ـ الإشكالية: هل الذات معطى طبيعي أم مشروع تحقّق تاريخي؟ وأيّة منزلة للآخر في تحقّق الذات؟ هل هو مجرّد عرض يجب تجاوزه أم مكوّن أساسي من مكوّنات الذات؟ وهل الآخر مساعد وشريك على الدوام في تحقّق الذات أم بإمكانه أن يتحوّل إلى عائق يهدّد التحقّق؟ وإذا سلّمنا بواقع تسلّط الآخر وإرادة فرض سلطانه. فهل يدعونا ذلك إلى إقصائه
ورفضه نهائيا أم رفعه إلى مستوى الرّهان الايتيقي حتّى في ظلّ الحالات القصوى؟.
*الجوهر:
** التحليل: تحليل الأطروحة القائمة على اعتبار أنّ الذات مشروع تحقّق وليست معطى وذلك بـ :
1 ـ بيان مبرّرات استبعاد الأطروحة المستبعدة:
أ ـ اعتبار الذات معطى يفيد أنّها:
ـ كيان جوهره الوعي.
ـ وحدة بسيطة.
ب ـ هذه التصوّرات للذات قائمة على التسليم بـ :
ـ أنّ للإنسان طبيعة بشرية ثابتة.
ـ أنّ الإنسانيّ في الإنسان معطى فطري وفردي وطبيعي.
ـ أنّ إنسانية الإنسان معطاة وجاهزة قبليا.
ـ أنّ للذات ''جذر ميتافيزيقي'' بحيث تكون الماهية سابقة للوجود ومحدّدة له.
ـ أنّ اعتبار الذات معطى يعكس تمثّلا معيّنا للآخر بما هو كلّ ما هو مغاير للذات و مختلف عنها إذ يمكن أن يحمل على معنى ذات فردية أو جماعية بحيث يكون:
ـ الآخر مرميّ خارج جاهزية الذات وامتلائها.
ـ الغير يمثل عرضا وعائقا يجب تجاوزه من أجل إدراك الوحدة.
Zأنّ هذه المسلّمات تعكس بنية فكر بسيط قائم على الاختزال والتبسيط.
ج ـ التبعات:
ـ عزل الإنسان عن واقع الفعلي و التعالي على الآخر.
ـ النرجسية والاعتداد بالذات إلى حدّ التقوقع والعزلة.
ـ الفقر الأنطولوجي لانعدام التواصل والتفاهم.
ـ اعتقاد الذات في امتلاك حقيقة العالم باعتبارها سيّدة العالم و مالكة له.
Zهذه التبعات تشرّع لتأكيد أنّ الذات ليست معطى و إنّما مشروع تحقّق تاريخي.
2 ـ العودة إلى الأطروحة القائلة بأنّ الذات مشروع تحقّق:
أ ـ اعتبار الذات مشروع تحقّق يفيد أنّها:
ـ كيان منفتح على إمكانات لامتناهية.
ـ كيان ينمو و يتحقّق وفق مسار تاريخي.
ـ بنية مركّبة تتفاعل فيها جملة من الأبعاد.
ب ـ اعتبار الذات مشروع تحقّق ينبني على التسليم بـ:
ـ أنّ الإنسان كائن تاريخي.
ـ أنّ الإنسانيّ في الإنسان نتاج اجتماعي
وتاريخي.
ـ أنّ إنسانية الإنسان مكسب وإنجاز يتحقّق مع الآخرين وبهم.
ـ أنّ للذات جذر أنطولوجي بحيث يكون الوجود سابقا للماهية ومحدّدا لها بما يفيد أنّ الذات صانعة مصيرها وماهيتها المأمولة.
ـ أنّ اعتبار الذات مشروع تحقّق يعكس تمثّلا معيّنا للآخر:
ـ الآخر ضرورة للتحقّق الأنطولوجي و المعرفي و القيمي.
ـ الغير مكوّن أساسي من مكوّنات الذات فلا يكون لها وجود إلاّ معه و لا قدرة لها على التحقّق دونه و خارج التواصل معه.
ج ـ التبعات:
ـ وصل الذات بعالمها الفعلي ومحايثتها له والتحرّر من التعالي والنرجسية ومحايثة الذات لعالمها.
ـ ذاتية متبادلة تقيم علاقات تواصل مع الآخرين.
ـ منح وجود الذات و وجود الآخر معنى.
**النقاش:
* المكاسب:
ـ مكسب أنتروبولوجي: تحرير الإنسان من الأوهام التي يحملها حول ذاته و اقتران حقيقته بالوحدة
والبساطة.
ـ مكسب أنطولوجي: دحض النظرة الأحادية الجانب التي تختزل الذات في كونها ماهية محدّدة سلفا أو طبيعة ثابتة مفرغة من كلّ غيرية إذ لا إمكان للتحقّق إلاّ في عالم الآخرين و معهم.
ـ مكسب معرفي: الوعي بمخاطر الفكر البسيط و ضرورة التحرّر من سلطانه والعمل على تغيير بنية التفكير والذكاء من أجل أن يظلّ الفهم ممكنا.
ـ مكسب ايتيقي: الانفتاح على الآخر والتواصل معه من أجل تكثيف إمكانات التحقّق معا. بالنظر إلى أنّ الحرّية هي الوجه الآخر للمسؤولية بماهي مسؤولية كونية تجاه الذات والآخر.
* الحدود:
ـ تنسيب دور الآخر في تحقّق الذات كمشروع إنساني إذ يمكن التظنّن عليه باعتبار أنّ الآخر يمكن أن يتحوّل من مجال للتحقّق إلى فضاء يستهدف هذا التحقّق:
ـ يمكن للآخر أن يكون عائقا أمام تحقّق وعي الذات بذاتها ومعرفتها لذاتها حين يتمظهر في صورة تعطّل حركة الوعي و في ممارسة قائمة على الإخفاء والتمويه معتمدة المغالطة في الخطاب قاصدة التأثير في التصوّرات لإرباك طريقة التفكير بما يقف حائلا دون إدراك حقيقة الذات ووعيها بذاتها..
ـ يمكن للآخر أن يتحوّل إلى هيمنة تستهدف سحق الذات وتدميرها والحيلولة دون استنارتها حين يعمل على فرض سلطته لتبقى الذات في حالة تبعية عمياء أو حين يعمل على تظليلها ليتحوّل إلى وصاية تدعو إلى عدم التفكير باعتباره أمر مرهق وخطير.
ـ يمكن للآخر أن يتعامل مع غيره من الذوات بوصفها مواضيع و مجرّد أدوات إنتاج لا تختلف عن بقيّة الأدوات والأشياء والنظر إلى الأجساد بوصفها مجرّد سلع لتحقيق الأرباح حين توظّف في إطار الإشهار الاقتصادي والاستثمار السياسي أو ما يسمّيه فوكو بالتكنولوجيا السياسية للجسد، وهو ما يكشف هيمنة عقل أداتي يموضع البشر ويعاملهم كوسائل وليس كغايات بما ينتهي إلى تكريس علاقات أساسها الصراع والعنف.
ـ يمكن للآخر الجماعي أن يتحوّل إلى تأثير سلبي كان قد عبّر عنه هيدغير
''باستبداد الهُم''. فهذا '' الهم '' يفرض على الذات أنماطا سائدة من التفكير والأحكام والإحساس والتذوّق فيستنزفها ويستهدف خصوصيتها وفرادتها فلا تستطيع التحقّق فعلا كمشروع إنساني وايتيقي.
ـ الحذر من أن يكون التحقّق في عالم الآخرين نسيانا للذات وضياعا لها (أنّ الدعوة للآخر وايتيقا الآخر قد تكون دعوة خطيرة على الذات. فمن يكون هذا الآخر؟ ).
الخاتمة:
|
الرجاء إعادة نشر هذه المساهمة كما وردت في نسختها الأصلية التي تحمل توازيا واضحا بين التخطيط و التوجيهات المنهجية بما يمكّن القارئ من الاستفادة فعليا و شكرا ( علي عطي )
ردحذفعمل رائع على المستوى البيداغوجي و المعرفي و المنهجي ... ألف شكر
ردحذفits ver y Nice
ردحذف