مصطفى بلحمر
إن حديثي عن النص الفلسفي لن يكون في الواقع إلا قولا من بين عدد لانهائي من الأقوال الممكنة حول هذا الموضوع. ومن حيث هو كذلك فإنه لا يدعي لنفسه طابعا كونيا ولا صبغة شمولية، بل يقدم نفسه كورقة عمل تحمل وجهة نظر معينة ويصلح بالأساس لأن يكون أرضية للنقاش والحوار وتبادل الرأي حول مسألة تعنينا – وبصفة خاصة هذه السنة نظرا للمستجدات التي تعرفها المادة – وهي مسألة النص و النص الفلسفي التي لها أهمية على مستوى تعليم الفلسفة وتعلمها . إن مسألة النص الفلسفي – فيما أعتقد - تطرح علينا كمشتغلين بهذا التعليم من زاويتين :
أ- زاوية نظرية يكون علينا، من خلالها، أن نقارب مفهوم النص الفلسفي وأن نسعى إلى القبض على مكوناته.
ب- زاوية عملية يتعين علينا، من خلالها، أن نحدد موقع النص من درس الفلسفة والخطوات التي ينبغي اتباعها أثناء الاشتغال به في ذلك الدرس.
على أن التمييز، هنا، بين النظري والتطبيقي مسألة منهجية، فقط، فمن المعلوم أن الممارسة الفلسفية يلتحم فيها النظري بالتطبيقي التحاما وثيقا. وانطلاقا من هذه الضرورة المنهجية ، بالذات، سنتناول الحديث عن النص الفلسفي على مرحلتين:
* مرحلة أولى سنناقش فيها مفهوم النص و النص الفلسفي.
* مرحلة ثانية سنقدم فيها تصورا عن موقع النص الفلسفي من درس الفلسفة و كيفية مقاربته في نطاقه.
I. مفهوم النص و النص الفلسفي:
1) الطابع الإشكالي لمسألة النص: إن التساؤل عن النص الفلسفي وجه من أوجه التساؤل عن النص، عامة، ذلك أن النص الفلسفي ينتمي إلى عالم النصوص قبل انتمائه إلى حقل الفلسفة، لذا يعتبر تحديد مفهوم النص مدخلا ضروريا لمقاربة النص الفلسفي، خاصة و أن البحث في النص أصبح محط اهتمام مفكرين من مختلف التخصصات، و اللسانية منها على وجه الخصوص، كما صار منطلق الكثير من النظريات مما يجعل من المفيد أن نبين درجة انطباق نظريات النص على النص الفلسفي و إمكانية الاستفادة منها في تحديد مفهومه. على أننا نلاحظ، ومنذ البداية، أنه على الرغم من كثرة الاهتمام بمسألة النص في الساحة الفكرية المعاصرة فما تزال هذه المسألة تكتسي طابعا إشكاليا، و مازالت الآراء بصددها متباينة ، بل متناقضة حيث لم تتفق الأبحاث على تصور موحد للنص. واقع الاختلاف هذا يحول دون الاستثمار الأمثل لتلك النظريات و يجعلنا نواجه عدة صعوبات نذكر منها:
* لم يتم الحسم، بعد، في مفهوم النص و حدوده مما يجعل هذا المفهوم يتداخل عند بعض الباحثين بمفاهيم أخرى قريبة، خاصة مها مفهومي الخطاب discours و العمل œuvre.
* اختلاف طبيعة النصوص و تنوعها ما بين نص ديني و فلسفي و تاريخي و قانوني، إلخ... و ما بين أطروحة و رسالة و إعلان، إلخ... جعل من الصعب العثور على أنموذج متفق عليه للنص و زاد بالتالي من فرص الاختلاف إذ يكفي الانطلاق من نموذجين متباينين للنص لنواجه خطر التباين في تحديد مفهومه.
* إن الاشتقاق اللغوي لكلمة نص، و الذي يلجأ إليه كثير من الباحثين لتعريف النص ، لا يكفي لرفع تداخل هذا المفهوم بمفاهيم الخطاب و العمل... فإذا كان النص texte يعني ، في الأصل اللاتيني textus "النسيج " فالنسج لا يفيد سوى الترابط و الانسجام و التسلسل... و إذا كانت هذه، حقا، بعض خصائص النص فإنها أيضا سمات للخطاب كما للعمل. فكلمة "نسيج" تجمع النص بباقي المفاهيم المقاربة و لا تمنعه عنها.
* لقد أصبحنا اليوم أمام تراكم من التصورات حول النص في شكل نظريات حوله ( رولان بارث، بول ريكور...) أو حتى علم للنص ( جوليا كريستيفا) . و هذا التراكم إن كان يدل، من جهة، على خصوبة البحث و غناه فإنه، من جهة ثانية، يجعل إمكانية الاستفادة من هذه الأبحاث أمرا صعبا حتى لا نقول متعذرا و ذلك بالنظر إلى اختلاف منطلقات المنظرين و النتائج التي توصلوا إليها.
أمام ضرورة الاستفادة من نظريات النص كان علينا أن نتجاوز الصعوبات السابقة و أن نحاول، بالتالي، التوفيق بين مختلف التصورات للخروج بمفهوم متكامل عن النص. و لكن مثل هذه المحاولة لم تكن ممكنة بالنظر إلى الهوة الفاصلة بين مختلف التصورات، و بالنظر ، أيضا، إلى المدة الزمنية و الظرف الذي أنجز فيه هذا العرض و الذي لم يمكن، في حقيقة الأمر، إلا من قراءات أولية في الموضوع سمحت لنا برسم الخطوط العريضة لتصور أولي عن النص يفتقر، من غير شك، إلى مزيد من العمق حتى يبدو مكتملا. و لصياغة هذا التصور الأولي اخترنا الانطلاق من نظرية معينة حاولنا أن نقارب عل ضوئها مسألة النص الفلسفي و هي نظرية بول ريكور Paul Ricœur و قد دفعنا إلى هذا الاختيار -حتى لا يبدو تعسفيا - مجموعة من الاعتبارات:
Ø إن نظرية ريكور لا تقدم لنا فقط تصورا عن النص، بل تقترح أيضا طريقة لقراءته مما يجعلها مفيدة جدا على المستوى الذي يعنينا هنا أي المستوى التعليمي التعلمي.
Ø إن نظرية ريكور، و إن كنا لا نستطيع بصورة قاطعة أن ننفي ارتباطها بالنص الأدبي، تبدو أكثر انفتاحا على غيره من النصوص حيث تظهر كما لو كانت منطلقة من النص عامة لا من نص معين، و ذلك على خلاف كثير من النظريات الأخرى التي يصعب فصلها عن النصوص الأدبية.
Ø إن بول ريكور ، من بين جميع منظري النص، يبدو اقرب إلى حقل الفلسفة ( إذا استثنينا إلى حد ما جاك دريدا).
Ø إن نظرية ريكور تنطلق بالأساس من إشكال فلسفي هو التقابل بين التفسير و التأويل. و سيساعدنا هذا الإشكال على تحديد كيفية الاشتغال على النص الفلسفي.
2) بول ريكور و مفهوم النص: في كتابه :"du texte à l’action " يعرف بول ريكور النص كما يلي: " النص هو كل خطاب مثبت بواسطة الكتابة" . و في تحليله لهذا التعريف يبين ريكور أن التثبيت بواسطة الكتابة يعد مكونا أساسيا من مكونات النص دون أن يعني ذلك ، بطبيعة الحال، أن النص يختزل في مجرد الغرافيزم graphisme و مع ذلك يمكن القول بأن الكتابة تحتل عند ريكور مركز شبكة معايير النصية. فالكتابة هي التي تميز في نهاية الأمر بين النص و الكلام الشفهي كما بين النص و الخطاب: إن التقابل بين هذين الأخيرين كالتقابل بين اللغة المنطوقة و اللغة المكتوبة. إن النص خطاب من حيث كونه تحقيقا للغة و كونه مبنينا إلا أنه خطاب كان بالإمكان قوله و لكننا لا نقوله ، بالذات، لأننا نكتبه. فالكتابة هي التي تشكل تحقيق اللغة في النص و هو تحقيق مواز للكلام إذ يحل محله. فما نسجله بواسطة الكتابة ليس هو الكلام و إنما قصد الكلام و نية القول. إن عنصر الكتابة يجعلنا، إذن، أمام وضع جديد عندما نكون بصدد النص. و لا يمكن اعتباره حالة خاصة من حالات الكلام الشفهي: فالنص- بما أنه مكتوب- يستدعي قارئا لا مستمعا ، و العلاقة بين الكاتب و القارئ ليست هي ذات العلاقة بين المتكلم و المستمع ما دام عنصر المباشرة في الاتصال يسقط في الحالة الأولى ، فبين كاتب النص و قارئه لا توجد علاقة تخاطبية و لا حوارية، إنها من طبيعة مخالفة لأن القارئ يكون غائبا أثناء الكتابة كما يكون الكاتب غائبا أثناء القراءة، ثم إن تحرر النص تجاه الشفوية – فضلا عن كونه يجعله محفوظا – يؤدي إلى قلب كثير من العلاقات كعلاقة اللغة بالعالم، و علاقتها بمختلف الذاتيات المعنية بالنص، ففي الكلام الشفهي يحضر المتكلمان معا في نفس المقام و الوسط الظرفي مما يوفر لهما مرجعا مشتركا و يمكنهما بالتالي من استخدام الأدوات الإشارية ( أسماء الإشارة، ظروف المكان و الزمان...) أما في النص فإن حركة المرجعية باتجاه الإظهار و التبيين يتم اعتراض سبيلها تماما كما يتم حصر الحوار، هكذا يظهر النص كما لو كان بدون عالم. و موازاة مع هذه الإزاحة لعالم النص، يدخل هذا الأخير في علاقة مع كل النصوص التي تمثل مكان الواقع الظرفين فكان العالم يحتجب خلف عالم النصوص. يترتب عن قلب العلاقة بين النص و عالمه قلب لعلاقته بمختلف الذاتيات المعنية به أي: ذاتية الكاتب و ذاتية القارئ، فالكاتب لا يعود أقرب إلى نصه كقرب المتكلم من كلامه. ففي مستوى النص لا يوجد متكلم بالمعنى الدقيق، أي ليس هناك تعين ذاتي مباشر و سريع، فالمؤلف إنما هو مبدأ تشكل النص و هو يموت بمجرد كتابته لنصه حيث ينفصل هذا الأخير عن قصد صاحبه ليدخل في علاقة حميمة مع قارئه. القراءة هي التي تعطي النص دلالته كما تحقق له مرجعيته أي عالمه، و ذلك عندما يصبح النص وساطة médiation بين القارئ و ذاته، فالقارئ يفهم ذاته أو يجدد فهمه لها بواسطة النص. يمكن أن نوجز باختصار شديد معايير النصية عند ريكور على النحو التالي:
أ. النص هو تحقيق و بنينة للغة في صورة خطاب يتم تثبيته بواسطة الكتابة، على أن المثبت هنا ليس القول بحد ذاته و إنما قصد القول.
ب. انفصال النص عن ذاتية مؤلفه و قصده و انفتاحه بالتالي على ذاتية القارئ و مقاصده، و من هنا تجاوزه للمعنى و اعتناقه للدلالة و التمعين.
ت. استقلال النص عن عالمه المباشر و ارتباطه بعالم النصوص و عالم القراءة.
ث. النص كوساطة لفهم الذات. فالذات لا تفهم نفسها إلا من خلال رموز الثقافة.
3) من النص إلى النص الفلسفي: هل يمكن اعتبار الكتابة الفلسفية ممارسة نصية؟ و هل تتوفر في النص الفلسفي معايير النصية؟ اعتقد أن سؤالا كهذا لا يمكن إلا أن يكون مشروعا و ملحا، و لا يمكن اعتباره، بحال من الأحوال، سؤالا ينتهي إلى حلقة مفرغة من قبيل: ما دمنا لا نتحدث عن الكتابات الفلسفية إلا تحت خانة " النصوص الفلسفية" فهي إذن نصوص و لا جدوى ، بالتالي، من طرح سؤال عقيم بصددها كقولنا : هل النصوص الفلسفية نصوص ؟" إن مشروعية هذا السؤال تأتي من كون نظريات النص تقصي – عن قصد أو غير قصد- مسالة النص الفلسفي من حسابها فلا الأعمال الأصلية المتعلقة بالنص و التي أدت إلى تلك النظريات و لا الأبحاث الفرعية المنبثقة عنها، بما فيها الأبحاث البيداغوجية، أولت ما يكفي من العناية للنص الفلسفي أما الطابع الملح للسؤال فيأتي من ضرورة رفع هذا اللبس و الغموض و تأكيد – و بصورة استعجالية- أن النص الفلسفي نص حتى بالمعنى الذي يتحدث عنه أصحاب نظريات النص، فالأمر يتعلق، في الفلسفة، كما سنحاول أن نثبت هنا، بممارسة نصية يلتحم فيها الفكر بالكتابة التحاما وثيقا ضدا على التصور الشائع عن الفلسفة – و الذي يعتمد مبرر هذا الإقصاء للكتابة الفلسفية- و الذي لا يرى فيها سوى فكر تشكل بصورة قبلية و مستقلة عن الكتابة. إننا نؤكد مع فردريك كوسيتا F. Cossutta أن المظهر الفكري و الكتابي هما وجهان لعملة واحدة هي النشاط الفلسفي، وهذا يسمح لنا ، بكل تأكيد، بالحديث – على مستوى الفلسفة- عن ممارسة نصية. فمعايير النصية عند ريكور، مثلا، باعتباره نموذجا، هنا، لأصحاب نظريات النص تنطبق على النص الفلسفي. و لنبدأ بمحور تلك المعايير أي التثبيت بالكتابة. من الواضح الآن أن الخطابات الفلسفية لا تصل إلينا إلا مثبتة بالكتابة: فهي، إذن، نصوص. و لكننا نذهب أبعد من ذلك لنؤكد أن الفلسفة لم تنفصل أبدا عن الكتابة و أنها لم تكن بالتالي سوى نص. قد تعوزنا الشواهد و الدلائل التاريخية للدفاع عن هذه الأطروحة بالنظر إلى ندرة – حتى لا نقول انعدام- الأبحاث التي تناول علاقة الفلسفة بالكتابة مع ما لهذه المسألة من أهمية ، و لكننا على اقتناع تام بأن قراءة متأنية لبعض المراجع التي لا تعالج تلك العلاقة بصورة مباشرة يمكن أن توفر لنا عناصر مشجعة على طريق حل هذه المسألة، و أخص بالذكر هنا نوعين من المراجع: تلك المتعلقة بالكتابة و نشأتها في الغرب ، و خاصة منها مؤلفات إريك هيفلوك Eric Havelock و جاك غودي Jack Goody من بين مؤلفات أخرى... و تلك المتعلقة بنشأة الفلسفة و أخص بالإشارة، هنا، إلى أعمال جان بيير فرنان Jean Pierre Vernant و فرانسوا شاتليه François Châtelet و بيير فيدال ناكي Pierre Vidal- Naquet من بين أعمال أخرى... يؤكد هيفلوك أن اليونان قبل القرن الثامن قبل الميلاد كانت أمة لا تعرف الكتابة حيث سيسجل هذا التاريخ، بالذات، بداية اكتساب اليونان لنسق كتابي سيؤدي انتشاره إلى تحقيق المعجزة الحضارية اليونانية ، فقد شكلت الكلمة- كما يذكر فرنان- أداة الحياة السياسية في إطار المدينة la cité و الكتابة هي التي ستقدم على الصعيد الفكري المحض الوسيلة لثقافة مشتركة و ستسمح بالانتشار الكامل للمعارف التي كانت في السابق محتكرة أو ممنوعة. و يضيف فرنان أن أقدم التدوينات التي نعرفها في الأبجدية اليونانية تبين بأن الأمر لم يعد يتعلق اعتبارا من القرن الثامن قبل الميلاد بمعرفة متخصصة و مقتصرة على الكتبة scribes و إنما بتقنية ذات استعمال واسع منتشرة لدى الجمهور . إنا لفترة الفاصلة، إذن، بين القرنين الثامن و السادس قبل الميلاد كانت فترة تأسيس الكتابة و انتشارها عند اليونان. فما دلالة هذا الحدث؟ إن هذا الحدث يجعلنا نقتنع تماما بأن ميلاد الفلسفة- الذي حصل كما نعلم في القرن السادس قبل الميلاد- لم يكن ممكنا قبل ظهور الكتابة و ازدهارها و هو ما يدفعنا إلى هذا الاعتقاد الراسخ بأن الكتابة كانت شرطا من شروط مجيء الفلسفة إلى العالم. مثل هذا الاعتقاد نلحظه بوضوح عند باحث كشوهل Schuhl الذي يورد فرنان رأيه في مؤلفه عن " الأسطورة و التفكير لدى الإغريق" حيث يؤكد شوهل أن ظهور الأبجدية ثم انتشارها كان أحد شروط نشأة الفلسفة عن اليونان . و بالفعل فقد كان الفلاسفة سباقين إلى التأليف و نشر المعارف بواسطة الكتابة، إما على شكل كتب كما فعل أنكسيمندريس Anaximandre و هو من فلاسفة اليونان الأوائل، أو في صورة تدوينات على الحجر كما هي حال هيرقليطس Héraclite ، إما نثرا على طريقة المشرعين كما كان الشأن بالنسبة لأنكسيمندريس و أنكسيمانس Anaximène ، أو نظما على طريقة الشعراء كما فعل اكزينوفانس Xénophane الذي تنسب له أول قصيدة تحمل عنوان "في الطبيعة" . كما أن الكتابة – فيما يؤكد ميشال نارسي M. Narcy كانت وراء دخول الفلسفة القبل-سقراطية إلى أثينا إذ كان دورها أكبر بكثير من إشعاع المدارس. و بظهور المدارس الفلسفية الكبرى خاصة منها أكاديمية أفلاطون و ليسيه Lycée أرسطو سيترسخ التقليد الكتابي لدى الفلاسفة و سيساعد على ذلك انتشار ورق البردي Papyrus و تداول بيعه في أسواق أثينا مما سيمكن من ازدهار النشر و يسمح بالتالي لفيلسوف كأفلاطون، مثلا، بأن يلحق بأكاديميته خزانة تضم جل مؤلفات عصره ليصبح التعامل مع النصوص و قراءة الكتب جزءا من نشاط الأكاديمية. هكذا نستطيع القول بأن انتقال الفكر اليوناني من الميتوس mythos إلى اللوغوس logos كان انتقالا، في نفس الوقت، من حضارة شفهية إلى تقليد كتابي حيث ستولد الفلسفة في مناخ كتابي ليعانق الفلاسفة إلى الأبد فعل الكتابة هذا الفعل الذي لا يمكن أبدا أن تصور تفلسفا بدونه فهو شرط لرؤية العالم و التفكير فيه فلسفيا كما للصياغة النظرية لتلك الرؤية... على أن حالة واحدة في تاريخ الفلسفة الطويل تستدعي، فعلا، لحظة توقف : إنها حالة سقراط ، فهذا الفيلسوف- كما قيل- لم يكتب شيئا و هو أمر مدهش حقا. و لكن – كما سنرى- لا تشكل حالة سقراط استثناء من القاعدة و لا تمس أبدا علاقة الفلسفة بالكتابة التي تظل ثابتة و أكيدة. إننا لا نريد، هنا، أن ننساق مع تلك الشكوك التي تحوم حول شخصية سقراط و التي تفضي بأصحابها إلى إنكار وجود فيسوف من لحم و دم إسمه سقراط و القول أنه مجرد رمز للفيلسوف الذي ضحى من أجل الحقيقة. هذه الشكوك- مع ذلك- التي اضطر كثير من المؤلفين عن سقراط إلى تخصيص صفحات للرد عليها ( أنظر، مثلا، كتاب جاك مازيل Jack Mazel عن سقراط الصادر عن دار فايار للنشر سنة 1987) كما لا ننساق مع مزاعم أخرى تنسب لسقراط بعض المؤلفات الفلسفية (كتاب التفاحة) لنحتفظ بالصورة التي لدينا الآن عن هذا الفيلسوف فنقول بأن حالته لا تغير شيئا من حقيقة ارتباط الفلسفة بالكتابة. فإذا لم يكن سقراط قد كتب فهذا لا يمنع أبد من أن تكون فلسفته مكتوبة، لقد قام تلاميذه و على رأسهم أفلاطون بتدوين هذه الفلسفة، و إلى هذه التدوينات نعود عندما نريد أن نتعرف على ما نسميه فلسفة سقراط التي هي ، إذن، فلسفة مكتوبة أي نصوص مدونة. إن ما نعنيه هنا و ما نؤكد عليه هو علاقة الفلسفة بالكتابة، لا الفيلسوف بها. إن الفيلسوف هو مجرد مؤلف أي في نهاية الأمر قارئ أول فلا امتياز له مطلقا على نصه. إنه، على حد تعبير رولان بارث R. Barthes مجرد "أنا من ورق". على أن سقراط لم يكن من البعد عن النصوص و عن الكتابات الفلسفية بالشكل الذي نتصور أول وهلة، فإذا لم يكن هذا الفيلسوف يكتب، حقا، فلا شك أنه كان يقرأ. و هذا كاف ليجعل علاقته بالنصوص هي ذات علاقة المؤلف بها. ففي مؤلفات أفلاطون و أرسطو التي تشكل إلى جانب كتابات أريسطوفان Aristophane أهم مصادرنا عن سقراط، نجد هذا الفيلسوف قارئا ممتازا حيث يحيلنا على كثير من مؤلفات سابقيه. فهو، مثلا، يحيلنا في محاورتي "فيدون" و " الدفاع" على كتاب أنكساغوراس Anaxagore و في ثيتاتيوس Théetète يستشهد بنص لبروتاغوراس Protagoras . ونجده في كتاب "الخطابة" لأرسطو يذكر مؤلف هيرقليطس، و ما إلى ذلك... هكذا نلاحظ أن علاقة الفلسفة بالكتابة، فضلا عن كونها علاقة عضوية، هي، أيضا، مسألة تاريخية. و حيث إن الفلسفة نص بما هي مكتوبة، فإنها، أيضا، تتوفر على باقي معايير النصية كما حددها بول ريكور: فعلى الرغم عن كون الفيلسوف هو مبدأ تشكل النص، فإن النص الفلسفي يقبل الانفصال عن مؤلفه بما أن المعنى الذي يضمنه الفيلسوف في نصه لا يكون معنى وحيدا ، و لعل النص الفلسفي أكثر تميزا بتعدد الدلالات من غيره، و تاريخ الفلسفة يؤكد هذه الحقيقة حيث نجد أن الشراح أو مؤرخي الفلسفة أو الفلاسفة أنفسهم قد اكتشفوا دلالات جديدة في النصوص الفلسفية التي انكبوا على قراءتها ، دلالات متعددة بتعددهم وبعيدة كثيرا أو قليلا عن المعنى الذي ضمنه الفيلسوف لنصه. إن النص الفلسفي بما هو نص يخلق مسافة بينه و بين مؤلفه و لا أدل على ذلك من تمكن المسلمين من قراءة فلسفية حقا لنص أثولوجيا أفلوطين مع نسبته لأرسطو، و من كون بعض النصوص الفلسفية قد تمت قراءتها بدون ربطها بمؤلف معين إما لأنه مجهول أو لأن تلك النصوص قد نشرت بأسماء مستعارة و مما يزيد من إمكانية استقلال النص الفلسفي عن قصد صاحبه المطمح الكوني لهذا النص الذي يجعله ينشد الحقيقة و يسعى إلى الإقناع فيظهر النص كما لو كان "متحدثا بصوت" الحقيقة لا بصوت مؤلفه. و هذا ما يترتب عنه انمحاء المؤلف في النص الفلسفي . و موازاة مع هذا القلب الذي يطال علاقة الفيلسوف/المؤلف بنصه، نجد علاقة القارئ بالنص الفلسفي تتوطد حيث يترتب عن انمحاء المؤلف حضور للقارئ الذي يخلق، بفعل القراءة، دلالة النص: لقد قرأ المتكلمون و الفلاسفة المسلمون النص الفلسفي اليوناني لكن تفسيرهم لذلك النص و تأويلهم لم يكن واحدا و هذا يعني – من جملة ما يعنيه- أن القراءة قد فعلت فعلها و أن القراء لم ينطلقوا من معنى النص- أو على الأقل لم يقفوا عند هذا المعنى- بل انطلقوا من دلالته و تمعينه، و لم يكتفوا بالنظر إليه من خلال عالمه بل من خلال عالمهم و ذواتهم، و هذا يزكي ما قلنا عن انطباق باقي معايير النصية كما حددها ريكور على النص الفلسفي الذي يظهر –كباقي النصوص- منفتحا على ذات القارئ و عالمه، بل إن انفتاحه أشد حيث الملاحظ أن ذاتية القارئ لا تحضر في النص الفلسفي أثناء القراءة فحسب بل – كما يؤكد ذلك فردريك كوسيتا- خلال عملية الكتابة أيضا. فعندما يكتب الفيلسوف فهو يكتب إلى أتباع أو خصوم مثلا، و طبيعة النص تختلف باختلاف نوع المرسل إليه/القارئ: أتابع هو أم خصم ؟
4) خصوصية النص الفلسفي: إذا كنا حتى الآن قد بينا أن النص الفلسفي نص فإن هويته لم تتضح بعد بصورة كاملة، فما زال يتعين علينا أن نرسم الخطوط الفاصلة بينه وبين غيره من النصوص. علينا أن نحدد ما الذي يجعل هذا النص وحده فلسفيا. و هذا التحديد هو مسألة غاية في الأهمية، و هو ما يعنينا، جوهريا، كمشتغلين بتعليم الفلسفة لأن السؤال عن النص الفلسفي، في نهاية الأمر، إنما هو سؤال عن الخصوصية: فما الذي يشكل خصوصية النص الفلسفي؟ غالبا ما يتم تصنيف النصوص الفلسفية تحت خانة " النصوص الفكرية" textes de pensée و إذا كان هذا التصنيف يفيد جزئيا إذ يبين بعض ما يميز النص الفلسفي باعتباره يطمح إلى تقديم نظرية، فإنه لا يكفي لتحديد خصوصية النص الفلسفي ، و ذلك لسببين على الأقل:
أ- إن عبارة " نص فكري" تطلق على النص الفلسفي كما على فئة أخرى من النصوص كالنص الديني و العلمي و التاريخي....مثلا، مما يجعلنا بحاجة إلى تحديد ما يميز النص الفلسفي عن هذه النصوص بدورها.
ب- إن اعتبار النص الفلسفي كنص فكري ينطلق من تصور أن النظرية هي أهم ما في هذا النص و أن الفكر يتشكل بصورة قبلية سابقة على الكتابة هو ما سنعمل على دحضه ضمن هذا العرض.
إننا نقبل أن يكون النص الفلسفي نصا فكريا على أساس أن هذا الفكر يلتحم التحاما وثيقا باللغة ضمن ممارسة فلسفية موحدة، و هذه الممارسة هي المسؤولة، في نهاية الأمر،عن خصوصية ذلك النص و من هنا نرفض ، أيضا، تلك المعايير الخارجية و القبلية لتي طالما اعتمدت في تحديد خصوصية النص الفلسفي من قبيل معايير: الفيلسوف/المؤلف، اللغة الفلسفية،الموضوع الفلسفي... إن النظرة التقليدية لخصوصية النص الفلسفي ترى في مجرد انتساب النص إلى فيلسوف معين شرطا كافيا لاعتباره فلسفيا و من هذه النظرة تعرف النصوص الفلسفية بكونها ما يكتبه أفلاطون و أرسطو و ابن رشد و كانط و هيجل...و غيرهم من الفلاسفة. إن تصورا كهذا ينطلق من فكرة أبوة المؤلف و وصايته على نصه و هو ما لم يعد مقبولا في إطار النظريات الحديثة حول النص التي تعلن موت المؤلف. كما ينطلق من تصور غير واقعي عن الفيلسوف حيث ينظر إليه كما لو كان خارج العالم و الحياة اليومية، و أنه لم يكن يفعل سوى كتابة النصوص الفلسفية في حين أن الفلاسفة يكتبون نصوصا فلسفية و أشياء أخرى غير فلسفية و هذا ما يجعلنا نرى أن النص الفلسفي هو الذي يحدد الفيلسوف و ليس العكس. فأفلاطون فيلسوف لأنه كتب نصوصا فلسفية، و ابن سينا، مثلا، لا يكون فيلسوفا إلا عندما ننظر إليه من خلال نصوصه الفلسفية أما عندما ننظر إليه من خلال نصوصه الطبية فلا يكون إلا مؤلفا في الطب... هذا ما يجعلنا نؤمن بإمكانية العثور على نصوص فلسفية في غير مؤلفات الفلاسفة، و إمكانية قراءة النص الفلسفي بفصله عن مؤلفه. وكما لا يمكن الاطمئنان إلى معيار الفيلسوف لتحديد خصوصية النص الفلسفي فنحن لا نطمئن، أيضا، إلى معيار آخر لا يقل شيوعا و هو ما يسمى " اللغة الفلسفية" langue philosophique . فما معنى هذه اللغة؟ و هل هي موجودة، فعلا؟ لنلاحظ مع جاك دريدا J. Derrida "أن الفلسفة تتكلم و تكتب في لغة طبيعية بشرية و ليس في لغة رياضية أو كونية ، ولكن نجد أن في داخل هذه اللغة الطبيعية و أساليبها أن بعض الأنماط التعبيرية قد فرضت نفسها بقوة بصفتها أنماطا فلسفية دون غيرها (و المسألة هنا مسألة قوى و موازين قوى بالفعل). و لكن هذه الأنماط التعبيرية متعددة و متصارعة لا يمكن فصلها عن المضمون ذاته أو الأطروحات الفلسفية التي تعبر عنها. لا يمكن الحديث، إذن، عن لغة فلسفية فلا وجود لمصطلح تفني في الفلسفة على الرغم من أن معجميا شهيرا كأندريه لالاند Lalande A. يتحدث عن مثل هذا المصطلح التقني. لقد كان لالاند نفسه مضطرا في كثير من المرات إلى تقديم عدة تحديدات للمصطلح الواحد مبرزا اختلاف استعماله من فيلسوف لآخر. و هذا يعني أن كل فيلسوف يشتغل على اللغة بإدخال علاقات جديدة و هذا مصدر ولادة المصطلحات التقنية في الفلسفة التي لها هنا معنى خاصا حيث تظل مرتبطة بنص معين أو ،على الأقل، بمجموعة من النصوص . لذا نؤكد مع جان لوشا Jean Lechat أن " لا وجود لمصطلح تقني للفلسفة ككل... إن المصطلح الفلسفي لا يحمل معناه في ذاته حيث يمكن نقله من تحليل فلسفي لآخر أو من مذهب لآخر كما هي حال المصطلحات الرياضية التي تحتفظ بنفس التحديد في كل المبرهنات، إن السيمنطيقا الفلسفية ليست من النمط المعجمي بل الفكري، فالمعجم لا يمكن أن يغنينا أبدا عن البحث عن معنى المصطلحات من خلال فكر الفيلسوف و الصيغ التي عبر بها عن ذلك الفكر". إذا لم يكن الفيلسوف و لا اللغة الفلسفية معيارا للنص الفلسفي فهل نستطيع القول أن الموضوع الذي يتحدث عنه النص هو الذي يكسبه صفة "الفلسفي" ؟ ثمة قضايا تكاد تنال الإجماع على كونها فلسفية كقضية الوجود و المعرفة و القيم ، فهل يكفي أن يتناول نص ما واحدة من هذه القضايا ليصبح فلسفيا؟ إننا لا ننكر أن هذه القضايا أخذت لفترة طويلة باهتمام الفلاسفة مما جعل البعض يعتبرها محاور رئيسة للفكر الفلسفي. و لكننا لا نستطيع، أيضا، أن ننكر، و بنفس القوة، أن هذه المحاور لم تكن أبدا حكرا على الفلسفة بل نجدها موضوع بحث الفكر الديني و الفكر العلمي مثلا. و هذا وحده كاف للقول بأن ليست المحاور ذاتها ما يشكل خصوصية النص الفلسفي بل كيفية حضورها في ذلك النص. عندما نرفض أن نرى في الفيلسوف و اللغة الفلسفية و الموضوع منطلقات لتحديد خصوصية النص الفلسفي فنحن نرفض في الواقع معايير تحدد على أنها فلسفية بصورة قبلية و خارجية عن النص الفلسفي. و ضدا على ذلك نؤكد مع جان لوي غالاي J. L. Galay أن النص الفلسفي لا يتشكل بالضرورة من عناصر تؤخذ على أنها فلسفية بحد ذاتها، و نخلص إلى القول أن خصوصية النص الفلسفي ينبغي البحث عنها داخل ذلك النص و خلال عملية تشكله. إن خصوصية النص الفلسفي ، في نهاية الأمر، هي خصوصية الكتابة و الممارسة النصية الفلسفية. فما الذي يميز هذه الممارسة؟ إن أول ما يميز هذه الممارسة هو الربط الوثيق بين الفكر و اللغة. في النص الفلسفي تتكون الأفكار و تتأسس النظرية في فضاء تشكل التعبير و نسج اللغة. و هذا يعني أن خصوصية النص الفلسفي تقوم على رفض النظر إلى اللغة باعتبارها مجرد وسيلة تعبير و أداة نقل أفكار فلسفية أفرغت فيها إفراغا فلا وجود لفكر فلسفي خارج الصياغة الفلسفية للغة: إن النشاط الفلسفي- كما قلنا من قبل- مزدوج المظهر فكري و لغوي. تتجلى خصوصية النص الفلسفي، أيضا، في طريقة بنائه و الآليات التي يعتمد عليها في تشكله و هذه الآليات كثيرة و متعددة سنقتصر، هنا، على ذكر بعض منها : الأشكلة، المساءلة، المحاجة، المفهمة، إلخ... إن هذه الآليات - من بين جميع معايير النص الفلسفي – تبدو ذات أهمية بالغة و تحتاج إلى وقفة طويلة لمعرفة كيف تحضر في النص الفلسفي و خصوصية هذا الحضور. و لكننا نقول هنا، في انتظار أن تتاح لنا الفرصة للعودة لهذه الآليات، أنها تتخذ أشكالا متعددة و صورا متنوعة باختلاف طبيعة الممارسة النصية للفيلسوف و نوع خطابه الفلسفي، فعلى سبيل المثال إن كان الحجاج يتخذ عند بعض الفلاسفة النسقيين صورة الدفاع عن أطروحة أو تفنيدها بجملة من الأفكار كحجج، فإنه قد يتخذ لدى فلاسفة آخرين أشكالا مختلفة كالسخرية عند نيتشه، مثلا... يمكن أن نرى ، أيضا، في اتجاه النص الفلسفي نحو الكونية محددا آخر لخصوصيته و ذلك مرتبط بالوظيفة الإقناعية في هذا النص الذي إن كان ، في بعض الأحيان، ينطلق من ذات مفردة من "أنا" فردي، فإنه،غالبا، ما ينزلق إلى "النحن" لأن النص الفلسفي يسعى إلى إسماع صوت الحقيقة ، أو على الأقل يحاول أن يبرهن على أن الحقيقة الذاتية التي يتكلم باسمها- إن كان متكلما بحقيقة ذاتية- هي ، في نهاية الأمر، حقيقة كونية. يتميز النص الفلسفي ، أخيرا، بكونه تناصا intertexte فهو يمتص مجموعة من النصوص يتفاعل معها يحولها و يذوبها بداخله. وإن كان التناص كما تقول جوليا كريستيفا J. Kristéva - التي يرجع إليها الفضل في وضع هذا المصطلح- سمة مميزة لكل نص، فإننا نؤكد على أن ما يشكل خصوصية النص الفلسفي هو كونه ، أولا، من أكثر النصوص تناصا إن صح هذا التعبير، و، ثانيا، أن النصوص التي يتناص معها ذات نوعية مميزة، فالخطاب الفلسفي كما نعلم لا يولد من عدم بل يتأسس على أنقاض خطابات أخرى سابقة أو معاصرة و علاقة كل خطاب فلسفي بتلك الخطابات هي علاقة معقدة، علاقة هدم و بناء، تمثل و استبعاد، احتضان و إقصاء... كما أن النص الفلسفي ، من حيث هو تناص، يتميز، كذلك، بتنوع النصوص التي يتشكل منها ما بين نصوص فلسفية و أخرى غير فلسفية، و إن كانت الفئة الأولى- و هذا مما يشكل خصوصية النص الفلسفي- لها فرص أكبر للحضور في هذا النص. لنقل، في نهاية حديثنا عن خصوصية النص الفلسفي، أن هذه الخصوصية- و خلافا للاعتقاد السائد- لا تتجلى بالدرجة الأولى في حمولته الفكرية، بل تتمثل أكثر في الكيفية التي يعرض بها تلك الحمولة و الميكانزمات الموظفة في ذلك العرض، هذه الميكانزمات قد تحضر، جزئيا أو كليا، في نصوص أخرى غير فلسفية، لكن حضورها في النص الفلسفي من نوع خاص ، و هذا يعني ، أولا، أن المسافة الفاصلة بين النص الفلسفي و غيره من النصوص، بما فيها الأدبية، ليست من البعد بالشكل الذي نتوقعه عادة، كما يعني، أيضا، أن خصوصية النص الفلسفي ينبغي البحث عنها في نمط الكتابة الفلسفية دون أن ننسى، طبعا، أن الكتابة- في مجال الفلسفة- لا تنفصل أبدا عن المكتوب، فمن التوليف المعقد بين الفكر و الكتابة تتجلى خصوصية النص الفلسفي ، إنها ، إذن، مسألة نسج texture . وإذا كان النسج الفلسفي، عموما، له خصوصية فإننا نلاحظ، أيضا، أن هذا النسج لم يكن واحدا عند جميع الفلاسفة: فلا يوجد نموذج واحد و وحيد للممارسة النصية لدى الفلاسفة، ومع ذلك نلح على أن اختلاف ممارسات الفلاسفة لا تمنع من العثور على عناصر مشتركة ثاوية خلف ذلك الاختلاف و التنوع . و تتجلى هذه العناصر في الحضور، بهذا القدر أو ذاك، على هذه الصورة أو تلك، للميكانزمات و المظاهر التي اعتبرناها محددة لخصوصية النص الفلسفي، هذه الخصوصية التي ينبغي مراعاتها في كل ما يهم الفلسفة و خاصة مسألة تدريسها.
II. حول ديداكتيد النص الفلسفي:
1- موقع النص الفلسفي من عملية تعليم الفلسفة: سواء حددنا الهدف من تعليم الفلسفة في التفلسف كما يريد كانتKant ، أو في تعلم الفلسفة كما يرغب هيجل Hegel ، فإن هذا الهدف يستحيل تحقيقه بمعزل عن الاشتغال على النص. فما هو التفلسف إن لم يكن طريقة في التفكير حول قضايا العالم، ووسيلة متميزة في الحجاج والبرهنة والتحليل والتركيب والنقد وما إلى ذلك؟..و أنى لنا أن نتعلم هذه الأمور إن لم يكن من نصوص الفلاسفة باعتبارها تقدم لنا هذه الممارسات في أرقى صورها مما يجعل الانطلاق منها ضرورة ملحة قبل التمكن الذاتي من تلك الممارسات؟ كما أن النصوص الفلسفية هي التي تعرض علينا الأفكار والنظريات والمذاهب الفلسفية التي يريد البعض أن يجعل من تحصيلها ومعرفتها هدفا للفلسفة. لقد حاولنا أن نثبت، طوال حديثنا عن النص الفلسفي، أن الفلسفة لم تنفصل أبدا عن الكتابة وعن الممارسة النصية، ومن هنا فنحن لا نتصور أبدا أن تعليم الفلسفة يمكن أن يضحي بهذه الصفة الجوهرية المميزة للفكر الفلسفي، وأن يتحول بالتالي إلى مجرد حكي لما قاله الفلاسفة بعيدا عن كل مجابهة لنصوصهم. إن التفلسف على طريقة الكوجيطو الديكارتي، أي انطلاقا من أنا مفكر منعزل عن العالم ومتقوقع حول ذاته أمر غير ممكن في المرحلة التعليمية الثانوية. لكي نتفلسف ينبغي أن نمر عبر رموز الثقافة الفلسفية، أي في نهاية الأمر عبر النصوص الفلسفية. ذلك ما تعلمنا إياه هيرمنوطيقا ريكور التي انطلقنا منها في حديثنا عن النص الفلسفي. لذا فنحن نعتقد أن الأوان قد آن للتخلص من تلك البيداغوجبا العتيقة التي لا ترى في النص الفلسفي سوى وسيلة مساعدة على تبليغ معلومات فلسفية، و إغناء درس يمكن أن يتحقق بدون هذه الوسيلة، وباللجوء فقط إلى استحضار ما قاله الفلاسفة، دون الكيفية التي تم بها ذلك القول. إننا- كما ألححنا دائما- لا نتصور الأفكار الفلسفية إلا مرتطبة بالكتابة، ومن هنا لا نفهم كيف يمكن اجتثاث تلك الأفكار من ممارسة كتابية التحمت بها التحاما. إن هذه المسألة مستحيلة تماما كاستحالة تمزيق أحد وجهي الورقة دون الآخر إذا سمح لنا دو سوسيرDe saussure باستخدام مثاله هنا. نخلص إذن إلى القول بأن النص الفلسفي ينبغي أن يملأ كل فضاء تعليم الفلسفة: دروسا وتطبيقات...فالنص هو الدرس الفلسفي كما هو التمرين و الامتحان في الفلسفة. وأن الجهود ينبغي أن تتجه إلى التغلب على الصعاب التي تقف عائقا في طريق استغلال أمثل للنصوص الفلسفية، و إلى التفكير في كيفية بناء درس انطلاقا منها، و تتجه خاصة إلى تحديد خطوات مقاربة تلك النصوص ضمن عملية تعليم الفلسفة.
2- مقاربة النص الفلسفي: لا توجد، فيما نعتقد، منهجية موحدة ووحيدة لمقاربة النص الفلسفي، فكل نص يفترض طريقة معينة في معالجته حسب طبيعته وحجمه، وكذا مستوى قرائه ونوعيتهم، ثم الظروف المادية التي تتم خلالها عملية المقاربة. ومن هنا فإن كل منهجية لمعالجة النصوص هي بالضرورة منهجية مؤقتة ونسبية الصلاحية، تقبل التعديل أو التغيير، بصورة جزئية أو كلية، تبعا لتغير الظروف والملابسات. و مع ذلك نرى أن وراء اختلاف المنهجيات وتعددها يمكن العثور على تقنيات وممارسات ولحظات لها طابع عام. حيث يمكن استثمارها مهما كان النص موضوع المقاربة. إن حديثنا عن مقاربة النص الفلسفي، هنا، يصب في ما هو عام، أما تفصيل المنهجية وتنظيم دقائقها، فمسألة موكولة لعناية الأستاذ و ذكائه واجتهاده الشخصي. على أننا نلاحظ، ومنذ البداية، أن أية منهجية لمقاربة النص الفلسفي لن تكون فعالة إلا إذا استفادت من مجموعة من العلوم والمعارف وهي كثيرة نذكر منها هنا على سبيل المثال، لا الحصر: مختلف علوم اللسان، علم المنطق، علم النحو، علم البلاغة، علم الديداكتيك، علم النفس، علم الاجتماع، خصوصية التفكير الفلسفي، ممارسات الفلاسفة الديداكتكية، إلخ... وهذا يعني بكل بساطة أن الوصول إلى منهجية متكاملة لمقاربة النصوص أمر عسير بالنظر إلى صعوبة التوليف بين هذه العلوم والمعارف، وإلى صعوبة الإحاطة بها جميعا. و لكن ذلك لن يمنع أبدا من محاولة الاستفادة من بعضها، على الأقل في رسم كل منهجية لمعالجة النصوص. كما أن كل منهجية ينبغي- تجنبا للعشوائية- أن تكون واعية بذاتها وبخطواتها وبمراحلها وأن تكون في خدمة الأهداف المرجوة من الاشتغال على النصوص الفلسفية ومؤدية إلى تحقيق تلك الأهداف. إن المنهجية التي نقترحها هنا تنطلق، بالأساس، من استفادة شبه مباشرة من الهرمنيوطيقا L’herméneutique باعتبارها، أصلا، طريقة لقراءة النصوص، على أننا سننفتح، في حدود الإمكان، على مصادر معرفية أخرى...إن هذه المنهجية تلح، بالتالي، على خصوصية الفكر الفلسفي كفكر مكتوب و على العلاقة الوطيدة بين الفلسفة و الكتابة. من هنا فإن هذه المنهجية تنتظم من خلال لحظتين هما: لحظة قراءة النص الفلسفي، و لحظة كتابته.
* لحظة قراءة النص الفلسفي: إن النص الفلسفي – في مستواه التعليمي – ينبغي أن يكون مادة للقراءة بمفهومها الهرمينوطيقي، و خاصة عند ريكور . فالهرمينوطيقا – كما نعلم – انطلقت من إشكال فلسفي يتعلق، أساسا، بالقراءة و هو الزوج تفسير/تأويل. على أن مكوني الزوج عند ريكور، و خلافا لما كان عليه الأمر مع ديلتايDilthey لم يعودا متناقضين بل متكاملين مما يعني أن قراءة النص الفلسفي ينبغي أن تتشكل على مرحلتين : مرحلة التفسير ثم مرحلة التأويل.
أ- مرحلة التفسير: إن التفسير، كما يحدده ريكور، هو الكشف عن بنية النص بتبين عناصرها و العلاقات الداخلية التي تنتظم تلك العناصر. فهو، إذن، نوع من النظر إلى النص في انغلاقه . Clôture و بما أن العناصر المكونة للنص الفلسفي هي في نهاية الأمر مجموع الأفكار التي يتضمنها، وأيضا التعابير والآليات والمصطلحات والمفاهيم التي يتم من خلالها تناول تلك الأفكار، ثم النصوص التي يستحضرها النص في إطار عملية التناصIntertexte وكذا مختلف العلاقات التي يمكن أن تجمع بين هذه العناصر، فإننا نستطيع، القول- حتى نجعل مفهوم التفسير أكثر إجرائية- أنه يقتضي الوقوف على ما يقوله النصce que dit le texte أي مجموع الأفكار التي تشكل معنى النص والتي أودعها، بصورة علنية أو ضمنية، مؤلفه فيه. ثم الوقوف على الكيفية التي يقول بها النص ذلك المقول comment il le dit أي كيفية عرض الأفكار ونوع بناء النص ومنطقه ومختلف الأدوات الموظفة في ذلك. فالتفسير، إذن، هو نوع من القراءة المنتظمة للنص étude ordonnée والتي ينبغي أن تتمحور حول:
- تحديد مفاهيم النص وأحداثه وشخوصه...إلخ
- الوقوف على تمفصلات النص.
- الكشف عن النصوص التي يتضمنها النص، موضوع المقاربة، باعتباره تناصا، ثم نوعية علاقته بها.
- استخراج الإشكال العام للنص.
- استخراج الأفكار التي يتضمنها.
- تحديد الأطروحة التي يدافع عنها النص.
- توضيح منطق النص أي كيفية بنائه ومجمل آليات العرض، والبرهنة، والحجاج والتمثيل، إلخ... التي يقوم عليها.
- تحديد طبيعة النص: سجالي، عرضي، برهاني، نقدي،إلخ...
وبطبيعة الحال فإن العناصر السابقة يمكن ترتيب استخراجها ترتيبات مختلفة تبعا لمختلف القناعات والاجتهادات. ومن هنا فإن الشكل الذي عرضت به أعلاه ليس ترتيبا وحيدا، بل ليس ترتيبا إنه مجرد تعداد. كما أن التفسير، باعتباره تعاملا مع النص في انغلاقه، لا يمنع أبدا من اللجوء إلى السياق الفلسفي للنص (باقي نصوص الفيلسوف أو حتى التيار الفلسفي) وربما السياق السيكولوجي أو الاجتماعي، على شرط أن يؤدي هذا اللجوء، فقط، إلى إلقاء مزيد من الضوء على النص ومكوناته، ويسمح بتبيين بنيته بشكل أفضل، فمن المعلوم مثلا أن الجهاز المفاهيمي للفيلسوف واستعماله الفلسفي للغة لا يتجلى إلا من خلال مجموعة من النصوص. من جهة ثانية، فإن تفسير النص لا يعني فقط استخراج مكوناته، بل يعني كذلك تفكيك هذه الوحدات وتحليلها إلى عناصرها الأولية ومحاولة ضبط العلاقات المختلفة بينها. وعموما، فإن القراءة باعتبارها تفسيرا تقترب إلى حد ما من طريقة المعالجة البنيوية، هاته الطريقة التي يقول عنها ريكور: إنها تفسر ولا تؤول.
ب - مرحلة التأويل: إذا كان التفسير خطوة ضرورية في قراءة النص الفلسفي، فعند فراغنا منه لا نستطيع القول بأننا قرأنا النص . لابد من مرحلة ثانية في القراءة وهي ذات أهمية قصوى: إنها مرحلة التأويل. فما معنى التأويل؟ يجيب ريكور:"أن نؤول معناه أن نسير في الطريق الفكري الذي يفتحه النص أمامنا...أن نسلك الطريق صوب مشرق النص" إن الهدف من تعليم الفلسفة بالنص لا ينبغي أن يكون فقط هو معرفة مضمون النصوص والوقوف عنده. إن الأمر على خلاف ذلك تماما، فمضمون النصوص، والمعلومات الفلسفية عموما، بعيدا عن أن تشكل خط الوصول، هي في الواقع نقطة الانطلاق. فالهدف من تعليم الفلسفة، وتعليمها بالنصوص خاصة، هو أن نتمكن من التفكير بأنفسنا. ومن هنا فالتفلسف يعني- كما يقول ياسبرزK.Jaspers – المضي في الطريق. و هذا المضي لا يتحقق إلا بفعل التأويل وممارسته، مما يعني، كذلك، أنه لا يتحقق، أيضا، إلا بتوفر نصوص ينصب عليها ذلك التأويل. هكذا فالتأويل إذن هو نوع من التعامل مع النص في انفتاحه ouverture، فهو يفتح المجال أمام ذات القارئ لتفعل فعلها. هذا الفعل يمكن أن يتخذ صورة ما يسميه ريكور بتملك النصappropriation du texte الذي يفضي بالقارئ إلى فهم ذاته وعالمه من خلال النص، كما إلى قهر وتضييق المسافة الثقافية الفاصلة بين زمن كتابة النص ولحظة قراءته، مما يكسب النص راهنية وتحقيقا جديدا. وإذا أردنا أجرأة مفهوم التأويل بما يمكن من إعطائه صلاحية ديداكتيكية، قلنا إنه يقتضي: اتخاذ مسافة من النص بإصدار أحكام نقدية حوله تمس المضمون والطريقة، أي تقييم الأفكار التي يحملها بما فيها أطروحة المؤلف، ثم تقييم المنطق الذي يؤسسه والأدوات الموظفة في ذلك التأسيس. إن هذا العمل النقدي سيشكل وساطة بين النص الذي نقرأه والنص الذي سنبنيه بفعل القراءة بما هي تأويل. هذا النص الجديد الشخصي يتشكل من إبداء آراء وأفكار ذاتية حول الإشكال الذي يعالجه النص أو يتموقع ضمنه كما حول إشكالات أو قضايا أخرى مرتبطة به، أو مرتبطة بذاتنا وعالمنا. يمكن، هنا، أن نقرب مفهوم التأويل، في مستواه التعليمي هذا، مما يعرف عادة بإبراز الأهمية الفلسفية للنص philosophique du texte ’intérêt l هذه العملية التي تؤدي بصورة تلقائية وطبيعية إلى تأسيس نص حول النص موضوع المقاربة. على أن هذا النص الجديد لا يتأسس بصورة تعسفية على النص السابق، بل هو إحياء وتجديد له. فالعلاقة بين النصين هي علاقة متعددة ذات طابع جدلي: إنها استيعاب و تجاوز. بممارستنا للتفسير والتأويل – كما حددناهما أعلاه- نكون قد قمنا بقراءة النص وهي لحظة أساسية من لحظات المقاربة التي لن تكتمل، مع ذلك، إلا باللحظة الثانية التي تبدو، في تصورنا، أكثر جوهرية: إنها لحظة الكتابة. إن ما يجعل من لحظة الكتابة لحظة حاسمة هو كونها المرآة المجلوة التي نرى فيها ذاتنا بما هي ذات متفلسفة. من خلال الكتابة يمكن تقدير درجة تمرس التلميذ على الخطاب الفلسفي و آلياته كما أنها مؤشر كاف على مدى نجاح الفاعلين التربويين و درجة تحقيق الأهداف المرجوة.
* لحظة كتابة النص الفلسفي : إن فعل الكتابة – كما ألححنا- هو جانب أساس من النشاط الفلسفي لذا لا نتصور تفلسفا بدونه كما لا نثق في تعليم للفلسفة يقوم على مجرد قراءة النصوص. إن ممارسة الكتابة الفلسفية تبدأ عمليا أثناء مرحلة التفسير عندما يتم تسجيل الأفكار و ما يرتبط بها من تحليل و تفكيك لتظهر بشكل أفضل أثناء مرحلة التأويل عندما تتدخل ذات القارئ لتؤلف بين العناصر فتستخلص الخلاصات و تستنتج الاستنتاجات ، و تصدر الأحكام، و تبدع الرؤى ، و تتخذ المواقف ...و كل هذا تتم كتابته في ما يصطلح عليه، عادة، بتركيب النص و تقييمه الذي يتخذ، في كثير من الأحيان، صورة إنشاء فلسفي صغير petite dissertation philosophique حول النص، أو صيغ أخرى قريبة...إن لحظة التركيب هذه – بما أننا نشترط أن تتوفر فيها خصائص الكتابة الفلسفية – تشكل، في نظرنا، بداية إنتاج خطاب فلسفي ذاتي، و الخطوات الأولى في طريق الممارسة النصية الشخصية. إلا أن هذه الممارسة لن تكتمل و لن تجد لها فضاء أرحب إلا في حصة الإنشاء الفلسفي. لذا ندعو إلى ضرورة وصل هذه الحصة بحصة قراءة النص و وجوب إعطائها ما يلزم من العناية حيث تتحول إلى "ورش" أو "معمل" لتعلم إنتاج أدوات الكتابة الفلسفية و التدرب على توظيفها. و يستحسن أن نراعي، هنا، مبدأ تربويا قديما أثبت جدواه حتى الآن و هو مبدأ التدرج في التعليم و التعلم فنتناول آليات الكتابة الفلسفية واحدة واحدة: الأشكلة، المفهمة، الحجاج...لننتهي إثر ذلك إلى إنتاج نص فلسفي متكامل يوظفها بشكل مقبول. وبالنظر إلى تعدد صور استخدام هذه الآليات عند الفلاسفة، و بالنظر أيضا إلى الحاجة الملحة لأن نتمكن من منها- نحن الأساتذة- أولا، يبدو من اللازم عقد لقاءات تربوية حولها بهدف تبادل الرأي و الاستفادة... على أن نصوص الفلاسفة توفر لنا، في هذا الإطار، مرجعا لا غنى عنه إذ تقدم لنا توظيفا لتلك الآليات كما للممارسة النصية الفلسفية، عموما، في أفضل نماذجها. لذا فإن حضور النص في الإنشاء الفلسفي كما في الدرس يبدو غاية في الأهمية. إن الإنشاء الفلسفي – كما نتصور- و في مراحله الأولى على الأقل، هو نوع من المحاكاة mimésis لنصوص الفلاسفة. لقد علمنا أرسطو أن المميزيس هي جوهر العملية التعليمية التعلمية وهي عملية إنتاجية إبداعية، فلنعانق هذا الموقف مهما كان رأي هيجل في الموضوع. ولكن أي نموذج من نصوص الفلاسفة ينبغي أن نحاكي؟ إن الممارسة الكتابية الوحيدة المسموح بها في حقل التعليم الفلسفي المغربي و في كثير من الدول، حتى الآن، هي " الإنشاء الفلسفي"dissertation philosophique. و إذا لم يكن بوسعنا أن ننكر أن الفلاسفة مارسوا هذا النوع من الكتابة، فإننا لا نستطيع، مع ذلك، إنكار أن هذا الشكل من الكتابة لم يكن الشكل الوحيد الذي مارسه الفلاسفة. لذا فإن اعتبار الإنشاء الفلسفي صيغة وحيدة لممارسة الكتابة الفلسفية إنما هو إفقار للممارسة النصية الفلسفية و حد من غنى و ثراء كتابات الفلاسفة. ففضلا عن الإنشاءات الفلسفية، كتب الفلاسفة الرسائل، و المحاورات، و القصص، و المسرحيات، و التأملات، و الخطابات، و اليوميات، و الاعترافات، و القصائد، و غيرها ....فمتى تعرف هذه الأشكال من الكتابات الفلسفية طريقها إلى الدرس الفلسفي؟
أهم المراجع :- مقابلة مع جاك دريدا ، مجلة العرب و الفكر العالمي عدد 6 ربيع 1989
-Roland Barthes : Le plaisir du texte, Seuil,1973
-« « : théorie du texte in encyclopédia universalis volume15
-Danièle Cohn-Plouchart : l’explication du texte philosophique in L’univers de
la philosophie
-Ouvrage collectif : L’nterprétation des textes,Minuit,
- « « : Le texte comme objet philosophique ,Beauchesnes,1987
-Fredéric Cossutta : Eléments pour la lecture des textes philosophiques , Bordas, 1989
- Jean Louis Galay : Philosophie et invention textuelle, Klincksieck, 1977
-Gilles-Gaston Granger : Pour la connaissance philosophique, Odile Jacob, 1988
-Nicole Grataloup : L’écriture théorique in La pensée N°274 Mars/Avril1990
-Eric Havelock Aux origines de la civilisation écrite en occident, maspéro,1981
-Julia Kristéva : Semiotike , recherche pour une sémanalyse, Seuil,1969
-R.Laffont et F.Gardès-Madray : Introduction à l’analyse textuelle,Larousse1976
-Henri Irénée Marrou : Histoire de l’éducation dans l’antiquité, Seuil, 1960
-Michel Narcy : Pratiques d’enseignement dans la philosophie antique in L’univers de la philosophie , P.U.F. 1989
-Paul Ricoeur : du texte à l’action, Essais d’herméneutique2,Seuil, 1986
-France Rollin : L’éveil philosophique, UNAPEC,1982
-Todorov et Ducrot : Dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, Seuil, 1972
-Jean Pierre Vernant : Mythes et pensée chez les grecs, maspéro, 1981
- « « « : Les origines de la pensée grecque, PUF, 1962
عن موقع تفلسف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق