إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

السبت، 12 مايو 2012

الدولة: حوصلة للمسألة

القيم بين النسبي والمطلق ـ  الدولة: السّيادة والمواطنة.
الأستاذ: سامي الملّولي
1 ـ دلالة الدولة:
حدّد جون لوك دلالة الدولة: « يبدو لي أنّ الدولة جماعة من الناس تكوّنت لغرض وحيد هو المحافظة على خيراتهم المدنيّة و تنميتها و أنا أقصد بـ " الخيرات المدنية " الحياة و الحرّية  و سلامة البدن و حمايته  ضدّ الألم و امتلاك الأموال الخارجية مثل الأرض و النقود و المنقولات، الخ »
۞ الدولة هي كيان سياسي و قانوني مُنَظِّم وم ُنظِّم يتمثّل في مجموعة من الأفراد يُقيمون على أرض محدّدة و يخضعون لتنظيم سياسي و قانوني و اجتماعي تفرضه سلطة عليا تتمتّع بحقّ استخدام القوّة.
ـ دلالة السّيادة:
تُحيل السّيادة على الرّفعة و السّمو، كما تحيل على دلالة قانونية وهي القاعدة العليا للنظام و تتمثّل في السلطة التي لا تخضع لأيّ سلطة أخرى داخلية كانت أم خارجية. لتكون السّيادة هي السّلطة العليا و تهدف تحقيق التماسك و الوحدة للبلاد أو المجتمع.
۞  تحيل السّيادة على الاستقلاليّة في أخذ القرار.
 3 ـ دلالة المواطنة:
هي منظومة  من الحقوق و الواجبات و بالتالي فإنّ المواطنة هي تكريس لسلطة القانون. ممّا يجعلنا أمام تثبيت العلاقة بين المواطنة و السّيادة أو بعبارة أخرى بين المواطنة و الدولة ككيان سياسي  و قانوني منظّم.
I   ـ إشكالية العلاقة بين السّيادة و المواطنة:
عدّت المسألة السياسية مسألة مفرطة في الحساسيّة و الإرباك لما تتضمّنه من إحراجيّة للممارسة السياسية. من ذلك طرح العلاقة بين السّيادة و المواطنة وهي مسألة على غاية من الإلغاز و الزئبقيّة نظرا لتعدّد أوجهها.
 1  ـ في علاقة التعارض بين السّيادة و المواطنة:
إنّ طرح مسألة العلاقة بين السّيادة و المواطنة من زاوية التعارض تُحيلنا على الأطروحات القائلة بالسّيادة المطلقة للدولة و بالتالي على الأنظمة الاستبدادية، أي أنّنا أمام مقاربة تنظر للسّيادة استبدادا و للمواطنة مجرّد رعيّة خاضعة، من ذلك ما كان الكواكبي قد أكّد عليه « العوامّ هم قوت المستبدّ و قوّته بهم عليهم يصول و بهم على غيرهم يطول » لتكون دلالة السّيادة هي السّلطة المطلقة للحاكم و بالتالي يكون الحكم متقوّما على إرادة فرديّة تحرّكها الأهواء تماما فإنّ باكونين ينقد التصوّرات الميتافيزيقية و التعاقديّة التي يراها مجرّد أطروحات تمجّد الدولة و تختزل فيها العدالة و تجسّم الأخلاق « ما الدولة ؟ يجيبنا الميتافيزيقيون و المختصون في الحقوق أنـّها الشأن العام، المصالح و الخير المشترك و حقّ جميع الناس المشترك... لنحلّل في البداية فكرة الدولة ذاتها كما يقدّمها لنا هؤلاء المدّاحين إنـّها التضحيّة بالحرية الطبيعية و بمصالح كلّ واحد. ...» أن تكون الدولة هي الشأن العام فإنّ ذلك يستوجب التضحيّة بالحقوق و لعلّ ذلك ما دفع باكونين إلى مماثلة الممارسة السياسية باللاهوت الديني لنكون أمام لاهوت سياسي يفرض نفس القدسيّة و الخضوع على الناس بل إنّ هذا اللاهوت يفرض التنازل عن الحقوق و الحريّات لتكون الدولة "مقبرة الحريّات" أو هي كما شدّد على ذلك باكونين "مذبح الدين السياسي" فالتعارض بين السّيادة و المواطنة يكمن في تحوّل السّيادة إلى استبداد واحتكار للعنف يقول ماكس فيبر«  لا يمكن تعريف الدولة إلاّ بالاستناد إلى الأداة التي هي من أخصّ خصائصها و نقصد بها العنف المادي. » تعتمد الدولة على العنف لكي تضمن احترام سيادتها، لذلك أكّد ماكس فيبر على ارتباط الدولة بشكل جوهري و ماهوي بممارستها للعنف ذلك أنّ العنف بالنسبة للدولة هو ما يحدّد مجال تمظهرها و حقل أو حقول ممارساتها « فهو وسيلتها النوعية » وهو ذات الموقف الذي كان تروسكي قد انتهى إليه حين قال « إنّ كلّ دولة إنّما تقوم على القوّة » فعلاقة التعارض هي تأكيد على انفراد بالسّلطة و جعلها السّند الوحيد في الحكم، رغم أنّ فيبر يميّز بين نوعين من العنف، عنف شرعي و عنف غير شرعي ليكون العنف الشرعي هو العنف القانوني الذي تمارسه الدولة عبر مؤسّساتها. تماما فإنّ بول ريكور قد بيّن علاقة الترابط بين السّلطة والسّياسي « السّلطة هي البنية الأساسيّة للسياسي، إنّها تـُقحم كلّ أنواع علاقات الحاكم بالمحكوم ». علاوة على ذلك، فإنّ العودة إلى التصوّر التعاقدي مع هوبس تبيّن أنّ الدولة تتأسّس على حاجة الإنسان للأمن وهو رهان لا يتحقّق إلاّ من خلال التنازل الكلّي عن الحقوق و الحرّيات الطبيعيّة لصالح شخص أو مجلس أو هيئة و بعبارة تختزل الفكرة التنازل عن حرّيات وحقوق لصاحب السّيادة الذي يكون خارج العقد حتّى لا يكون خاضعا لأيّ تراتيب عقديّة، و بالتالي  إعلان حالة الولاء و الطاعة لصالحه تلقائيا. وهو ما يجعل من نظام الحكم نظاما استبداديا بل إنّ هوبس يعتبر هذا النظام هو الحلّ الأمثل للحدّ من طبيعة الإنسان الشرّيرة  و التي أفرزت حالة حرب شاملة بين الناس و عنف مدّمر لذلك يكون صاحب السّيادة خارج العقد حتّى يمارس الهيمنة و يُجبر الرعيّة على الطاعة المطلقة. حضور السّيادة و غياب المواطنة  رغم أنّ هوبس يذكرها في كتابهالتنّين " لكن المواطنة الهوبسية هي في حقيقة الأمر مجرّد رعيّة، حزمة من الواجبات دون حقوق أو حرّيات بما أنّهم تنازلوا عنها.
 2 ـ في علاقة التوافق بين السّيادة والمواطنة.
إذا كان العنف هو ماهية الدولة وهو ما يقيم تعارضا وتقابلا بين السّيادة  و المواطنة و بالتالي بين الدولة والحقّ فإنّ عديد الأطروحات و التصوّرات التي عملت على إيجاد علاقة توافقية بين سيادة الدولة و حقوق المواطنة، و بالتالي التشريع لسلطة الدولة دون إتلاف للمواطنة أو التنازل عن مقوّماتها المتمثّلة في جملة من الحقوق، من ذلك نجد التصوّرات التعاقدية مع سبينوزا و جون لوك و جون جاك روسو...  فإذا كانت سيادة الدولة قد تحدّدت بممارسة السّلطة فإنّ لوك مثلا يحتكر هذه السّلطة في الحفاظ على "الخيرات المدنية" و تنميتها، تماما فإنّ سبينوزا يؤكّد على علاقة توافقية تؤسّس للديمقراطية بما هي "كلمة السرّ" التي تجسّد هذه العلاقة، علاوة على ذلك، فإنّه يُشدّد على تحديد غاية الدولة في تحقيق الحرّية و الكرامة الإنسانية أي تحقيق  المواطنة فيعمّق دلالتها و لعلّ المقارنة التي يقيمها بين طاعة العبد لسيّده و طاعة الابن لأبويه وطاعة المواطن ما يعمّق هذه القيمة للمواطنة  « هناك فـرق كبيـر بين العبد و الابن و المواطن، نصوغه كما يلي: العبـد هـو من يضطـرّ إلى الخضوع للأوامر التي تحقـّـق مصلحة سيّده،  و الابــن هـو من يُنفـّذ بناءً على أوامر والديْه، أفعالا تحقــّق مصلحته الخاصّة،  و أمّا المواطن فهو يُنفـّـذ بناءً على أوامر الحاكم، أفعالا تحقـّـق المصلحة العامّة  و بالتالي مصلحته الشخصيّة». وهو ذات الموقف الذي كان روسو قد عمل على تجسيده من خلال رفع الالتباس  في علاقة الطاعة بالحرّية و تبديد كلّ أشكال المفارقات بينهما من خلال تصوّر مخصوص للعقد الاجتماعي يؤسّس لدولة ديمقراطية لا تناقض فيها بين السّيادة و المواطنة، ذلك أنّ الإرادة العامّة بما هي مجموع الإرادات الفرديّة هي الكفيلة لجعل الطاعة قمّة الحرّية و التنازل عن الحقوق و الحرّيات الطبيعيّة مطلبا لتأسيس حقوق و حرّيات بديلة وحقيقيّة هي الحرّيات  و الحقوق المدنيّة التي يكفلها العقد الاجتماعي. فإذا كانت القوانين هي التي تعبّر بها الإرادة العامّة عن سيادتها فإنّ طاعة الفرد لها هي طاعة لذاته بما أنّ إرادته الفرديّة هي أحد الإرادات الفرديّة التي توحّدت فكوّنت الإرادة العامّة حيث كان التنازل عند روسو عمليّة تجميع و توحيد للإرادات الفرديّة في إرادة واحدة تكون ضامنة لعلاقة توافقية بين السّيادة و المواطنة وقادرة على عدم الانخراط في نظم استبدادية اعتمادا على طبيعة الإنسان الخيّرة التي يؤسّس من خلالها روسو فرضيته عن الحالة الطبيعيّة بما هي حالة هادئة و لتكون مرحلة ذهبيّة يعمل العقد الاجتماعي على محاكاتها.
II    ـ مقتضيات السّيادة الوطنيّة و مطلب المواطنة العالمية.
1  ـ مشكل السّيادة الوطنيّة و حقوق الإنسان:
لعلّ الأطروحات التي تؤكّد على علاقة التوافق كانت موضع نقد سواء كان ذلك النقد يؤسّس للبديل أو غير مؤسّس، فالتصوّرات الفوضويّة ولا سيما مع باكونين قد اعتبرت الدولة "مذبح الدين السياسي الذي تقدّم فيه القرابين" و بالتالي فنحن أمام أطروحة تقول بالانعدام التامّ للتّوافق بل إنّ مسألة التوافق غير مطروحة بقدر ما تعمل هذه الأطروحة على بيان ضرورة زوال الدولة بما هي دولة السّلطة و التّضحيات بالحرّيات و الحقوق. تماما فإنّ ماركس قد مارس النقد على دستور 1793 الذي يشرّع للحرّية و الملكية و المساواة، وهي حقوق مدنية تكرّس للإنسان الأناني و لمواطن مجتمع بورجوازي لا يأخذ بعين الاعتبار الجماعة. تماما فإنّ حنّا أرندت قد جعلت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لـ 10 ديسمبر 1948 موضع نقد والذي ترى فيه ملامح إنسان لا وجود له بل إنّ الإعلان يكرّس حقوق الشعوب المستعمرة أكثر من كونه يترجم حقوق الإنسان. إنّ التظنّن في واقع حقوق الإنسان الذي تؤسّس لها المواثيق الدولية  و الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان و التصوّرات التعاقديّة للدولة و الأطروحات المؤسّسة للأنظمة الديمقراطيّة و لأرضيّة تتواجد عليها المواطنة بما هي شريكة في الحكم و أخذ القرارات كما بيّن ذلك كاستلاس، يجعلنا نواجه واقعا تراجيديّا لحقوق الإنسان ممّا يشرّع للمقاومة.
تؤسّس الديمقراطية لمجتمع مدني يسود فضاءه القانون على أساس جدلية الحقّ و الواجب بحيث تتحدّد المواطنة من خلال هذه الجدلية. غير أنّ كلّ عملية اختراق لهذه الحقوق تؤدّي إلى اهتزاز صورة المواطنة، و تحوّل السّيادة إلى سيادة استبدادية، ممّا يستوجب المقاومة للحدّ من غطرسة السّلطة السياسية. إنّ انتهاك حقوق الشعب يُعدّ نيلا من سيادته و بالتالي من سيادة الدولة المتأسّسة على التصوّر الديمقراطي. يقول ديدرو " إنّ حقّ المعارضة يبقى حقّا مقدّسا مهما كان غير معقول لأنّ الرعيّة بدونه تصبح أشبه بقطيع الحيوانات الذي لا يلتفت لذاته فجوهر الديمقراطية حسب ألان يكمن في ممارسة الشعب لسيادته من خلال مراقبة أعمال الدولة انطلاقا من قاعدة المصلحة العامة.
2 ـ مشكل المواطنة العالمية و استقلالية القرار الوطني:
 تحيلنا فكرة المواطن العالمي على التحرّر من الحدود الجغرافية الضيّقة  و رفض التعصّب و الانغلاق على هويّة أو قومية محدّدة. و بالتالي فنحن أمام مطلب يحقّق انفتاح الإنسان على الإنسانيّة جمعاء، و يتجاوز أفق الدولة الوطنيّة و حدودها بل تتجاوز المواطنة القطرية المحدودة. علما و أنّ المواطنة العالمية تحيلنا على كونيّة حقوق الإنسان. و لعلّ ما كان تاسان قد بيّنه في تحديده للمواطنة العالمية في اعتبارها انتماء إلى العالم المشترك لتكون المصلحة العامة هي ما يراهن عليه هذا المواطن. تماما فإنّ كاستلاس يعتبر الهجرة والتهجير عوامل لخلق نمط جديد من المواطنة هي المواطنة العالمية. التي تتجاوز كلّ المحدّدات الذاتية  أو الخصوصيّات. تماما فإنّ المواطنة العالمية لا تتحقّق إلاّ بالارتباط  و الانتماء إلى الدولة دون التنكّر لحقّ الاختلاف الثقافي وهو ما أكّد عليه كاستلاس لحظة إقراره بأنّ المواطنة العالمية هي اعتراف بالتنوّع الثقافي و العرقي. إنّ المواطنة العالميّة اليوم ليست نتاج تصوّرات حقوقيّة بقدر ما هي صنيعة وسائل الإعلام و التقنيات الحديثة لتتحوّل إلى أحد البضائع التي تروّج لها العولمة  و التي تكون قابلة للاستهلاك السريع تماما كما أنّ المواطنة العالمية ارتبطت بالأسواق الحرّة و استهلاك البضائع العالمية ليكون السّوق هو مجال تمظهر المواطن اليوم. إنّ فعل المقاومة ليس حكرا على مواطنة تجاه الدولة لضمان الحقوق بل هي أصبحت خاصية الدولة للدّفاع عن سيادتها الوطنيّة و استقلالية قراراتها من هيمنة عولمة الاقتصاد و عولمة القيم وعولمة المواطنة... فقد تتحوّل العولمة بكلّ تمظهراتها تهديدا لسيادة الدولة و قد تتعدّى ذلك لتهدّد المواطنة إذا ما سلّمنا أنّ سيادة الدولة تعني سيادة مواطنيها و أنّ عولمة المواطنة مساس من استقلالية الدولة و سيادتها في قراراتها. لا سيما إذا ما استحضرنا أنّ العولمة قد قوّضت البعد السياسي و المدني للمواطنة و كرّست الأولوية للبعد الاقتصادي و تكريس ثقافة السوق و لديمقراطية و قيم ليبيرالية لنكون أمام مجتمع الخدمات أو هي إحدى خدمات مجتمع الخدمات الذي يتقوّم على العزلة و الانعزال حيث تتعامل العولمة مع الأفراد داخل المجتمع و لا تتعامل مع المجتمع في كليّته. و المواطنة الجديدة مبنيّة على الاستهلاك و الامتلاك.

هناك تعليق واحد:

  1. allah youjézika 5ayran ya oustedh : chokran laké 3ala hédhihi al ma3loumet arjou menka an témidouna bil kathir

    ردحذف