المهارات الضروريّة للمقال الفلسفي: الإشكاليّة، الأطروحة النقيضة، الحجاج، التأليف
❊ الأستاذ: أنور البصلي
نواصل في هذه المرّة، ما بدأناه بشأن مهارات الكتابة الفلسفيّة، ونذكّر أبناءنا التلاميذ، من مختلف الشعب أنّ الترابط المنطقي بين هذه المهارات المنهجيّة هو الضامن الأساسي لحسن الاستفادة من هذه الورقة، فالأمثلة التي نقترح (من مختلف محاور البرنامج) تجعلنا ندعوهم إلى مزيد من تنويعها والنسج على منوالها، دون السقوط في الآلية أو في تحويل الكتابة الفلسفيّة إلى مجرّد تنميط ممّا يخرجنا من روح التفكير الفلسفي الذي أدركناه في السنة الثالثة مع آلان: " التفكير هو قول: لا" إذن، علينا أن نستفيد من التنبيهات المنهجية دون إغفال أنّنا نفكّر فلسفيّا
المهارة المطلوبة: تحويل قولة أو أطروحة إلى إشكالية
التوضيح المنهجي:
الأشكلة هي روح التفلسف، والإشكالية ليست جاهزة كما السؤال، لهذا فإنّ صياغة الإشكالية مسألة تحتاج إلى التفكير للكشف عن الإحراجات القائمة من وراء مجرّد الاعتقاد أو التسليم بصحّة الأطروحة أو القولة، كما أنّ الاكتفاء بمجرّد تحويل الجملة الإقرارية إلى جملة استفهاميّة بشكل ميكانيكي يُعدم روح الأشكلة. ماذا علينا أن نفعل إذن:
❊*علينا البحث عن دلالة ومعنى وضمنيات القولة أو الأطروحة في مرحلة أولى.
❊ *استخراج أبعادها ومراميها
❊* الانتباه إلى رهاناتها وإحراجاتها
❊ الأستاذ: أنور البصلي
نواصل في هذه المرّة، ما بدأناه بشأن مهارات الكتابة الفلسفيّة، ونذكّر أبناءنا التلاميذ، من مختلف الشعب أنّ الترابط المنطقي بين هذه المهارات المنهجيّة هو الضامن الأساسي لحسن الاستفادة من هذه الورقة، فالأمثلة التي نقترح (من مختلف محاور البرنامج) تجعلنا ندعوهم إلى مزيد من تنويعها والنسج على منوالها، دون السقوط في الآلية أو في تحويل الكتابة الفلسفيّة إلى مجرّد تنميط ممّا يخرجنا من روح التفكير الفلسفي الذي أدركناه في السنة الثالثة مع آلان: " التفكير هو قول: لا" إذن، علينا أن نستفيد من التنبيهات المنهجية دون إغفال أنّنا نفكّر فلسفيّا
المهارة المطلوبة: تحويل قولة أو أطروحة إلى إشكالية
التوضيح المنهجي:
الأشكلة هي روح التفلسف، والإشكالية ليست جاهزة كما السؤال، لهذا فإنّ صياغة الإشكالية مسألة تحتاج إلى التفكير للكشف عن الإحراجات القائمة من وراء مجرّد الاعتقاد أو التسليم بصحّة الأطروحة أو القولة، كما أنّ الاكتفاء بمجرّد تحويل الجملة الإقرارية إلى جملة استفهاميّة بشكل ميكانيكي يُعدم روح الأشكلة. ماذا علينا أن نفعل إذن:
❊*علينا البحث عن دلالة ومعنى وضمنيات القولة أو الأطروحة في مرحلة أولى.
❊ *استخراج أبعادها ومراميها
❊* الانتباه إلى رهاناتها وإحراجاتها
*❊ استدعاء موقف أو أكثر نقيض لها يشترك معها ـ منطقيا في نفس المسألية.
المثال: إنّ وجود الدولة يضمن حفظ الحياة والأمن والسلام.
المطلوب: حوّل هذه القولة إلى إشكالية
الإمكانيات والتمشيّات المنهجيّة:
تضعنا هذه القولة أمام مُسلّمة أنّ غياب الدولة أو نفيها يؤدي إلى الموت والفوضى والحرب. إنّ أبعاد هذه القولة هي التأكيد على ضرورة وجود الدولة ولهذا فإنّ علينا أن نفهم دلالتها من جهة أنّها تعتبر وجود الدولة أمر مُسلّم به ولا تطرح أي تساؤل عن إمكانية أن يحفظ الناس حياتهم (أرواحهم) وينعموا بالأمن والسلام دون الحاجة إلى الدولة. إنّ هذه الأطروحة لا تضع مشروعيّة وجود الدولة موضوع تساؤل كما أنّها تُراهن على وجوب وجود الدولة، وعلى النقيض من هذه القولة لنا أن نتساءل هل أنّ وجود الدولة (وسيادتها) أمر واجب وضروري أم بالإمكان الاستغناء عن ذلك وتحقيق وضمان حق الحياة والأمن والسلام؟ إنّ الأطروحة النقيضة لهذه القولة هي الأطروحة الفوضوية (باكونين مثلا) التي تعتبر الدولة مجزرة معمّمة وأنّها لاهوت سياسي، وأنّ وجودها يُناقض تحقيق حقّ الحياة ولا يضمن الأمن والسلام.
إنّ إدراك الأطروحة النقيضة يُمكّننا من صياغة الإشكالية على نحو يكشف الإحراجات القائمة ضمنيّا في القولة لهذا من الممكن صياغة الإشكالية على النحو التالي: هل أنّ وجود الدولة يضمن للمجتمع حقّ الحياة والأمن والسلام أمّ أنّها تمثّل سلبا لهذا الحقّ؟
علينا الانتباه إلى أنّ الأشكلة تضعنا أمام توتّر أن تكون الدولة ووجودها ضمانا لحقّ الحياة والسلام والأمن وبين أن تتحوّل هي نفسها إلى أداة نفي لهذا الأمر.
إذن إحراجات القولة التي حوّلناها إلى إشكاليّة تتمثّل في:
ـ وجود الدولة وسيادتها على المجتمع يتناقض مع سيادة المواطنة.
ـ حصر الغايّة من وجود الدولة في حفظ الحياة والأمن والسلام يجعلنا في نقيض ذلك ننظر إلى الشعب الذي تحكمه وتوفّر له حقّ الحياة والأمن والسلام مجموعة من الرعايا وليسوا مواطنين.
ـ رهانات القولة: سيادة الدولة.
ـ رهانات الأطروحة النقيضة سيادة المواطنة يتّضح التوتّر عبر حُسن صياغة الرهانات وتفكيك مُحكم للمعاني المؤكّدة والمناقضة.
❊ ملاحظة: لأنّ الأشكلة هي " سمة حكم أو قضيّة قد تكون صحيحة (ربّما تكون حقيقية) لكن الذي يتحدّث لا يُؤكدها صراحة.. الإشكالي هو المشكوك في أمره« كما ورد في معجم »لا لاند (A. lalande )" فإنّه من غير المقبول مُجرّد تقديم صيغة إمية (إمّا... أو...) فقط في صياغة الإشكالية فإنّ بإمكاننا البحث في الخروج من الثنائية نحو موقف أو مواقف أخرى نضعها موضع تساؤل للتخلّص منطقيا وللتجاوز معرفيا إنّ الأشكلة هي روح المقال الفلسفي إذا استقامت، استقام كلّ المقال!
الاطروحة النقيضة:
هذه المهارة تستوجب تمشّيات معرفية ومنهجيّة في سلّم أولوياتها التمكّن من المحاور وعناصرها والتوصّل إلى صياغة أطروحة نقيضة لأطروحة مقترحة ليست عملية تحويل السلب إيجابا ولا التأكيد نفيّا، كما يذهب إلى ذلك عديد المترشّحين، بل هي فعل منطقي يقوم على بناء مُحكم للمطلوب.
❊ المثال المقترح: قدّم أطروحة نقيضة لهذه الأطروحة " إنّ النموذج الذي تمّ إثبات صلاحيته ليس إلاّ مُقاربة من بين مُقاربات أخرى"
❊ ما المطلوب منهجيّا ؟ لا بدّ من الالتزام بالتمشّيات المنهجية التالية:
ـ على المستوى المنطقي: لنفهم أنّ النمذجة ليست هي النظرة للعلم على أنّه ثابت ونهائي ممّا يفترض القطيعة مع ما سبقه أي ما ليس العلم.
ـ لا بد من الانتباه إلى أنّ دلالة القولة تضعنا أمام أنّ إثبات الصلاحية لنموذج ما ليس أمرا قاطعا للجزم بالتفريق بين العلم واللاعلم.
ـ أن الصلاحيّة نسبيّة فهي مُجرّد رؤية من بين رؤى أخرى للواقع ومقاربة له ولتعقيده وتركيبه فهي لا تنفي إمكانية وجود رؤى أخرى ومقاربات وقراءات متعدّدة.
❊ كيف نتوصل إلى استخراج الأطروحة النقيضة؟
الانتباه إلى ضمنيات القولة (العلم علوم) والصلاحيّة ليست حاسمة أو مغلقة أو نهائيّة.
ولذلك فإنّ نقيض ذلك هو البحث عن الحقيقة العلميّة الواحدة وليست المقاربة من بين المقاربات الأخرى.
❊ لا بدّ من الانتباه إلى أنّ النمذجة العلميّة جعلتنا نشهد استبدال الحقيقة بالصلاحيّة:" النمذجة لا تهتمّ بالحقيقة بل تهتمّ بالفعل كما يقول " نيكولا بولو". إنّ دلالة الصلاحية يتوسّع في القولة ليشمل النجاعة، فما هو صالح لنا هو الناجع والأكثر فعّالية في ضمن دائرة حاجياتنا. إنّ الربط بين النموذج وبين الصلاحيّة يتضمن تنزيل النمذجة في سياق اجتماعي لكونها أداة لتحقيق المصالح الاجتماعية ولا نبحث عن الصرامة والدقّة النظرية.
❊ مهارة الحجاج على صحّة / صدق موقف أو أطروحة:
توضيح أساسي: إنّ الحجاج أسلوب في القول يهدف إلى الإقناع برأي أو موقف بتوسّل جملة من الحجج المدعّمة بأمثلة.
❊ لا يوجد أسلوب واحد لبناء الحجاج بل إنّ الحجاج عمليّة منطقيّة تعتمد أساليب متعدّدة كالدحض أو المماثلة أو البرهنة بالخلف أو غيرها من الأساليب التي تسعى إلى تأكيد صحّة الموقف.
❊ المثال المقترح: إنّ حوار الحضارات يُساعدنا على أن ننفتح على الآخر.
المطلوب: قدّم حجة لتأكيد هذه الأطروحة.
ما هي التمشّيات المنهجيّة المطلوبة؟
علينا اتّباع التمشّيات التاليّة:
❊ استخراج دلالة القولة:
❊ تؤكد القولة على أن حوار الحضارات تساعدنا على الانفتاح على الآخر.
❊ تضعنا هذه القولة أمام مفهوم الحوار باعتباره مساعدًا على الانفتاح على الآخر.
❊ المفهومان الأساسيان في القولة هما: الحوار والآخر.
❊ علينا التوقّف عند دلالة هذين المفهومين فالحوار بين الثقافات / الحضارات لا يعني مجرّد اللّقاء الشكلي بين أفراد ينتمون إلى حضارات مختلفة ضمن مناسبات (ندوات، مؤتمرات، الجمعية العامة للأمم المتّحدة...) فما الحوار بين الثقافات أو الحضارات؟
دلالة الحوار ـ وفق العقلانيّة النقديّة لكانط ـ تضعنا أمام دلالة الحقّ " الكوسموبو ليتيك " (الحقّ الكوني الذي للإنسان بوصفه مواطنا عالميّا). إنّ الحوار بين الحضارات هو حلّ لمشكلة (واقع) العنف والحرب بين الحضارات فالآخر الذي نتحاور معه ونقيم معه حوارا نقبل بالتالي أن يكون فهمنا له أنّه المختلف عنّا ولكن هذا الاختلاف لا يُمكن أن يؤدي إلى العداوة والبغضاء وتبادل العنف أو إنشاء الحروب لتدمير الآخر في الظاهر ولكنّه تدمير للجميع في واقع الأمر.
نقيض الحوار والانفتاح والقبول بالتعايش بين الحضارات هو السقوط في " المذبحة المعمّمة التي هي الحرب" كما يقول " غاندي".
❊ الحجج الممكنة على ضرورة حوار الحضارات والانفتاح على الآخر
❊ حجج عقليّة تتمثل في:
ـ إنّ غاب الحوار بما هو تبادل للاعتراف وقُبول بالتعايش فإنّ النتيجة الممكنة هي العنصرية والانغلاق والحروب.
ـ إنّ العنف إنّ حدث وتمثّل في الحروب فإنّ ضحاياه هم الجميع (كلّ الحضارات).
❊ إنّ ضمنيّة الدعوة إلى الحوار هي الإقرار بمساواة البشر لكلّ الحضارات، فالآخر المختلف عنّا ثقافيا نكتشفه ويكتشفنا من خلال إقامة حوار معه.
ـ من الممكن التأكيد على أنّ الحوار (شكل من أشكال المعرفة) في حين أنّ غياب الحوار (تكريس للجهل) ممّا يؤدي إلى العداء والحروب والرفض المتبادل بين الحضارات.
كما يمكن الحديث عن حجج واقعيّة من بينها:
❊ الانفتاح على الآخر هو ضرورة إنسانية لكلّ الحضارات
❊ الحوار التزام بالإنسانية يُحقق لنا مطلب الكلّي أو على الأقلّ يُقرّبنا من تحقيق هذا المطلب.
كما يمكن تقديم الحجج التاريخية التالية:
ـ تاريخ الإنسانية هو من وجهة نظر ما، هو تاريخ تبادل التجارب والتراكمات المعرفية.
❊ إنّ أهمّ ما قدّمته البحوث الأنثربولوجيّة كما يقول " كلود ليفي ستراس": " إنّ كلّ الإنسانية ساهمت ولو بدرجات متفاوتة في الحضارة الإنسانية".
المهارة المستهدفة: التأليف ملاحظات أساسيّة :
❊ هذه المهارة هي مهارة تعتبر بمثابة التتويج لمهارات منهجيّة أخرى ضرورية تعرّضنا لها، مثل الأشكلة، المفهمة، الحجاج، إبراز الدلالة، صياغة أطروحة بوضوح ودقّة. هذه المهارة تستوجب إ نجاز بُعدين هما:
أ/ عمل تحضيري، لتفكيك وتحليل المطلوب مفهوميّا ومنهجيّا.
ب/ عمل تخطيطي، لإبراز ما يجب إعداده لإنجاز التحرير بعد ذلك.
❊ تنقسم هذه المهارة إلى عناصر ثلاثة هي:
أ/ بناء مشكل (مقدّمة) تتضمّن.
ـ دواعي الاهتمام بالمسألة ـ السؤال
ـ قيمة المشكل المطروح
ـ استخلاص إشكاليّة فلسفيّة وصياغتها بوضوح ودقة.
ب/ مرحلة بناء الجواب (بلورة الموقف) وهو عنصر يُسمّى كذلك الجوهر ويتضمّن:
ـ دلالة الموقف
ـ الاشتغال على الحجاج (راجع الحجاج).
ـ توضيح دلالة المفهوم (راجع مهارة المفهمة).
ـ إبراز الأبعاد المتصلة بالأطروحة المقدّمة أو المؤكدة.
ـ التوقّف عند الحدود وإبراز جوانب من حدود وجاهة موقف ما.
ـ اقتراح موقف نقيض وإبراز وجاهته.
ج/ مرحلة استخلاص موقف ( الخاتمة) مع الإشارة إلى قيمته.
❊ المثال المقترح: هل العولمة إنسانية؟
مرحلة بناء المشكل: يمكن اعتماد المبررات التاليّة (أو أحدها) لتبرير الاهتمام بمسألة العولمة من جهة ومسألة الإنسانية من جهة أخرى وذلك وفق إحدى الإمكانيات التاليّة:
ـ ما تمثّله الإنسانية من أهميّة في التفكير الفلسفي (سؤال ما الإنساني وقيمته بالنسبة لنا جميعا).
ـ خطورة وأهميّة العولمة في واقعنا الإنساني اليوم.
ـ تزايد الاهتمام بالحديث عن العولمة وإمكانية أن تكون إنسانية أو أنّها ضدّ الإنسانية ونقيض يُهدّدها!
❊ إبراز قيمة مفهومي العولمة والإنسانية وذلك بالتأكيد على أنّ العولمة من إنتاج الإنسانية أو أنّها إحدى نتائجها، كما أنّ هناك ترحيبا من قبل البعض بالعولمة أو رفضا من قبل آخرين لها.
ـ التساؤل عن دلالة العولمة؟
أبعاد العولمة ؟ وحدود العولمة بالإشارة إلى أنّ التحوّلات التي شهدها العالم اليوم جعلت " الأرض تتحوّل إلى قرية صغيرة " فالعولمة واقعا وفكرا مجال اهتمام وتوتّر وإحراج يستوجب التفكير فيه والتساؤل بشأنه تحديدا لدلالة هذه العولمة ؟
وهل يُمكن اعتبارها إنسانية أم أنّها مناقضة للإنسانية ؟ وهل في التناقض بين الإنسانية والعولمة ما يدفعنا إلى التساؤل عن حدود هذا التناقض ؟
❊ مرحلة بلورة الجواب (الجوهر).
ما دلالة أن نعتبر العولمة إنسانية:
ـ إبراز دلالة العولمة على نحو ما حققّته الثورة الاتّصالية المعاصرة من مكاسب شملت كلّ مجالات الحياة الإنسانية (سرعة التنقّل، سهولة الاتّصال، تبادل المعلومات، تدفّق المعرفة...)
يُمكن التوقّف عند مواقف الليبراليبن الجدد (فوكوياما، مثلا أو هنتغتون...)
ـ ارتباط دلالة العولمة ضمن هذا التصوّر كمرحلة أخيرة ونهائية تتوّج مسار الإنسانية التي تجاوزت الصراع بين الطبقات وبين الحضارات نحو أفق التقاء كلّ الناس
المثال: إنّ وجود الدولة يضمن حفظ الحياة والأمن والسلام.
المطلوب: حوّل هذه القولة إلى إشكالية
الإمكانيات والتمشيّات المنهجيّة:
تضعنا هذه القولة أمام مُسلّمة أنّ غياب الدولة أو نفيها يؤدي إلى الموت والفوضى والحرب. إنّ أبعاد هذه القولة هي التأكيد على ضرورة وجود الدولة ولهذا فإنّ علينا أن نفهم دلالتها من جهة أنّها تعتبر وجود الدولة أمر مُسلّم به ولا تطرح أي تساؤل عن إمكانية أن يحفظ الناس حياتهم (أرواحهم) وينعموا بالأمن والسلام دون الحاجة إلى الدولة. إنّ هذه الأطروحة لا تضع مشروعيّة وجود الدولة موضوع تساؤل كما أنّها تُراهن على وجوب وجود الدولة، وعلى النقيض من هذه القولة لنا أن نتساءل هل أنّ وجود الدولة (وسيادتها) أمر واجب وضروري أم بالإمكان الاستغناء عن ذلك وتحقيق وضمان حق الحياة والأمن والسلام؟ إنّ الأطروحة النقيضة لهذه القولة هي الأطروحة الفوضوية (باكونين مثلا) التي تعتبر الدولة مجزرة معمّمة وأنّها لاهوت سياسي، وأنّ وجودها يُناقض تحقيق حقّ الحياة ولا يضمن الأمن والسلام.
إنّ إدراك الأطروحة النقيضة يُمكّننا من صياغة الإشكالية على نحو يكشف الإحراجات القائمة ضمنيّا في القولة لهذا من الممكن صياغة الإشكالية على النحو التالي: هل أنّ وجود الدولة يضمن للمجتمع حقّ الحياة والأمن والسلام أمّ أنّها تمثّل سلبا لهذا الحقّ؟
علينا الانتباه إلى أنّ الأشكلة تضعنا أمام توتّر أن تكون الدولة ووجودها ضمانا لحقّ الحياة والسلام والأمن وبين أن تتحوّل هي نفسها إلى أداة نفي لهذا الأمر.
إذن إحراجات القولة التي حوّلناها إلى إشكاليّة تتمثّل في:
ـ وجود الدولة وسيادتها على المجتمع يتناقض مع سيادة المواطنة.
ـ حصر الغايّة من وجود الدولة في حفظ الحياة والأمن والسلام يجعلنا في نقيض ذلك ننظر إلى الشعب الذي تحكمه وتوفّر له حقّ الحياة والأمن والسلام مجموعة من الرعايا وليسوا مواطنين.
ـ رهانات القولة: سيادة الدولة.
ـ رهانات الأطروحة النقيضة سيادة المواطنة يتّضح التوتّر عبر حُسن صياغة الرهانات وتفكيك مُحكم للمعاني المؤكّدة والمناقضة.
❊ ملاحظة: لأنّ الأشكلة هي " سمة حكم أو قضيّة قد تكون صحيحة (ربّما تكون حقيقية) لكن الذي يتحدّث لا يُؤكدها صراحة.. الإشكالي هو المشكوك في أمره« كما ورد في معجم »لا لاند (A. lalande )" فإنّه من غير المقبول مُجرّد تقديم صيغة إمية (إمّا... أو...) فقط في صياغة الإشكالية فإنّ بإمكاننا البحث في الخروج من الثنائية نحو موقف أو مواقف أخرى نضعها موضع تساؤل للتخلّص منطقيا وللتجاوز معرفيا إنّ الأشكلة هي روح المقال الفلسفي إذا استقامت، استقام كلّ المقال!
الاطروحة النقيضة:
هذه المهارة تستوجب تمشّيات معرفية ومنهجيّة في سلّم أولوياتها التمكّن من المحاور وعناصرها والتوصّل إلى صياغة أطروحة نقيضة لأطروحة مقترحة ليست عملية تحويل السلب إيجابا ولا التأكيد نفيّا، كما يذهب إلى ذلك عديد المترشّحين، بل هي فعل منطقي يقوم على بناء مُحكم للمطلوب.
❊ المثال المقترح: قدّم أطروحة نقيضة لهذه الأطروحة " إنّ النموذج الذي تمّ إثبات صلاحيته ليس إلاّ مُقاربة من بين مُقاربات أخرى"
❊ ما المطلوب منهجيّا ؟ لا بدّ من الالتزام بالتمشّيات المنهجية التالية:
ـ على المستوى المنطقي: لنفهم أنّ النمذجة ليست هي النظرة للعلم على أنّه ثابت ونهائي ممّا يفترض القطيعة مع ما سبقه أي ما ليس العلم.
ـ لا بد من الانتباه إلى أنّ دلالة القولة تضعنا أمام أنّ إثبات الصلاحية لنموذج ما ليس أمرا قاطعا للجزم بالتفريق بين العلم واللاعلم.
ـ أن الصلاحيّة نسبيّة فهي مُجرّد رؤية من بين رؤى أخرى للواقع ومقاربة له ولتعقيده وتركيبه فهي لا تنفي إمكانية وجود رؤى أخرى ومقاربات وقراءات متعدّدة.
❊ كيف نتوصل إلى استخراج الأطروحة النقيضة؟
الانتباه إلى ضمنيات القولة (العلم علوم) والصلاحيّة ليست حاسمة أو مغلقة أو نهائيّة.
ولذلك فإنّ نقيض ذلك هو البحث عن الحقيقة العلميّة الواحدة وليست المقاربة من بين المقاربات الأخرى.
❊ لا بدّ من الانتباه إلى أنّ النمذجة العلميّة جعلتنا نشهد استبدال الحقيقة بالصلاحيّة:" النمذجة لا تهتمّ بالحقيقة بل تهتمّ بالفعل كما يقول " نيكولا بولو". إنّ دلالة الصلاحية يتوسّع في القولة ليشمل النجاعة، فما هو صالح لنا هو الناجع والأكثر فعّالية في ضمن دائرة حاجياتنا. إنّ الربط بين النموذج وبين الصلاحيّة يتضمن تنزيل النمذجة في سياق اجتماعي لكونها أداة لتحقيق المصالح الاجتماعية ولا نبحث عن الصرامة والدقّة النظرية.
❊ مهارة الحجاج على صحّة / صدق موقف أو أطروحة:
توضيح أساسي: إنّ الحجاج أسلوب في القول يهدف إلى الإقناع برأي أو موقف بتوسّل جملة من الحجج المدعّمة بأمثلة.
❊ لا يوجد أسلوب واحد لبناء الحجاج بل إنّ الحجاج عمليّة منطقيّة تعتمد أساليب متعدّدة كالدحض أو المماثلة أو البرهنة بالخلف أو غيرها من الأساليب التي تسعى إلى تأكيد صحّة الموقف.
❊ المثال المقترح: إنّ حوار الحضارات يُساعدنا على أن ننفتح على الآخر.
المطلوب: قدّم حجة لتأكيد هذه الأطروحة.
ما هي التمشّيات المنهجيّة المطلوبة؟
علينا اتّباع التمشّيات التاليّة:
❊ استخراج دلالة القولة:
❊ تؤكد القولة على أن حوار الحضارات تساعدنا على الانفتاح على الآخر.
❊ تضعنا هذه القولة أمام مفهوم الحوار باعتباره مساعدًا على الانفتاح على الآخر.
❊ المفهومان الأساسيان في القولة هما: الحوار والآخر.
❊ علينا التوقّف عند دلالة هذين المفهومين فالحوار بين الثقافات / الحضارات لا يعني مجرّد اللّقاء الشكلي بين أفراد ينتمون إلى حضارات مختلفة ضمن مناسبات (ندوات، مؤتمرات، الجمعية العامة للأمم المتّحدة...) فما الحوار بين الثقافات أو الحضارات؟
دلالة الحوار ـ وفق العقلانيّة النقديّة لكانط ـ تضعنا أمام دلالة الحقّ " الكوسموبو ليتيك " (الحقّ الكوني الذي للإنسان بوصفه مواطنا عالميّا). إنّ الحوار بين الحضارات هو حلّ لمشكلة (واقع) العنف والحرب بين الحضارات فالآخر الذي نتحاور معه ونقيم معه حوارا نقبل بالتالي أن يكون فهمنا له أنّه المختلف عنّا ولكن هذا الاختلاف لا يُمكن أن يؤدي إلى العداوة والبغضاء وتبادل العنف أو إنشاء الحروب لتدمير الآخر في الظاهر ولكنّه تدمير للجميع في واقع الأمر.
نقيض الحوار والانفتاح والقبول بالتعايش بين الحضارات هو السقوط في " المذبحة المعمّمة التي هي الحرب" كما يقول " غاندي".
❊ الحجج الممكنة على ضرورة حوار الحضارات والانفتاح على الآخر
❊ حجج عقليّة تتمثل في:
ـ إنّ غاب الحوار بما هو تبادل للاعتراف وقُبول بالتعايش فإنّ النتيجة الممكنة هي العنصرية والانغلاق والحروب.
ـ إنّ العنف إنّ حدث وتمثّل في الحروب فإنّ ضحاياه هم الجميع (كلّ الحضارات).
❊ إنّ ضمنيّة الدعوة إلى الحوار هي الإقرار بمساواة البشر لكلّ الحضارات، فالآخر المختلف عنّا ثقافيا نكتشفه ويكتشفنا من خلال إقامة حوار معه.
ـ من الممكن التأكيد على أنّ الحوار (شكل من أشكال المعرفة) في حين أنّ غياب الحوار (تكريس للجهل) ممّا يؤدي إلى العداء والحروب والرفض المتبادل بين الحضارات.
كما يمكن الحديث عن حجج واقعيّة من بينها:
❊ الانفتاح على الآخر هو ضرورة إنسانية لكلّ الحضارات
❊ الحوار التزام بالإنسانية يُحقق لنا مطلب الكلّي أو على الأقلّ يُقرّبنا من تحقيق هذا المطلب.
كما يمكن تقديم الحجج التاريخية التالية:
ـ تاريخ الإنسانية هو من وجهة نظر ما، هو تاريخ تبادل التجارب والتراكمات المعرفية.
❊ إنّ أهمّ ما قدّمته البحوث الأنثربولوجيّة كما يقول " كلود ليفي ستراس": " إنّ كلّ الإنسانية ساهمت ولو بدرجات متفاوتة في الحضارة الإنسانية".
المهارة المستهدفة: التأليف ملاحظات أساسيّة :
❊ هذه المهارة هي مهارة تعتبر بمثابة التتويج لمهارات منهجيّة أخرى ضرورية تعرّضنا لها، مثل الأشكلة، المفهمة، الحجاج، إبراز الدلالة، صياغة أطروحة بوضوح ودقّة. هذه المهارة تستوجب إ نجاز بُعدين هما:
أ/ عمل تحضيري، لتفكيك وتحليل المطلوب مفهوميّا ومنهجيّا.
ب/ عمل تخطيطي، لإبراز ما يجب إعداده لإنجاز التحرير بعد ذلك.
❊ تنقسم هذه المهارة إلى عناصر ثلاثة هي:
أ/ بناء مشكل (مقدّمة) تتضمّن.
ـ دواعي الاهتمام بالمسألة ـ السؤال
ـ قيمة المشكل المطروح
ـ استخلاص إشكاليّة فلسفيّة وصياغتها بوضوح ودقة.
ب/ مرحلة بناء الجواب (بلورة الموقف) وهو عنصر يُسمّى كذلك الجوهر ويتضمّن:
ـ دلالة الموقف
ـ الاشتغال على الحجاج (راجع الحجاج).
ـ توضيح دلالة المفهوم (راجع مهارة المفهمة).
ـ إبراز الأبعاد المتصلة بالأطروحة المقدّمة أو المؤكدة.
ـ التوقّف عند الحدود وإبراز جوانب من حدود وجاهة موقف ما.
ـ اقتراح موقف نقيض وإبراز وجاهته.
ج/ مرحلة استخلاص موقف ( الخاتمة) مع الإشارة إلى قيمته.
❊ المثال المقترح: هل العولمة إنسانية؟
مرحلة بناء المشكل: يمكن اعتماد المبررات التاليّة (أو أحدها) لتبرير الاهتمام بمسألة العولمة من جهة ومسألة الإنسانية من جهة أخرى وذلك وفق إحدى الإمكانيات التاليّة:
ـ ما تمثّله الإنسانية من أهميّة في التفكير الفلسفي (سؤال ما الإنساني وقيمته بالنسبة لنا جميعا).
ـ خطورة وأهميّة العولمة في واقعنا الإنساني اليوم.
ـ تزايد الاهتمام بالحديث عن العولمة وإمكانية أن تكون إنسانية أو أنّها ضدّ الإنسانية ونقيض يُهدّدها!
❊ إبراز قيمة مفهومي العولمة والإنسانية وذلك بالتأكيد على أنّ العولمة من إنتاج الإنسانية أو أنّها إحدى نتائجها، كما أنّ هناك ترحيبا من قبل البعض بالعولمة أو رفضا من قبل آخرين لها.
ـ التساؤل عن دلالة العولمة؟
أبعاد العولمة ؟ وحدود العولمة بالإشارة إلى أنّ التحوّلات التي شهدها العالم اليوم جعلت " الأرض تتحوّل إلى قرية صغيرة " فالعولمة واقعا وفكرا مجال اهتمام وتوتّر وإحراج يستوجب التفكير فيه والتساؤل بشأنه تحديدا لدلالة هذه العولمة ؟
وهل يُمكن اعتبارها إنسانية أم أنّها مناقضة للإنسانية ؟ وهل في التناقض بين الإنسانية والعولمة ما يدفعنا إلى التساؤل عن حدود هذا التناقض ؟
❊ مرحلة بلورة الجواب (الجوهر).
ما دلالة أن نعتبر العولمة إنسانية:
ـ إبراز دلالة العولمة على نحو ما حققّته الثورة الاتّصالية المعاصرة من مكاسب شملت كلّ مجالات الحياة الإنسانية (سرعة التنقّل، سهولة الاتّصال، تبادل المعلومات، تدفّق المعرفة...)
يُمكن التوقّف عند مواقف الليبراليبن الجدد (فوكوياما، مثلا أو هنتغتون...)
ـ ارتباط دلالة العولمة ضمن هذا التصوّر كمرحلة أخيرة ونهائية تتوّج مسار الإنسانية التي تجاوزت الصراع بين الطبقات وبين الحضارات نحو أفق التقاء كلّ الناس
(الإنسانية) في فضاء اتّصالي واحد.
ـ تقديم حجج على المزاعم بأنّ العولمة إنسانية وذلك بصياغة دلالة للإنسانية تتمثّل في الحديث عن ثقافة عالميّة واقتصاد عالمي ومواطن عالمي.
ـ إبراز حدود الموقف المؤيّد للعولمة بإبراز أنّ العولمة "إمبراطورية الفوضى" ـ كما يقول سمير أمين، وإنّها ليست حلاّ للإنسانية بل هي حلّ لرأس المال.
ـ إبراز وجاهة الموقف الذي ينعت العولمة باللاإنسانيّ من خلال القول إنّ العولمة تقوم على تفكيك ثلاثي الأبعاد: دولة الرّفاه في الشمال ودولة العمّال في الشرق ودولة التنمية في الجنوب.
ـ يُمكن الإشارة إلى أنّ العولمة تضعنا أمام مزيد من الإخضاع للدول / الشعوب المجتمعات، " المتخلفة ".
ـ يُمكن إبراز التمييز بين العولمة وبين الكونيّة (بودريار) الذي يرفض التشابه الخادع بين العالمي وبين الكوني ويؤكد على أنّ " كلّ ثقافة تتعمّم تفقد خصوصياتها ".
مرحلة الاستخلاص (الخاتمة)
التوقّف عند الموقف الذي يرفض العولمة أو الموقف الذي يرحّب بها أو إبراز موقف يُميّز بين العولمة وبين الكونيّة باعتبار أنّه يُميّز بين ضياع وتلاشي الخصوصيات وبين الانغلاق والرفض.
ـ اقتراح موقف الحوار والتسامح والتحاور كبديل عن السقوط في التماثل أو الرفض والإقصاء.
ـ التأكيد على أنّ الإنسانية جسما واحدًا تدخل ضمن حضارة كونية واحدة كما يقول " بول ريكور".
❊ ملاحظات:
ـ ننبّه أبناءنا التلاميذ إلى ضرورة القيام بعمل تحضيري للمحاولة / المقال الفلسفي فهو أساسي قبل التخطيط.
ـ ضرورة الاستفادة من مهارة المفهمة.
ـ تقديم حجج على كلّ أطروحة تقدّم.
ـ إبراز الجانب المنطقي في كلّ عنصر وفي كلّ ما يُقدّمونه من عناصر المحاولة.
حظّ سعيد للجميع وتمنياتي لكم بالنجاح
ـ تقديم حجج على المزاعم بأنّ العولمة إنسانية وذلك بصياغة دلالة للإنسانية تتمثّل في الحديث عن ثقافة عالميّة واقتصاد عالمي ومواطن عالمي.
ـ إبراز حدود الموقف المؤيّد للعولمة بإبراز أنّ العولمة "إمبراطورية الفوضى" ـ كما يقول سمير أمين، وإنّها ليست حلاّ للإنسانية بل هي حلّ لرأس المال.
ـ إبراز وجاهة الموقف الذي ينعت العولمة باللاإنسانيّ من خلال القول إنّ العولمة تقوم على تفكيك ثلاثي الأبعاد: دولة الرّفاه في الشمال ودولة العمّال في الشرق ودولة التنمية في الجنوب.
ـ يُمكن الإشارة إلى أنّ العولمة تضعنا أمام مزيد من الإخضاع للدول / الشعوب المجتمعات، " المتخلفة ".
ـ يُمكن إبراز التمييز بين العولمة وبين الكونيّة (بودريار) الذي يرفض التشابه الخادع بين العالمي وبين الكوني ويؤكد على أنّ " كلّ ثقافة تتعمّم تفقد خصوصياتها ".
مرحلة الاستخلاص (الخاتمة)
التوقّف عند الموقف الذي يرفض العولمة أو الموقف الذي يرحّب بها أو إبراز موقف يُميّز بين العولمة وبين الكونيّة باعتبار أنّه يُميّز بين ضياع وتلاشي الخصوصيات وبين الانغلاق والرفض.
ـ اقتراح موقف الحوار والتسامح والتحاور كبديل عن السقوط في التماثل أو الرفض والإقصاء.
ـ التأكيد على أنّ الإنسانية جسما واحدًا تدخل ضمن حضارة كونية واحدة كما يقول " بول ريكور".
❊ ملاحظات:
ـ ننبّه أبناءنا التلاميذ إلى ضرورة القيام بعمل تحضيري للمحاولة / المقال الفلسفي فهو أساسي قبل التخطيط.
ـ ضرورة الاستفادة من مهارة المفهمة.
ـ تقديم حجج على كلّ أطروحة تقدّم.
ـ إبراز الجانب المنطقي في كلّ عنصر وفي كلّ ما يُقدّمونه من عناصر المحاولة.
حظّ سعيد للجميع وتمنياتي لكم بالنجاح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق