إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

الخميس، 22 مارس 2012

الفنّ و الحقيقة عند هيدجر

غادة محمود الإمام  (*)
 معالجة هيدجر  M. Heidegger للفنّ من حيث انتمائها إلى مجال علم الجمال و فلسفة الفنّ بوجه عام، كانت ـ و لا تزال ـ مثار خلاف بين الباحثين، فمنهم من يُسلّم بأنّ معالجة هيدجر للفنّ تنتمى إلى مجال علم الجمال، و إلى هذا ذهب كايلن Kaelin الذى يستنكر إهمال المساجلات الفلسفية المعاصرة الدائرة حول علم الجمال الفينومينولوجى لإسهام مارتن هيدجر فى هذا الصددوعلى النقيض، نجد هوفشتاتر Hofstadter يُخرج ـ من البداية ـ معالجة هيدجر من دائرة علم الجمال، بل و من دائرة فلسفة الفنّ بوجه عام، على أساس أنّ تفكيره في الفنّ لم يكن مُهتمًّا بالعمل الفنّي باعتباره موضوعاً لخبرة جمالية. و لكن، الحقيقة أنّ هذا الموقف الأخير فيه شيء من التطرّف. فالقول بأنّ معالجة هيدجر للفنّ ليست مُهتمّة بقضية الخبرة الجمالية، ليس مُبرّراً لاستعباد هذه المعالجة من نطاق فلسفة الفنّ على الأقلّ ـ(1)  
 و ليس معنى أنّ هيدجر يُهمل قضية الخبرة الجمالية أنّه يهمل قضية الخبرة بالفنّ عموماً. فهو يهمل فقط الخبرة الجمالية كما تبدو له في معناها التقليدى، و يريد أن يستبدل بهذا المعنى رؤية جديدة للخبرة بالعمل الفنّي. و ربّما يكون عنوان هذه الدراسة ـ وهو "الفنّ و الحقيقة عند هيدجر " دالاًّ على أسلوب هيدجر الجديد في معالجته للفنّ الذى يسلك فيه اتّجاهاً مضاداً للفلسفات الجمالية السابقة عليه و المعاصرة له؛ إذ كان الاتّجاه السائد منذ بداية القرن العشرين ينظر إلى الفنّ من جهة الاستطيقى، أي من جهة الجمال في الفنّ أو البعد الجمالي للفنّ. و لقد بلغ هذا الاتّجاه ذروته في النزعة الشكلانية في الفنّ، أي النظر للفنّ على أنّه صورة مُعبّرة فحسب، تكمن في القيم الفنّية و التشكيلية للعمل. و لقد أدّت المغالاة في هذه النزعة الشكلانية إلى حالة اغترابية للفنّ أصبح فيها الفنّ منعزلاً عن وجودنا و عالمنا الإنساني. و مفتقراً إلى أي دلالة أنطولوجية، فجاء تناول هيدجر للفنّ مقوّضاً لهذا الاتّجاه و مؤكّداً على أنّ الإبداع الفنّي تعبير عن حقيقة الوجود. و الحقيقة أنّ موضوع هذه الدراسة يُثير بذلك تساؤلات عديدة يمكن صياغتها على النحو التالي: هل يمكن وضع الفنّ في علاقة ضرورية مع الحقيقة بحيث يشكّلان مبحثاً واحداً، و ما طبيعة هذه العلاقة ؟، و هل وضع الفنّ في علاقة ضرورية مع الحقيقة و الوجود يعنى إبطال البحث في الفنّ من جهة الجميل في الفنّ ؟، و من ثمّ هل يصبح تناول هيدجر للفنّ في قطعية مع علم الجمال الذى يتناول الفنّ من جهة الجميل في الفنّ ؟  و لا شكّ أنّ محاولة فهم التساؤلات السالفة هي ما ستكشف لنا عن حقيقة معالجة هيدجر للفنّ، و إلى أي حدّ تُعدّ إجاباته و معالجته استطيقية.
أصل (ماهية) العمل الفنّي عند هيدجر:  لقد أثار هيدجر فى مقالته عن أصل العمل الفنّي قضية الدور التاريخي للحقيقة في سياق مناقشته للفنّ؛ إذ يُعدّ الفنّ بالنسبة لهيدجر أحد الأساليب التي تحدث فيها الحقيقة. و من ثمّ، أصبحت العلاقة بين الفنّ و الحقيقة مسألة ملحّة لديه. فهيدجر حينما يطرح السؤال عن أصل العمل الفنّي، فإنّه يطرحه معتمداً على ذلك النحو، بحيث يستدعى الإجابات التقليدية و التأمّلات العقيمة في التفكير الجمالي التي كانت تدور حول عبقرية الفنّان و الإلهام، و يعلّمنا ألاّ نفكّر بهذه المصطلحات، و أنّ نفكّر في الفنّ بدلاً من ذلك بوصفه أصلاً يعلن و يحفظ الحقيقة الماهوية لحقبة تاريخية.  و لهذا، اتّجه هيدجر مباشرة لدراسة العمل الفنّي باعتباره ظاهرة معاشة باحثاً عن أصله.  إذن، فما المقصود بالأصل هذا ؟  إنّ الأصل هنا يعنى ذلك الذى منه، و من خلاله، يكون شيء ما، ما يكونه و على نحو ما يكون. فما يكونه شيء ما ـ على النحو الذى يكون عليه ـ نُسمّيه ماهيته. فأصل شيء ما هو مصدر طبيعته، و من ثمّ فإنّ السؤال عن أصل العمل الفنّي، هو سؤال عن مصدر طبيعته (2) و يعنى ذلك أنّه سؤال تفهم من خلاله طبيعة العمل الفنّي ابتداءً من العمل الفنّي نفسه فيما يكوّنه و على النحو الذى يكون عليه، أي من خلال أسلوبه الخاصّ في الوجود. و هذا هو المعنى الذي يفهم به هيدجر كلمة الماهية، التي لا تعنى ما يكونه الشيء فحسب، و إنّما الكيفية أو الأسلوب الذى يكون عليه الشيء أيضاً. و لقد ارتدّ هيدجر فى فهمه هذا للماهية إلى أصلها الألماني القديم، حينما كانت كلمة الماهية تعنى  Wesan التي تشير إلى تلك العملية ـ  أي عملية الحدوث ـ  Happening  التي يظهر فيها شيء ما، و يظلّ و يبقى على ما هو عليه.(3)  و هكذا، فالسؤال عن أصل العمل الفنّي هو سؤال عن طبيعة العمل الفنّي و أسلوبه الخاصّ في الوجود. و لكن، أين يمكن أن نلتمس أصل العمل الفنّي ؟ وفقاً للنظرة الدارجة ـ  كما يعتقد هيدجر ـ يمكن أن نلتمس أصل العمل الفنّي في الفنّان باعتبار أنّ العمل الفنّي هو مجرّد نتاج لنشاط الفنّان. و لكنّه يعود فيتساءل، بِمَ و من أين يكون الفنّان فنّاناً ؟ بالعمل الفنّي، و ذلك يعنى أنّ العمل الفنّي هو المجال الذى يمكن أن نتعرّف فيه على نشاط الفنّان. و بذلك فإنّ الفنّان يكون أصلاً للعمل الفنّي مثلما يكون العمل الفنّي أصلاً للفنّان، فلا يكون أحدهما ما يكونه بدون الآخر و مع ذلك لا يستند أو يعتمد أحدهما بمفرده على الأخر. و لكن في ظلّ العلاقة المتبادلة بين الفنّان و العمل الفنّي يستمدّ كلّ منهما اسمه من عنصر ثالث ألا وهو الفنّ. و هكذا، فإنّ الفنّان هو أصل العمل الفنّي، و العمل الفنّي أصل للفنّان، والفنّ هو أصل للفنّان و العمل الفنّي على السواء، وهو الذى يمنحهم اسمهما. و لكن، إذا كان الفنّ أصلاً لكلّ من الفنّان و العمل الفنّي، فكيف و أين يمكن أن نلتمس طبيعة و وجود الفنّ ؟ لقد صرّح هيدجر فى مقالته أنّ " الفنّ لا يشير إلى شيء أكثر من مجرّد كونه لفظاً أو مفهوماً مجرّداً نشير به إلى مجموعة من الوقائع المُشخّصة التي نلتقى بها في عالم الواقع حينما نشهد أعمالاً فنّية و فنّانين، و إلاّ لما كان في مقدورنا أن نتحدّث عن الفنّ أصلاً(4) . و يفهم من ذلك أنّ السؤال عن أصل العمل الفنّي يصبح سؤالاً عن طبيعة الفنّ نفسه، التي يستدلّ عليها من العمل الفنّي. و يعنى ذلك أنّ هيدجر يريد أن يرى ماهية الفنّ في العمل الفنّي، على أساس أنّ: الفنّ يكون حاضراً أو ماثلاً في العمل الفنّي(5)  و لهذا سيتّجه هيدجر إلى أعمال فنّية واقعية، و سيدعها تكشف لنا عمّا تكون و كيف تكون.  فما أوّل ما نلتقى به في العمل الفنّي إذن ؟ يقول هيدجر إنّ "الأعمال الفنّية مألوفه لكلّ فرد منّا فأعمال المعمار و النحت يمكن مشاهدتها مُنتصبة في الأماكن العامة، و فى الكنائس، و حتّى في أماكن السكنى و المعارض. و نحن إذا نظرنا إلى الأعمال الفنّية في وجودها الغفل ـ و لا نخدع أنفسنا ـ فإنّها ستبدو لنا حاضرة بشكل طبيعي كحضور الأشياء" (6). و هكذا فإنّ أوّل ما يؤكّد عليه هيدجر في بحثه عن أصل العمل الفنّي هو شيئيّة العمل الفنّي، إذ أنّ الأعمال الفنّية نلتقى بها في حياتنا اليومية كأشياء. فهذا الطابع الشيئي في العمل الفنّي لا يمكن إنكاره. فهناك شيء ما حجري في الصرح المعماري، و شيء ما خشبي في العمل الحفرى، و شيء ما ملوّن في اللوحة، حتّى إنّنا قد نختزل وجود العمل الفنّي في هذا الطابع الشيئي. و لكن، على الرغم من أهمّية هذا الطابع الشيئي في العمل الفنّي، إلاّ أنّنا لا يمكننا فهم العمل الفنّي ابتداء من طابعه الشيئي. فالعمل الفنّي أكثر من مجرّد شيء، لأنّه ببساطة يكشف لنا عن شيئية الشيء، أي ماهيته. و من ثمّ، إذا كان العمل الفنّي يحدث في خبرتنا الأوّلية بوصفه شيئاً، إلاّ أنّ أسلوب وجود العمل الفنّي كشيء يختلف عن أسلوب وجود سائر الأشياء المحضة أو الخالصة.  إذن ، فما هو الشيء ؟ لقد ساد في الفكر الغربي السابق على هيدجر ثلاثة تفسيرات للطابع الشيئي للشيء: التفسير الأوّل: يرى الشيء بوصفه جوهراً substance حاملاً لمجموعة من الخصائص المميّزة له، فقطعة الجرانيت (على سبيل المثال) كشيء محض أو خالص تُعدّ صلبة، ثقيلة، خشنة، معتّمة إلى حدّ ما، و مضيئة إلى حدّ ما. فإنّنا يمكن أن نلاحظ كلّ هذه الخصائص على قطعة الجرانيت، و لكنّ هذه الخصائص ما زالت تشير إلى الشيء. و ليست هي الشيء ذاته و على هذا الأساس يرى هذا التفسير الشيء وفقاً لمظهره الخارجي فحسب بحيث لا يُميّز الشيء المحض عن سائر الاأشياء الأخرى، طالما أنّه لا ينفتح على جوهر العنصر الشيئي للشيء بطابعه المطلق و المستقلّ بذاته(7)   و التفسير الثاني: يرى الشيء بوصفه حشداً من المعطيات الحسّية، بمعنى أنّه الموضوع المدرك حسّياً بواسطة إحساسات السّمع، و البصر، و اللّمس. و لكن، هذا التفسير يبعدنا عن الشيء ذاته، في حين أنّ هيدجر يؤكّد على أهمّية الشيء، لأنّه حتّى في مجال الإدراك الحسّي للأشياء لا نتلقّى مجرّد انطباعات حسّية خالصة يمكن أن نختزل إليها وجود الشيء المحسوس، لأنّنا ـ كما يقول هيدجر ـ لا يمكن أن نسمع أصواتاً خالصة، أي لا يمكن أن نسمع بمنأى عن الأشياء. "فالأشياء ذاتها أقرب إلينا من كلّ الإحساسات، فنحن في المنزل نسمع صوت الباب ينغلق، و لا نسمع أبداً إحساسات سمعيّة، أو حتّى مجرّد أصوات فلكي نسمع صوتاً محضاً فإنّ هذا يقتضى أن نسمع بمنأى عن الأشياء، و أن نصرف أذننا عنها، أي نسمع بطريقة مجرّدة "(8). ففي حقيقة الأمر، إنّ فكرة الإدراك الحسّي الخالص فكرة مجرّدة لا معنى لها في دنيا التجربة الحيّة المباشرة، لأنّها ـ كما يقول جادامر :" في المقام الأوّل تغفل معنى الظاهرة و تتناسى أنّ هناك في المرأى شيئا ما ليشاهد  و يرى(9)"  أمّا التفسير الثالث: فهو أقدم و أشهر التفسيرات عن الشيء، و الذي يرى الشيء بوصفه مادّة متشكّلة، بمعنى أنّ الشيء يتّخذ مادّته صورة معيّنة من أجل تحقيق غاية خارجية. و لكنّ، هذا التفسير لم يكشف لنا عن طبيعة الأشياء المحضة، إذ أنّه ينطبق كذلك على كلّ الموجودات. فالأداة ـ مثلاً ـ هي أشياء مصنوعة ينظر إليها باعتبارها مادة يضفى عليها صورة معيّنة مستنفدة في غرضها الخارجي. و هكذا، فإنّ المادة و الصورة لا يمثّلان تحديداً أصيلاً للطابع الشيئي للشيء المحض، و إنّما يعدّان تجاوزاً أو تعدّياً على وجود الشيء المحض (10)فما هو الشيء في العمل الفنّي ؟ من مجمل ما سبق يتبّين لنا أنّنا لا نستطيع فهم الطابع الشيئي للعمل الفنّي من خلال محاولة فهم الشيء المحض، و من ثمّ يحاول هيدجر فهم تلك الشيئية من خلال فهم الشيء المصنوع أو الأداة. يرى البعض أنّ العمل الفنّي شيء مُصنَّع أو مُنتَج؛ و ذلك استناداً إلى أنّ الفنّان يستخدم الحرفة، و يعتمد على المادة في عمله الفنّي، و ينتجه بيده. و مع ذلك، فهناك اختلاف بينهما. فمادة الأداة تكون مُستنفدة تماماً في تلك النفعية، أي تكون مستهلكة و متلاشية في الشيء المصنوع أو الأداة. و فى هذا المعنى يقول هيدجر فى كتابه "الوجود و الزمان": " إنّ الأداة هي ـ أصلاً ـ شيء ما من أجل(11).  بمعنى أنّ كلّ أداة توجد كي تؤدّي وظيفة معيّنة، فوجود الأداة برمّته لم يكن إلاّ وسيلة لتحقيق الأداة وظيفتها، بحيث لا وجود للأداة في ذاتها، و إنّما تعرف على النحو الذى تكون عليه في الاستخدام. فأهميّة المطرقة مثلاً، تكمن في فاعليتها في أداء مهمتّها. و هذا على العكس من المادة في العمل الفنّي، حيث أنّ العمل الفنّي يُبقي على المادة و يظهرها؛ إذ تُعطى المادة بكلّ كيانها الخاصّ، ليس لأجل غرض أو غاية خارجية. فالمادّة (أو الشيء) في العمل الفنّي يستخدم و لا يستهلك."  فمن المؤكّد أنّ النحّات يستخدم الحجر تماما مثلما يستخدمه البنّاء. و لكنّه لا يستهلكه "(12). و معنى هذا أنّ الشيء (أو المادة) في العمل الفنّي يكون شيئا حاضراً، و ليس شيئا متلاشياً أو مستهلكاً. فالعمل الفنّي يظهر شيئية الشيء و لا يحجبها عنّا. هذه الشيئية التي تكمن في أسلوب الشيء الخاص في الوجود الذى لا يمكن استبداله. فهي طابع فريد يكون ماثلاً و حاضراً في الشيء بكلّّ كيانه و هويّته كالإجمات في الحجر، و التّلألؤ في الألوان. و لهذا السبب يرى هيدجر أنّ العمل الفنّي هو شيء ما أكثر من مجرّد شيء، و أكثر من مجرّد أداة ، بل فيه تتكّشف ماهية الشيء و ماهية الأداة، إذ يكشف بأسلوبه الخاصّ عن حقيقة أو ماهية الموجودات، بل و الوجود نفسه. فما أسلوب العمل الفنّي إذن في الكشف عن حقيقة الوجود ؟  تَكشّف الحقيقة و الوجود في إبداعية العمل الفنّي:  إنّ هيدجر ـ  في بيان الأسلوب الذي به يكشف العمل الفنّي عن الحقيقة و الوجود ـ قد اختار أمثلة عديدة، أو من بينها مثال المعبد اليوناني كعمل فنّي، الذى يرى هيدجر أنّه لا يصوّر أو يمثّل شيئا خارجه و مع ذلك هناك الكثير ممّا يمكن أن يقوله لنا هذا العمل الفنّي، فكما يقول هيدجر " إنّ المبنى ـ كمعبد من معابد اليونان ـ لا يصوّر شيئا ، و إنّما ينتصب هناك في وسط الوادي المُشتقّ الصخور  إنّ المبنى ينطوي في داخله على صورة أو شخص الإله، وهو في هذا التحجّب يجعله يظهر بوضوح في الفناء المقدّس من خلال الرواق المفتوح  فبواسطة معنى المعبد يكون الإله حاضراً في المعبد"(13)  و يعنى ذلك أنّه من خلال المعبد ـ كبناء معماري فنّي ـ يهبط الإله إلى الأرض، أي تنكشف حقيقة العالم الإلهي من خلال الوسيط المادي الذي فيه وعليه يتكشّف عالماً، و العالم الذي يتكشّف و يتفتّح هنا هو العالم الإلهي. و يعني ذلك أنّ المعبد يتيح للإله أن يظهر في حقيقته أو يحضر بنفسه كما يكون أو على النحو الذى يكون عليه. و هكذا،فإنّ الأعمال المعمارية العظيمة تكشف عن شكل ما من أشكال الإيمان و العقيدة الإنسانية، كما تتجلّى في رؤية شعب ما، أي رؤية الإنسان للإله أو رؤية العالم الإلهي كما يتجلّى للإنسان"(14)  و من ثمّ، فإنّ كلمات من قبيل "المحراب" و "المذبح المقدّس" و" قدس الأقداس"، أي "بيت الإله"، إنّما تشير إلى جلال شأن هذا العالم الذى يكون كذلك؛ فقط لأنّه قد نذر الله بواسطة عقيدة أو إيمان شعب، و عمل فنّان وهو سرّ الإحساس بالرهبة الذى يلازمنا عند مشاهدة و تأمّل دور العبادة، حيث يكتشف لنا فيها أسلوب من أساليب حدوث حقيقة العالم الإلهي، و بدون هذا المعنى الذي به يكون الصرح المعماري يرسي عليها عالماً يجسّده الفنّان، فإنّ الصرح المعماري لن يكون شيئا سوى كومة من الحجارة، أو متحفاً، أو مخلفّات أثريّة لأسلوب ماضي من الحياة (15). و يتّضح لنا ممّا سبق أنّ العمل الفنّي يكشف عالماً. فأن يكون هناك عمل فنّي، يعنى إرساء عالم.  و لكن ما هو العالم ؟  إنّ طبيعة إجابة هيدجر عن المقصود بالعالم هنا تلزمنا أن نتجنّب رؤيتنا المألوفة عن طبيعة العالم: "فليس العالم هو مجموع الأشياء القابلة للعدّ أو غير القابلة للعدّ، المألوفة أو غير المألوفة، و التي تكون قائمة هناك فحسب كذلك ليس العالم هو المجال المدرك حسَّيا. إنّ العالم لا يمكن أن يكون أبداً موضوعاً يتمثّل أمامنا و يمكن رؤيته. فالعالم يكون في كلّ الفترات الحاسمة من تاريخنا حين نولد أو نموت، نكلّّل بالمجد أو تصيبنا الكارثة "(16). فالحجر بلا عالم، و النبات و الحيوان بالمثل لا يكون لهما عالم، و لكن تنتمى إلى المجال المتحجّب الذى يكشف عنه العالم. و العالم بهذا المعنى هو الأفق أو المجال الذى يحيا فيه الموجود البشري، و يشكّل مجال همّه و اهتمامه. فهو رمز للتكّشف الذاتي، أي ذلك الذي يتكشّف و يتجلّى في العمل الفنّي. و هذا الإرساء للعالم ـ الذي [أشرت له] من قبل ـ في العمل الفنّي إنّما يحدث في وسيط مادي. فالعمل الفنّي حين يؤسّس عالماً، فإنّه يؤسّسه على مادة سواءً أكانت الحجر، الخشب، المعدن، اللون، اللغة، النغمة.  و هذه العناصر هي ما نسمّيها بمادة العمل. و لكن، ما هي طبيعة ذلك الذى نطلق عليه اسم مادة العمل الفنّي ؟ إنّ مادة العمل الفنّي تظهر لأوّل وهلة، و تشارك في انفتاح عالم العمل الفنّي. فالصخر يظهر ليحمل و يسند، و هكذا يصبح صخراً. و المعدن يظهر ليلمع و يومض، و الألوان لتتلألأ، و الأغنام لتترنّم. و الكلمة لتنطق. و كلّ هذا يرسي العمل الفنّي ذاته في إصمات و ثقل الحجر، و في متانة و مرونة الخشب و في صلابة و بريق المعدن و في نصاعة و قتامة اللون، و في رنين النغمة، و في قدرة الكلمة على التسمية "(17). ذلك العنصر الشيء الذي يرسي العمل ذاته، و الذى يتأسّس عالم العمل الفنّي عليه هو ما يسمّيه هيدجر بـالأرض. و الأرض هي رمز للتحجّب الذاتي. إذ أن "الحجر يضغط إلى أسفل و يكشف عن نقله، و لكنّنا لا نستطيع النفاذ إليه، و إذا حاولنا النفاذ إليه بواسطة شقّ أو كسر الحجر، فلن يظهر في شظاياه المحطّمة أي شيء في داخله. و إذا حاولنا أن نمسك بثقل الحجر بطريقة أخرى من خلال وضعه على ميزان، فإنّنا لن نصل إلى شيء سوى وزن إحصائي، فالحجر سوف يتحوّل إلى عدد، و لكن الثقل يهرب منّا. و من ثمّ فإنّ الشيء يظهر نفسه فقط عندما يبقى متحجّباً و غير مفسّر. فالأرض تحطّم كلّ محاولة للنفاذ إليها، وهى تظهر باعتبارها ذلك الذي ينفر من كلّ تكشّف، و يبقى على الدّوام منغلقاً على ذاته "(18). و على هذا يمكن القول إنّ هناك خاصيتين تنتميان إلى ماهية العمل الفنّي هما: مشاركته في التحجّب الذاتي للشيء المحض، الذى هو مظهر من مظاهر الأرض، و طابع التكشّف الذاتي للعالم.(19)     و لكن، ما العلاقة بين العالم و الأرض ؟  يصوّر هيدجر العلاقة بينهما على أنّها صراع، و لكنّه ليس صراعاً فيه تنافر و خصام، و إنّما هو صراع حميم. و يتجلّى هذا الصراع في محاولة العالم أن يضيء الأرض و يجلبها إلى اللاتحجّب. و لكنّ الأرض تقاوم هذه الإضاءة. فهو صراع بين شيء ينفتح "رأى العالم"، و يتكشّف تلقائياً، و آخر يحجب نفسه (أي الأرض). و من ثمّ، فالعالم و الأرض يختلف كلاهما عن الآخر، و مع ذلك لن ينفصلا أبداً طالما أنّ العالم يتأسّس على الأرض، والأرض تظهر من خلال العالم. و يتمّ تثبيت هذا الصراع في مكان من خلال الشكل أو الصورة الفنيّة. و لهذا ، فإنّ كلّ الأعمال الفنيّة (بالنسبة لـهيدجر)  تشارك في ماهية واحدة، و لكن ما يميّز عملاً فنيّاً على آخر هو الصياغة الخاصّة لمادته، أي صورته. كيف تحدث الحقيقة في غمار هذا الصراع بين العالم و الأرض ؟ فما هي الحقيقة ؟ في ضوء ما تقدّم، يمكن فهم أسلوب العمل الفنّي في الكشف عن الحقيقة. فالحقيقة هي تكشّف لماهية كيان ما بأن يبزغ إلى لا تحجّب وجوده، فحقيقة الموجود تحدث في العمل الفنّي حينما يتمّ فيه تفتح الموجود من حيث ماهيته أو حالته التي يكون عليها. إنّ الحقيقة عند هيدجر ليست مفهوماً علمياً أو منطقياً، وهي تحدث في الخبرة بوصفها تكشفاً لماهية، أي تكشّفاً لما يكون عليه شيء ما، و الكيفية التي يكون عليها. و هذا هو المعنى الذي فهم به هيدجر مصطلح الحقيقة أو أليثيا ـ في أصله اليوناني ـ بوصفها تعنى حرفياً نزع الحجاب عن، أي لا تحجب أو تكشف ذلك الذي يكون. و إذا كانت الحقيقة لا تحجّباً، فإنّه في داخل اللاتحجّب ينتشر التحجيب، فالتحجّب ينتشر في قلب الموجودات. و من ثمّ، فالعمل الفنّي هو حدوث الحقيقة. و هذا الحدوث أو الطابع العامل في العمل الفني يتوقّف على إبداع العمل بواسطة الفنّان. و لكن هنا تواجهنا مشكلة الطابع الشيئي للعمل الفنّي مرّة أخرى. فما هي علاقة العمل الفنّي إذن بالمنتج الصناعي على الرغم من أنّ الإبداع الفنّي يعدّ إظهاراً، و صنع الإدارة يعدّ أيضاً إظهاراً، إلاّ أنّنا لا نصف الشيء المصنوع بأنّه عمل مبدع. فما الذى يميّز الإظهار إذن بوصفه إبداعاً عن الإظهار كما يكون في الصّنع ؟  يبدو للوهلة الأولى أنّ الإجراء الذي نجده في نشاط الفنّان، هو نفس الإجراء الذي نجده في نشاط الخزّاف و النحّات و النجّار. و هذا يعني أنّ إبداع عمل فنّي ما يتطلّب نوعاً من الصّنعة أو المهارة الحرفية. و الفنّانون العظام يُقدرّون الصّنعة بدرجة فائقة، وهم أوّل من يدعو إلى إتقانها في صبر دؤوب. و من هنا يشار مراراً إلى أنّ اليونانين كانوا يستخدمون كلمة ( تقنى  Techne) للدلالة على الصّنعة أو الحرفة و الفنّ معاً، و سَمَّوا صاحب الصّنعة و الفنّان بنفس الاسم، و هو( تقنتيس ـ  Techn’tes) و هكذا فإنّه يبدو و كأنّنا ينبغي أن نحدّد طبيعة العمل الفنّي من حيث جانبه الحرفي، أي من حيث كونه شيئا مصنوعاً. و لكن دلالة هذا الاستخدام اللغوي لليونان و خبرتنا بالحقائق يجب أن تجعلنا نتأنّى. فهيدجر يرى أنّ الاستشهاد بتسمية اليونان للصّنعة و الفنّ باسم واحد للتدليل على أنّ النشاط الإبداعي يمكن فهمه و تفسيره من خلال مفهوم الصنعة، وهو استشهاد مضلّل يقوم على فهم سطحي للمصطلح، "لأنّ كلمة [تقنى] لا تشير إلى الحرفة و لا إلى الفنّ، ولا تشير مطلقاً إلى ما يكون تقنيا، بالمعنى الذى نفهمه في وقتنا هذا، فهي لا تعني أبداً نوعاً من الإجراء العملي. إنّ كلمة [تقنى] تشير ـ بخلاف ذلك ـ إلى أسلوب في المعرفة. و أن تعرف يعني أنّك قد رأيت، بالمعنى الواسع للرؤية، الذى يعني فهم ما يكون حاضراً بما هو كذلك، لأنّ اليونان رأوا أنّ طبيعة المعرفة تكمن في الأليثيا، أي في تكشّف الموجودات. فكلمة [تقنى] على نحو ما تأصّلت في خبرة اليونان بوصفها أسلوباً في المعرفة، إنّما تعنى إظهار الموجودات من تحجّبها إلى حالة اللاتحجّب، و لا تشير أبداً إلى فعل الصّنع. و الفنّان يسمّى [تقنتيس] لا لأنّه يكون حرفياً أو صانعاً، و لكن لأنّه يكشف و يظهر في وقت واحد أعمالاً فنّية وأداة"(20).  و من ثمّ، فهيدجر يرى أنّ كلمة تقنى عند اليونان لم تكن تعنى مجرّد المدلول الذى نفهمه اليوم باعتبارها تشير فحسب إلى أسلوب الصّنعة أو التقنية، و إنّما كانت تشير إلى أسلوب في الرؤية و الفهم من خلال صنع شيء ما. و من ثمّ ، فإنّها تشير في وقت واحد إلى التقنية من حيث هي حرفة و أسلوب في الصنعة، و إلى الفنّ من حيث هو رؤية معرفية. و من ثمّ، ينتهي هيدجر إلى ضرورة تعريف فعل الإبداع Creation من خلال إبداعية العمل الفنّي نفسه، أي من جهة العمل الفنّي بوصفه مبدعاً. و يعنى ذلك أنّ كلاً من الإبداع و الإبداعية يفهم في سياق وجود العمل الفنّي، أي من جهة حدوث الحقيقة التي تعمل في العمل الفنّي، بحيث نكون قادرين على تحديد طابع الإبداع كالتالي: أن تبدع يعني جعل شيء ما يظهر بوصفه شيئا ما قد تمّ إظهاره. و كون العمل الفنّي قد أصبح عملاً فنّياً، فذلك أسلوب تحلّ فيه الحقيقة و تحدث، وكلّ هذا يتأسّس على  طبيعة  الحقيقة. (21)  و أمّا إبداعية العمل الفنّي تعني(22)  وجود الحقيقة المثبتة في مكان ما في الشكل. و يفهم ممّا سبق أنّ الإبداع ما هو إلاّ إظهار لهذه الإبداعية (أي للحقيقة المثبتة في مكان ما) في العمل الفنّي، و التي تعدّ جزءاً من هذا العمل الفنّي المبدع. و على هذا النحو تحدث الحقيقة في العمل الفنّي، و تنكشف الحقيقة و الوجود من خلال إبداعية العمل الفنّي. و لكن بعد إنجاز العمل الفنّي، فإنّه يحتاج إلى مرحلة هامّة يسمّيها هيدجر بحفظ العمل الفنّي: " فمثلما لا يمكن للعمل الفنّي أن يبدع، و إنّما يكون محتاجاً بالضرورة إلى مبدعين، كذلك فإنّ ما يبدع لا يمكن أن يأتي بذاته إلى الوجود، بدون هؤلاء الذين يحفظونه. إنّ وجود العمل الفنّي يبقى دائماً مرتبطاً بحافظين له، وهو يكون كذلك حتّى عندما يظلّ فقط منتظراً لمن يحفظونه، ينتظرهم كي يشاركوا في الحقيقة (23)    و ممّا سبق يتبيّن لنا أنّه بعد إنجاز العمل الفنّي فإنّه يحتاج إلى من يحفظه و يصونه، أي إلى من يمكث في الانفتاح أو الحقيقة التي تحدث في العمل الفنّي. و من ثمّ فحفظ العمل الفنّي يتيح للعمل الفنّي أن يكون ما يكون، و في نفس الوقت يتيح للحقيقة أن تحدث و هذا لا يمكن يسمّى إبداعاً، و لكنّه حفظ للعمل الفنّي. و على هذا الأساس، فإنّ عملية الحقيقة التي تحدث في العمل الفنّي يمكن أن تفهم بوصفها ملتقى ثلاث حركات مختلفة: الحقيقة بوصفها صراعاً بين العالم و الأرض تؤسّس ذاتها في العمل الفنّي، و الفنّان المبدع يثبت هذا الصراع في صورة كلّية، و الحقيقة المتصارعة على هذا النحو يجب أن يتاح لها أن تحدث بواسطة حافظي الفنّ. و الإنجاز الفني يتجلّى عندما تنصهر هذه الحركات الثلاث في وحدة دينامية.(24)  و بناءً على ما تقدّم، يرى هيدجر الفنّ بوصفه "الحفظ الإبداعي للحقيقة في العمل الفنّي. فالفنّ هو صيرورة وحدوث الحقيقة "(25)و من هنا، يبحث هيدجر عن أصل العمل الفنّي الذي يعتبر في نفس الوقت بحثاً عن طبيعة الفنّ ذاته، و يفكّر في كلمة الأصل هنا على ضوء طبيعة الحقيقة. و الحقيقة هي حقيقة الوجود ذاته، التي تتكشّف و تتجلّى من خلال تكشّف حقيقة الموجود في العمل الفنّي ـ أو بمعنى أدقّ ـ أنّ الوجود نفسه يتجلّى في إظهار ماهية الموجود، أي وجود الموجود الذي يتجلّى من خلال أسلوبه الخاصّ في الوجود، بحيث يكون الموجود المتحجّب ذاتياً مضاءً في العمل الفنّي. و هذه الإضاءة و اللمعان المرتبط بالعمل الفنّي ما هي إلاّ الجميل:" فالجمال هو أحد الأساليب التي بها تحدث الحقيقة بوصفها لا تحجّباً "(26). و من هنا يتبيّن لنا أنّ هيدجر يفكّر في الجمال على ضوء مصطلح الانفتاح أو اللاتحجّب الأصلي للوجود، على أساس أنّ الجمال هو الحقيقة التي تجلب ذاتها لتبقى في الموجود، و من ثمّ ينظر هيدجر" للجمال بوصفه ميلاد الحقيقة  ".(27)
تعقيب: لقد تابعنا مع هيدجر تساؤله عن العلاقة بين الفنّ والحقيقة، و الذي تريد أن تخلص إليه من مجمل ما تقدّم هو تلك الحقيقة التي باتت واضحة الآن، وهي أنّ فلسفة هيدجر تمثّل نقطة تحوّل جذري في تاريخ الفلسفة بوجه عام وفلسفة الفنّ بوجه خاص، إذ أنّ جميع جوانب تلك الفلسفة تكشف عن المنحى الجديد الذى اتّخذه هيدجر لنفسه متجاوزاً كلّ فكر الفلاسفة السابقين عليه، كما تكشف عن أنّ تساؤلاته عن الفنّ و الحقيقة و الشعر و اللغة و التفكير و سائر تساؤلاته الأخرى، إنّما هي تساؤلات قد انبثقت من مركزها الأصلي الذى يسأل عن معنى الوجود. فلقد كان تساؤله عن معنى الوجود هو السبب المباشر وراء رؤيته للفنّ و الشعر و الفلسفة كطرق يضاء من خلالها الوجود الذى يتجلّى في أسلوب وجود الموجود بما في ذلك الوجود الإنساني، أو حتّى في أسلوب وجود الأشياء و الموجودات      اللا إنسانية، و التي يمكن أن تكشف (كما رأينا من قبل) عن عالم إنساني فقط من خلال لغة الفنّ. و لهذا، ينبغي النظر إلى العمل الفنّي على أنّه يقول لنا شيئا ما له صلة وثيقة بالوجود و الحياة، حتّى لا نورّط أنفسنا في نزعة شكلانية متطرّفة تجرّد الفنّ من إنسانيته، و من علاقته الحميمة بالوجود نفسه. بحيث لا يمكن اختزال الفنّ إلى مجرّد صياغة أو تشكيل جمالي خالص يخاطب متعتنا الجمالية (كما رأينا من قبل). إذ أنّ للعمل الفنّي مضمونا و كثافة وجودية لا يمكن إغفالها. فالفنّان عندما يبدع عملاً فنياً معيناً، فإنّه لا يخضع لما يتطلّبه التنفيذ التشكيلي فحسب، بل إنّه يريد أن يعبّر عن رؤية تقدّم حقيقة أو مضموناً أو دلالة معيّنة تتجلّى عند هيدجر في الدلالة الأنطولوجية. و لكن إذا كان من الضروري النظر للعمل الفنّي على أنّه يقول لنا شيئاً ما له صلة وثيقة بالوجود و الحياة، فإنّ هذا لا يعني في نفس الوقت إغفال البعد الجمالي في الفنّ، و النظر للجمال على أنّه أحد الأساليب التي بها تحدث الحقيقة في العمل الفنّي. فلا يمكن إغفال القيم الشكلية للعمل الفنّي باعتبارها قيماً جمالية، كما لا يمكننا اختزال ماهية الفنّ في كونه تعبيراً حقيقة الوجود و الحياة فحسب، إذ أنّ قدراً عظيماً من قيمة الفنّ يمكن في الأساليب التعبيرية و متطلّبات التشكيل الجمالي أيضاً. فهيدجر بهذا المعنى نقل الفنّ من مجال المعنى التقليدي له، أي الاهتمام بالجميل في الفنّ، إلى مجال أنطولوجيا الفنّ، أي اهتمام الفنّ بالكشف عن معنى الوجود العام.
الهوامش:

*  مدرّس مساعد، كلّية الآداب، جامعة القاهرة.
1) انظر: د. سعيد توفيق، الخبرة الجمالية: دراسة في فلسفة الجمال الظاهراتية. بيروت ـ لبنان. المؤسّسة الجامعية للدّراسات و النشر و التوزيع، الطبقة الأولى، سنه 1992، ص84
2)  نفس المرجع السابق، ص87 
3) F.E. Kaelin .Notes taward an understanding of Heidegger ‘s Aesthetics –in Phenomenology and Existentialism , ed . E. Lee and Maurice Manned-baum Baltimore the Johns Hapkins prerr , 1967).pp.69-70.
4) M Heidegger . (The Originof the work of art ) in poetry , language ard thought , translated and onintrodution by Albert Hofstodter (New York : Harper ard Row Publishers , 1475) , P. 17

5) Ibid ., P. 18

(6) د. سعيد توفيق، الخبرة الجمالية، ص 0 9 
7) I bid ., pp . 22 – 24.
(8) سعيد توفيق، الخبرة الجمالية ، ص92
(9)  هانز – جيورج جادامر، تجلّي الجميل ، ترجمة د.سعيد توفيق القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، سنة 1997م )، ص 31.
10) Sandra Bartkly , “Heidegger’s Philosophy of Art ,” in the British Journal of Aesthetics ( Vol. . 1, No. 4, 1964) P. 355
(11) M . Heidegger,Being and Time . Translated by Joan Maauarrie and Edward Robison (New york : Harper and Row Publishers , 1962), P. 47
  (12) د. سعيد توفيق، الخبرة الجمالية، ص96.
 (13) نفس المرجع السابق، ص 105

 (14) د. سعيد توفيق، عالمية الفن ومحليته: القاهرة دار قباء، طبعة ثانية، سنة 1997 م، ص 46

 (15) د. سعيد توفيق، الخبرة الجمالية، صفحات 105،106

(16) Heidegger, Being and Time , P44

 (17) نفس المرجع السابق، ص101.
 (18) نفس المرجع السابق، ص102.
(19) Bartkly, “Heidegger’s philosophy of Art” . p.359.
 (20) نفس المرجع السابق، صفحات 112-113.
 (21) نفس المرجع السابق، ص113.
(22) Jaeges, “Heidegges and the work of Art” in Aralecta Hurerliana (vol. .v,1974)
 (23) نفس المرجع السابق، ص116.
(24) J. W.RichardsonHeidegger thraugh Phenomenology to Thought (Nether lands: Martinw Ni Jhoff , the Hague, 1967).P.408.
(25) Heidegger, “The Origin of The work of Art”, P.56.
(26) Ibid.,P.56.
(27) B.J.BaelemExistential Thinking (New York: Herder,1971)

طريق النجاح:  وصلنا هذا المقال من الأستاذ: وجدي المصمودي.
                   فشكرا على هذا الاختيار، ونرجو الفائدة للجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق