إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

الخميس، 6 مارس 2014

تدريب على الكتابة: شعبة الآداب

الأستاذ: عبدالسلام الدحماني
الموضوع: ما مدى صحّة الإقرار القائل بأنّ رسم حدود الوعي إعلان عن نهاية الإنسان؟
1 ـ مرحلة الفهم أو العمل التحضيري :
أ) الكلمات المفاتيح :
ـ حدود: الحدّ هو الخطّ الفاصل بين شيئين/ هو حصر امتداد ما / تعيين أفق ما / الحدّ يتعلّق باللا محدود
ـ الوعي: كلّ ما يتعلّق بمجال الإدراك والتفكير والوجود مع الشعور الذي يصاحب الوجود بالوجود. 
ـ نهاية: الموت ـ التهميش / الاكتمال والنضج.
ـ الإنـسان: كائن بيوـ ثقافي هو من جهة عضوية حيّة ومن جهة أخرى نشاط ثقافي ومؤسّساتي .
استنتاج: انطلاقا من الكلمات المفاتيح يمكن استخلاص أنّ الأمر يتعلّق بالإنسان بما هو وعي.  
ب) تحديد المطلوب:
 *من حيث المبنـى :
ـ الموضوع يختبر أطروحة هي التالية 'رسم حدود الوعي إعلان عن نهاية الإنسان' داخل هذه الأطروحة يمكن الكشف عن مراوحة بين.... وبين .....
ما طبيعة هذه المراوحة هل هي من قبيل الإمكان؟ (علاقة تلازمية يمكن التعبير عنها صوريا بأن أ تفضي ضرورة إلى ب)
ـ الموضوع يبحث في مدى صحّة أطروحة ما أي البحث في صحّة الإقرار ثمّ في مداه.
* من حيث المعنى: الأمر يتعلّق باختبار الأطروحة التي تعتبر أن تحديد الوعي ـ والحدّ ضرب من ضروب النقد ـ ينهي الإنسان  ـ يميت ويهمّش ـ
ج) بناء المشكل:
ـ تعيين الإجابة التي ستبنى: إنّ رسم حدود الوعي وإذ يفضي إلى إعلان نهاية الإنسان فإنّ هذه النهاية لا يجب أن تحمل محمل الموت والتهميش وإنّما أيضا محمل الاكتمال والنضج فرسم حدود للوعي يوّطد فهم الإنسان لذاته ويعلن عن بداية جديدة له لا ترتبط بالوعي بل بجوانبه الأخرى أيضا.
ـ بناء الإشكالية في ضوء ذلك: أي حدود يحّد بها الوعي وهل لا يمكن أن تفضي إلاّ إلى الإعلان عن نهاية الإنسان؟
كيف يتلازم فعل بناء حدود الوعي مع الإعلان عن نهاية الإنسان والحال أنّها تؤصل فهمه لذاته ؟
2 ـ مرحلة البناء أو التخطيط :
أ) التخطيط للجوهر:
* التحليل: سندات صحّة الأطروحة: السّؤال: كيف يفضي رسم حدود الوعي إلى إعلان نهاية الإنسان؟
  -أي حدود يحدّ بها الوعي ؟
حدّ فلسفي أبان عن وساطة الجسد في عملية المعرفة وفي الوجود .
حدّ تحليل نفسي أبان عن وجود منطقة خفية هي التي تتحكّم في التفكير وفي الوجود .
 -كيف تعلن هذه الحدود نهاية الإنسان؟
* المحاورة: مدى صحّة الأطروحة السّؤال التالي: ألا يمكن أن تعلن هذه الحدود ولادة الإنسان لا نهايته ؟
 ـ كيف تسهم هذه الحدود في معرفة الإنسان لذاته ؟
إنّها تكشف عن البعد الحسّي المنسي في الإنسان ودوره في تشكيل إنسانية الإنسان. (المصالحة)
إنّها تكشف عن الغموض الذي يكتنف فهمنا لذواتنا في أحيان عديدة ( الخطأ ـ النسيان ـ إدراكنا الأفضل...)
 -أيّ ملامح لهذا الإنسان الذي تولد في إطار رسم حدود الوعي ؟
* ولادة الإنسان ككائن يتجانس فيه الحسّي مع العقلي، الجمالي مع العلمي، الشعري مع التقني ـ كائن الأبعاد.
* ولادة الإنسان الكائن الذي لا تربكه تركيبته الحيوانية وإنّما تدفعه لأن يعيد ترتيب وجوده من جديد.
ب) التخطيط للمقدّمة:
- الانطلاق من موقف شائع: يعرّف الإنسان من خلال تساميه وتعاليه عن المدنّس وبالتالي من خلال وعيه .
- الانطلاق من مفارقة قوامها ما يصاحب كلّ معرفة تبنى حول الإنسان من رجّة تزعزع ثقة الإنسان بذاته .
- الانطلاق من موقف مستبعد يعتبر أن لا شيء يمكن أن ينقص من جوهرية الإنسان .
ج) التخطيط للخاتمة:
- تذكير بالمسار الذي اتّخذته الإجابة في التحليل: ننتهي من خلال كلّ ما تقدّم إلى أنّ حدّ مجال الوعي يعلن عن نهاية الإنسان بالمفهوم التقليدي (جوهر متعال) ولكنّه يعلن في ذات الآن عن ولادة جديدة للإنسان وإذ تكشف عن حداثة هذا الكائن ونضج التفكير فيه فإنّها تعكس تأزّم كلّ تعريف له.
- انفتاح على مسائل جديدة: فأيّ مصير للإنسان بالهشاشة التي له في إطار حضارة ـ استفادت من معرفتها للإنسان  ـ  تهدف إلى التسلّط عليه وتحويله إلى أداة إنتاج ؟
التحليل:
 أوّلا  ـ كيف يفضي رسم حدود الوعي إلى إعلان نهاية الإنسان ؟
1) رسم الحدود لا تتعلّق إلاّ باللا محدود  ç الحدّ يعني حصر امتداد معيّن + وضع خطّ فاصل بين شيئين أو داخل الشيء نفسه .
ç المعني بالتحديد في الموضوع هو الوعي بما هو فكر إدراك عقل. فهل الوعي لا محدود حتّى نضع له حدودا ؟ (اللا محدود هو المطلق اللا متناهي)
أ) الفلسفة عرّفت الإنسان على أنّه حيوان عاقل أرسطو+ أفلاطون + ديكارت (جوهر مفكّر)
خاصّية الوعي جوهرية في تحديد الإنسان وتمثّله لذاته إذ أنّها تعلو عن كلّ ضبط وتحديد .
 ب) مثال ديكارت العقل عنده أعدل الأشياء قسمة بين الناس، لا يقبل من الحقائق إلاّ ما هو واضح و متميّز + الخطأ مصدره الحواسّ لا الفكر،
الجوهر المفكّر وحدة لا متناهية وغير منقسمة تدرك الأشياء المادية والمجرّدة في صفاء وشفافية وهي لذلك مؤهّلة لأن تؤسّس المعرفة من الصفر (الشكّ الجذري)
ç هذا الادّعاء الديكارتي وإن صادرت عليه الفلسفة طويلا لم يصمد أمام التطوّر الذي حصل في منظومات المعرفة وكان من نتائج ذلك التشكيك في الادّعاء الديكارتي .
2) التشكيك اقتضى مراجعة الوعي في صورته التقليدية الكلاسيكية وهذه المراجعة ترتّب عنها وضع حدود للوعيç  الحدود رسمت من زوايا نظر مختلفة منها ما هو فلسفي ومنها ما هو علمي.
أ) الحدّ الفلسفي مع نيتشه و مع ماركس كلاهما وانطلاقا من مرجعياته النظرية والمنهجية أعلن عن زيف تعالي الوعي  وعن تبعيته لظروف وشروط مختلفة: ماركس مثلا وهو فيلسوف الاقتصاد السياسي أعلن أن الوعي نتاج اجتماعي وكونه كذلك فهو خاضع لما يطرأ على المجتمع من تطوّر الوعي لا يتعالى عن المعيش  
* الوعي تابع لا متبوع متحدّد لا محدّد.
لا يتعالى عن التاريخ  ç  هو وعي مادي جدلي. منخرط في الصراع
  *تهميش الوعي والحدّ من المنزلة التي كانت له.
 نيتشه مثلا انطلاقا من منهجه الجينيالوجي رصد أصل الوعي بل أصل الأصل و نعني به محتقرو الجسد فلاسفة الميتافيزيقا الذين اهتموا بالماهيات الثابتة والعمق والباطن وتناسوا السطح، سطح الجسد
والمحسوس "إنّ وراء أفكارك ومشاعرك يقيم سيّد عظيم جبّار هو الجسد "
 ب) الحدّ العلمي مع التحليل النفسي وتدقيقا مع فرويد صار الوعي عنده جزء من كلّ هو الجهاز النفسي (الوعي ليس سوى مهمّة مؤشّرة) بالانتهاء والزوال في الحالات المرضية العصابية كما في انعدام موانع العالم الخارجي. الوعي في وضع درامي تراجيدي في كلّ الحالات. + الوعي ليس سيّدا حتّى في بيته .
3) من خلال الحدّين الفلسفي والعلمي تجلّت لنا نهاية الإنسان بتعيناته التقليدية. ما هي طبيعة هذه النهاية؟
تحمل النهاية على معاني متعدّدة بما هي موت، تهميش، اكتمال، انكشاف العمق :
 -النهاية بمعنى الموت الدلالة المجازية للفظ الموت هنا يتعلّق بموت الوعي وبانقضائه في تعيناته الميتافيزيقية أي الوعي في معناه المطلق .
 موت الوعي عند ماركس تجلّى من خلال تبعية الوعي إلى المحدّدات الاجتماعية + موت الوعي عند نيتشه من خلال تبعية الوعي للجسد + وعند فرويد من خلال تبعيته للا وعي .
ç إقرار حدود اجتماعية جينيالوجية نفسية للوعي في معناه الكلاسيكي والميتافيزيقي أعلن عن نهاية    الإنسان بمعنى قتل وهمّش فيه الصفات التمجيدية والتشريفية التي كانت تحمل عليه بصفته كائنا واعيا
 وألحقته بالصيرورة والتغيّر والحيوانية. أنزلته من تعاليه المزعوم.
  ثانيا  ـ ألا يمكن أن تحمل النهاية محملا آخر غير الموت والتهميش؟ إقرار حدود للوعي واقعة فلسفية علمية تاريخية لا يرتقي إليها الشكّ أمّا إعلان نهاية الإنسان فهو مجرّد استنتاج تأويلي وبالتالي خلافي .
 أ) يمكن أن يكون إعلان نهاية الإنسان إعلان عن اكتماله أي اكتمال العلم به .
هذا موقف يصعب إقراره لأنّه يتناقض مع الفلسفة كما مع العلم. ويتناقض مع طبيعتهما التطوّرية. وبالتالي فإنّ موقف كهذا هو موقف ما قبل علمي وخارج مطلوب الفلسفة. فالإنسان شأنه شأن أي موضوع آخر مفتوح على بحث لا متناهي مثلما أقرّ علم اليوم وفلسفته عن حدود للوعي التقليدي
قد يقرّ علم المستقبل وفلسفته حدودا لوعي اليوم بل للاوعي اليوم. إذن هل إعلان نهاية الإنسان تفيد انكشاف عمقه وتجلّي حقيقته ؟    
  لقد ساهمت الحدود المختلفة للوعي في معرفة أعمق بالإنسان
ـ لقد نزعت عن الإنسان الأقنعة التي طالما توارى وراءها (كان موقفها بمثابة ضربات المطرقة التي أيقظت الإنسان من سباته وأوقفته على حقيقته)
ـ قاومت فيه السذاجة و الوهم والزيف ودفعته إلى مواجهة ذاته، ذكّرته بالمنسي فيه وبالمسكوت عنه (الجسد  ـ الرغبة ـ الجنس) وأقنعته بأنّ ذلك من متعلّقات طبيعته .
ثالثا ـ بقطع النظر عن طبيعة هذه النهاية فإنّ ذلك يدفع إلى :
 * مراجعة القناعات الراسخة حول الوعي كمراجعة مفهوم الهوية أنا / آخر كامن في(لاوعي، جسد، مجتمع)
* مراجعة منهج الحقيقة في مبحث الإنسان أي التوسّل بالتأويل منهجا وبالمعنى غاية.
* الكشف عن استتباعات ما ترتّب عن ذلك من إمكانية تسلّط على الإنسان من خلال تشكيل ملامحه النفسية وشخصيته على نحو مماثل وشبيه حتّى تسهل السيطرة عليه .
الخاتمة: إنّ ما أبان عنه رسم حدود الوعي يقتضي مراجعة كامل المشروع الفلسفي كما يفضي إلى استشراف بعض ملامح مستقبل الإنسان في علاقته بذاته وفي علاقته بالعالم  ممّا يعني أنّ النهاية ليست سوى خلق لسبل ولإمكانات فلسفية جديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق