل غرائزنا و العالم و الآخرين ؟ تقوم أطروحة العقلانية الديكارتية على ممارسة الشكّ المنهجي كوسيلة يعتمدها العقل من أجل التمييز بين ما هو مشكوك فيه و ما هو يقيني بحيث يكون ذلك أساسا معقولا يتيح إمكانية معرفة الذات و العالم، و يتدرّج الشكّ من البسيط إلى المركّب، فالشكّ في قيمة الإدراك الحسّي كشف عن خداع الحواس و قاد إلى استبعادها، أمّا الشكّ في قيمة الاستدلال العقلي كما يتجلّى في أكثر العلوم معقولية: الرياضيات، فيكشف أنّه غير كافٍ للحماية من الخطأ و الاستدلالات الفاسدة، و هنا يصل الشكّ أقصى درجاته ليصبح ميتافيزيقا من خلال فرضية "الشيطان الماكر" لهذا يصل ديكارت إلى القول: "من يشكّ، هو يفكّر و لا يمكن أن يشكّ آنذاك أنّه يفكّر و بما أنّه من التناقض أن يكون من يفكّر منعدما فمن يفكّر إذن هو موجود على وجه اليقين الذي لا يطاله الشكّ، اليقين الأوّل إذن هو الكوجيطو (أنا أفكّر، أنا موجود..) ما هي مكاسب هذه الأطروحة ؟
إنّ يقين الأنا في وجوده يثبت أنّ الفكر هو أساس اليقين، و لذا فنحن هنا نختزل إنيّة الإنسان في الذات المفكّرة، و ننفي أيّة غيريّة غير التفكير و العقل و الوعي. إنّ الأنا في وجوده لم يتحقّق بواسطة ما هو مغاير للفكر " أنا موجود ما دمت أفكّر" صفة الفكر التي هي المحدّدة لإنيّة الإنسان سرعان ما تكشف عن إشكال يتمثّل في اختلاف تجليّاتها التي تشمل كلّ ملكات الإنسان: عقل، شكّ، تصوّر، حكم، إرادة رغبة و نفور، إحساس بانطباعات حسيّة فهل من تناقض بين القول إنّ العقل أو الوعي هو إنيّة الإنسانية الموحّدة لكثرتها و بين كثرة الأفعال المتعلّقة بها ؟ لعـلّ الأنـا الواعـي الديكـارتي الذي جعلنـا أمـام تصـوّر ثنـائـي عن الإنـسـان: جـوهـر مـفـكّـر من جهة و جسم ممتدّ من جهة أخرى، قد جعل من الإنسان كائن العقل و الحرّية ممّا يعطيه مكانة محورية في الوجود ''سيّدا و مالكا للطبيعة'' بتعبير ديكارت هو ما يدفعنا إلى البحث في إعادة الاعتبار للجسد لنقول معنيتشة " إنّ الانسان غيريّة قوامها الجسد، فالعقل وفق صاحب "إرادة القوّة" مجرّد وهم قوّة صغرى و ضئيلة من قوى الجسد. فأين يكمن هذا الوهم ؟ يتوجّه التحطيم النتشوي الى محتقري الجسد الذين زيّفوا كلّ هذا و قلبوا الوجود الإنساني. إنّ الإنسان بأسره جسد و الإنيّة الإنسانية التي تحتقر الجسد، كبّلته بالأوهام، فنحن مع أطروحة نيتشة لم نعد نرى الجسد آخرا بل علنيا أن تتحرّر من التقويم السلبي للجسد و للغرائز و نرفض احتقاره. و في الإطار نفسه يتواصل النظر إلى الكثرة بردّها إلى وحدة هي اللاوعي مع فرويد و مدرسة التحليل النفسي، فكيف تحوّل الحديث عن الإنيّة الإنسانية من الذات المفكّرة (مع ديكارت و العقلانية) إلى الآخر المنفتح على المجهول و الذات اللاواعية ؟ ظواهر عديدة في حميم الحياة النفسية لا يمكن ردّها إلى أفعال إرادية واعية مثل الحلم و الهفوات و زلاّت اللسان و الكتابة أو الحالات الغامضة كالكآبة و القلق، كما أنّ هناك مبدعون كثر في مجالات الفنون و الآداب و حتّى العلم يؤكّدون أنّ ما أنتجوه يعود الفضل فيه لقوى خفية مجهولة داخلهم، فإذا كان هنري بوانكاري يقول: "بالمنطق نستدلّ و بالحدس نبتكر" مع إنّه عالم رياضيات، كما أنّ موزار الموسيقي يقول "من أين تأتيني تلك الأفكار و كيف ؟ لا أعلم عن ذلك شيئا و لا دخل لإرادتي فيه "، لهذا و لذاك فإنّ الإقرار بوجود أفعال نفسية لا دخل لنا بها و لا يمكن أن نسيطر عليها، يدعونا إلى إعادة التفكير في الوعي و وضعه موضع تساؤل جدّي، فهل أنّ إنيّتنا إنسانية تتحرّك في إطار اللاوعي ؟ يكشف فرويد خلال الانتقال من النفس إلى الجهاز النفسي أنّ اختزال إنّية الإنسان في الوعي و ردّها الى سيادة الأنا لم يكن إلاّ وهما. لقد أدركنا مع اكتشاف اللاوعي بأنّ الإنسان ليس سيّدا و لا عارفا بذاته و حقيقتها، فالجهاز النفسي بمكوّناته (الهو، الأنا، الآنا الأعلى) جعلنا أمام ضرورة التخلّي عن الوعي كصفة أساسية لإنّية إنسانية و كمبدأ محدّد لأفعاله و كمصدر لدلالاتها. نتيجة لذلك فإنّ نقد نيتشة و ما أحدثه من تحطيم لمقولات الخطاب الميتافيزيقي مع ما أفرزه التحليل النفسي مع فرويد، كشف أنّ الإنّية صارت في مواضع كثيرة موضع تظنّن، فالأنا مكوّن من مكوّنات الجهاز النفسي (إنّه العنصر الأضعف فيه) كما أنّ الجسد المقصي من قبل العقلانية و الميتافيزيقا هو ما أصبح الأنا معنيتشة " :"أنا بأسري جسد و لا شيء سوى جسد"  فهل أدركنا بعد ذلك كثرتنا في هذه الإنّية أم علينا البحث عنها في مجال و نطاق آخر؟
*  تجاوز الكثرة نحو الكلّي: 
ربّما يكون لتجاوز إحراجات الأطروحات العقلانية و الميتافرزيقية من جهة و أقطاب الظنّة (نيتشة، ماركس، فرويد) من جهة أخرى حلّ في المساهمة الفينومنولوجية مع ميرلوبونتي و ذلك قصد تقديم فهم أكثر شمولية و وجاهة، فالتناول الميتافيزيقي للإنّية الإنسانية قد قام على فهم ثنائي تمّ بمقتضاه اختزال ماهية الإنّية في النفس كجوهر عاقل، كما أنّ ما قدّمه فلاسفة الظنّة ليس إلاّ فهما مضادّا يؤصّل تلك الإنّية في غيريّة يحدّدها كنتاج لآخر مستقلّ عن الوعي و سيادة الأنا هو الجسد في نظر نيتشة و اللاوعي في موقف فرويد، فكيف تفتح الفينومينولوجيا حلاّ لتجاوز هذا المأزق ؟ هل يمكن اعتبار الفينومينولوجيا كمنهج فلسفي قوامه العودة الى الأشياء ذاتها من أجل وصف كيفية ظهورها للذات في نطاق التجربة المباشرة كعلاقة عفوية بالذات و العالم و الغير ؟ فهل تمكنّنا الفينومينولوجيا إذن من تحقيق مطلب الكلّي الإنساني ؟ لنعلن مع الفينومينولوجيا أن لا وجود لإنسان باطني، الإنسان موجود في العالم و في العالم يؤصّل معرفة ذاته. من هنا فإنّ المنهج الفينومينولوجي يمكّننا من إدراك الإنّية الإنسانية جسدا موضوعيا و جسدا خاصّا، فالجسد ليس عقلا عظيما كما أراد صاحب إرادة القوّة، كما أنّه ليس مجرّد موضوع مادي و نكرة كما أرادت العقلانية الديكارتية. إنّ الذات لا تستعمل جسدها كأداة بل ما به تستعمل بقيّة الأدوات، فالعيون في الإبصار ليست شبيهة بالنظّارات نفتّش عنها عندما نفقدها، جسدي، أنا أتملّكه بشكل لا يقبل الانقسام و أعـرف موضـوع كـلّ عضو من أعضائي بـ " تبيانة جسدية " تمثلّها جميعا، لقد تمكّنا من مغادرة الأمّية الإقصائية التي تضعنا بين خيارين لا ثالث لهما: فإمّا فهم الإنّية بردّها الى ماهيّة تتحدّد كحقيقة ميتافيزيقية تقصي في تعريفها كلّ آخر مختلف عنها عندئذ تتشكّل الإنية في جوهرها أنا أفكّر، و إمّا فهم الإنّية بنفي مركزية الذات الواعية لتصبح مجرّد نتاج لآخر منفصل عنها هو الجسد أو اللاوعي. لقد أكّدت الفينومينولجيا الحرّية الإنسانية، فالحرّية تعني أنّ الأنا سيّد أفكاره و عقله و أفعاله، كما أنّ الحرّية ليست وهما يخفي عن الإنسان أنّه لعبة قوانين طبيعية بدءا بغرائز جسده التي تفكّر و تحسّ و تتذكّر دون حاجة لتدخّل الأنا. و لعلّالبينذاتية " تلك المساحة التي تلتقي فيها الذوات عبر تبادل الاعتراف بينها كذوات، يقول مارلبونتي: الآخر أو أنا يجب علينا الاختيار، و أن نختار يعني أن نضع الواحد مضادّا للآخر و لكنّنا نؤكّد الإثنان معا. لهذا فإنّني اذ ألتقي بالآخر لن أعتبره موضوعا كما أنّه عندما يلتقي به لن ينظر إليّ كموضوع نحن الإثنان إنّيتين مختلفتين و متكاملتين فالغريب مثلا ليس عدوّا حتّى و إن لم يكن صديقا.. إنّ موقفا كهذا يتجاوز انغلاق الذوات على نفسها معتبرا أنّ إدراك كلّية الإنسانية في ممكنات تنفتح على التاريخ جدير بأن يجعلنا نلتمس بعضا من الحلّ لمأزق كثرة الوهم و وهم الكثرة. إنّ مطلب الكلّي الإنساني يتحقّق من خلال جدلية الذاتي و الموضوعي فليس التاريخ الإنساني مسارا حتميا قوامه علاقة سببية بين عوامل مادية و أحداث مادية دون أي دور فاعل لوعي الناس في تشكّل ذلك المسار. إنّ الإنسان يتميّز بمجاوزته لوضع ما و بما يتوصّل إلى فعله انطلاقا ممّا فعله الغير به إذ ذلك هو الذي نسمّيه المشروع هذه المقولة لسارتر تلتقي مع الموقف الفينومينولوجي الذي يفتح عقولنا على كلّيتنا الإنسانية كأفق للممكنات...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق