تحرير الأستاذ: خالد كلبوسي ـ القيروان ـ تونس
و الثابت بمعزل عن المتغيّر؟ هل من تنافر بين الكلّي
و الجزئي، و بين الواحد و المتعدّد ؟ لعلّ هذا المشكل يُمثّل لبَّ التفكير الفلسفي
منذ البداية.
من اليوميّ إلى الفلسفي:
لا يستطيع الفكر اليوميّ أن
يرقى إلى مستوى الأحكام المُنزّهة عن المنفعة المباشرة، فهو يخضع لتقلّب المصالح و
الانفعالات فيقع في بحر الأوهام و الظنون و الآراء و الأحكام المُسبقة دون وعيٍ،
بينما يسعى التفكير الفلسفي إلى تجنّب المغالطات، باحثا عن الحقيقة مُعتمدا في ذلك
على الحجاج و الاستدلال، لهذا يمكن القول مع أرسطو:" يعلّمنا الفكر معنى المفهوم الذي ندرك من
خلاله الكلّي وراء الجزئي." فأيّ كلّي تسعى الفلسفة إلى إدراكه ؟
ألا يمكن أن يكون الكلّي مجرّد فرضية مُسبقة ؟ ألا يكون الكلّي مطلبا مستحيلا أو
في أحسن الأحوال مطلبا عَصِيَّ التّحقّق ؟ هل يمكن إدراك الكلّي بمعزل عن الجزئي،
و الواحد بمعزل عن المتعدّد،
دواعي طرح المشكل:
التباس في استعمال المصطلح:
يتعلّق الالتباس هنا بالخلط القائم بين الكلّي و العام و العالمي و العولمي و المطلق، بل إنّ الكلّي قد يحتمل معنى الذات الإلهية. لنأخذ النصّ التالي مثالا عن ضرورة التمييز بين العام و الكلّي:
يتعلّق الالتباس هنا بالخلط القائم بين الكلّي و العام و العالمي و العولمي و المطلق، بل إنّ الكلّي قد يحتمل معنى الذات الإلهية. لنأخذ النصّ التالي مثالا عن ضرورة التمييز بين العام و الكلّي:
Une
idée est dite générale lorsqu'elle convient à plusieurs objets; mais quand on
dit qu'une idée est universelle, on ne veut point dire du tout qu'elle
convienne à tous les objets; car il n'y a que les idées de possible ou d'être
qui soient dans ce cas, et elles sont bien abstraites et creuses. Et pour les
idées d'espace, de temps, de cause, qui sont évidemment des relations on ne
peut point dire qu'elles appartiennent à quelque objet; on dirait mieux
qu'elles sont nécessaires, c'est-à-dire que toute pensée les forme, sans
pouvoir les changer arbitrairement. Et puisqu'il y a des idées qui sont
communes à tous les esprits, ce sont ces idées-là qui doivent être dites
universelles; et l'on ne fera que revenir au commun usage; car si l'on dit que
quelque chose est généralement admis, cela veut dire que l'expérience y conduit
la plupart des hommes, d'après des cas à peu près semblables. Au lieu que si
l'on dit que quelque chose est universellement admis, on veut exprimer que cela
est clair et indéniable pour tout esprit qui entend la question.
ALAIN - ELEMENTS DE PHILOSOPHIE *
Chap.5, des idées générales
دواعي فلسفية:
يعتمد الفكر
العامي على الإدراك المباشر
لمظاهر الأشياء عن طريق الحواسّ، فيظلّ سجين الـ "هنا و الآن" كما يرى هيغل. غير أنّ الفلسفة تُعلّمنا أنّ مثل هذه
المعرفة ليست ممّا يُعوّل عليه إذا ما وضعنا نُصب أعيُننا معرفة الحقيقة (أمثولة الكهف ـ أفلاطون) فمظاهر الأشياء غالبا ما تكون خدّاعة (التأمّلات ـ ديكارت). من هنا كان من الضروري التعويل على
المفهوم الذي من خلاله ندرك الكلّي وراء الجزئي. إنّ جلّ الفلسفات تسعى إلى تجاوز
الآراء و الظنون (عالم
الدوكسا)
باتّّجاه الكلّي / الكوني متوسّلة في ذلك المفهوم. غير أنّ ما نلاحظه أنّ جلّ
الفلسفات كذلك لا تتّفق على معنى واحد للكلّي، فهناك على الأقلّ توتّر قائم بين
معنيين للكلّي: الكلّي كفكرة مجرّدة (ما يُسمّيه هيغل الفكرة الشاملة) و الكلّي العيني (ما
يُسميه هيغل الكلّي الحقيقي) يرى هيغل " أنّ جميع الاتّهامات التي
تُوجَّه إلى الفكر، و الفكر الفلسفي بصفة خاصّة، مصدرها إلى حدّ كبير الخلط بين
هذين اللونين من ألوان الكلّي".
دواعي إبستيمولوجية:
Nous
nous trouvons sans doute dans une période de transition, démunis devant les
modèles simulacres de grande science, sans outils de pensée équivalents à ceux
que Platon en son temps construisit. La position du scientifique qui s'astreint
à épurer la formulation d'un problème dans un effort vers une rationalité
objective est souvent confondue avec celle de l'expert qui, engagé dans une
situation sociale où il joue le rôle de maître d'œuvre pour un maître
d'ouvrage, utilise la modélisation comme moyen d'expression d'un projet, en
visant, éventuellement, la naissance de sentiments et de convictions par
intérêt.
Enquête
sur le concept de modèle dirigé par : Pascal Nouvel
La
modélisation et les sciences de l’ingénieur Nicolas Bouleau.
P.U.F
(2002).
" نوجد، من دون شكّ، في مرحلة انتقالية عزل
أمام النماذج الوهمية للعلم الكبير دون أدوات للتفكير تُضاهي ما بناه أفلاطون في عصره. إنّ موقف العالم الذي يفرض على
نفسه تحسين طرحه لمشكل باتّجاه معقولية موضوعية غالبا ما يقع الخلط بينه و بين
الخبير الذي يجد نفسه في وضعية اجتماعية حيث يلعب دور المُصمّم لمشروع لصالح
مستثمر له، متوسّلا النمذجة كتعبير عن ذلك المشروع، آخذا في اعتباره ما يمكن أن
يتولّد عن ذلك من مشاعر و قناعات مرتبطة بمصلحة ما". (النمذجة و علوم الهندسة
ـ نيكولا بولو ـ 2002)
يشير المؤلّف في هذا النصّ إلى ما يُميّز
النشاط العلمي و التقني في عالمنا المعاصر، حيث نجد تداخلا أو التباسا بين عمل
العالم الباحث عن حقيقة موضوعية كليّة و بين الخبير أو المهندس الذي يرتبط عمله
بتحقيق مصلحة المستثمر معتمدا في ذلك على النمذجة. إنّ الخبير لا يهتمّ بالحقيقة
كغاية في ذاتها رغم أنّه يعتمد في عمله على المعرفة العلمية. هذه الوضعية
المُستجدّة تفرض صياغة جديدة للسؤال الإبستيمولوجي: هل بوسعنا اليوم تجاهل ما
تفرضه علينا النمذجة من إعادة النظر في منزلة الحقيقة ؟
Le point le plus important du point de vue de la philosophie de la
connaissance est qu'un modèle validé n'est jamais qu'une approche parmi
d'autres. Quoique l'auteur de la modélisation ait souvent tendance à s'y
accrocher comme à la vérité vraie, elle ne constitue qu'une lecture de la
complexité rencontrée. Des conflits d'interprétation sont ici courants aussi
bien que dans les sciences humaines. Deux oppositions paradigmatiques typiques
sont celle des modèles descriptifs ou explicatifs et celle des modèles
quantitatifs ou qualitatifs. La première fit son apparition dans les débats
autour des modèles fondés sur les séries temporelles en économie dans les
années 1960. La seconde a été soulignée par René Thom à une époque où le fort
développement de l'analyse numérique occultait l'intérêt des schémas purement
qualitatifs pour la compréhension des phénomènes. Souvent le modèle participe
des quatre catégories à la fois.
(même
référence)
دواعي سياسية وحضارية:
إذا كان لا بدّ من التمسّك بالكلّي كمطلب، نحن لا نستطيع مع ذلك تجاهل ما آل إليه
أمر الكلّي اليوم، فلم يفلت استعمال المصطلح من براثن الإيديولوجيا حيث يقع
التشريع اليوم إلى هيمنة قطب على آخر باسم حضارة تدّعي الكونية، مُتخفيّة وراء
كونيّة حقوق الإنسان أو الحرّية أو غيرها. (العولمة ـ المركزية الأوروبية. وهو ما
نجد له صدى حتّى في نصّ هيغل المشار إليه).
مراحل دراسة المشكل:
لعلّه من السّهل أن نلاحظ
شدّة التعقيد في ما يتعلّق بمطلب الكلّي / الكونيّ من خلال طرحنا السابق للمشكل،
إذ يشمل العديد من مجالات البحث الفلسفي، وهي:
ـ مجال البحث في الوجود الإنساني: ما هو الإنساني في كلّ إنسان ؟ هل يمثّل
الإنسانيّ جوهرا ثابتا بسيطا و واحدا ينأى بنفسه عن شبهة التغيّر و المركّب و المتعدّد؟
ـ مجال البحث الإبستيمولوجي: هل تتنافى النمذجة مع الحقيقة كمطلب كلّي ؟ هل من
الممكن اليوم مواصلة الالتزام بمبدإ الموضوعية ؟
ـ مجال البحث في القيم: هل في تنوّع القيم التي تستند إليها الممارسة العملية ما
يقود إلى ريبية تقبل بالموجود و لا تسعى إلى إرساء قيم كونية ؟
رهانات التفكير في المشكل:
ـ رهانات نظرية:
التضايف بين الكلّي والجزئي،
بين الوحدة و الكثرة، بين الثابت و المتغيّر. التحوّل من سؤال "ما
الإنسان؟" إلى سؤال "ما هو الإنساني؟". تجاوز ثِقتنا العمياء بشأن
الموضوعية. تدارك الفصل بين تنوّع القيم في الواقع و بين سعي الفلسفة إلى بناء قيم
كونية.
ـ رهانات قيمية:
ضرورة التواصل بين البشر على
اختلاف هويّاتهم، و الوعي بأنّ التنوّع لا يمثّل عائقا بقدر ما هو عامل إثراء
لتجربة الإنسان في الوجود. ضرورة تحمّل العالم و الخبير مسؤوليتهما عمّا يُنتجانه
من معارف و مشاريع. تجاوز التبريرات الإيديولوجية للاستبداد. انفتاح التجربة
الخلقية و الجمالية على الكونية.
ـ انتهى ـ
طريق النجاح: نشكر الأستاذ: خالد كلبوسي و نرجو له المزيد من التألّق...
أشكر طريق النجاح على إتاحة الفرصة لمساعدة بعضنا البعض
ردحذفأهلا سي خالد أشكرك على هذا المجهود
ردحذفجزيل الشكر
ردحذفمعلومات هامة . اشكرك
ردحذفشكرا جزيلا أستاذ خالد
ردحذف