إعــــــــــــــــــــــــــلام
مرحبا بكم أيّها الأعزّاء، في مدوّنتكم طريق النجاح.

نرجـو أن تُشــرّفـونا بزياراتـكم ومساهمــاتكم ونعلمـكم أننّــا على استعــداد لنشر كـلّ مـا تتكرّمـون به من مساهمـات تفيــد الأستـــاذ والتلميذ معا. ننتــظر أن تمــدّونا بدروسـكم أو امتحاناتكم أو كلّ ما ترونه صالحا للنشر، يستفيد منه دارس الفلسفة في السنوات الثالثة والرابعة من شعبتي الآداب والعلـوم. للمراسلة والطلبـات والاستفسار يُمكنـكم الاتّصـال على العنوان التالي:

بحث في المدونة

الاثنين، 2 مايو 2016

موضوع حول مسألة السّعادة

ليست السّعادة في تحقيق اللّذّة بل في العيش طبقا للفضيلة. ما رأيك؟ 
الأستاذ: الفيتوري الرّابطي
لعلّ السّعادة هي أكثر وأهمّ ما ينشده الإنسان في الحياة فلا أحد على الإطلاق يتمنّى الشّقاء ولذا فإنّ السّعادة هي الغاية القصوى التي يتشوّق لها الإنسان على أنّها كمال له. غير أنّ الاتّفاق على طلب السّعادة لا يضاهيه في الشّيوع والكونيّة غير الاختلاف حول طبيعة السّعادة المرجوّة وطرق نيلها. ولعلّ هذه الفجوة القائمة بين كونيّة نشدان السّعادة وخصوصيّة ضبطها وكيفيّة نيلها هي ما تجعل 
موضوع السّعادة موضوعا راهنا على الدّوام في الفكر الفلسفي بما هو أكسيولوجيا تبحث في مبادئ الممارسات الإنسانية وغاياتها وفي هذا الإطار تندرج هذه القولة حول كيفيّة تحقيق السّعادة. ما السعادة؟ وهل يفترض الحصول عليها السّعي إلى تحقيق اللذّات والمتع الحسّية أم العيش بمقتضى ما تمليه الفضيلة؟ وإذا سلّمنا بأن الفضيلة والكمال الأخلاقي هو ما يوفّر الهناء الحقيقي فهل يقتضي ذلك الزّهد التّام في الملذّات ومسرّات الحياة المادّيّة؟ 
السّعادة هي أقصى ما ينشده الإنسان فهي الغاية القصوى التي تعدّ سائر ممارسات الإنسان واختياراته مجرّد وسائل لتحقيقها. فلا أحد يريد الشّقاء كما أسلفنا. وفي الحقيقة لا يوجد تعريف كلّى للسّعادة يتّفق حوله الجميع يقول كانط " فمشكلة تحديد أيّ فعل يمكن أن يجلب السّعادة لكائن عاقل تحديدا يقينيّا وعامّا هي مشكلة لا حلّ لها على الإطلاق ". فهي مثل أعلى للخيال وتتّصل عادة بالمعيش الخبري للإنسان لذا فإنّ لكلّ فرد مفهومه الخاصّ لها وطريقة الحصول عليها وعلى الرغم من استحالة الظفر بتحديد يقيني كلّي للسّعادة فإنّ معظم النّاس عمليّا يربطون السّعادة بتحقّق الرغبــات والتمتّع بالملذّات المترتّبة عن ذلك. فهي تنتج عن الرّغبات المشبعة والأمنيّات المتحقّقة سواء ما تعلّق منها بالجسد أو بالوضع النّفسي والاجتماعي للإنسان. فليس الحرمان والفقر والحظّ العاثر ونكد العيش سوى علامات على الشّقاء الذي يعمل كلّ كائن عاقل على الخلاص منه بأي ثمن. وفي الحقيقة إنّ أكثر الفلسفات انتصارا إلى جعل اللذّات طريقا للسّعادة هي الفلسفة الأبيقورية. يقول أبيقور " إنّ اللذّة هي بداية الحياة السّعيدة وغايتها وهي الخير الأوّل الموافق لطبيعتنا " تأكيدا على أنّ اللذّة هي الخير الأعظم الذي يجب أن نحتكم إليه كمعيار لتدبير حياتنا وتنظيم أفعالنا. وهو يدعو إلى حساب اللّذّات قبل الشّروع في اتّخاذ أيّ قرار أو القيام بأيّ فعل منبّها إلى ضرورة الالتزام بأربع قواعد: الأخذ بكلّ ما يجلب اللّذّة، تجنّب ما يؤدّي إلى الألم، رفض اللّذّة التي تؤدّي إلى الحرمان من لذّة أكبر وقبول الألم الذي يخلّص من ألم أكبر أو يؤدّي إلى لذّة أكبر. فاللّذّة بما هي المتعة الحسيّة أو النفسيّة هي مبدأ الإرادة وغاية الفعل. ويكفي الإصغاء إلى ما يقوله التحليل النّفسي للتأكّد من أنّ مبدأ اللّذّة هو المبدأ الأصلي الذي يحكم الحياة النفسيّة وهو يملك سلطانا كبيرا على الإنسان في الطفولة ويستمر ّمؤثّرا حتّى بعد تكوّن مبدأ الواقع في المراحل اللاّحقة. ومن المؤكّد أن التسليم بالتلازم بين اللذّة والسّعادة إنّما يتأسّس على تصوّر مادي لإنيّة الإنسان. فليس الإنسان كائنا ملائكيّا خلوا من الرّغبات والشّهوات بل هو كائن رغبة بامتياز. " ولد الإنسان للّذّة " كما يقول باسكال فهو كائن رغبة واعية بذاتها والحياة بالنسبة إليه صراع من أجل تحقيق الرّغبات. والسّعيد هو من يوافقه الحظ لتحصيل أكبر قدر من اللذّة. لكن ألا يؤدّي الجري وراء المتع إلى الحطّ من القيمة الأخلاقيّة للإنسان؟ أين تنتهي الحيوانيّة وتبدأ الإنسانيّة إذا سلّمنا بأنّ السّعادة في اللذّة؟ من الواضح أنّ التشديد على أهميّة اللّذّة وعلى أنّها شرط السّعادة والطريق لنيلها يفضي إلى الحطّ من القيمة الأخلاقيّة للإنسان وإلى اختزال إنيته في بعد واحد. فالإنسان فضلا عن كونه كائن رغبة هو أيضا كائن عقل يفرض عليه واجبات ويحثّه على التزام الفضائل والتعفّف عن الشّهوات. ومن المعلوم أنّ العفة هي إحدى الفضائل الأساسيّة التي تعطي معنى لحياة الإنسان. كما يفضي إلى تبرير الأنانيّة. فالسّعي إلى اللّذّة يكرّس انغلاق الإنسان على نفسه. وكلّما اعتبرنا اللذّة مبدآ عاما في الحياة، كان ذلك عامل هدم للعيش المشترك ومبرّر صراع ونزاع بين الناس. وهو أمر يتعارض مع وجه آخر من الإنية ألا وهو الاجتماعية والحاجة إلى الغير.وفضلا عن ذلك إنّ المبالغة في تقدير اللذّات يتغافل عن الطابع العابر والعرضي للذّة. ففكرة لذّة دائمة فكرة متناقضة يقول فرويد " كلّ دوام لوضعية يرغب فيها مبدأ اللذّة لا يولّد غير هناء فاتر، وهكذا نحن مخلوقون على نحو يجعل من التناقض وحده قادرا على أن يزوّدنا بمتعة شديدة " وبالفعل لا يشعر الإنسان باللذّة الناتجة عن تحقّق رغبة ما إلاّ إذا كانت تعويضا عن حرمان وانتقالا من وضع سيّء إلى وضع جيّد. فلا نشعر بنعمة الصحّة إلاّ عند المرض ولا بمتعة الشّبع إلاّ بعد جوع شديد. أضف إلى ذلك إنّ الحرص على اللّذّة لا يخلو من احتمالات الانزلاق في الألم فأبيقور نفسه داعيّة اللذّة ينادي بضرورة تقييد السّعي إلى اللذّة بالأتركسيا " راحة البال " والأبونيا سلامة الجسد إذ يقول " فعندما نقول إنّ اللذّة هي غايتنا القصوى، فإنّنا لا نعني بذلك اللّذات الخاصّة بالفسّاق أو اللذّات المتعلّقة بالمتعة الجسديّة ...بل اللذّة التي نقصدها هي التي تتميّز بانعدام الألم في الجسم والاضطراب في النفس " .إنّ مختلف هذه التحفّظات حول المطابقة بين السّعادة واللذة تبرّر البحث عن طريق آخر للسّعادة وعن معنى لها مختلف عن مجرّد المتع الجسديّة. ألا تكون السعادة، إذن، في الفضيلة؟  لا تعني الفضيلة غير الكمال الأخلاقي وحتّى إن اختلف الفلاسفة في تحديد أصناف الفضائل وشروط الالتزام بها وأسسها فمن المؤكّد أن لا أحد يرفض اعتبار الفضيلة الصفات والخصال المثاليّة التي يروم كلّ إنسان التحلّي بها مثل الحكمة والشّجاعة والعفّة والعدالة التي تعرف باسم الفضائل الأساسيّة الأربعة. والفضيلة قوّة وقدرة على التصرّف بمقتضى الأخلاق وإلزام النفس بما يمليه الواجب. وهي تفترض الاعتدال والوسطيّة وتفسد برذيلتي الإفراط والتفريط في كلّ شيء كما يقول أرسطو. فالشّجاعة، مثلا، يفسدها من جهة الإفراط التهوّر ومن جهة التّفريط الجبن. والحكمة يفسدها السّفه والبله والعفّة الشّره وموت الشّهوة. والحقيقة أنّ أرسطو نفسه أكّد على أنّ السعادة هي حالة الرضاء والهناء التي يغنمها الإنسان كلّما تصرف طبقا للفضيلة. فإذا كانت وظيفة الإنسان التي بها ينفرد هي إدارة حياته بمقتضى العقل فإنّ الفاضل هو من ينجح بامتياز في ذلك وهو بسبب ذلك ينال السّعادة. فليست السّعادة أمنية تتحقّق بعد الموت ولا هي حالة سكونيه سلبيّة تفترض العزلة والتحصّن في برج عاجيّ بعيدا عن تقلّبات الحياة وشغب الأحياء بل هي حصيلة الممارسة الدائمة للعقل والاهتداء به طول العمر. وهي في نظر أفلاطون التصرّف بمقتضى العقل والمعرفة أو بالأحرى الحكمة التي تشترط الزهد في الملذّات والترفّع عن الشّهوات. بل يؤكّد أفلاطون أنّ الجسد الذي سقطت إليه النفس هو قبر وسجن لها لا سبيل أمامها لنيل السّعادة إلاّ على قدر مثابرتها عن طريق التفلسف للتحرّر من الجسد باعتباره عائقا أخلاقيّا وعائقا معرفيّا. السّعادة، إذن، هي حالة الهناء والغبطة والتوازن الباطني يُكافأ بها الفرد كلّما ألزم نفسه بالفضائل وكانت له قوّة العزم على اتّباع الواجب بل يذهب سبينوزا حدّ المطابقة بين السّعادة والفضيلة قائلا " ليست الغبطة جزاء الفضيلة بل هي الفضيلة عينها " وليست السّعادة في السّعي وراء الشهوات والملذّات الجسدية. لكن هل يعني التلازم بين الفضيلة والسّعادة الزّهد التّام في الملذات؟ بل هل من المعقول أصلا أن يكون الإنسان فاضلا فسعيدا إذا كان في الشّقاء ونكد العيش؟ بتعبير آخر ما مدى مشروعية التعارض الذي يقيمه الموضوع بين السّعادة واللذّة؟ إنّ الاضطلاع الفلسفي بهذا الموضوع يفترض تخطّي مستوى تحليل أطروحته إلى مستوى استنطاق ما سكتت عنه ومساءلتها نقديّا قصد تقييم ما حققته من إضافات وما يخترقها من احراجات. إذ تكمن أهمّ مزايا هذا القول، في مستوى مفترضاته، في التسليم الضّمني بأنّ للإنسان وجودا خاصا مميّزا عن بقيّة الكائنات فهو إذن لا يوجد من أجل الرّغبات والشّهوات فحسب بل يوجد وهو يحمل على عاتقه مهمّة إعطاء معنى لوجوده عبر تأثيثه بالقيم والمبادئ والفضائل وتدبير حياته بمقتضى العقل الذي به ينفرد ويتميّز. فلو كانت السّعادة في تحصيل اللذّات الحسيّة " لجاز أن نقول: إنّ الأبقار سعيدة عندما تعثر على ما تقتاته " كما يقول هرقليطس. فالفضائل والواجبات والقيم هي الخط الفاصل بين الحيوانيّة والإنسانيّة. أمّ على مستوى استتباعات الأطروحة فإنّ أهمّ ما يمكن أن نسجّله هنا هو أنّ السّعادة ليست شأنا خاصّا يعيشه الإنسان في خلوة التلذّذ بالمتع بعيدا عن المشاركة المدنيّة والتقاسم مع الغير. فسعادة الفضيلة هي سعادة جماعيّة تؤصّل مدنيّة الإنسان تنظيما وشروط إمكان وتعمّق قيم التضامن والمشاركة والإيثار التي تعطي معنى حقيقيا للوجود مع الغير. لكن التأكيد على تلازم الفضيلة والسّعادة لا يعني، ضرورة، الزهد في الملذّات ونشدان نكد العيش وتفضيل البؤس على الرّفاه وذلك أوّلا لأنّ الإنسان وإن كان كائن العقل والمبادئ هو أيضا كائن الرّغبات والشّهوات التي لا ينبغي بأي حال تحقيرها أو الحطّ من منزلتها في مجال تصوّرنا للإنية الإنسانية أو في مجال وضع المبادئ الناظمة لعيشه وإلاّ صحّ قول نيتشه " هم مرضى ومحتضرون أولئك الذين احتقروا الجسد ". وثانيّا وبغضّ النّظر عن الأطروحة الأفلاطونية " المتطرّفة " حول ضرورة قتل الجسد والتّضحيّة بالرّغبات من أجل الفضيلة والتي تنتهي إلى تقرير استحالة فوز الإنسان بالسّعادة مادام حيّا، وعن الممارسة الزّهديّة التي يختارها بعض المتقشّفين والمتصوّفين فإنّ أغلبيّـة " المعتدلين " من النّاس، فلاسفة أو عاديّين، يعترفون بأنّ تحقّق قدر من متع الحياة الحسيّة شرط ضروري للفضيلة يقول أرسطو " أن نزعم أنّ الإنسان تحت نير الاستعباد أو في شقاء كبير، طوعا أو كرها، هو إنسان سعيد بشرط أن يكون فاضلا هو أن نقول هراء " كما أنّ كانط نفسه الذي يرى في الفضيلة قوّة العزم على الإصغاء لصوت العقل يأمر بأن لا نفعل إلاّ الفعل الذي يمكننا أن نجعل أثناءه مبدأنا الذّاتي قانونا كليّا لا يرى تناقضا بين العناية بتحقيق الرّغبات والالتزام بالفضيلة. فالصحّة والمال والمهارة والرّفاه وغيرها من مقوّمات رغد العيش تشجّع الإنسان على تأديّة الواجب بينما يدفع الفقر ونكد العيش إلى خرقه. لئن اختلفت الآراء حول شروط تحصيل السّعادة فمن المؤكد أنّ جميع النّاس يرغبون في العيش السّعيد الذي لا نستطيع بأيّ حال اختزاله في وجه واحد فالفضائل ورغد العيش والمتع والقوّة والصحّة والمال والرّفاه كلّها عناصر ضروريّة فيه. لكن ماذا لو تأكّد لنا أنّه ليس في مخطّط الخلق أن يكون الإنسان سعيدا؟ ماذا لو اكتشفنا طبقا للدّرس التحليل – نفسي بأنّنا وجدنا لنكون أشقياء أصلا؟ ألا يتوجّب علينا عندئذ استبدال سعينا المزعوم إلى تحقيق سعادة مستحيلة بمجرّد البحث عمّا يخفف عنّا ما يغمر وجودنا من ألم ومعاناة؟

هناك تعليقان (2):

  1. البحث عن حقيقة الوجود والذات والانسان .. أس رصين لتكوين الثقافة الانسانية الكبرى التي أولى نتائجها هي حب البشرية دون تمييز أو تهميش أو اضطهاد ...تحياتي

    ردحذف
  2. قراءة ممتعة لمفهوم السعادة

    ردحذف