المهارات المنهجيّة التي لا بدّ منها لكتابة المقال الفلسفي:
للسنوات النهائية بشِقّيْه
الأدبي و العلمي، تمارين تجعل من الكتابة الفلسفيّة خاضعة إلى تمشّيات منهجيّة
مُحكمة تساعد التلميذ على حسن الاستعداد لاختبار هذه المادّة في الباكالوريا. من
أجل تعميق هذا الهدف، تقترح هذه الزاوية الاشتغال على بعض المهارات الضرورية من
محاور مختلفة ضمن البرنامج الرسمي قصد مساعدة أبنائنا على تملّك هذه المهارات
المنهجيّة و تطويعها وفق ما يُمكن أن يُختبروا بشأنه. حظا سعيدا للجميع.
❊ إعداد: أنور البصلي.
يعتقد البعض، عن حسن نيّة
أو عن خلاف ذلك أنّ الكتابة الفلسفيّة مُجرّد تداعيات لخواطر أو مواقف و استعراض
لأطروحات و صياغة أسئلة دون غرض أو هدف أو حتّى تناسق و ارتباط منطقي!.. هذا
الموقف الذي ظلّ ملازما للآراء الشائعة بيْنَ من مرّ بالسّنوات النهائيّة نتجت عنه
صورة غائمة و ضبابيّة عن الكتابة الفلسفيّة إلى درجة وصلت إلى "اتّهام"
اختبار الفلسفة في الباكالوريا بأنّه اختبار لا يخضع إلى مقاييس إصلاح موحّدة و أنّ
جانب "الهوى" و النزعة الهُلاميّة تتحكّم في الأساتذة المصحّحين!! و لأنّ
برنامج الفلسفة الجديد، جاء ضمن خطّة معرفيّة و بيداغوجيّة تسعى إلى إلغاء هذه
الأحكام المسبقة، فقد تضمّن المَتْن الفلسفي الرسمي
المهارة المستهدفة:
صياغة مفهوم
❊ تذكير منهجي:
الاشتغال على المفاهيم مسألة منهجيّة بالأساس تمرّ بمراحل أربعة هي:
أوّلا: استدعاء تصوّر شائع و نفيه.
ثانيا: اتّخاذ مرجعيّة فلسفيّة لصياغة المفهوم.
ثالثا: تقديم حجج على الصياغة المقترحة.
رابعا: إبراز البعد الإجرائي للمفهوم.
المثال: ما الثقافة ؟
إذا كان التصوّر الشائع يعتبر الثقافة خاصيّة تُميّز بعض المجتمعات أو حتّى الأفراد عن غيرهم (المتحضّر هو المثقّف بينما نقيضه هو غير المثقّف). فإنّ
من الضروري نفي هذا التصوّر الشائع لأنّ هذا الموقف الذي يمرّ علينا مرّ
"اللّئام" و ليس الكرام ـ يجب أن ننتبه إلى ما في داخله من نفي للعقل عن
المختلف و المغاير. و ذلك بصبغه بصبغة سلبيّة لمجرّد أنّه ليس مثلي!
❊ ما هي المرجعيّة الممكنة لتحديد مفهوم الثقافة ؟
يمكن اتّخاذ الأنثربولوجيا البنيويّة لتحديد مفهوم الثقافة على نحو يجعلنا نرفض المركزيّة الثقافيّة الأوروبيّة التي هي ضرب من العنصريّة فتعريف "رالف لنتون" للثقافة: "بأنّها نمط عيش عام لمجتمع ما" يجعلنا نصوغ مفهومًا للثقافة مفتوحا يعترف بالمختلف و المغاير فلا ينفي عنه العقل، فكلّ مجتمع مهما كانت لغته و عاداته و تقاليده و مقدّساته و نمط غذائه و لباسه هو مجتمع يمتلك ثقافة، فهو مجتمع مثقّف. الثقافة إذن هي كلّ ما أضافه الإنسان إلى الطبيعة.
يمكن اتّخاذ الأنثربولوجيا البنيويّة لتحديد مفهوم الثقافة على نحو يجعلنا نرفض المركزيّة الثقافيّة الأوروبيّة التي هي ضرب من العنصريّة فتعريف "رالف لنتون" للثقافة: "بأنّها نمط عيش عام لمجتمع ما" يجعلنا نصوغ مفهومًا للثقافة مفتوحا يعترف بالمختلف و المغاير فلا ينفي عنه العقل، فكلّ مجتمع مهما كانت لغته و عاداته و تقاليده و مقدّساته و نمط غذائه و لباسه هو مجتمع يمتلك ثقافة، فهو مجتمع مثقّف. الثقافة إذن هي كلّ ما أضافه الإنسان إلى الطبيعة.
❊ ما الحجج على هذا المفهوم للثقافة ؟
ـ إلى جانب الحجج
التاريخيّة (لكلّ شعب تاريخه) و الحجج الواقعيّة لا توجد ثقافة أفضل من ثقافة أخرى
فإنّ من الممكن تقديم حججٍ عقليّة منطقيّة تضع "العقل أعدل الأشياء توزّعًا بين النّاس". و تشير إلى أنّ المجتمعات
الانسانيّة لم تسْعَ إلى التماثل فيما بينها ممّا يجعلنا نستنتج معه أنّ الثقافة مجال الاعتراف بالاختلاف و ليست ميدانًا للتفاضل و النفي المتبادل بين الإنسان و الإنسان و مجتمع و آخر.
❊ ماهو البعد الإجرائي لمفهوم الثقافة على هذا النحو من المفهمة ؟
ـ إنّ مفهوم الثقافة، وفق هذه المقاربة يجعل من الثقافات الإنسانيّة تتبادل الاعتراف، و تنظر كلّ ثقافة منها إلى غيرها بأنّ في الاختلاف أبعادًا ولودة مبدعة.
هذا التصوّر المنفتح للثقافة يجعلنا لا ننظر إلى الاختلاف على أنّه سبب للخلاف و الصراع و التناحر أو القتل. بل إزاء تصوّر يجعل الحوار بديلاً عن الهيمنة و الاتّصال بدلاً عن الانفصال.
❊ المهارة المستهدفة:
صياغة مفهوم في سياق قولة:
المطلوب: حدّد دلالة الهوّية في سياق هذه القولة: "إنّ الاعتراف بالاختلافات ـ الاعتراف المتبادل بالآخر في غيريّته ـ يُمكن أن يصبح أيضا علامة لهوّية مشتركة".
التمشّيات المنهجيّة:
❊ تقتضي هذه المهارة استبعاد دلالة تجعل السياق بلا معنى أو متناقضا.
❊ علينا استحضار دلالة تجعل السياق وجيهًا منطقيّا و واقعيّا.
علينا إذن أن ننظر إلى الهويّة لا كما تُفهم بشكل شائع بل أن نلتزم الدلالة الواردة في القولة و أن نقدّم حججًا عن الهويّة تكون ذات وجاهة.
❊ إذن، ما الهويّة وفق هذه القولة و في سياقها ؟
ـ ليست الهويّة هي ما يُميّز فردا ما أو شعبا ما عن غيره بل هي ما يجعلنا نقف عند حدود الإنساني لنفهم من خلاله أنّ:
ـ الاختلاف بين الهوّيات المتعدّدة.
ـ تنوّع الهوّيات الفرديّة و الجماعيّة.
ـ كثرة الهوّيات الإنسانيّة.
هي كلّها عوامل إثراء للإنساني في انفتاحه. و أنّ الاعتراف المتبادل بالآخر في غيريته يستوجب إقامة علاقة بيني و بين الآخر تقوم على:
ـ أن أعترف به و باختلافه
ـ أن يعترف بي و باختلافي.
و وفق ذلك نصل إلى الحديث
عن مفهوم للهويّة المشتركة أي الهويّة الإنسانيّة التي تتبادل الاعتراف و لا تنفي
بعضها البعض و بالتالي فإنّها تضعنا أمام تبادل الاعتراف أي المساواة بين الناس
بصرف النظر عن تعدّد هويّاتهم، و ننفي بذلك و نستبعد عن مفهوم الهويّة ضمنيات نفي
الآخر أو إلغاءه لي أو إلغائي له.
من الجانب الواقعي فإنّ هذا التبادل للاعتراف و الهويّة المشتركة يُقرّبنا من السّلم و الحوار و التسامح، كما أنّه على الصعيد المنطقي يضعنا أمام ضرورة التزام العقل بحقّ الاختلاف و واقع التعدّد الإنساني.
❊ المهارة المستهدفة:
الاعتراض على موقف ببيان استتباعاته
الموقف:
النمذجة هي "الباراديغم"
لا بدّ من توضيح ما يلي:
إنّ الاستتباع هو ما يترتّب عن موقف معيّن و الاعتراض على موقف ما يستوجب أن نبيّن أنّ ما يتضمّنه هذا الموقف يتعارض مع نظريّة أو واقع أو موقف منطقي.
❊ المهــامّ هي:
شرح ماذا يعني أن ننظر إلى النمذجة أنّها هي "الباراديغم" ؟
و يكون ذلك بإبراز ما يلي:
إنّ مفهوم النمذجة يُحيل على التصميم فكما أنّ النمذجة ليست المثال الأفلاطوني (راجع نصّ أصل النماذج لنوال مولود) فإنّها ليست
"الباراديغم"
و ذلك نظرًا للحجج التالية:
ـ الباراديغم ينتمي إلى سجلّ الإبستيمولوجيا الوضعيّة (كوهن: سيرورة العلم و ثورة العلم).
ـ الباراديغم هو ما يمتلكه أعضاء جماعة علميّة بشكل مشترك.
ـ الباراديغم يفترض القطيعة و الانتقال من باراديغم إلى آخر.
بينما النمذجة تعتبر أنّ العلم علوم و أنّ النماذج تتعدّد و تتعايش و لا توجد قطيعة بين النماذج العلميّة المتعدّدة و المتنوّعة و المختلفة.
لذلك فإنّ اعتبار النمذجة هي الباراديغم ينجرّ عنه:
ـ نفي انفتاح النماذج و تعدّدها و تعايشها، على الرغم من اختلافها.
ـ يجعل من الحقيقة العلميّة واحدة تتمثّل في الباراديغم القائم مقابل عدم الاهتمام بكثرة النماذج في حياتنا الواقعيّة و في المستوى المعرفي الإنساني.
ـ لذلك فإنّ علينا فهم
النمذجة على أنّها نماذج متعدّدة و تصاميم متنوّعة و أشياء مصغّرة سهلة الاستعمال
يعاد من خلالها وفق شكل مبسّط و مصغّر انتاج خصائص شيء ذي أبعاد كبرى سواء تعلّق
الأمر بمعمار أو بأداة ميكانيكيّة.
استنتاجا من ذلك نعترض على الموقف الذي ينظر إلى
النمذجة وحدة و ليست نماذج متعدّدة بالقول إنّ النمذجة تجعل العلم منفتحا على
التعدّد، فلا يوجد العلم بصيغة المفرد بل هو بصيغة الجمع دائما، ممّا ينتفي معه
الحديث عن حقيقة علميّة واحدة.
الواقع الانساني و المعرفي
يؤكّد أنّ العلم علوم و أنّه لا توجد حقيقة واحدة في العلم، ميزة التفكير العلمي
الحديث هو النسبيّة التي جعلت من العلم مجرّد برنامج للبحث عن فروض، يقول كارل بوير: " تعلّمنا من انشتاين أنّ العلم يعطينا
دائمًا فروضا أو حدوسا افتراضيّة بدلا من معرفة يقينيّة".
أسطورة الإطار ص 231
❊ المهارة المستهدفة:
استخراج ضمنية من أطروحة:
الأطروحة: بقدر ما تتقدّم التقنيات يتراجع التأمّل.
المطلوب: استخراج ضمنيّة من خلال هذه القولة.
التمشّيات المنهجيّة المطلوبة:
❊ فهم دلالة القولة وإبراز معانيها.
❊ استكشاف الروابط المنطقيّة داخل القولة.
❊ استخراج الأبعاد الضمنيّة للأطروحة.
❊ تطبيق التمشّيات على القولة
❊
يمكن أن نفهم من هذه القولة ما يلي:
ـ أنّ التقنيات بما هي تحويل تطبيقي للتصميم / التصاميم (أي النماذج) التي تتحوّل من أنساق رمزيّة الى منجزات تقنيّة.
ـ أنّ تقدّم التقنيات يقوم على حساب التأمّل الذي يتأخر و يتراجع.
ـ أنّ النمذجة و إنجاز التقنيات كبعد تداولي للنمذجة، تجعل من الأنظمة التقنية هي الهدف من ممارسة النمذجة.
ـ أنّ الحدّ الابستيمولوجي للنمذجة بقدر ما يضعنا أمام أنظمة تقنية متعدّدة بقدر ما يجعل من التقنية و أنظمتها أداة تعيق التفكير.
و ما تكشفه الروابط المنطقية لهذه الأطروحة هو التأكيد على أنّ هناك تناقض صارخ و واضح بين التقنية و بين التأمّل، و لذلك فإنّ الضمنيات الممكنة لهذه القولة تتمثّل في التالي:
ـ التقنية لا تفكّر بل إنّها أكثر من ذلك فهي تناقض التفكير.
ـ إنّ التقنية تُساهم في تأخّر التأمّل بما هو ضمنيا تأكيد على فعاليّة الإنسان.
ـ إنّ الحقيقة العلميّة أصبحت في ظلّ هيمنة التقنيات أداة نكوص و تراجع لفعل التفكير، و كأنّنا أمام تأخّر الفعل الإنساني (التأمّل و التفكير كخصوصيّة إنسانيّة) في مقابل تقدّم و هيمنة الأنظمة التقنيّة.
منقول عن جريدة الشعب
الالكترونية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق