إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

الأربعاء، 19 مارس 2014

الأنظمة الرمزية: الرمز الأسطوري

نصّ: الأسطورة رؤية للعالم:  غارودي    ـ   إنجاز الأستاذ: الفيتوري الرابطي
الموضوع: قيمة الأسطورة
الأطروحة: الأسطورة بما هي منظومة رمزية تعكس رؤية للعالم
المستبعدة: التصوّر العامي للأسطورة بما هي خرافة من نسج الخيال..
المشكل: هل الأسطورة هي مجرّد خرافة من نسج الخيال ولا تمتّ للواقع بصلة أم أنّها منظومة رمزية تعكس رؤية للعالم و تلتقي وظيفيا مع العلم في تمكين الإنسان من مرجعية لتفسير للظواهر الكونية وتدبير وجوده؟
العناصر: ما الأسطورة ؟ و ما خصائصها ؟
 فيم تمثّل منظومة رمزية دالّة على رؤية للعالم ؟
التحليل :
1 ـ تعريف الأسطورة :
أ ـ في الاستعمال العامي: الأسطورة قصّة خيالية أبطالها وأحداثها لا تمتّ بصلة  للواقع وهي تُروى للتسلية أو لاستخلاص العبر والدّروس الأخلاقية .
تستخدم صفة "الأسطوري" عادة في سياق تحقيري فأن نطلق على خطاب أو فكرة أو حكاية صفة "أسطوري" فذلك قصد تحقيره و بيان أنّه غير متوافق مع الحقيقة أو مطابق للواقع. فالأسطوري يعني الخيالي الذي لا يمتّ للواقع بصلة. فماذا عن المفهوم الفلسفي والأنتروبولوجي للأسطورة ؟
ب ـ في الاستخدام الفلسفي والانتروبولوجي:
الأسطورة هي نمط وعي هي شكل من الأشكال التاريخية للوعي البشري فهي طريقة اعتمدها الإنسان للتعالي عن الوجود الحسّي المباشر والاضطلاع بتفسيره وفهمه سواء قصد تبرير الواقع السائد أو قصد الاحتجاج عليه ومحاولة تغييره .الأسطورة تعبّر عن وعي الإنسان بالواقع وبمنزلته فيه، فهي إحدى المنظومات الرمزية التي استخدمها الإنسان كوسيط بينه وبين العالم  شأنها شأن الدين والفلسفة والعلم. هي نمط وعي كان سائدا قبل ظهور الفلسفة حتّى أنّه يقال لقد ولد اللوغوس من رحم الميتوس، لكنّه لم يندثر بظهورها و لا حتّى بعد ظهور العلم في العصر الحديث .
استخلاص: الأسطورة هي نمط وعي مثل العلم والفلسفة والفنّ أنشأه الإنسان واتّخذه وسيطا لتفسير الظواهر والسيطرة عليها ولإعطاء معنى لوجوده. فما هي خصائص الأسطورة؟
2  ـ خصائص الأسطورة
يؤكّد غارودي على غرار سائر الأنتروبولوجيين المعاصرين مرسيا إلياد وكلود لفي ستروس على أنّ الدراسة النقدية والمقارنة للأساطير تكشف أنّ للأسطورة خصائص بنيوية قارّة رغم تنوّع الأساطير حسب الشعوب والثقافات والعصور فهي :
قصّة: تقال عادة في أسلوب حكائي سردي شفوي.
قصة رمزية: في ظاهرها تروي سيرة أبطال من الآلهة أو أشباه الآلهة وفي باطنها تحتوي على معنى يخصّ وجود الإنسان أو مصيره يدرك عن طريق ممارسة التأويل (إخراج المعنى الباطن من الشكل الظاهر) 
أ ـ مثال أسطورة سيزيف: هي حكاية ملك تطاول على الآلهة واشتهر بالخداع والمكر فعاقبته الآلهة بعد موته بدفع صخرة فوق هضبة كلّما أوصلها إلى القمّة تدحرجت إلى الأسفل  فيضطرّ إلى دفعها من جديد. أمّا مغزاها الباطن فهو حسب كامو  التعبير على الوضع العبثي  للإنسان  فسيزيف هو الإنسان
وقد وجد نفسه في عالم يلفّه الغموض بلا سند ولا هدف يقوم بأفعال لا يجد لها معنى أو تبريرا عقلانيا 
ب ـ أسطورة بروميثيوس: تروي صراع أحد الآلهة مع كبير الآلهة زيوس من أجل الانتصار للإنسان عبر سرقة النار المقدّسة و تزويده بها من أجل طبخ غذائه وإطالة حياته التي حكم زيوس أن تكون قصيرة أمّا مغزاها الباطن فهو التعبير عن ضرورة تسلّح الإنسان بالمعرفة والصّناعة من أجل تأمين مصيره. فبروميثيوس هو رمز التضحية في سبيل خلاص الإنسان
ج ـ قصّة البدايات: فالأسطورة تروي عادة بداية الأشياء وأصلها. فهي تجيب عن السّؤال "ما أصل ؟" عكس السؤال الفلسفي "ما هو ؟" والسؤال العلمي "كيف ؟ "
ترجع أصل الأشياء إلى قوى غيبية آلهة أو أشباه آلهة وإلى الماضي السحيق الزمن الغابر الذي سبق الزمن التاريخي فهي "تقحم المفارق في حياة الناس "
تعكس وعيا جمعيا: فالأسطورة نمط وعي اجتماعي ساد في المجتمعات القديمة التي لم يتكون فيها بعد الوعي الشخصي والرأي الخاص فهي تعبّر عادة عن وعي قوم / شعب وليس عن رأي شخصي
استخلاص: الأسطورة كقصّة رمزية حول أصل الأشياء هي من زاوية فلسفية / انتروبولوجية نمط وعي اجتماعي، نظام رمزي أنتجه الإنسان عبر التاريخ تجسيدا لوجوده النوعي. فما هي وظائف الأسطورة ؟
3 ـ وظائف الأسطورة
يؤكّد غارودي أنّ الأسطورة تلتقي مع الفلسفة والعلم
من جهة الأصل: فهي تنبع من الرغبة الأصلية والدائمة لدى الإنسان في إعطاء معنى للكون ولوجوده فيه. فلإنسان لا يمكنه الإفلات من كماله الخاص وكمال الكائن الإنساني في قدرته على القطيعة مع الوجود المادي المحض وفي استخدام وعيه لإنتاج شبكة من  الرموز تكون وسيطا دالا ّبينه وبين ذاته وبينه وبين الأشياء. الرغبة في تفسير الظواهر والسيطرة عليها هي منبع الأسطورة والفلسفة والعلم وسائر منتجات الوعي .
من جهة الوظائف: و هي :
الوظيفة المعرفية: إذ الأسطورة تمنح الإنسان تفسيرا للظواهر الكونية والاجتماعية تفسيرا قوامه ردّ المرئي إلى اللامرئي، ردّ الظواهر الطبيعية أو الاجتماعية المحسوسة إلى قوى غيبية آلهة أو أشباه آلهة لا مرئية شأنها شأن العلم مع فارق بسيط هو أنّ العلم لا يفسّر الظواهر بردّها إلى قوى غيبية بل بردّها إلى قوانين لا مرئية عقلية ( قوانين ينشؤها العقل بعد إخضاع الظواهر الحسّية لبحث منظّم يجمع بين التجريب والترييض) 
الوظيفة العملية / الأخلاقية: فمن الأسطورة يشتقّ الإنسان المعايير والقيم الموجّهة لسلوكه معايير الخير  والشرّ العدالة والظلم، السّعادة والتعاسة. فهي نظام مرجعي يستمدّ منه الإنسان القيم الضامنة لمعنى وجوده فهي من خلال اضطلاعها بهاتين الوظيفتين "رؤية للعالم" إذ تقوم مقام الخارطة المرجعية التي يسند عليها الإنسان نشاطه المعرفي والعملي ويؤسّس عليها معنى وجوده. فبم يمكن تفسير استمرار الأسطورة حتّى بعد قيام الفلسفة والعلم ؟
4  ـ في استمرار الأسطورة
لئن فقدت الأسطورة دورها المعرفي ووظيفتها التفسيرية في ظلّ هيمنة نموذج المعرفة العقلانية العلمية فهي لا تزال تحتفظ بدورها العملي كموجه للسلوك. بل إنّ الأسطورة اليوم أصبحت شكلا تعبيريا قابلا للتوظيف في أنظمة الرموز الأخرى في الفنّ والرسم والسينما والأدب والصحافة والإعلام وغيرها من مجالات الإنتاج الرمزي. كما تحوّلت من رواية حول الماضي الغابر إلى تخيّل لمستقبل آت. لقد حلّ المستقبل محلّ الماضي كزمن مرجعي  للأسطورة ما جعل مفهوم الأسطورة يتقاطع مع مفهوم اليوطوبيا "وصف لمستقبل خيالي" ( يوطوبيا العصر الذهبي حيث يزول الصراع الطبقي، يوطوبيا نهاية التاريخ ... )
استخلاص عام: الأسطورة نمط وعي تاريخي يتجسّد في شكل قصّة رمزية حول الماضي أو المستقبل من خلالها يشبع الإنسان رغبته في تفسير الكون وإعطاء معنى لوجوده فيه .
المناقشة :
الإضافات :
* إنشاء تقييم إيجابي للأسطورة على أنّها نمط وعي  وتعبير عن رؤية للعالم
* التأكيد على الوظيفة المعرفية والأخلاقية / العملية للأسطورة ما يجعلها تتقاطع مع سائر أشكال الوعي الأخرى حتّى الحديثة منها شأن العلم .
* التأكيد على التقاء العلم والأسطورة حول آلية تفسير المرئي باللا مرئي و السعي إلى إيجاد نظام يحكم الكون ويحدّد منزلة خاصّة للإنسان فيه .
الحدود: إذا كانت الأسطورة تلتقي مع العلم في آلية تفسير المرئي باللامرئي فهل يبرّر ذلك القول بتكافؤهما؟
الحقيقة أنّ العلم كنمط وعي حديث يمثّل تفسيرا عقلانيا يعتمد إجراءات التجريب والترييض وينتج معرفة موضوعية مطابقة للظواهر بينما تقدّم الأسطورة تفسيرا غيبيا الظواهر  يتأسّس التصديق به لا على مدى تطابقه مع الظواهر بل على الإيمان بوجود قوى لامرئية فاعلة فيها. فمقابل الطابع العقلاني
والموضوعي للعلم لا تقدّم الأسطورة سوى تفسير غيبي لا يدعمه أيّ إجراء عقلي. هذا إلى جانب أنّ عقلانية العلم هي عقلانية مطبّقة تنشد النجاعة إلى جانب الحقيقة وترمي إلى تحقيق السيطرة التقنية على الظواهر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق